ربيع أحمد سيد
New member
هل يحتفل المسلم برأس السنة الميلادية؟
المقدمة:
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اعتاد كثير من أبناء المسلمين تقليدَ أهل الكفر المشركين في الاحتفال بيوم رأس السَّنة الميلادية، وكأنه عيد للمسلمين، بل يحتفلون به أكثر مما يحتفلون بعيدَي الإسلام، الفِطر والأضحى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا الاحتفال فيه مُشابهة لأهل الكفر في الاحتفال بما يحتفلون به، وقد نُهينا عن مُشابهتهم والتشبُّه بهم فيما هو من خصائصهم؛ والأعياد من أخصِّ الشرائع.
وهذا الاحتفال فيه تشريع عيد لم يأذَن به الله؛ فالله شرَع لنا عيدين - الفِطر والأضحى- وأبْدَلنا بأعياد الجاهلية عِيدين، فكيف نشرع عيدًا زائدًا من عند أنفسنا؟!
والبعض يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة احتفالٌ وليس عيدًا، والبعض يدَّعي أن الأعياد من قبيل العادات، والأصل في العادات الإباحة، والبعض يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة وإن كان النصارى هم الذين سَنُّوه، فلم يعُد هذا العيد من خصائصهم، فلا بأس بالاحتِفال به؛ ولذلك أردتُ بهذه الكلمة التنبيه على حُرْمة مِثل هذا الاحتفال، والرد على مَن أجازَه، والله المستعان.
مفهوم العيد:
العيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتِقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه؛ وقيل: اشتِقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد لزِم البَدَل، ولو لم يَلزَم لقيل: أعواد؛ كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود، وعيَّد المسلمون: شهِدوا عيدهم؛ قال العَجَّاج يصِف الثور الوحشي:
فجعل العيد من عاد يعود؛ قال: وتَحوَّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين، وتصغير عيد عُيَيْد، ترَكوه على التغيير، كما أنهم جمَعوه أعيادًا، ولم يقولوا: أعوادًا؛ قال الأزهري: والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العِوْد، فلما سكنت الواو وانكسَر ما قبلها صارت ياء، وقيل: قُلبت الواو ياء ليفرِّقوا بين الاسم الحقيقي وبين المصدري.
قال الجوهري: إنما جمِع أعياد بالياء للزومها في الواحد، ويقال للفَرْق بينه وبين أعواد الخشب، ابن الأعرابي: سُمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة بفرَحٍ مُجدَّد[1].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العيد اسم لِما يَعود من الاجتِماع العام على وجه مُعتاد، عائد: إما بعَوْد السنة، أو بعَود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك"[2].
سبب تسمية العيد بهذا الاسم:
قال أبو الفضل بن عياض: "سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود ويتكرَّر لأوقاته، وقيل: يعود به الفَرح على الناس، وكلاهما مُتقارِب المعنى، وقيل: تفاؤلاً؛ لأنه يعود ثانية على الإنسان"[3].
وقال ابن عابدين: "سمِّي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله - تعالى - فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان، العائدةَ على عباده في كل عام، منها: الفِطر بعد المنع عن الطعام، وصَدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحُبور غالبًا بسبب ذلك"[4].
وقال علي القاري:"قيل: إنما سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة، وهو مُشتقٌّ من العِوْد، فقلبت الواو ياءً؛ لسكونها وانكسِار ما قبلها، وفي الأزهار: كل اجتماع للسرور، فهو عند العرب عيدٌ؛ لعَود السرور بعَوده، وقيل: لأن الله - تعالى - يعود على العباد بالمغفرة والرحمة؛ ولذا قيل: ليس العيد لمَن لبِس الجديد، إنما العيد لمن أمِن الوعيد، وجمْعه أعياد، وإن كان أصله الواو لا الياء؛ للزُومها في الواحد، أو للفَرق بينه وبين أعواد الخشب"[5].
رأس السنة عيد والعبرة بالحقائق:
بعض الناس يتوهَّم أن رأس السنة ما هو إلا مجرد احتفال كل عام بمناسبة انتهاء السنة الميلادية، وأن هذا مُباح؛ كالاحتفال بالعُرس وبالتخرُّج وبالنجاح وبقدوم الغائب، وهذا غير مُسلَّم؛ إذ فرْق بين الاحتفال لحَِدَث عارِض وبين تَكرُّر الاحتفال لِحَدَث متكرر؛ فتكرُّر الاحتفال بحدَثٍ داخلٌ في مسمَّى العيد؛ لأن تكرُّر الاحتفال بحَدث يتكرَّر كل سنة بفرح مجدَّد، ويعود كل سنة بفرح مجدَّد، فكيف لا يُسمَّى الاحتفال برأس السنة عيدًا؟!
أعياد المسلمين اثنان لا ثالث لهما، ولا يجوز إحداث عيد آخر.
أعياد المسلمين عِيدان لا ثالث لهما، ألا وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، والدليل على ذلك عن أنس بن مالك قال: "كان لأهل الجاهلية يومانِ في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: ((كان لكم يومان تلعبون فيهما، قد أبدَلكم الله بهما خيرًا منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى))[6].
وهذا الحديث يدُلُّ على أن اللهَ أبدَلنا بأعياد الجاهلية عيدين لا ثالث لهما؛ عيدَي الفطر والأضحى، فكيف نجمع بين عيدَي الإسلام وأعياد الجاهلية؟! والإبدال من الشيء يقتضي ترْكَ المبدَل منه؛ إذ لا يُجمَع بين البدل والمُبدَل منه؛ ولهذا لا تُستعمَل هذه العبارة إلا فيما تُرِك اجتماعهما[7].
ومن الأمثلة على عدم جواز اجتماع البدل والمُبدَل منه قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ [النساء: 2]، فهل يجوز الجمع بين الخبيث والطيب؟!
ومِن الأمثلة على عدم جواز اجتِماع البَدَل والمُبدَل منه؛ ما جاء في أن المؤمنَ تقول له الملائكة في قبره: ((انظر إلى مقعدك في النار قد أبدَلَك اللهُ مقعدًا في الجنة، فيراهما جميعًا))[8]، فهل يجتمع رؤية مقعد المؤمن في الجنة، ومقعده في النار إلى يوم القيامة، أم سيرى مقعده في الجنة إلى يوم القيامة بعد أن يرى مقعده من النار ليزداد شكرًا لله؟!
ولا يتوقف الأمر على مسألة عدم جواز اجتماع العيد البدل والعيد المبدَل منه، بل في اجتماع عيدَي الإسلام وأعياد الجاهلية، اجتماع الذي هو شرٌّ بالذي هو خير، وكيف يَسوغ للإنسان الجمعُ بين ما هو خير وما هو شر؟!
ولا يُقال: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:((خيرًا منهما)) يدلُّ على اشتراك عيدَي الإسلام وعيدَي الجاهلية في الخير؛ إذ لفظة "خير" - وإن كانت صيغةَ تفضيل بمعنى أَخْيَر - فلا مُشاركة بين عيدَي الإسلام وعيدَي الجاهلية في الخير، بدليل أن اليومين الجاهليين لم يُقِرَّهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ترَكهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدَلَكم بهما يومين آخرين، وإنما جاز ذلك؛ لِما في لفظة (خير) من الشياع وتشعُّب الوجوه.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، والمعنى: لكان خيرًا لهم مما هم عليه؛ لأنهم إنما آثَروا دينَهم على دين الإسلام؛ حبًّا في الرئاسة واستِتباع العوام، فلهم في هذا حظ دُنيوي، وإيمانهم يحصُل به الحظ الدنيوي من كونهم يَصيرون رؤساءَ في الإسلام، والحظ الأخروي الجزيل بما وُعِدوه على الإيمان من إيتائهم أجرَهم مرتين.
وقال ابن عطية: ولفظة خير صيغة تفضيل، ولا مشاركة بين كُفْرهم وإيمانهم في الخير، وإنما جاز ذلك لِما في لفظة خير من الشياع وتَشعُّب الوجوه، وكذلك هي لفظةُ أفضل وأحب وما جرى مَجراها [9]، والمراد بالخيرية في زعْمهم[10] - أي على فرْض - أن ما زعَموه خيرٌ.
وقوله - تعالى - في قصة شعيب مع قومه: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85].
و(خير) أفعل التفضيل، أي: الإيفاء بالكَيل والمِيزان خيرٌ لكم من التطفيف والبَخس والإفساد على زعْمكم أن في ذلك خيرًا؛ لأن (خيرية) ذلك لكم عاجِلة جدًّا، مُنقضية عن قريب منكم؛ إذ يقطَع الناسُ معاملتَكم ويَحذَرونكم، فإذا أوفيتُم وتركتُم البَخس والإفساد، حسُنت سيرتكم، وقصَدَكم الناس بالتِّجارات، فيكون ذلك أخير مما كنتم تفعلون؛ لديمومة التعامل بالعدل في المعاملات.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: ((وقد أبدَلَكم اللهُ بهما خيرًا منهما)) لَمَّا سألهم عن اليومين، فأجابوه: إنهما يومانِ كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية؛ دليل على أنه نَهاهم عنهما؛ اعتياضًا بيومي الإسلام؛ إذ لولم يقصِد النهيَ لم يكن لذِكر هذا الإبدال مناسبة.
وهذا الحديث يُبيِّن أن الواجب على المسلمين أن يَستغنوا في الأعياد بما أغناهم الله به، ويَكتفوا بهذه الأعياد التي شرَعها الله لهم عن أعياد الأمم الأخرى.
وإذا كان النهي عن الفرحة بعيدًا كان موجودًا عندهم، فمن باب أَولى أو من قياس المساواة يجب عدم إحداث عيدٍ لم يكن موجودًا.
[1] لسان العرب؛ لابن منظور (3/319)، فصل العين المُهمَلة.
[2] اقتِضاء الصراط المستقيم لمخالَفة أصحاب الجحيم؛ لابن تيمية (1/496).
[3]مشارق الأنوار على صِحاح الآثار (2/105).
[4] حاشية ابن عابدين (2/165).
[5] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/1060).
[6] حديث صحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سُنن النَّسائي، رقم (1556).
[7] اقتِضاء الصراط المستقيم لمخالَفة أصحاب الجحيم (1/487).
[8] رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز؛ باب ما جاء في عذاب القبر، حديث رقْم (1374).
[9] البحر المحيط في التفسير (3/302).
[10] الدُّر المصون في علوم الكتاب المكنون (3/351).
المقدمة:
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اعتاد كثير من أبناء المسلمين تقليدَ أهل الكفر المشركين في الاحتفال بيوم رأس السَّنة الميلادية، وكأنه عيد للمسلمين، بل يحتفلون به أكثر مما يحتفلون بعيدَي الإسلام، الفِطر والأضحى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا الاحتفال فيه مُشابهة لأهل الكفر في الاحتفال بما يحتفلون به، وقد نُهينا عن مُشابهتهم والتشبُّه بهم فيما هو من خصائصهم؛ والأعياد من أخصِّ الشرائع.
وهذا الاحتفال فيه تشريع عيد لم يأذَن به الله؛ فالله شرَع لنا عيدين - الفِطر والأضحى- وأبْدَلنا بأعياد الجاهلية عِيدين، فكيف نشرع عيدًا زائدًا من عند أنفسنا؟!
والبعض يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة احتفالٌ وليس عيدًا، والبعض يدَّعي أن الأعياد من قبيل العادات، والأصل في العادات الإباحة، والبعض يدَّعي أن الاحتفال برأس السنة وإن كان النصارى هم الذين سَنُّوه، فلم يعُد هذا العيد من خصائصهم، فلا بأس بالاحتِفال به؛ ولذلك أردتُ بهذه الكلمة التنبيه على حُرْمة مِثل هذا الاحتفال، والرد على مَن أجازَه، والله المستعان.
مفهوم العيد:
العيد: كل يوم فيه جَمْع، واشتِقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه؛ وقيل: اشتِقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد لزِم البَدَل، ولو لم يَلزَم لقيل: أعواد؛ كريح وأرواح؛ لأنه من عاد يعود، وعيَّد المسلمون: شهِدوا عيدهم؛ قال العَجَّاج يصِف الثور الوحشي:
واعتاد أرباضًا لها آريُّ
كما يعود العيدَ نصرانيُّ
فجعل العيد من عاد يعود؛ قال: وتَحوَّلت الواو في العيد ياء لكسرة العين، وتصغير عيد عُيَيْد، ترَكوه على التغيير، كما أنهم جمَعوه أعيادًا، ولم يقولوا: أعوادًا؛ قال الأزهري: والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العِوْد، فلما سكنت الواو وانكسَر ما قبلها صارت ياء، وقيل: قُلبت الواو ياء ليفرِّقوا بين الاسم الحقيقي وبين المصدري.
قال الجوهري: إنما جمِع أعياد بالياء للزومها في الواحد، ويقال للفَرْق بينه وبين أعواد الخشب، ابن الأعرابي: سُمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة بفرَحٍ مُجدَّد[1].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العيد اسم لِما يَعود من الاجتِماع العام على وجه مُعتاد، عائد: إما بعَوْد السنة، أو بعَود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك"[2].
سبب تسمية العيد بهذا الاسم:
قال أبو الفضل بن عياض: "سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود ويتكرَّر لأوقاته، وقيل: يعود به الفَرح على الناس، وكلاهما مُتقارِب المعنى، وقيل: تفاؤلاً؛ لأنه يعود ثانية على الإنسان"[3].
وقال ابن عابدين: "سمِّي العيد بهذا الاسم؛ لأن لله - تعالى - فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان، العائدةَ على عباده في كل عام، منها: الفِطر بعد المنع عن الطعام، وصَدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحُبور غالبًا بسبب ذلك"[4].
وقال علي القاري:"قيل: إنما سمِّي العيد عيدًا؛ لأنه يعود كل سنة، وهو مُشتقٌّ من العِوْد، فقلبت الواو ياءً؛ لسكونها وانكسِار ما قبلها، وفي الأزهار: كل اجتماع للسرور، فهو عند العرب عيدٌ؛ لعَود السرور بعَوده، وقيل: لأن الله - تعالى - يعود على العباد بالمغفرة والرحمة؛ ولذا قيل: ليس العيد لمَن لبِس الجديد، إنما العيد لمن أمِن الوعيد، وجمْعه أعياد، وإن كان أصله الواو لا الياء؛ للزُومها في الواحد، أو للفَرق بينه وبين أعواد الخشب"[5].
رأس السنة عيد والعبرة بالحقائق:
بعض الناس يتوهَّم أن رأس السنة ما هو إلا مجرد احتفال كل عام بمناسبة انتهاء السنة الميلادية، وأن هذا مُباح؛ كالاحتفال بالعُرس وبالتخرُّج وبالنجاح وبقدوم الغائب، وهذا غير مُسلَّم؛ إذ فرْق بين الاحتفال لحَِدَث عارِض وبين تَكرُّر الاحتفال لِحَدَث متكرر؛ فتكرُّر الاحتفال بحدَثٍ داخلٌ في مسمَّى العيد؛ لأن تكرُّر الاحتفال بحَدث يتكرَّر كل سنة بفرح مجدَّد، ويعود كل سنة بفرح مجدَّد، فكيف لا يُسمَّى الاحتفال برأس السنة عيدًا؟!
أعياد المسلمين اثنان لا ثالث لهما، ولا يجوز إحداث عيد آخر.
أعياد المسلمين عِيدان لا ثالث لهما، ألا وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، والدليل على ذلك عن أنس بن مالك قال: "كان لأهل الجاهلية يومانِ في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة قال: ((كان لكم يومان تلعبون فيهما، قد أبدَلكم الله بهما خيرًا منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى))[6].
وهذا الحديث يدُلُّ على أن اللهَ أبدَلنا بأعياد الجاهلية عيدين لا ثالث لهما؛ عيدَي الفطر والأضحى، فكيف نجمع بين عيدَي الإسلام وأعياد الجاهلية؟! والإبدال من الشيء يقتضي ترْكَ المبدَل منه؛ إذ لا يُجمَع بين البدل والمُبدَل منه؛ ولهذا لا تُستعمَل هذه العبارة إلا فيما تُرِك اجتماعهما[7].
ومن الأمثلة على عدم جواز اجتماع البدل والمُبدَل منه قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ [النساء: 2]، فهل يجوز الجمع بين الخبيث والطيب؟!
ومِن الأمثلة على عدم جواز اجتِماع البَدَل والمُبدَل منه؛ ما جاء في أن المؤمنَ تقول له الملائكة في قبره: ((انظر إلى مقعدك في النار قد أبدَلَك اللهُ مقعدًا في الجنة، فيراهما جميعًا))[8]، فهل يجتمع رؤية مقعد المؤمن في الجنة، ومقعده في النار إلى يوم القيامة، أم سيرى مقعده في الجنة إلى يوم القيامة بعد أن يرى مقعده من النار ليزداد شكرًا لله؟!
ولا يتوقف الأمر على مسألة عدم جواز اجتماع العيد البدل والعيد المبدَل منه، بل في اجتماع عيدَي الإسلام وأعياد الجاهلية، اجتماع الذي هو شرٌّ بالذي هو خير، وكيف يَسوغ للإنسان الجمعُ بين ما هو خير وما هو شر؟!
ولا يُقال: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:((خيرًا منهما)) يدلُّ على اشتراك عيدَي الإسلام وعيدَي الجاهلية في الخير؛ إذ لفظة "خير" - وإن كانت صيغةَ تفضيل بمعنى أَخْيَر - فلا مُشاركة بين عيدَي الإسلام وعيدَي الجاهلية في الخير، بدليل أن اليومين الجاهليين لم يُقِرَّهما النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ترَكهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدَلَكم بهما يومين آخرين، وإنما جاز ذلك؛ لِما في لفظة (خير) من الشياع وتشعُّب الوجوه.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، والمعنى: لكان خيرًا لهم مما هم عليه؛ لأنهم إنما آثَروا دينَهم على دين الإسلام؛ حبًّا في الرئاسة واستِتباع العوام، فلهم في هذا حظ دُنيوي، وإيمانهم يحصُل به الحظ الدنيوي من كونهم يَصيرون رؤساءَ في الإسلام، والحظ الأخروي الجزيل بما وُعِدوه على الإيمان من إيتائهم أجرَهم مرتين.
وقال ابن عطية: ولفظة خير صيغة تفضيل، ولا مشاركة بين كُفْرهم وإيمانهم في الخير، وإنما جاز ذلك لِما في لفظة خير من الشياع وتَشعُّب الوجوه، وكذلك هي لفظةُ أفضل وأحب وما جرى مَجراها [9]، والمراد بالخيرية في زعْمهم[10] - أي على فرْض - أن ما زعَموه خيرٌ.
وقوله - تعالى - في قصة شعيب مع قومه: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85].
و(خير) أفعل التفضيل، أي: الإيفاء بالكَيل والمِيزان خيرٌ لكم من التطفيف والبَخس والإفساد على زعْمكم أن في ذلك خيرًا؛ لأن (خيرية) ذلك لكم عاجِلة جدًّا، مُنقضية عن قريب منكم؛ إذ يقطَع الناسُ معاملتَكم ويَحذَرونكم، فإذا أوفيتُم وتركتُم البَخس والإفساد، حسُنت سيرتكم، وقصَدَكم الناس بالتِّجارات، فيكون ذلك أخير مما كنتم تفعلون؛ لديمومة التعامل بالعدل في المعاملات.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: ((وقد أبدَلَكم اللهُ بهما خيرًا منهما)) لَمَّا سألهم عن اليومين، فأجابوه: إنهما يومانِ كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية؛ دليل على أنه نَهاهم عنهما؛ اعتياضًا بيومي الإسلام؛ إذ لولم يقصِد النهيَ لم يكن لذِكر هذا الإبدال مناسبة.
وهذا الحديث يُبيِّن أن الواجب على المسلمين أن يَستغنوا في الأعياد بما أغناهم الله به، ويَكتفوا بهذه الأعياد التي شرَعها الله لهم عن أعياد الأمم الأخرى.
وإذا كان النهي عن الفرحة بعيدًا كان موجودًا عندهم، فمن باب أَولى أو من قياس المساواة يجب عدم إحداث عيدٍ لم يكن موجودًا.
[1] لسان العرب؛ لابن منظور (3/319)، فصل العين المُهمَلة.
[2] اقتِضاء الصراط المستقيم لمخالَفة أصحاب الجحيم؛ لابن تيمية (1/496).
[3]مشارق الأنوار على صِحاح الآثار (2/105).
[4] حاشية ابن عابدين (2/165).
[5] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/1060).
[6] حديث صحَّحه الألباني في صحيح وضعيف سُنن النَّسائي، رقم (1556).
[7] اقتِضاء الصراط المستقيم لمخالَفة أصحاب الجحيم (1/487).
[8] رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز؛ باب ما جاء في عذاب القبر، حديث رقْم (1374).
[9] البحر المحيط في التفسير (3/302).
[10] الدُّر المصون في علوم الكتاب المكنون (3/351).