هل "وقف التمام" هو "الوقف التام"؟

ايت عمران

New member
إنضم
17/03/2008
المشاركات
1,470
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المغرب
بسم1​
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ فقد انتشرت في القرن الثاني والثالث الهجريين كتب بمسمى "وقف التمام"، وكان أولها كتاب "وقف التمام" للإمام نافع بن عبد الرحمن المدني (ت 169هـ).
وبعد ذلك (أو بعيده) ظهر تقسيم الوقوف إلى مراتب، كالتام والكافي والحسن، وغيرها مما هو موجود في كتب الفن.
وعند استعراض ما وصل إلينا مما سماه الأقدمون "وقف التمام" نجد أن بعضا منه لا يتطابق مع ما اصطلح عليه بالوقف التام عند أصحاب المراتب، الأمر الذي جعل بعض الباحثين يستشكل، بل يُلزم المتقدمين باصطلاح المتأخرين!
فهل "وقف التمام" هو نفس "الوقف التام"، أم أن بينهما فرقا؟
وجدت إشارات عند بعض الباحثين مفادها أن وقف التمام عند المتقدمين أوسع من الوقف التام، ومنهم الدكتور محمد خليل الزروق في دراسته لكتاب العلامة ابن سعدان.
لكن الذي لفت نظري هو ما ذكره الدكتور الحسن وكاك في دراسته لتقييد وقف القرآن الكريم للشيخ الهبطي من التفريق بينهما بقوله:
"الوقف التام هو الوقف الذي لا تعلق له بما بعده لا لفظا ولا معنى، وهو قسم من أقسام الوقف ومرتبة عليا من مراتبه...
مذهب التمام في الوقف هو المذهب المبني على جودة المعنى، ويقابله الوقف على رؤوس الآي المشهور بالسني، وبين مذهب التمام في الوقف والوقف التام تقارب في المعنى، ومع ذلك فلكل منهما اصطلاح خاص".
وقال في موضع آخر:
"فالوقف التام يقابله الكافي والحسن والقبيح، ومذهب التمام في الوقف يقابله مذهب البيان على رؤوس الآي..."
(ينظر: تقييد قف القرآن الكريم ص 63، 71)
قلت: يؤيد هذا ما ذهب إليه العلامة ابن سعدان (ت 231هـ) في كتابه من تقسيمه الوقف إلى تمام، ويشمل التام والكافي والحسن، وإلى حسن، وهو عنده الوقف على رؤوس الآي.

فما رأي فضيلتكم؟ وهل من بسط لهذا المبحث؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وبعد؛
أشكر فضيلة الشيخ الدكتور ايت عمران على هذا الموضوع...
وبعد؛
***​
تَزخرُ مُصنَّفات الوقف والابتداء بعشرات المصطلحات، ورُبَّما كان الـمُختلف فيه منها أكثر من الـمُتَّفق عليه، يقول ابن الجزري (ت 833هـ): «وقد اصطلح الأئمة لأنواع أقسام الوقف والابتداء أسماء وأكثر في ذلك الشيخ أبو عبد الله محمد بن طيفور السجاوندي. وخرج في مواضع عن حدِّ ما اصطلحه واختاره...وأكثر ما ذكر الناس في أقسامه غير منضبط ولا منحصر» [النشر 1/178].
ويقول ابن الفرخان: «فأمَّا الأسماء التي اشتقوها للوقوف من الجودة والحسن والوضوح والكفاية وغير ذلك؛ فهي وإن كانت تدلُّ على فروق = فليست القسمة بها صحيحةً مُستوفاةً ممن استعملها، وفيها من قائليها من التشويش ما إذا شئت وجدته في كتبهم المصنفة في الوقوف»[المستوفى في النحو 2/289].
وهاتان العبارتان – على وجازتهما – ذكرتا أهمَّ إشكاليات الـمُصطلح في باب الوقف والابتداء؛ ومنها: كثرة الأسماء والـمُصطلحات مما يكثر فيه الترادف، فيكثر تبعًا لذلك الاضطراب، وأوَّلُ أسبابه أنَّ لكلِّ مُصنِّفٍ مُصطلحاتِه، أضفِ إلى ذلك أنَّ التطبيقَ لا يتنزَّل على الاصطلاحِ فقد يضطرب الواضحُ، ويزداد الـمُضطرب - عند التطبيق - اضطرابًا.

وقد كان لي - ولله الحمد والمنة - اجتهادٌ في دراسة باب الوقف والابتداء دراسة مصطلحية مستفيضة، ولعلَّه يكون – بإذن الله – عند تمامه في نحو ألف وخمسمائة صفحة، وقد أُنجز منه بعض بحوثٍ مفردة، منها ما هو قيد النشر، ومنها ما هو قيد التحكيم في بعض المجلَّات العلمية، نسأل الله القبول.
وتتبنَّى هذه الدراسة تقسيم الوقف والابتداء باعتبارين:
الأول: باعتبار حال القارئ، وليس هذا محلَّ بسطه وتفصيله.
الثاني: باعتبار حال المقروء (تمام المعنى).
فبالنظر إلى تمام المعنى ينقسم الكلام إلى:
تامِّ وناقص (وقد أجاد ابن الفرخان في الكلام عليهما في مستوفاه [2/ 257-290، وعنه نقل الزركشي في البرهان]. ويُضاف إليهما قسمٌ ثالثٌ هو البيان.
القسم الأول: فأمَّا إذا تمَّ الكلام وانقطع التعلُّق فهو التمام، وبعضه أتمُّ من بعضٍ – كما هو مقرَّر ومستفيضٌ عند علماء الفنّ – ولكنَّه على درجتين رئيستين: التامّ، والكافي.
القسم الثاني: الوقف الناقص: وهو ما تعلَّق فيه الكلام بعضه ببعضٍ تعلُّقًا لفظيًّا؛ وهو على درجات:
(أ‌-)))) )المفهوم: وقد اقتُرح هذا المصطلح بديلًا لمصطلح الحسن لأسباب كثيرةٍ؛ من أهمها: أنَّ لفظ (الحسن) لا ينسجم معناه اللغوي تمام الانسجام مع معناه الاصطلاحي، فمعناه اللغوي أوفر من معناه الاصطلاحي بكثير. وقد يصف بعض العلماء أحد الوقوف التامَّة بالحُسن، وهو يقصد الحسن اللغوي لا الاصطلاحي؛ فيحدث اللبس. وفي كلام العلماء ما يدلُّ على ذلك، ولعلي أبسطه في مشاركة أخرى بإذن الله.
(ب‌-))))) الغامض: وهو ما لا يفيد معنى؛ كالوقف على (الحمد) من قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين).
ت‌- الفاسد: وهو ما يُفيد معنى فاسدًا غير مقصود، كالوقف على (لا يسبتون) من قوله تعالى: (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعًا ويوم لا يسبتون* لا تأتيهم) ولا يخفى ما فيها من فساد.
ث‌- القبيح: ما يفيد معنى قبيحًا؛ كالوقف على (لا إله) من قوله: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) ونحو ذلك.
فكلُّ هذه الأقسام الأربعة مندرجة تحت الوقف الناقص الذي هو بخلاف الوقف التامِّ (يدخل معه الكافي) وهو ما عبَّر عنه القدامى بالتمام كيعقوب وأبي حاتم والنحاس وغيرهم، وهذا كثير في عبارتهم.
وأمَّا وقف البيان فهو تامُّ من وجهٍ وناقصٌ من وجهٍ، على تفصيلٍ وبسطٍ.
والحمد لله ربِّ العالمين.
 
بارك الله فيكم يا دكتور
تطرقتم إلى الموضوع في قولكم:

فكلُّ هذه الأقسام الأربعة مندرجة تحت الوقف الناقص الذي هو بخلاف الوقف التامِّ (يدخل معه الكافي) وهو ما عبَّر عنه القدامى بالتمام كيعقوب وأبي حاتم والنحاس وغيرهم، وهذا كثير في عبارتهم.
ولو وضحتم هذه الفكرة أكثر لكنت لكم من الشاكرين.
 
أقول: أكثر ما يأتي التمام في لفظ أبي جعفر النحاس ومَن ينقل عنهم – إن كان ينقل عنهم باللفظ – فهو يريد به التامّ؛ والمصطلحان يتعاقبانِ على مفهومٍ واحدٍ، ولا عجب فذا مصدر، وذا اسم فاعلٍ.
فمن ذلك:
قال أبو جعفر: «وهذا الكتاب نذكر فيه التمام في القرآن العظيم وما كان الوقف عليه كافيًا أو صالحًا وما يحسن الابتداء به وما يتجنب من ذلك» [1/19].
وقال قبل الشروع في سورة الأنعام :« قد ذكرنا ما تقدم من السور على تقص وشرح فكان في ذلك دليل على كثير مما يرد من القطع التام والحسن والكافي والصالح فقس على ذلك» [1/188].
وقال: " .... والقول الثاني أنَّ القطع على (الم) [البقرة:1] كافٍ، وليس بتمام، والقول الثالث: أنَّ القطع عليها ليس بتمام ولا كافٍ..." [1/41].
وقال: " (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) قال الأخفش سعيد ويعقوب: هذا التمام، قال الأخفش: لو وقف على (قلوبهم) كان أيضًا تامًّا" [1/47]، فتعاقبَ المصطلحان على مفهومٍ واحدٍ كما هو واضح.
وقال ناقلًا عن أبي حاتم: " قال أبو حاتم: (وإذا قيل لهم ءامنوا كما ءامن الناس قالوا أنؤمن كما ءامن السفهاء)؛ وقف كافٍ، والتمام: (ولكن لا يعلمون). قال أبو جعفر: وهذا قريبٌ مما قبله" [1/50].
وقال: " قال أبو حاتم: الوقف الكافي: (وهو محرم عليكم إخراجهم)، وكذا عنده: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) وكذا: (إلا خزي في الحياة الدنيا)، وكذا: (إلى أشدِّ العذاب)، وقال (يعني أبا حاتم): والتمام: (وما الله بغافل عما تعملون)، بالتاء والياء. قيل غلط أبو حاتم في هذا؛ لأنه ليس بتمام، ولو قال هو كافٍ لصلح. والدليل على أنه ليس بتمام؛ لأنَّ ما بعده صفة لما قبله، وهو (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة)، والتمام: (ولا هم ينصرون) ثم الوقف الحسن عند أبي عبد الله: (استكبرتم)، وقال الأخفش: التمام (ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون)، قال: لأن المعنى استكبرتم فقتلتم. والذي قال حَسنٌ [يقصد أنَّه قولٌ حسنٌ لا وقفٌ حسنٌ]، ثم الوقف الحسن: (فقليلًا ما يؤمنون) [1/75].
وهذا كثيرٌ جدًّا في القطع والائتناف.
فالتامُّ والتمام عندهم شيءٌ واحدٌ، وهو غير الكافي، ولكنّ التمام الذي هو ضدُّ النقصان يدخل فيه الكافي وقد يُستأنس لذلك بوصفهم التمام بالكفاية فيقولون: (تامٌّ كافٍ)، أو: (ومن التمام الكافي ...). ولقائلٍ أن يقول: إنَّ ذلك كان قبل استقرار الاصطلاح، أو يقول: إنَّ الوقوف الموسومة بذلك قد تكون تامَّة من وجهٍ وكافية من وجهٍ. وهذا كله متوجَّهٌ، والله أعلم.
وقال النحاس: «ونذكر بعده باب ما يحتاج إليه من حقق النظر في التمام ...ولست أعلم أحدًا من الأئمة الذين أخذت عنهم القراءة له كتابٌ مفردٌ في التمام إلا نافعًا ويعقوب فإني وجدت لكل واحدٍ منهما كتابًا في التمام».
وأمَّا وصفهم بعض الوقوف بالحسن وإرادتهم الحسن اللغوي؛ فمنه قول النحاس:
ولهم عذاب عظيم [البقرة: 7] تمام حسن. [1/48].
وقال: " (بما كانوا يكذبون) قطع حسنٌ أيضًا؛ أي: يكذبون في قولهم ءامنا [1/50].
وقال: قال الأخفش: (تلك أمة قد خلت) هذا التمام، وقال أبو حاتم: (لها ما كسبت) هذا الوقف الكافي الحسن، (ولكم ما كسبتم) وقف مفهوم [ 1/ 84].
وقال: " (الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم) وقفٌ كافٍ عند الأخفش؛ قال: استأنف (ويتفكرون) قال أبو جعفر: إن جعلت (ويتفكرون) معطوفًا على (يذكرون) أو على (قيامًا) لم يحسن الوقف على ما قبله [1/142].
وأمَّا مذهب التمام الذي هو ضد البيان؛ فيقصد أنه أحد المذاهب الثلاثة في الوقف على رءوس الآي التي لم يتمَّ عليها المعنى وفيه:يتحرَّى القارئ التمام فيجاوز رأس الآية التي لم يتمَّ عليه المعنى، طلبًا للتمام في الآية التي تليها. بخلاف مذهب الوقف لبيان الفواصل (وقف البيان؛ كما أسماه الجعبري، وقال القسطلاني موضحًا: يعني وقف بيان الفواصل) الذي يتحرَّى فيه القارئ رأس الآية وإن لم يتمَّ المعنى عليه؛ لأنَّ فيه اتباعًا للسنة كما ورد بذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها.
ولعلَّ هذا التخصيصَ المصطلحيَّ الذي قال به فضيلة الدكتور الحسن وكاك اجتهادٌ شخصيٌّ منه، وهو - على كلٍّ - اجتهاد محمودٌ وجيهٌ؛ بشرط الإضافة؛ فيقال:(مذهب التمام) ، و(مذهب البيان).
والله أعلم
 
عودة
أعلى