إبراهيم الحميضي
Member
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
هل هناك فرق بين الاختيار والترجيح في التفسير؟
قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أذكر تعريف الاختيار والترجيح على وجه الاختصار .
تعريف الاختيار :
الاختيار لغة : قال ابن فارس: " الخاء , والياء , والراء , أصله العطف , والميْل , ثمَّ يحمل عليه , فالخير خلافُ الشر , لأن كلَّ أحد يميل إليه ويعطف على صاحبه " ([1]) .
وقال بعض أهل اللغة : " الاختيار : هو طلب ما هو خير , وفعله .
وقال بعضهم : الاختيار : الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر , كأن المختار ينظر إلى الطرفين , ويميل إلى أحدهما " ([2]) .
والاختيارُ : الاصطفاء([3]) , وخار الشيءَ واختاره : انتقاه([4]) .
وفي الاصطلاح : ترجيح الشيء , وتخصيصه , وتقديمه على غيره([5]) .
تعريف الترجيح :
الترجيح لغة : قال ابن فارس : " الراء , والجيم , والحاء : أصل واحد , يدلُّ على رَزَانةٍ , وزيادةٍ , يقال : رَجَحَ الشيء , وهو راجح , إذا رَزَن ,وهو من الرجحان " ([6]) .
ويقال : أرْجَحَ الميزان : أي أثقله حتى مال , وأرجحت لفلان , ورجَّحتُ ترجيحاً , إذا أعطيته راجحاً([7]) .
ومن تعريفاته عند الأصوليين : " تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل " ([8]) .
وقال بعضهم : بيان اختصاص الدليل بمزيد قوَّة عن مقابله ليعمل بالأقوى([9]) .
والاختيار والترجيح في التفسير بمعنى واحد , والمراد بهما : تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية , وتقديمه على غيره , لدليل .
وقد فرَّق بينهما بعض الباحثين([10]) , فجعل الترجيح تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية على غيره لدليل , أو تضعيف , ما سواه من الأقوال .
والاختيار : الميْل إلى أحد الأقوال في تفسير الآية ، مع تصحيح بقية الأقوال .
ولم أرَ من فرَّق بينهما من المتقدمين , بل إنهم يوقعون أحدهما بمعنى الآخر ، ويعبرون بهما معا في بعض المواضع([11]) , والتعريف اللغوي يعضد ذلك ؛ فإن الميل إلى أحد الأقوال يقتضي تضعيف غيره ، بغض النظر عن درجة التضعيف ؛ إذْ لو كان القولان متساويين عند الناظر فيهما لم يختر ، أو يرجح أحدَهما , بل يتوقف .
نعم الاختيار والترجيح درجات([12]) , فأحياناً يقطع المفسَّر بصواب أحد الأقوال , ورجحانه على غيره , ويبطل ما سواه أو يضعَّفها تضعيفاً شديداً , وأحياناً لا يتوفر له من الأدلة ما يجعله يقطع بصوابه وصحته , ولا يقوم بأدلة الأقوال الأخرى من الضَّعفِ ما يجعلها غير معتبرة , ولكنْ عند الموازنة تَرْجِحُ كفَّةُ أحد الأقوال , وهذا هو الترجيح.
وقد درج على عدم التفريق بين هذين المصطلحين الفقهاء والنحويون وغيرهم .
ويمكن للإخوة الذين يبحثون في دراسة أقوال وترجيحات المفسرين أن يقوموا باستقراء مناهج المفسرين في هذا الباب ويفيدونا .
-----------------------------
([1]) معجم مقاييس اللغة 1/232 ؛ مادة (خير) .
([2]) الكليات للكفوي ص62 .
([3]) الصحاح للجوهري 2/652 مادة (خير) .
([4]) لسان العرب 4/257 مادة (خير) .
([5]) كشاف اصطلاحات الفنون للتهاوني 1/119
([6]) معجم مقاييس اللغة 2/489 مادة ( رَجَحَ ) .
([7]) انظر : لسان العرب 5/142 , والقاموس المحيط 4/616 مادة (رجح) .
([8]) شرح الكوكب المنير 4/616 , وانظر : التعارض والترجيح للبرزنجي 1/78 .
([9]) البحر المحيط للزركشي 6/130 .
([10]) وهو الدكتور حسين الحربي في ترجيحات ابن جرير في التفسير ص66 , وتبعه آخرون .
([11]) أما تعبيرهم عن القول الراجح الذي قد ضعِّف غيره بأنه اختيار فهو كثير جداً ، انظر على سبيل المثال : تفسير ابن كثير 4/563 , الناسخ والمنسوخ للنحاس 2/540 , , وتفسير القرطبي 15/67 , تفسير ابن جزي2/ 269والشوكاني4/650 وتفسير الألوسي 24/135 , ومن أمثلة إطلاقهم الترجيح على الاختيار الذي ليس فيه إشارة إلى تضعيف بقية الأقوال ما ذكره ابن كثير 1/188 , في تفسير قوله تعالى : حيث ذكر الأقوال في معنى ثم قال عن القول الأخير : " وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره " , وحينما نذهب إلى ابن جرير نجد أنه يقول في تفسيره لهذا الموضوع 1/406 : " ولكلًّ مما قيل من هذه الأقوال التي حكينا وجه ومخرج في كلام العرب , غير أن أعجب الأقوال إلىَّ في ذلك ما قلناه أولاً ... " وأحينا يعبرون بقولهم المختار الراجح ، ونحو ذلك من العبارات ، انظر تفسير ابن عطية 9/ 304 ، والرازي 4/ 133.
([12]) انظر مقدمة تفسير ابن جُزي ص 1/4
هل هناك فرق بين الاختيار والترجيح في التفسير؟
قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أذكر تعريف الاختيار والترجيح على وجه الاختصار .
تعريف الاختيار :
الاختيار لغة : قال ابن فارس: " الخاء , والياء , والراء , أصله العطف , والميْل , ثمَّ يحمل عليه , فالخير خلافُ الشر , لأن كلَّ أحد يميل إليه ويعطف على صاحبه " ([1]) .
وقال بعض أهل اللغة : " الاختيار : هو طلب ما هو خير , وفعله .
وقال بعضهم : الاختيار : الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر , كأن المختار ينظر إلى الطرفين , ويميل إلى أحدهما " ([2]) .
والاختيارُ : الاصطفاء([3]) , وخار الشيءَ واختاره : انتقاه([4]) .
وفي الاصطلاح : ترجيح الشيء , وتخصيصه , وتقديمه على غيره([5]) .
تعريف الترجيح :
الترجيح لغة : قال ابن فارس : " الراء , والجيم , والحاء : أصل واحد , يدلُّ على رَزَانةٍ , وزيادةٍ , يقال : رَجَحَ الشيء , وهو راجح , إذا رَزَن ,وهو من الرجحان " ([6]) .
ويقال : أرْجَحَ الميزان : أي أثقله حتى مال , وأرجحت لفلان , ورجَّحتُ ترجيحاً , إذا أعطيته راجحاً([7]) .
ومن تعريفاته عند الأصوليين : " تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل " ([8]) .
وقال بعضهم : بيان اختصاص الدليل بمزيد قوَّة عن مقابله ليعمل بالأقوى([9]) .
والاختيار والترجيح في التفسير بمعنى واحد , والمراد بهما : تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية , وتقديمه على غيره , لدليل .
وقد فرَّق بينهما بعض الباحثين([10]) , فجعل الترجيح تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية على غيره لدليل , أو تضعيف , ما سواه من الأقوال .
والاختيار : الميْل إلى أحد الأقوال في تفسير الآية ، مع تصحيح بقية الأقوال .
ولم أرَ من فرَّق بينهما من المتقدمين , بل إنهم يوقعون أحدهما بمعنى الآخر ، ويعبرون بهما معا في بعض المواضع([11]) , والتعريف اللغوي يعضد ذلك ؛ فإن الميل إلى أحد الأقوال يقتضي تضعيف غيره ، بغض النظر عن درجة التضعيف ؛ إذْ لو كان القولان متساويين عند الناظر فيهما لم يختر ، أو يرجح أحدَهما , بل يتوقف .
نعم الاختيار والترجيح درجات([12]) , فأحياناً يقطع المفسَّر بصواب أحد الأقوال , ورجحانه على غيره , ويبطل ما سواه أو يضعَّفها تضعيفاً شديداً , وأحياناً لا يتوفر له من الأدلة ما يجعله يقطع بصوابه وصحته , ولا يقوم بأدلة الأقوال الأخرى من الضَّعفِ ما يجعلها غير معتبرة , ولكنْ عند الموازنة تَرْجِحُ كفَّةُ أحد الأقوال , وهذا هو الترجيح.
وقد درج على عدم التفريق بين هذين المصطلحين الفقهاء والنحويون وغيرهم .
ويمكن للإخوة الذين يبحثون في دراسة أقوال وترجيحات المفسرين أن يقوموا باستقراء مناهج المفسرين في هذا الباب ويفيدونا .
-----------------------------
([1]) معجم مقاييس اللغة 1/232 ؛ مادة (خير) .
([2]) الكليات للكفوي ص62 .
([3]) الصحاح للجوهري 2/652 مادة (خير) .
([4]) لسان العرب 4/257 مادة (خير) .
([5]) كشاف اصطلاحات الفنون للتهاوني 1/119
([6]) معجم مقاييس اللغة 2/489 مادة ( رَجَحَ ) .
([7]) انظر : لسان العرب 5/142 , والقاموس المحيط 4/616 مادة (رجح) .
([8]) شرح الكوكب المنير 4/616 , وانظر : التعارض والترجيح للبرزنجي 1/78 .
([9]) البحر المحيط للزركشي 6/130 .
([10]) وهو الدكتور حسين الحربي في ترجيحات ابن جرير في التفسير ص66 , وتبعه آخرون .
([11]) أما تعبيرهم عن القول الراجح الذي قد ضعِّف غيره بأنه اختيار فهو كثير جداً ، انظر على سبيل المثال : تفسير ابن كثير 4/563 , الناسخ والمنسوخ للنحاس 2/540 , , وتفسير القرطبي 15/67 , تفسير ابن جزي2/ 269والشوكاني4/650 وتفسير الألوسي 24/135 , ومن أمثلة إطلاقهم الترجيح على الاختيار الذي ليس فيه إشارة إلى تضعيف بقية الأقوال ما ذكره ابن كثير 1/188 , في تفسير قوله تعالى : حيث ذكر الأقوال في معنى ثم قال عن القول الأخير : " وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره " , وحينما نذهب إلى ابن جرير نجد أنه يقول في تفسيره لهذا الموضوع 1/406 : " ولكلًّ مما قيل من هذه الأقوال التي حكينا وجه ومخرج في كلام العرب , غير أن أعجب الأقوال إلىَّ في ذلك ما قلناه أولاً ... " وأحينا يعبرون بقولهم المختار الراجح ، ونحو ذلك من العبارات ، انظر تفسير ابن عطية 9/ 304 ، والرازي 4/ 133.
([12]) انظر مقدمة تفسير ابن جُزي ص 1/4