بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تعارض في البين, حيث أن المنفي ضمان عدم العقوبة بالنسبة إلى المتحمل عنهم, والمثبت هو الوزر بالنسبة إلى مدعي الضمان أو التحمل عن الغير, فالطائفة الأولى -المغرر بهم سيتحملون وزرهم ولا يمنع من ذلك مؤاخذة من غرهم, والذي غرهم سيتحمل وزر عمله بالمباشرة ووزر غيره بالتسبيب.
قال النحاس في معاني القرآن - النحاس - ج 5 - ص 216 - 217
قوله جل وعز : * ( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء . . . ) * [ آية 12 ] . المعنى : وما هم بحاملين عنهم شيئا - يخفف ثقلهم . 10 - ثم قال جل وعز : * ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . . . ) * [ آية 13 ] . قال أبو أمامة الباهلي : " يؤتى بالرجل يوم القيامة ، وهو كثير الحسنات ، فلا يزال يقتص منه ، حتى تفنى حسناته [ ثم يطالب ] ثم يقول الله جل وعز : اقتصوا من عبدي ، فتقول الملائكة : ما بقيت له حسنات ، فيقول : خذوا من سيئات المظلوم ، فاجعلوها عليه " . قال أبو أمامة : ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم * ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) * . وقال قتادة في قوله عز وجل * ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) * . قال : " من دعا إلى ضلالة كتب عليه وزرها ، ووزر من يعمل بها ، ولا ينقص ذلك منها شيئا " . قال أبو جعفر : وأهل التفسير ، على أن معنى الآية كما قال قتادة ، ومثله قوله جل وعز * ( ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) * .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي فتح القدير - للشوكاني - ج 4 - ص 194
( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ) اللام في " للذين آمنوا " هي لام التبليغ : أي قالوا مخاطبين لهم كما سبق بيانه في غير موضع : أي قالوا لهم اسلكوا طريقتنا وادخلوا في ديننا ( ولنحمل خطاياكم ) أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون فلنحمل ذلك عنكم فنؤاخذ به دونكم واللام في لنحمل لام الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك . وقال الفراء والزجاج : هو أمر في تأويل الشرط والجزاء : أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم ، ثم رد الله عليهم بقوله ( وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ ) من الأولى بيانية . والثانية مزيدة للاستغراق : أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها وضمنوا لهم حملها ، ثم وصفهم الله سبحانه بالكذب في هذا التحمل فقال ( إنهم لكاذبون ) فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم . قال المهدوي : هذا التكذيب لهم من الله عز وجل حمل على المعنى ، لأن المعنى : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر ( وليحملن أثقالهم ) أي أوزارهم التي عملوها ، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة ( وأثقالا مع أثقالهم ) أي أوزارا مع أوزارهم . وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة ومثله قوله سبحانه - إن أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها " كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره ( وليسألن يوم القيامة ) تقريعا وتوبيخا ( عما كانوا يفترون ) أي يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا . وقال مقاتل : يعني قولهم : نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - لعبد الرحمن بن ناصر السعدي - ص 627
( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون * وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) * يخبر تعالى عن افتراء الكفار ودعوتهم للمؤمنين إلى دينهم ، وفي ضمن ذلك ، تحذير المؤمنين ، من الاغترار بهم ، والوقوع في مكرهم فقال : * ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ) * فاتركوا دينكم أو بعضه ، واتبعونا في ديننا ، فإننا نضمن لكم الأمر * ( ولنحمل خطاياكم ) * . وهذا الأمر ليس بأيديهم ، فلهذا قال : * ( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء ) * لا قليل ولا كثير . فهذا التحمل ، ولو رضي به قليل ولا كثير . فهذا التحمل ، ولو رضي به صاحبه ، فإنه لا يفيد شيئا ، فإن الحق لله والله تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه ، إلا بأمره وحكمه ، وحكمه * ( أن لا تزر وازرة وزر أخرى ) * . ولما كان قوله : * ( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء ) * قد يتوهم منه أيضا ، أن الكفار الداعين إلى كفرهم ونحوهم ممن دعا إلى باطله ليس عليهم إلا ذنبهم ، الذي ارتكبوه ، دون الذنب الذي فعله غيرهم ، ولو كانوا متسببين فيه ، قال محترزا عن هذا الوهم : * ( وليحملن أثقالهم ) * أي : أثقال ذنوبهم التي عملوها * ( وأثقالا مع أثقالهم ) * وهي الذنوب التي حصلت بسببهم ، ومن جرائمهم . وفالذنب الذي فعله التابع ، لكل من التابع والمتبوع حصة منه حصلت ، هذا لأنه فعله وباشره ، والمتبوع ؛ لأنه تسبب في فعله ودعا إليه . كما أن الحسنة إذا فعلها التابع ، له أجرها بالمباشرة ، وللداعي أجره بالتسبب .