تصفحت ملف لمسات بيانية للسامرائي رقم 24 ووجدت هذا الكلام فهل هذا هو صحيح :
[FONT="]في سورة النور [/FONT][FONT="](وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ([/FONT]39[FONT="]) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ([/FONT]40[FONT="]))[/FONT][FONT="] في الحديث عن الكافرين وأعمالهم نوع من الإلتفات بين العمل والعامل.(ووجد الله عنده) هذه الأفعال المنسوبة إلى الله سبحانه وتعالى علماؤنا يقولون فيها حذف وجد الله أي (وجد أمر الله) مثل (واسأل القرية أي إسأل أهل القرية). وجد أمر الله (وجاء ربك والملائكة صفاً) أي جاء أمر ربك لأنه تعالى الله عما يقولون الله تعالى لا يأتي والمسلمون لا يقولون بهذا، وهذا الذي فهمه العرب قبل العلماء لما تنزلت الآيات لم يفهموا أن الله عز وجل يأتي بنفسه، أبو جهل ما قال كيف يأتي ربك بذاته؟ لأنه فهم هذا، وأدركوا ذلك فما سألوا. نحن عندنا هذا الأمر أمر أساسي ، كل قضية لم يفهموها سألوا عنها وناقشوا فيها وأي قضية ما ورد فيها سؤال معناه أدركوها، هذا أصل من الأصول لكن كل ما جرى لرسول الله [/FONT][FONT="][/FONT][FONT="] سُجِّل بدقائقه. (فوفاه الله حسابه والله سريع الحساب) في أمر الله سبحانه وتعالى هذه المحاسبة. الملائكة التي تحاسب والله تعالى سريع الحساب. (أو كظلمات في بحر لجي) عمل هؤلاء الكفار أعمال مظلمة وإن رأوها مشرقة (أو كظلمات) يزاوج الكلام بين العمل والعامل (في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج) البحر فيه لجّة فيه أمواج، البحر كأنه منبسط فيه موج فوقه موج من فوقه سحاب. السحاب لما يكون في هذه الظلمات يكون مظلماً، فقط ذكر سحاب ومعلوم أنه مظلم. (إذا أخرج يده لم يكد يراها) يعني الكافر صاحب الظلمات، هناك ذكره قال (ظمآن) هنا لم يذكره في البداية قال حاله حال عمله أشبه بهذه الصورة. تخيّل صورة عمل الكافر المنحرف عن شرع الله تعالى هذه صورته (ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب) هذه أعمالهم (إذا أخرج يده لم يكد يراها) أقرب شيء للإنسان يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، لاحظ المزاوجة بين الظلمات والنور. إذن هنا لم يصفه.[/FONT]
[FONT="][/FONT]
[FONT="]الكتابة باللون الأزرق هي محل الإستفسار[/FONT]
[FONT="]
[/FONT]
يقول شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله في "مجموع الفتاوى":) ولما احتج الجهمية على الإمام أحمد، وغيره من أهل السنة على أنالقرآن مخلوق بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تأتي البقرة وآل عمران كأنهماغمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف، ويأتي القرآن في صورة الرجل الشاحب)ونحو ذلك قالوا: ومن يأتي ويذهب لا يكون إلا مخلوقًا، أجابهم الإمام أحمد بأنالله تعالى قد وصف نفسه بالمجىء والإتيان، بقوله: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) [الأنعام: 158]، وقال: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر: 22]، ومع هذا فلم يكن هذادليلاً على أنه مخلوق بالاتفاق، بل قد يقول القائل: جاء أمره، وهكذا تقولهالمعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق ...) " انتهى
</SPAN>وقال ابن تيميةرحمه الله في الفتاوى أيضا : (وقال عمرو بن عثمان المكي ـ في كتابه الذي سماه : [التعرفبأحوال العباد والمتعبدين] ـ قال: [باب ما يجيء به الشيطان للتائبين] وذكرأنه يوقعهم في القنوط، ثم في الغرور وطول الأمل، ثم في التوحيد. فقال : [منأعظم ما يوسوس في التوحيد بالتشكل أو في صفات الرب بالتمثيل والتشبيه، أو بالجحدلها والتعطيل]، فقال بعد ذكر حديث الوسوسة : /واعلم ـ رحمك اللّه ـ أن كُلَّ ما توهمه قلبك، أو سَنَح [أي:عَرَض]. في مجاري فكرك، أو خطر في معارضات قلبك، من حسن، أو بهاء، أو ضياء، أوإشراق أو جمال، أو سنح مسائل، أو شخص متمثل، فاللّه ـ تعالى ـ بغير ذلك، بل هو ـتعالى ـ أعظم وأجل وأكبر، ألا تسمع لقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وقوله: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] أى: لا شبيه ولا نظير ولا مساوي ولا مثل،أو لم تعلم أنه لما تجلى للجبل تدكدك لعظم هيبته وشامخ سلطانه؟ فكما لا يتجلىلشيء إلا اندك، كذلك لا يتوهمه أحد إلا هلك. فرد بما بين اللّه في كتابه من نفسهعن نفسه التشبيه والمثل، والنظير والكفء . فإن اعتصمت بها وامتنعت منه، أتاك من قبل التعطيل لصفات الرب ـتعالى وتقدس ـ في كتابه وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لك: إذا كانموصوفًا بكذا أو وصفته أوجب له التشبيه فأكذِبه؛ لأنه اللعين إنما يريد أن يستزلكويغويك، ويدخلك في صفات الملحدين، الزائغين، الجاحدين لصفة الرب ـ تعالى . واعلم ـ رحمك اللّه تعالى ـ أن اللّه ـ تعالى ـ واحد لا كالآحاد،فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد ـ إلى أن قال ـ :خلصت له الأسماءالسَّنِيَّة، فكانت واقعة في قديم الأزل بصدق الحقائق، لم يستحدث ـ تعالى ـ صفة كانمنها خليًا، واسمًا كان منه بريًا، تبارك وتعالى، فكان هاديًا سيهدي، وخالقًاسيخلق، ورازقًا سيرزق، وغافرًا سيغفر، وفاعلًا سيفعل، ولم يحدث له الاستواء إلاوقد كان في صفة أنه سيكون ذلك الفعل، فهو يسمى به في جملة فعله . كذلك قال اللّه تعالى : {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] بمعنى: أنه سيجيء، فلم يستحدثالاسم بالمجيء، وتخلف الفعل لوقت المجيء، فهو جاءٍ سيجيء، ويكون المجيء منه موجودًابصفة لا تلحقه الكيفية ولا التشبيه؛ لأن ذلك فعل الربوبية فيستحسر العقل، وتنقطعالنفس عند إرادة الدخول في تحصيل كيفية المعبود، فلا تذهب في أحد الجانبين، لامعطلا ولا مشبهًا، وارض لله بما رضي به لنفسه، وقف عند خبره لنفسه مسلمًا،مستسلمًا، مصدقًا، بلا مباحثة التنفير، ولا مناسبة التنقير . إلى أن قال:فهو ـ تبارك وتعالى ـ القائل: (أنا اللّه) لا الشجرة،الجائي قبل أن يكون جائيًا، لا أمره، المتجلي لأوليائه في المعاد، فتبيض به وجوههم،وتَفْلُج [أي: تظهر وتثبت] به على الجاحدين حجتهم، المستوى على عرشه بعظمةجلاله فوق كل مكان، تبارك وتعالى الذى كلم موسى تكليما، وأراه من آياته، فسمع موسىكلام اللّه؛ لأنه قربه نَجِيّا. تقدس أن يكون كلامه مخلوقًا أو محدثًا أومربوبًا، الوارث بخلقه لخلقه، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداهمبسوطتان، وهما غير نعمته، خلق آدم ونفخ فيه من روحه ـ وهو أمره ـ تعالى وتقدس ـ أنيحل بجسم أو يمازج بجسم أو يلاصق به، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، الشائي لهالمشيئة، العالم له العلم، الباسط يديه بالرحمة، النازل كل ليلة إلى سماء الدنياليتقرب إليه خلقه بالعبادة، وليرغبوا إليه بالوسيلة، القريب في قربه من حبلالوريد، البعيد في علوه من كل مكان بعيد، ولا يشبه بالناس . إلى أن قال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، القائل {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:16 ،17]، تعالى وتقدس أن يكون في الأرض كما هوفي السماء، جل عن ذلك علوًا كبيرًا " ا.هـ .
قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألبانيرحمه الله في (مقدمة مختصر العلو): (اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا الكتاب قد عالج مسألة هي من أخطر المسائل الاعتقادية التي تفرق المسلمون حولها منذ أن وجدت المعتزلة حتى يومنا هذا ألا وهي مسألة علو الله عز وجل على خلقه الثابتة بالكتاب والسنة المتواترة المدعم بشاهد الفطرة السليمة وما كان لمسلم أن ينكر مثلها في الثبوت لولا أن بعض الفرق المنحرفة عن السنة فتحوا على أنفسهم وعلى الناس من بعدهم باب التأويل فلقد كاد الشيطان به لعدوه الإنسان كيدا عظيما ومنعهم به أن يسلكوا صراطا مستقيما كيف لا وهم قد اتفقوا على أن الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة وأنه لا يجوز الخروج عنها إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة أو لقرينة عقلية أو عرفية أو لفظية كما هو مفصل في محله ومع ذلك فإنك تراهم يخالفون هذا الأصل الذي أصلوه لأتفه الأسباب وأبعد الأمور عن منطق الإنسان المؤمن بكلام الله وحديث نبيه حقا فهل يستقيم في الدنيا فهم أو تفاهم إذا قال قائل مثلا : ( جاء الأمير ) فيأتي متأول من أمثال أولئك المتأولين فيقول في تفسير هذه الجملة القصيرة : يعني جاء عبد الأمير أو نحو ذلك من التقدير . فإذا أنكرت عليه ذلك أجابك بأن هذا مجاز فإذا قيل له : المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة وهي ممكنة هنا أو لقرينة لا قرينة هنا ( 1 ) سكت أو جادلك بالباطل .
( 1 ) قرائن المجاز الموجبة للعدول إليه عن الحقيقة ثلاث : العقلية كقوله تعالى : { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } أي أهلهما . ومنه : { واخفض لهما جناح الذل } .
الثانية : الفوقية مثل { يا هامان ابن لي صرحا } أي مر من يبني لأنمثله مما يعرف أنه لا يني .
الثالثة : نحو ( مثلُ نُورِه ) فإنها دليل على أن الله غير النور .
قال أهل العلم : وأمارة الدعوة الباطلة تجردها عن أحد هذه القرائن انظر : ( إيثار الحق على الخلق ) ( ص 166 - 167 ) للعلامة المرتضى اليماني . وقد يقول قائل : وهل يفعل ذلك عاقل ؟ قلت : ذلك ما صنعه كل الفرق المتأولة الذين ينكرون حقائق الأسماء والصفات الإلهية من المعتزلة وغيرهم ممن تأثر بهم من الخلف ولا نبعد بك كثيرا بضرب الأمثال وإنما نقتصد مثلين من القرآن الكريم أحدهما يشبه المثال السابق تماما والآخر له صلة بصلب موضوع الكتاب .
الأول : قوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } فقيل في تأويلها : ( وجاء ربك ) وقيل غير ذلك من التأويل . ونحو كذلك أوّلوا قوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر } . فقال بعضهم : يأتيهم الله بظلل . فنفى بذلك حقيقة الإتيان اللائق بالله تعالى بل غلا بعض ذوي الأهواء فقال : ( قوله تعالى : { هل ينظرون } حكاية عن اليهود والمعنى أنهم لا يقبلون دينك إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ليروه جهرة لأن اليهود كانوا مشبهة يجوزون على الله المجيء والذهاب ) نقله الكوثري في تعليقه على ( الأسماء والصفات ) ( ص 447 - 448 ) عن الفخر الرازي وأقره
فتأمل - هداني الله وإياك - كيف أنكر مجيء الله الصريح في الآيتين المذكورتين . وهو إنما يكون يوم القيامة كما جاء في تفسير ابن جرير لقوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك } فذكر ( 12/245 - 246 ) في قوله : { أو يأتي ربك } عن قتادة وابن جريج : يوم القيامة ونحوه عن ابن مسعود وغيره . في ( الدرر المنثور ) ( 1/241 ) وانظر كلمة الإمام ابن راهويه في إثبات المجيء في الفقرة الآتية من الكتاب ( 213 ) .
فنفى هذا المتأول ببركة التأويل إتيان الله ومجيئه يوم القيامة الثابت في هذه الآيات الكريمة والأحاديث في ذلك أكثر وأطيب ولم يكتف بهذا بل نسب القول بتجويز المجيء على الله إلى اليهود وأن الآية نزلت في حقهم ضلال وكذب أما الضلال فواضح من تحريف الآيات المستلزم الطعن في الأئمة الذين يؤمنون بمجيء الله تعالى يوم القيام . وأما الكذب فإن أحدا من العلماء لم يذكر أن الآية نزلت في اليهود بل السياق يدفع ذلك قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان ....... فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم . هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام . . . }
[ سورة البقرة : 208 - 211 ] . قلت : فأنت ترى أن الخطاب موجه للمؤمنين ولذلك قال ابن جرير في تفسيره ( 4/259 ) لقوله تعالى : { فإن زللتم . . } :
( يعني بذلك جل ثناؤه فإن أخطأتم الحق فضللتم عنه وخالفتم الإسلام وشرائعه من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون - فاعلموا أن الله ذو عزة . . . ) .
نعم قد روى ابن جرير ( 4/255 ) عن عكرمة قوله { ادخلوا في السلم كافة } قال : نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وو . . . كلهم من يهود قالوا : يا رسول الله يوم السبت كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه . . . فنزلت ) .
قلت : وهذا مع أنه في مؤمني اليهود لا يصح إسناده لإرساله ولو صح لم يجز القول بأنها ( نزلت في حق اليهود ) لأنها تعني عند الإطلاق كفارهم والواقع خلافه فتأمل هذا رحمنا الله وإياك هل تجد في هذه الآيات المصرحة بإتيان الله ومجيئه قرينة من تلك القرائن الثلاث تضطر السامع إلى فهم ذلك على نحو مجيء المخلوق وهذا تشبيه حقا اضطرهم هذا الفهم الخاطئ إلى إنكاره ونسبته إلى اليهود وصاروا إلى التأويل . وكان بوسعهم أن يثبتوا لله تعالى هذه الصفة كما أثبتها السلف دون تشبيه كما قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وإلا فهم على ذلك سيتأولون السمع والبصر أيضا لأن الله تعالى قد أثبت للمخلوق سمعا وبصرا في القرآن والسنة فقد يقولون إننا إذا أثبتنا السمع والبصر لله شبهناه بمخلوقاته وهذا ما فعلته المعتزلة تماما فإنهم تأولوهما بالعلم تنزيها له تعالى عن المشابهة زعموا وبذلك آمنوا بالطرف الأول من الآية { ليس كمثله شيء ) ولم يؤمنوا بالطرف الآخر منها { وهو السميع العليم } وأما الأشاعرة وغيرهم من الخلف فقد آمنوا بكل ذلك هنا فجمعوا بين التنزيه والإثبات قائلين سمعه ليس كسمعنا وبصره ليس كبصرنا . فهذا هو الحق وكان عليهم طرد ذلك في كل ما وصف الله به نفسه فيقال : مجيئه تعالى حق ولكنه ليس كمجيئنا ونزوله إلى السماء الدنيا حق لتواتر الأحاديث بذلك كما يأتي في الكتاب ولكن ليس كنزولنا وهكذا في كل الصفات ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع الأسف في كثير من الصفات منها ما نحن فيه فتأولوه بما سبق أو بغيره ( 1 ) انظر ( الأسماء والصفات ) للبيهقي ( ص 448 - 449 ) . ومنها الاستواء الآتي ذكره قريبا .
هذا هو المثال الأول :
وأما المثال الآخر فقوله تعالى : { إن ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } وقوله فتأولوه ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش ) . فقد تأول الخلف الاستواء المذكور في هاتين الآيتين ونحوهما بالاستيلاء وشاع عندهم في تبرير ذلك إيرادهم قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق بغير سيف ودم مهراق
متجاهلين اتفاق كلمات أئمة التفسير والحديث واللغة على إبطاله وعلى أن المراد بالاستواء على العرش إنما هو الاستعلاء والارتفاع عليه كما سترى أقوالهم مروية في الكتاب عنهم بالأسانيد الثابتة قرنا بعد قرن وفيهم من نقل اتفاق العلماء عليه . مثل الإمام إسحاق بن راهويه ( الترجمة 67 ) والحافظ ابن عبد البر ( الترجمة 151 ) وكفى بهما حجة في هذا الباب .
ومع ذلك فإننا لا نزال نرى علماء الخلف - إلا قليلا منهم - سادرين في مخالفتهم للسلف في تفسيرهم لآية الاستواء وغيرها من آيات الصفات وأحاديثها .
وقد يتساءل بعض القراء عن سبب ذلك فأقول :
ليس هو إلا إعراضهم عن اتباع السلف ثم فهمهم - خطأ - الاستعلاء المذكور في الآيات الكريمة أنه الاستعلاء اللائق بالمخلوق ولما كان هذا منافيا للتنزيه الواجب لله اتفاقا فروا من هذا الفهم إلى تأويلهم السابق ظنا منهم أنهم بذلك نجوا من القول على الله تعالى بما لا يليق به سبحانه . ولقد كان من كبار هؤلاء العلماء القائلين بالتأويل المذكور برهة من الزمن جماعة من أهل العلم منهم الإمام أبو الحسن الأشعري كما سيأتي بيانه في ترجمته من الكتاب ( 120 ) . ومنهم العلامة الجليل أبو محمد الجويني الشافعي والد إمام الحرمين المتوفى سنة ( 438 ) ثم هداه الله تعالى إلى اتباع السلف في فهم الاستواء وسائر الصفات ثم ألف في ذلك رسالة نافعة ( 1 ) قدمها نصيحة لإخوانه في الله كما صرح بذلك في مقدمتها وقد وصف فيها وصفا دقيقا تحيره وتردده في مرحلة من مراحل حياته العلمية بين اتباع السلف وبين اتباع علماء الكلام في عصره الذين يؤولون الاستواء بالاستيلاء فقال رحمه الله تعالى ( ص 176 - 177 ) :
( اعلم أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل :
1 - مسألة الصفات .
2 - مسألة الفوقية .
3 - ومسالة الحرف والصوت في القرآن المجيد .
وكنت متحيزا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع
______
( 1 ) لقد نقل الشيخ أحمد بن إبراهيم الواسطي في عقيدته ( النصيحة في صفات الرب جل وعلا ) رسالة الإمام الجويني . حتى إن نسبتها للجويني كان الأولى وقد استدركت ذلك في الطبعة الثانية ( زهير الشاويش ) .
ذلك من تأويل الصفات وتحريفها أو إمرارها والوقوف فيها أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل . فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ناطقة منبثة بحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية وكذلك في الحرف والصوت .
ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء ويؤول النزول بنزول الأمر ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين ويؤول القدم بقدم صدق عند ربهم وأمثال ذلك ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائما بالذات بالأحرف بلا صوت ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم
وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين لأني على مذهب الشافعي - رضي الله عنه - عرفت فرائض ديني وأحكامه فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي ولي فيهم الاعتقاد التام لفضلهم وعلمهم ثم إني مع ذلك أجد في قبلي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها وأجد الكدر والظلمة منها وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره . المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره .
وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني وأجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم قد صرح بها مخبرا عن ربه واصفا له بها . وأعلم بالاضطرار أنه صلى الله عليه وسلم كان يحضر مجلسه الشريف العالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي والجافي ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين مثل تأويلهم الاستيلاء للاستواء ونزول الأمر للنزول وغير ذلك . ولم أجد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية واليدين وغيرها ولم ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني آخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها وأجد الله عز وجل يقول . . . ) .
ثم ذكر بعض الآيات في الاستواء والفوقية والأحاديث في ذلك مما هو جزء يسير مما سيأتي في الكتاب ثم قال ( ص 181 ) ( 1 ) :
( إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلصنا من شبهة التأويل وعماوة التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته والحق واضح في ذلك والصدور تنشرح له فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل تحريف الاستواء بالاستيلاء وغيره والوقوف في ذلك جهل وعي مع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياها فما وصف لنا نفسه بها إلا لنثبت ما وصف به نفسه لنا ولا نقف في ذلك .
وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة . فمن وفقه الله تعالى للإثبات بلا تحريف ولا تكييف ولا وقوف فقد وقف على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى ) .
ثم شرع يبين السبب الذي حمل علماء الكلام على تأويل ( الاستواء ) بالاستيلاء فقال ( ص 181 - 183 ) :
( والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء و. . . هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا . . . فلذلك حرفوا الكلام عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به . ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى .
لا ريب أنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع
______ ( 1 ) ( مجموعة الرسائل المنيرية ) . والبصر والعلم والقدرة والإرادة والكلام لله . ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا . وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا فكما أنهم يقولون : حياته ليست بعرض وعلمه كذلك وبصره كذلك هي صفات كما تليق به لا كما تليق بنا فكذلك نقول نحن : حياته معلومة وليست مكيفة وعلمه معلوم وليس مكيفا وكذلك سمعه وبصره معلومان ليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به .
ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله ففوقيته معلومة أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر فإنهما معلومان ولا يكيفان . كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق بل كما يليق بعظمته وجلال صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت غير معلومة من حيث التكييف والتحديد فيكون المؤمن بها مبصرا بها من وجه أعمى من وجه مبصرا من حيث الإثبات والوجود أعمى من حيث التكيف والتحديد وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله تعالى نفسه به وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف وذلك هو مراد الرب تعالى منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه به ونؤمن بحقائقها وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل ولا فرق بين الاستواء والسمع ولا بين النزول والبصر الكل ورد به النص .
فإن قالوا لنا في الاستواء : شبهتم نقول لهم في السمع : شبهتم ووصفتم ربكم بالعرض فإن قالوا : لا عرض بل كما يليق به . قلنا في الاستواء والفوقية : لا حصر بل كما يليق به . فجميع ما يلزمونا به في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم . فكما لا يجعلونها هم أعراضا . كذلك نحن لا نجعلها جوارح ولا ما يوصف به المخلوق وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف .
ومن أنصف عرف ما قلنا واعتقده وقبل نصيحتنا ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف . وهذا مراد الله منا في ذلك لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا هذه وأولناها كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى ) .
قلت : لقد وضح من كلام الإمام كالجويني رحمه الله تعالى السبب الذي حمل الخلف - إلا من شاء الله - على مخالفة السلف في تفسير آية ( الاستواء ) وهو أنهم فهموا منه - خطأ كما قلنا - استواء لا يليق إلا بالمخلوق وهذا تشبيه فنفوه بتأويلهم إياه بالاستيلاء.انتهى كلام الشيخ الألباني
وفي مختصر العلو(هذا من أصل كتاب العلو مختصرا فهو من كلام الإمام الذهبيرحمه الله): *( صحيح ) فقال يوسف بن موسى القطان شيخ أبي بكر الخلال قيل لأبي عبد الله الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان قال نعم هو على عرشه ولا يخلو شيء من علمه
*( صحيح ) أحمد بن سلمة سمعت إسحاق بن راهويه يقول جمعني وهذا المبتدع يعني إبراهيم بن أبي صالح مجلس الأمير عبد الله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها فقال ابن أبي صالح كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء فقلت آمنت برب يفعل ما يشاء
إسحاق الإمام يخاطبك بها "
*( صحيح ) قال النجاد حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا علي بن خشرم حدثنا إسحاق قال دخلت على ابن طاهر فقال ما هذه الأحاديث يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا قلت نعم رواها الثقات الذين يروون الأحكام فقال ينزل ويدع عرشه فقلت يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش قال نعم قلت فلم تتكلم في هذا ؟
*( صحيح ) قال إبراهيم بن أبي طالب سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول حضرت مجلس ابن طاهر وحضر إسحاق فسئل عن حديث النزول أصحيح هو قال نعم فقال له بعض القواد كيف ينزل قال أثبته فوق حتى أصف لك النزول فقال الرجل أثبته فوق فقال إسحاق قال الله ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فقال ابن طاهر هذا يا أبا يعقوب يوم القيامة فقال ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم ؟
*( صحيح ) قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سلمة النيسابوري سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي رضي الله عنه يقول ليس بين أهل العلم إختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق فكيف يكون شيء خرج من الرب عزوجل مخلوقا
*( حسن ) محمد بن أحمد بن النضر ابن بنت معاوية بن عمرو قال كان أبو عبد الله الأعرابي جارنا وكان ليلة أحسن ليل وذكر لنا أن ابن أبي دؤاد سأله أتعرف في اللغة استوى بمعنى إستولى فقال لا أعرفه
*( صحيح ) نفطويه حدثنا داود بن علي قال كان عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الله ما معنى قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) قال هو على عرشه كما أخبر فقال الرجل ليس كذاك إنما معناه إستولى فقال اسكت ما يدريك ما هذا العرب لا تقول للرجل إستولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد فأيهما غلب قيل إستولى والله تعالى لا مضاد له وهو على عرشه كما أخبر ثم قال الإستيلاء بعد المغالبة قال النابغة :
ألا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا إستولى على الأمد )
*( صحيح ) قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين بن مهران سمعت أبا جعفر عبد الله بن محمد بن نفيل يقول : من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر فقيل له يا أبا جعفر الكفر كفران كفر نعمة وكفر بالرب عزوجل قال لا بل كفر بالرب ما تقول فيمن يقول ( الله أحد الله الصمد ) مخلوق أليس كافر هو
*( إسناده جيد ) قال ابن أبي حاتم حدثنا أعين بن زيد سمعت أبا ثور إبراهيم بن خالد الإمام يقول : من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله ولا يكون الرجل صاحب سنة حتى يكون فيه ثلاث خصال يقول القرآن ليس بمخلوق ويقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ويترك قراءة حمزة
*( صحيح ) قال الحاكم قرأت بخط أبي عمرو المستملي سئل محمد بن يحيى عن حديث عبد الله بن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ليعلم العبد أن الله معه حيث كان ) فقال يريد أن الله علمه محيط بكل ما كان والله على العرش
*( صحيح ) عبد الرحمن بن أبي حاتم قال سألت أبي وأبا زرعة رحمهما الله تعالى عن مذهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك فقالا : أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا ومصرا وشاما ويمنا فكان من مذهبهم أن الله تبارك وتعالى على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف أحاط بكل شيء علما ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.)انتهى
الأخت الفاضلة الشيخ بريد أن يوصل معلومة إلى عامة الناس وحتى لا يلتبس على أحد شبه فهو يوضح بطريقة تناسب العامة وله سلف في ذلك والكل يريد التنـزيه وعليك بكتاب ابن الجوزي دفع شبهة التشبيه فقد ذكر تأويلات مروية عن الامام أحمد وقد كان التأويل عند السلف أيضا - ودونك تفسير ابن كثير بل وفي بدائع الفوائد لابن القيم ..والأولى التفويض وعدم إثارة مثل تلك الأمور جمعنا الله جميعا على الهدى
قال الذهبي : وآيات الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا، وهي أهم الدين، فلو كان تأويلها سائغا أو حتما، لبادروا إليه، فعلم قطعا أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق، لا تفسير لها غير ذلك، فنؤمن بذلك، ونسكت إقتداء بالسلف، معتقدين أنها صفات لله تعالى، استأثر الله بعلم حقائقها، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين، فالكتاب والسنة نطق بها، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ، وما تعرض لتأويل، مع كون الباري قال: (لتبين للناس ما نزل إليهم) [ النحل: 44 ]، فعلينا الإيمان والتسليم للنصوص، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم[1].جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك، فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) [ طه: 5 ]. كيف استوى ؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده، حتى علاه الرحضاء ، ثم رفع رأسه، ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة. وأمر به فأخرج[2].
قال الذهبي : كذا ينبغي للمحدث أن لا يشهر الأحاديث التي يتشبث بظاهرها أعداء السنن من الجهمية،...، وأهل الأهواء، والأحاديث التي فيها صفات لم تثبت، فإنك لن تحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم، إلا كان فتنة لبعضهم ، فلا تكتم العلم الذي هو علم، ولا تبذله للجهلة الذين يشغبون عليك، أو الذين يفهمون منه ما يضرهم[1]. قال النووي نقلا عن القاضي عياضوالله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل: ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق، فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفي علينا آمنا به وكِلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى وبالله التوفيق[1]. وأخرج البيهقي عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال:كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه[2].
بارك الله بك اخي الفاضل صلاح الدين سامي الجراح و السيد الفاضل عبد الحميد البطاوي كفيتم ووفيتم ...ما حدث اني كنت اتناول ما ودت في ملفات لمسات بيانية للسامرائي وفي تلك الجلسة استوقفتني احدى الأخوات بارك الله بها وقالت هذا الكلام لا يجوز وهو من التأويل وعلقت ايضا على كلام آخر ذكرته في آية النور في نفس الملف لذا وددت ان استفسر عما ورد ومدى صحته وعند رجوعي لتفسير نفس الآية في عدة تفاسير استشكل على الأمر بعضهم تفادى التعرض اليها والبعض الأخر فسرها بأنها امر اللهوالبعض عذاب الله فأحببت التأكد بارك الله بكم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول،وبعد: أسأل الله التوفيق والقبول ،فحول ما كتب الأخ الدكتور البطاوي حفظه الله، أرغب بالتنويه على أمور، أرجو أن يتسع صدره لما سأكتبه وأن يستفيد منه الجميع
إعتذر الدكتور البطاوي للأستاذ السامرائي بأنه يوضح بطريقة تناسب العامة، وسؤال الأخت ليس حول الطريقة، ولكن حول المضمون، ففي مسائل العقيدة إما أن يصيب الإنسان قول أهل السنة أويخطئ، وأما أن للأستاذ السامرائي سلف في ذلك فمن هم؟ وسأورد في نص الفتوى الآتية قريبا نقولات عن السلف توضح أنهم كانوا يثبتون الصفات ولا يأولونها،ولا يفوضون معناها كذلك، أما أن الإمام أحمد يُحفظ عنه تأويلات، فدعوى ذلك لما روي من قول الإمام أحمد: (نمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى) قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"(16/405-406): (وقد اختلف أصحاب أحمد فيما نقله حنبل فإنه لا ريب أنه خلاف النصوص المتواترة عن أحمد في منعه من تأويل هذا، و تأويل النـزول والاستواء ونحو ذلك من الأفعال، ولهم ثلاثة أقوال: قيل: هذا غلط من حنبل انفرد به دون الذين ذكروا عنه المناظرة مثل صالح وعبد الله والمروذي وغيرهم فإنهم لم يذكروا هذا، وحنبل ينفرد بروايات يغلطه فيها طائفة كالخلال وصاحبه. قال أبو إسحاق ابن شاقلا: "هذا غلط من حنبل لا شك فيه". وكذلك نقل عن مالك رواية أنه تأول ينـزل إلى السماء الدنيا أنه ينـزل أمره، لكن هذا من رواية حبيب كاتبه وهو كذاب باتفاقهم، و قد رويت من وجه آخر لكن الإسناد مجهول. والقول الثاني: قال طائفة من أصحاب أحمد هذا قاله إلزاما للخصم على مذهبه لأنهم في يوم المحنة لما احتجوا عليه بقوله تأتي البقرة وآل عمران أجابهم بأن معناه يأتي ثواب البقرة وآل عمران كقوله: "أن يأتيهم الله" أي أمره وقدرته، على تأويلهم لا أنه يقول بذلك فإن مذهبه ترك التأويل. والقول الثالث: أنهم جعلوا هذا رواية عن أحمد وقد يختلف كلام الأئمة في مسائل مثل هذه لكن الصحيح المشهور عنه رد التأويل وقد ذكر الروايتين ابن الزاغوني وغيره وذكر أن ترك التأويل هي الرواية المشهورة المعمول عليها عند عامة المشايخ من أصحابنا) أ.هـ وعلى فرض ثبوتها فقدقال الشيخ ابن عثيمين في تعليقه على هذه العبارة في "شرح لمعة الاعتقاد":
(وقوله: (ولا معنى): أي لا نثبت لها معنى يخالف ظاهرها كما فعله أهل التأويل، وليس مراده نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها الذي فسرها به السلف، فإن هذا ثابت ويدل على هذا قوله ولا نرد شيئاً منها ونصفه بما وصف به نفسه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نعلم كيف كنه ذلك، فإن نفيه لرد شيء منها ونفيه لعلم كيفيتها دليل على إثبات المعنى المراد منها.)
أما كتاب ابن الجوزي فقد تراجع عما فيه في آخر عمره، وله كتاب سماه(الإنتصار لأصحاب الحديث) ،وله كتاب آخر أيضا اسمه (مجالس في الآيات المتشابهه) طبع في مصر قبل أكثرمن عشرين سنة، ولعل تأليفه ذلك بعدما راسله أبوإسحاق العلثي الحنبلي ناصحا معاتبا له عتابا شديدا.
أما تفسير (ابن كثير) فليس فيه من هذه التأويلات شيء، فمثلا في تفسير قوله تعالى: ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) يقول ابن كثير في (تفسيره): (فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء ، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا.) وأما بدائع الفوائد لتلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية فلا أدري كيف ينسب له تأويل الصفات وقد صنف كتابه (إجتماع الجيوش الإسلامية لغزو المعطلة والجهمية) وكله في إثبات الصفات على طريقة السلف، والرد على المخالف في هذا الباب. قال الإمام الترمذي : (وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ها هنا القوة وقال إسحاق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير })
أما بالنسبة للذهبي رحمه الله فيبدو أن الدكتور البطاوي لم يفهمه على وجهه، ولتبيينه سأورد نقلين من كتاب الذهبي (العلو للعلي الغفار):
الأول: (وكما قال سفيان وغيره ، قراءتها تفسيرها ، يعني أنها بينة معروفة واضحة في اللغة لا يبتغى بهامضائق التأويل والتحريف وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أنها لا تشبه صفات البشر بوجه إذ الباري لا مثل له في ذاته ولا في صفاته )
والثاني: ((هذا الذي علمت من مذهب السلف ، والمراد بظاهرها أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له ، كما قال مالك وغيره الاستواء معلوم، وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك ، هذه الأشياء معلومة فلا تحتاج إلى بيان وتفسير ، لكن الكيف في جميعها مجهول عندنا))
ثم مال الدكتور الدكتور البطاوي لتشجيع التفويض، ولكي أوفر على نفسي جهد البحث والكتابة أنقل نص سؤال وجواب، فتوى رقم138920 من (موقع الإسلام سؤال وجواب-بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد) السؤال: أعرف المراد - والحمد لله - بهؤلاء الأربع: التحريف والتعطيل والتوقيف والتمثيل لكن يتحدث البعض أيضا عن أمر خامس وهو التفويض وأنا لا أعرف ما هو التفويض فهل بوسعكم رجاء أن توضحوا لي معناه ودلالاته؟ الجواب : الحمد لله أولاً : التفويض في أسماء الله تعالى وصفاته له معنيان : الأول : معنى صحيح ، وهو إثبات اللفظ ومعناه الذي يدل عليه ، ثم تفويض علم كيفيته إلى الله ، فنثبت لله تعالى أسماءه الحسنى ، وصفاته العلى ، ونعرف معانيها ونؤمن بها ، غير أننا لا نعلم كيفيتها . فنؤمن بأن الله تعالى قد استوى على العرش ، استواء حقيقيا يليق بجلاله سبحانه ، ليس كاستواء البشر ، ولكن كيفية الاستواء مجهولة بالنسبة لنا ؛ ولذا ، فإننا نفوض كيفيته إلى الله ، كما قال الإمام مالك وغيره لما سئل عن الاستواء : "الاستواء معلوم ، والكيف مجهول" . انظر : "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (3/25) . وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة : إثبات صفات الله تعالى ، إثباتاً بلا تمثيل ولا تكييف ، قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) . قال ابن عبد البر رحمه الله : "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لم يكيفوا شيئا من ذلك " . "العلو للعلي الغفار" (ص 250) والمعنى الثاني للتفويض - وهو معنى باطل - : إثبات اللفظ من غير معرفة معناه . فيثبتون الألفاظ فقط ، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ثم يقولون : لا ندري معناه ، ولا ماذا أراد الله به !! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وأما التفويض : فإن من المعلوم أن الله تعالي أمرنا أن نتدبر القرآن وحضّنا على عقله وفهمه ، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله ؟ وأيضا : فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلي النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر ولم يُرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه ، أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك ، فعلي التقديرين لم نخاطَبْ بما بُيّن فيه الحق ، ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر . وحقيقة قول هؤلاء في المخاطِب لنا : أنه لم يبين الحق ولا أوضحه مع أمره لنا أن نعتقده ، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه ، بل دل ظاهره علي الكفر والباطل ، وأراد منا أن نفهم منه شيئا أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه ، وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه ، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد ... إلى أن قال :فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد " انتهى . "درء التعارض" (1/115) . وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : "السلف لم يكن مذهبهم التفويض ، وإنما مذهبهم الإيمان بهذه النصوص كما جاءت ، وإثبات معانيها التي تدلُّ عليها على حقيقتها ووضعها اللغوي ، مع نفي التَّشبيه عنها ؛ كما قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) الشورى/ 11" انتهى ."المنتقى من فتاوى الفوزان" (25/1) . وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله : "الصواب : ترك التأويل ، وإثبات حقيقة الصفات التي أفادتها تلك النصوص ، مع تفويض العلم بالكيفيات والماهيَّات ، ومع اعتقاد أنها لا يُفهم منها تشبيه الرب أو شيء من صفاته بالمخلوقين ، فلا تشبيه ولا تعطيل" انتهى . "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (64/41) . وقال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله :
"مذهب السلف هو التفويض في كيفية الصفات لا في المعنى" انتهى . "فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي" (ص 104) . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : "المفوضة قال أحمد فيهم : إنهم شر من الجهمية ، والتفويض أن يقول القائل : الله أعلم بمعناها فقط ، وهذا لا يجوز ; لأن معانيها معلومة عند العلماء . قال مالك رحمه الله : الاستواء معلوم والكيف مجهول ، وهكذا جاء عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غيره من أهل العلم ، فمعاني الصفات معلومة ، يعلمها أهل السنة والجماعة ; كالرضا والغضب والمحبة والاستواء والضحك وغيرها ، وأنها معاني غير المعاني الأخرى ، فالضحك غير الرضا ، والرضا غير الغضب ، والغضب غير المحبة ، والسمع غير البصر ، كلها معلومة لله سبحانه ، لكنها لا تشابه صفات المخلوقين" انتهى . "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (ص 65) . وقال أيضا : "أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض , وبدّعوهم لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه , والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك , وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه ، ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل . وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى . "مجموع فتاوى ابن باز" (3/55) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "التفويض نوعان : تفويض المعنى ، وتفويض الكيفية . فأهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية ، ولا يفوضون المعنى ، بل يقرُّون به ، ويثبتونه ، ويشرحونه ، ويقسمونه ، فمن ادعى أن أهل السنة هم الذين يقولون بالتفويض - ويعني به تفويض المعنى - فقد كذب عليهم" انتهى . "لقاء الباب المفتوح" (67/24) . ثانياً : توهم البعض أن مذهب السلف هو التفويض ، وفهموا ذلك من قول السلف في أحاديث الصفات : (أمروها كما جاءت بلا كيف) . وهو فهم غير صحيح ، بل هذا القول الوارد عن السلف يدل على أنهم كانوا يثبتون الصفات بمعانيها لله تعالى ، ثم ينفون علمهم بكيفية ذلك . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "فقول ربيعة ومالك : (الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب) موافق لقول الباقين : (أمروها كما جاءت بلا كيف) فإنما نفوا علم الكيفية ، ولم ينفوا حقيقة الصفة . ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ولما قالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف ، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً ، بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم . وأيضاً : فإنه لا يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى ، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أثبتت الصفات . وأيضاً : فإن من ينفى الصفات لا يحتاج إلى أن يقول : بلا كيف ، فمن قال : إن الله ليس على العرش ، لا يحتاج أن يقول : بلا كيف ، فلو كان مذهب السلف نفى الصفات في نفس الأمر لما قالوا : بلا كيف . وأيضاً : فقولهم : "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه ، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معانٍ ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد ، أو : أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة ، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت ، ولا يقال حينئذ : بلا كيف ، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" انتهى . "مجموع الفتاوى" الفتوى الحموية (5/41) . وقد قرب ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال : "اشتهر عن السلف كلمات عامة وأخرى خاصة في آيات الصفات وأحاديثها فمن الكلمات العامة قولهم: " أمروها كما جاءت بلا كيف". روي هذا عن مكحول ، والزهري ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، والأوزاعي . وفي هذه العبارة رد على المعطلة والممثلة ، ففي قولهم: " أمروها كما جاءت" رد على المعطلة. وفي قولهم : " بلا كيف" رد على الممثلة . وفيها أيضا دليل على أن السلف كانوا يثبتون لنصوص الصفات المعاني الصحيحة التي تليق بالله تدل على ذلك من وجهين : الأول : قولهم : "أمروها كما جاءت" . فإن معناها إبقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني ، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله تعالى ، ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا : "أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها" . ونحو ذلك . الثاني : قولهم : "بلا كيف" فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى ، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلى نفي كيفيته ، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه ، فنفي كيفيته من لغو القول" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/32) .