هل هذا الجمع ينتقد على الحافظ ابن كثير في تفسيره؟

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
بسم1

هل جمع الحافظ ابن كثير رحمه الله بين الآيتين { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا} {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} مما يرد عليه في تفسيره وينتقد؟


قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:" وقوله: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }[النساء: 3] أي: فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } [النساء: 129]فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري..."-2/212-.

كيف جمع الحافظ بين الآيتين؟
فهذا الجمع والاستدلال منه رحمه الله تعالى يوهم بأن العدل المذكور في الآية 129 من سورة النساء هو نفس العدل المذكور في الآية الثالثة.
والأمر ليس كذلك
، فالعدل في قوله تعالى:" فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا" إنما المقصود به العدل الذي بالإمكان والذي يدخل في حيز الاستطاعة، كالعدل في النفقة والكسوة والمبيت. أما العدل في قوله تعالى:" وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ" فيحمل على العدل الذي لا يقدر عليه الرجل ولا يملكه، وهو المتعلق بالقلب، من الحب والميل والمودة، فهذه الأمور لا يملكها الإنسان، لذا لا يستطيع أن يعدل فيها بين نسائه.

يقول إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى:"يعني جل ثناؤه بقوله:"ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء"، لن تطيقوا، أيها الرجال، أن تسوُّوا بين نسائكم وأزواجكم في حُبِّهن بقلوبكم حتى تعدِلوا بينهنّ في ذلك، فلا يكون في قلوبكم لبعضهن من المحبة إلا مثلُ ما لصواحبها، لأن ذلك مما لا تملكونه، وليس إليكم،"ولو حرصتم"، يقول: ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك..."- جامع البيان في تأويل القرآن:9/284-.
ثم نقل نقولات كثيرات عن السلف في تأويل العدل معظمها يدور حول الحب والجماع.
وهذا لا شك أنه ليس في مقدور الزوج.

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:"يخبر تعالى: أن الأزواج لا يستطيعون وليس في قدرتهم العدل التام بين النساء، وذلك لأن العدل يستلزم وجود المحبة على السواء، والداعي على السواء، والميل في القلب إليهن على السواء، ثم العمل بمقتضى ذلك. وهذا متعذر غير ممكن، فلذلك عفا الله عما لا يستطاع، ونهى عما هو ممكن بقوله: { فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } أي: لا تميلوا ميلا كثيرا بحيث لا تؤدون حقوقهن الواجبة، بل افعلوا ما هو باستطاعتكم من العدل.
فالنفقة والكسوة والقسم ونحوها عليكم أن تعدلوا بينهن فيها، بخلاف الحب والوطء ونحو ذلك"-تيسير الرحمن:207-.

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضوائه:"هذا العدل الذي ذكر تعالى هنا أنه لا يستطاع هو العدل في المحبة، والميل الطبيعي؛ لأنه ليس تحت قدرة البشر بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}"-الأضواء:5/187-.

قال صاحب الإمام الراغب في مفرداته "قوله : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } فإشارة إلى ما عليه جبلة الناس من الميل ، فالإنسان لا يقدر على أن يسوي بينهن في المحبة ، وقوله : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } فإشارة إلى العدل الذي هو القسم والنفقة."-325-.

وعن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك.
والحديث وإن كان صحيح المعنى لكنه لا يصح من حيث المبنى، فقد حكم عليه الأئمة بالضعف منهم العلامة الألباني، وقبله الإمام الدارقطني وغيره، لكن قد استدل به الإئمة في كتبهم كالإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في الزاد والجواب الكافي وغيره.

إذا فكيف جمع الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بين الآيتين مع أن العدل في إحداهما ليس هو العدل في الأخرى؟
فهل كان سبق قلم منه رحمه الله تعالى أو سهوا أو يعتبر خطأ يرد عليه في تفسيره؟

وهنا أتذكر كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة التدمرية:
يقول رحمه الله تعالى في معرض الكلام عن بيان خطأ من يقول أن ظاهر نصوص الصفات غير مراد:" ومما يشبه هذا القول أن يجعل اللفظ نظيرا لما ليس مثله كما قيل في قوله { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ؟ فقيل هو مثل قوله : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } ؟ فهذا ليس مثل هذا..."-التدمرية:29-.

فمن الخطأ جعل اللفظ نظيرا لما ليس مثله.
فمع أن العدل ورد في الآيتين بنفس اللفظ لكن أحدهما ليس نظيرا للآخر لأنه ليس مثله كما تم بيانه.

والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين أما بعد الاستاذ الفاضل ناصر... ابن كثير لم يجمع بين الآيتين ولكنه أراد أن يحذر من يريد أن يفهم أن الآيتين بمفهوم واحد ولهذا قال :( فمن
[FONT=&quot] خاف من ذلك فيقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري ) ويعني المفهوم من الآية رقم 3 وليس من الثانية .
ولهذا تجده عندما فسر الثانية قال: ( [/FONT]
[FONT=&quot]وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( [/FONT]وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [FONT=&quot]) أَيْ : لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تُسَاوُوا بَيْنَ النِّسَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ الْقَسْمُ الصُّورِيُّ : لَيْلَةً وَلَيْلَةً ، فَلَا بُدَّ مِنَ [/FONT][FONT=&quot]التَّفَاوُتِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ [/FONT][FONT=&quot]، كَمَا قَالَهُ [/FONT][FONT=&quot]ابْنُ عَبَّاسٍ ، [/FONT]وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ ، [FONT=&quot]وَمُجَاهِدٌ ، [/FONT][FONT=&quot]وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، [/FONT]وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ [FONT=&quot]. [/FONT]

[FONT=&quot]وَقَدْ قَالَ [/FONT][FONT=&quot]ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : [/FONT][FONT=&quot]حَدَّثَنَا [/FONT][FONT=&quot]أَبُو زُرْعَةَ ، [/FONT][FONT=&quot]حَدَّثَنَا [/FONT][FONT=&quot]ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، [/FONT][FONT=&quot]حَدَّثَنَا [/FONT]حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ ، [FONT=&quot]عَنْ [/FONT][FONT=&quot]زَائِدَةَ ، [/FONT][FONT=&quot]عَنْ [/FONT][FONT=&quot]عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ ، [/FONT][FONT=&quot]عَنِ [/FONT]ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ [FONT=&quot]قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( [/FONT]وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [FONT=&quot]) فِي [/FONT][FONT=&quot]عَائِشَةَ [/FONT][FONT=&quot]. يَعْنِي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ [/FONT]الْإِمَامُ أَحْمَدُ [FONT=&quot]وَأَهْلُ السُّنَنِ ، مِنْ حَدِيثِ [/FONT][FONT=&quot]حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، [/FONT][FONT=&quot]عَنْ [/FONT][FONT=&quot]أَيُّوبَ ، [/FONT][FONT=&quot]عَنْ [/FONT][FONT=&quot]أَبِي قِلَابَةَ ، [/FONT][FONT=&quot]عَنْ [/FONT][FONT=&quot]عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، [/FONT][FONT=&quot]عَنْ [/FONT][FONT=&quot]عَائِشَةَ[/FONT][FONT=&quot]قَالَتْ : [/FONT]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ ، ثُمَّ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ " [FONT=&quot]يَعْنِي : الْقَلْبَ )

والله تعالى اعلم .[/FONT]
 
جزاك الله خيرا أخي الكريم البهيجي.

لكن ظاهر كلام الحافظ رحمه الله تعالى الجمع بين الآيتين كما أسلفت،
وقد حملني تعليقك لإعادة النظر جيدا في كلامه، فألفيت ظاهره كذلك-أي الجمع-.

وهذا نص تفسيره لإعادة التأمل:

(وقوله:
qos1.png
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
qos2.png
[النساء: 3] أي: فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى:
qos1.png
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
qos2.png
[النساء: 1299]فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري..."-2/212-.)اهـ

فقوله رحمه الله تعالى:
فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري، لا ريب أنه يعود على الآية الأولى أي الآية رقم ثلاثة كما ذكرت أخي الكريم.

لكن تأمل أخي
أداة "كما" في قوله: (فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ }).

فكما بمعنى كالذي، فظاهر العبارة: إن خشيتم العدل بين النساء كالذي في قوله تعالى:"{ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } فاقتصروا على واحدة أو الجواري...

ولا نشك في أن الحافظ وافق الحق وعلماء التفسير في تأويل الآيتين، لكن فقط الإشكال في ظاهر كلامه.

والله أعلم وأحكم.
 
عودة
أعلى