زمزم بيان
New member
- إنضم
- 27/02/2012
- المشاركات
- 569
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
- الإقامة
- جدة
- الموقع الالكتروني
- bayian.blogspot.com
هل من جديد في الدراسات القرآنية الغربية؟!
اليوم : هل من جديد في الدراسات القرآنية الغربية؟!
د.مصطفى الحسن
هناك كلام كثير حول تطور الدراسات الغربية المعاصرة حول الإسلام، وبالخصوص حول القرآن، ويبدو أن الخريطة تتشكّل من جديد، وهناك مقالات وكتب حديثة جدا حول رسم هذه الخرائط، ومن المهتمين بذلك الباحث دانييال ماديغان. ومن الملاحظ أيضا أن أمريكا حاضرة بشكل قوي وذي سلطة وبوصفها مركزاً للدراسات، والجميع سواء في أوروبا أم في كندا يتطلع إلى الجامعات ومراكز الدراسات هناك. والسؤال هنا عن مدى التطور الحقيقي في الدراسات الغربية اليوم، بعد كل النقد الذي وُجه للاستشراق الكلاسيكي والذي يوجهه الباحثون الغربيون أنفسهم اليوم للاستشراق أيضا، فباحثة كبيرة مثل الألمانية أنجليكا وينفرت تقدم نقدا لاذعا للاستشراق الألماني القديم. وتحاول استفتاح عهد جديد في الاستشراق. ويشار لها في الأوساط الأكاديمية بكثير من الاحترام.
لا يزال القائمون على الدراسات الغربية خصوصا الأمريكية يعتقدون أنهم يعرفون عن الآخر أكثر مما يعرف الآخر عن نفسه. وهذه مشكلة جذرية تجعل الغرب مكتفٍيا بذاته، ويفكر وحده، وتضع علامات استفهام حول كل مؤتمرات الحوار والتجسير بين الشرق والغرب، فإذا كان الغرب لا يأتي ليستمع ولا يعتقد أنه سيحصل على المعلومة فلماذا هو يأتي إذن؟! طالما أن الغرب يعتقد ذلك، فالتصحيح الذي يجريه على دراساته الاستشراقية هو تصحيح ذاتي، فلو أخذنا مثلا دراسات نقدية للاستشراق كالتي قدمها إدوارد سعيد، والتي وصف فيها الاستشراق بأنه يحمل معوّقاته في داخله، لن تجعل الاستشراق يتوقف، لأن الباحث الغربي يعتقد أن الاستشراق سيصحح نفسه، ويقوّم ذاته، وسيجد مع الوقت الطريق الصحيح، لكن ما أردت قوله أن هذا التصحيح يتم بمعزل عن كل ما يقال في الشرق فلا يزال الغرب يعتقد أنه يعرف عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا. وسيبقى السؤال عن مدى قوة الانعطاف الذي يحدثه الباحث الغربي المعاصر في دراساته القرآنية.
لا تزال الدراسات الغربية مهتمة بالهامش، أي النصوص الهامشية والتي يعتقد الباحث الغربي أنها هُمشت من قبل القوة الغالبة وبفعل السلطة السياسية، ولا يزال أيضا يغلب النزعة السياسية في تفسير التاريخ، دون تمحيص كبير، فهو يفترض مسبقا أن السلطة السياسية كان لها دور مهم ومؤثر وحقيقي في فرض اتجاهات معينة، بل يعتقد بأن السلطة السياسية ساهمت في فرض نصوص دينية وإزالة أخرى. هذه الفرضية هي سابقة على قراءته للتاريخ، وهي مسبقة لأنه يعتقد أن التاريخ يحدث هكذا ويجري بهذه الطريقة، وبالتالي لن يكون صعبا عليه الانطلاق من هذه المسلمة. ومن الملاحظ أن كثيرا من المثقفين العرب تأثّر بهذه النزعة في تفسير التاريخ الإسلامي وفي البحث عن تشكّل الحقيقة الدينية، لست أنفي حضور السلطة السياسية بشكل كامل، لكنني أستغرب من ضخامة حضورها. فالتراث الفقهي مثلا تم بمعزل عن السلطة السياسية في التاريخ الإسلامي، وأنا هنا أتحدث عن الفقه بعموم وليس عن السياسة الشرعية، كما أن كتب التفسير لا تجد فيها ذلك الحضور للسلطة السياسية. وأنا أعي هنا أن الأثر ليس مباشرا بالضرورة.
التفتيش عن الهامش يجعل الباحث الغربي يفتش في المرويات، ويعد مرويات الاتجاهات الضعيفة والمعزولة هي الكنز المفقود. ولأنه يعتقد أن التصحيح والتضعيف تم تحت سلطة القوة الغالبة، فهو لا يكترث به كثيرا، لذلك يجعل المرويات على طاولة واحدة من التساوي، بل يعطي حظوة أكبر لمرويات الهامش. هنا يقع الباحث الغربي أمام ورطة كثافة وضخامة المرويات، وما يحدث في الواقع أنه يمارس انتقائية تجاهها، مبنية على فرضيات سابقة، هذا ما يجعل الدراسات الغربية أثريّة في حقيقتها، فهي تمارس ذات الفعل الذي تمارسه أغلب الاتجاهات الأثرية، حيث تقوم بفرضيات مسبقة، ثم تستدل عليها بالمرويات من خلال انتقائية صارخة.
ما مدى التصالح الذي وصلت إليه أو قد تصل إليه الدراسات الغربية القرآنية مع الرؤية الإسلامية؟! لا يزال الاتجاه التشكيكي في وجود القرآن الكريم في عهد النبوة قائما، ولا تكاد تجلس في حوار مع باحث غربي إلا ويذكر دراسات لوكسمبورغ عن مصحف صنعاء على سبيل المثال، وهو اتجاه يعتقد بأن القرآن الكريم ظهر بعد عهد النبوة، وله أشكال مختلفة في فهم ذلك، وللباحث فريد دونر دراسات حديثة حول هذا. لكن هناك اتجاه آخر يحاول تجاوز هذه الأطروحات، ويعتقد بأن القرآن الكريم وُجد في عصر النبوة، لكن من غير المتوقع أن يتم التصالح مع فكرة الوحي ممن لا يؤمن بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ربما تجد عند بعضهم تفسيرات للوحي من هنا وهناك، لكن أفضل درجات التصالح الموجودة حاليا هي تلك التي تفضل تجاوز هذه الدراسات التشكيكية، والتي تطرح التعامل مع القرآن بوصفه نصا موجودا ومؤثرا وفاعلا في التراث البشري، بل بحسب انجليكا نويفرت هو يُعد مصدرا من مصادر المعرفة في أوروبا، كونه جاء في نهاية العصر القديم، وساهم في تشكيل التصورات الدينية الغربية من خلال الجدل الذي أحدثه مع أهل الكتاب في داخله، وهو اتجاه مهم في وسط الدراسات القرآنية الحديثة.
اليوم : هل من جديد في الدراسات القرآنية الغربية؟!
د.مصطفى الحسن
هناك كلام كثير حول تطور الدراسات الغربية المعاصرة حول الإسلام، وبالخصوص حول القرآن، ويبدو أن الخريطة تتشكّل من جديد، وهناك مقالات وكتب حديثة جدا حول رسم هذه الخرائط، ومن المهتمين بذلك الباحث دانييال ماديغان. ومن الملاحظ أيضا أن أمريكا حاضرة بشكل قوي وذي سلطة وبوصفها مركزاً للدراسات، والجميع سواء في أوروبا أم في كندا يتطلع إلى الجامعات ومراكز الدراسات هناك. والسؤال هنا عن مدى التطور الحقيقي في الدراسات الغربية اليوم، بعد كل النقد الذي وُجه للاستشراق الكلاسيكي والذي يوجهه الباحثون الغربيون أنفسهم اليوم للاستشراق أيضا، فباحثة كبيرة مثل الألمانية أنجليكا وينفرت تقدم نقدا لاذعا للاستشراق الألماني القديم. وتحاول استفتاح عهد جديد في الاستشراق. ويشار لها في الأوساط الأكاديمية بكثير من الاحترام.
لا يزال القائمون على الدراسات الغربية خصوصا الأمريكية يعتقدون أنهم يعرفون عن الآخر أكثر مما يعرف الآخر عن نفسه. وهذه مشكلة جذرية تجعل الغرب مكتفٍيا بذاته، ويفكر وحده، وتضع علامات استفهام حول كل مؤتمرات الحوار والتجسير بين الشرق والغرب، فإذا كان الغرب لا يأتي ليستمع ولا يعتقد أنه سيحصل على المعلومة فلماذا هو يأتي إذن؟! طالما أن الغرب يعتقد ذلك، فالتصحيح الذي يجريه على دراساته الاستشراقية هو تصحيح ذاتي، فلو أخذنا مثلا دراسات نقدية للاستشراق كالتي قدمها إدوارد سعيد، والتي وصف فيها الاستشراق بأنه يحمل معوّقاته في داخله، لن تجعل الاستشراق يتوقف، لأن الباحث الغربي يعتقد أن الاستشراق سيصحح نفسه، ويقوّم ذاته، وسيجد مع الوقت الطريق الصحيح، لكن ما أردت قوله أن هذا التصحيح يتم بمعزل عن كل ما يقال في الشرق فلا يزال الغرب يعتقد أنه يعرف عنا أكثر مما نعرفه عن أنفسنا. وسيبقى السؤال عن مدى قوة الانعطاف الذي يحدثه الباحث الغربي المعاصر في دراساته القرآنية.
لا تزال الدراسات الغربية مهتمة بالهامش، أي النصوص الهامشية والتي يعتقد الباحث الغربي أنها هُمشت من قبل القوة الغالبة وبفعل السلطة السياسية، ولا يزال أيضا يغلب النزعة السياسية في تفسير التاريخ، دون تمحيص كبير، فهو يفترض مسبقا أن السلطة السياسية كان لها دور مهم ومؤثر وحقيقي في فرض اتجاهات معينة، بل يعتقد بأن السلطة السياسية ساهمت في فرض نصوص دينية وإزالة أخرى. هذه الفرضية هي سابقة على قراءته للتاريخ، وهي مسبقة لأنه يعتقد أن التاريخ يحدث هكذا ويجري بهذه الطريقة، وبالتالي لن يكون صعبا عليه الانطلاق من هذه المسلمة. ومن الملاحظ أن كثيرا من المثقفين العرب تأثّر بهذه النزعة في تفسير التاريخ الإسلامي وفي البحث عن تشكّل الحقيقة الدينية، لست أنفي حضور السلطة السياسية بشكل كامل، لكنني أستغرب من ضخامة حضورها. فالتراث الفقهي مثلا تم بمعزل عن السلطة السياسية في التاريخ الإسلامي، وأنا هنا أتحدث عن الفقه بعموم وليس عن السياسة الشرعية، كما أن كتب التفسير لا تجد فيها ذلك الحضور للسلطة السياسية. وأنا أعي هنا أن الأثر ليس مباشرا بالضرورة.
التفتيش عن الهامش يجعل الباحث الغربي يفتش في المرويات، ويعد مرويات الاتجاهات الضعيفة والمعزولة هي الكنز المفقود. ولأنه يعتقد أن التصحيح والتضعيف تم تحت سلطة القوة الغالبة، فهو لا يكترث به كثيرا، لذلك يجعل المرويات على طاولة واحدة من التساوي، بل يعطي حظوة أكبر لمرويات الهامش. هنا يقع الباحث الغربي أمام ورطة كثافة وضخامة المرويات، وما يحدث في الواقع أنه يمارس انتقائية تجاهها، مبنية على فرضيات سابقة، هذا ما يجعل الدراسات الغربية أثريّة في حقيقتها، فهي تمارس ذات الفعل الذي تمارسه أغلب الاتجاهات الأثرية، حيث تقوم بفرضيات مسبقة، ثم تستدل عليها بالمرويات من خلال انتقائية صارخة.
ما مدى التصالح الذي وصلت إليه أو قد تصل إليه الدراسات الغربية القرآنية مع الرؤية الإسلامية؟! لا يزال الاتجاه التشكيكي في وجود القرآن الكريم في عهد النبوة قائما، ولا تكاد تجلس في حوار مع باحث غربي إلا ويذكر دراسات لوكسمبورغ عن مصحف صنعاء على سبيل المثال، وهو اتجاه يعتقد بأن القرآن الكريم ظهر بعد عهد النبوة، وله أشكال مختلفة في فهم ذلك، وللباحث فريد دونر دراسات حديثة حول هذا. لكن هناك اتجاه آخر يحاول تجاوز هذه الأطروحات، ويعتقد بأن القرآن الكريم وُجد في عصر النبوة، لكن من غير المتوقع أن يتم التصالح مع فكرة الوحي ممن لا يؤمن بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ربما تجد عند بعضهم تفسيرات للوحي من هنا وهناك، لكن أفضل درجات التصالح الموجودة حاليا هي تلك التي تفضل تجاوز هذه الدراسات التشكيكية، والتي تطرح التعامل مع القرآن بوصفه نصا موجودا ومؤثرا وفاعلا في التراث البشري، بل بحسب انجليكا نويفرت هو يُعد مصدرا من مصادر المعرفة في أوروبا، كونه جاء في نهاية العصر القديم، وساهم في تشكيل التصورات الدينية الغربية من خلال الجدل الذي أحدثه مع أهل الكتاب في داخله، وهو اتجاه مهم في وسط الدراسات القرآنية الحديثة.