هل مذهب الصحابي حجة ؟ أين الدليل؟

إنضم
28/12/2009
المشاركات
182
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
ما دعاني لكتابة هذا الموضوع المختصر هو التشنج الملحوظ في مداخلات بعض الأخوة، وكذلك التهم المتبادلة، وكأن الأمر من المسائل المعاصرة المبتدعة. ومن حق غير المختص بعلم الأصول أن يعلم حقيقة الأمر. ومن هنا اخترت أسطراً من كتاب أصول الفقه للخضري، يقول:

(( ليس مذهب الصحابي حجة على صحابي مثله بلا نزاع، أما بالنسبة لغيره فقال الجمهور: ليس بحجة مطلقاً، وقيل حجة تقدم على القياس، وقيل حجة إن لم يخالف القياس. مختار الجمهور الأول، لأنه لا دليل على كونه حجة فوجب تركه.
والمختار للحنفية التفصيل: فإن كان مما لا يدرك بالرأي فهو حجة بلا خلاف عندهم، وكذلك إن كان يدرك بالرأي ولكن تلزمه الشهرة لكونه مما تعم به البلوى إذ لم ينقل فيه خلاف، فإنهم جعلوه إجماعاً كالسكوتي......... والغزالي ممن انتصر لعدم الاحتجاج بقول الصحابي ، والذين احتجوا به إنما قوى ذلك عندهم ظهور أن الصحابي لا يفتي إلا برواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يرجعون مذاهبهم إلى السنة.
والحق أن الأدلة التي أقاموها على هذه الحجية لا تفيد غلبة الظن فضلاً عن القطع اللازم في هذه الأصول...)).
هل كان علماء الأمة يتشنّجون مثلنا ويتهم بعضهم بعضاً !
 
والغزالي ممن انتصر لعدم الاحتجاج بقول الصحابي ، والذين احتجوا به إنما قوى ذلك عندهم ظهور أن الصحابي لا يفتي إلا برواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يرجعون مذاهبهم إلى السنة.
والحق أن الأدلة التي أقاموها على هذه الحجية لا تفيد غلبة الظن فضلاً عن القطع اللازم في هذه الأصول...)).
!

الأخ سنان حفظك الله

يبدو أننا سنحول الملتقى إلى ملتقى أصول الفقه بدلا من ملتقى أهل التفسير ، ولكن لا بأس ما دام أنه في سبيل فهم كتاب الله تعالى.

قول الخضري رحمه الله تعالى محل نظر ، وما دام أنك فتحت الباب فدعنا نرى المسألة بشيء من التفصيل:

" المبحث الثاني : قول الصحابي

والكلام على هذا المبحث في النقاط الآتية:
1- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه.
2- قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة.
3- قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف.
4- قول الصحابي فيما عدا ذلك.
5- تحرير محل النزاع.
6- قول الصحابي لا يخالف النص.
7- قول الصحابي إذا خالف القياس.
8- الأدلة على حجية قول الصحابي.

1- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه:
قول الصحابي فيما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد له حكم الرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستدلال به والاحتجاج، أو يكون ذلك في حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن من باب الرواية بالمعنى؛ فإن الصحابة يروون السنة تارة بلفظها وتارة بمعناها.
ولا يصح بناءً على ذلك أن يقال فيه: هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

2- قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة:
إذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم لم يكن قول بعضهم حجة على بعض، ولم يجز للمجتهد بعدهم أن يقلد بعضهم، بل الواجب في هذه الحالة التخير من أقوالهم بحسب الدليل -عند الأكثر- ولا يجوز الخروج عنها.
قال ابن تيمية: "وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء".

3- قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف:
قول الصحابي إذا اشتهر ولم يخالفه أحد من الصحابة صار إجماعًا وحجة عند جماهير العلماء.
قال ابن تيمية: "وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء".

4- قول الصحابي فيما عدا ذلك "وهذا هو المقصود بحثه في هذا المقام":
قول الصحابي إذا لم يخالفه أحد من الصحابة ولم يشتهر بينهم، أو لم يُعلم هل اشتهر أو لا؟ وكان للرأي فيه مجال، فقول الأئمة الأربعة وجمهور الأمة: أنه حجة خلافًا للمتكلمين.
قال ابن تيمية:
"وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع، وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد - في المشهور عنه - والشافعي في أحد قوليه، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع، ولكن من الناس من يقول: هذا هو القول القديم".

5- تحرير محل النزاع:يمكن تحرير محل النزاع في قول الصحابي من خلال النقاط الماضية فيما يأتي:
أ- أن يكون في المسائل الاجتهادية، أما قول الصحابي فيما لا مجال للاجتهاد فيه فله حكم الرفع.
ب- ألا يخالفه غيره من الصحابة، فإن خالفه غيره اجتهد في أرجح القولين بالدليل.
جـ- ألا يشتهر هذا القول، فإن اشتهر -ولم يخالفه أحد من الصحابة- كان إجماعًا عند جماهير العلماء.
يضاف إلى ذلك شرطان:
( أولهما: ألا يخالف نصًا.
( ثانيهماً: ألا يكون معارضًا بالقياس.
بتلك الضوابط وبهذين الشرطين ذهب الأئمة إلى الاحتجاج بقول الصحابي.

6- قول الصحابي لا يخالف النص:
قول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفًا للنص، إذ من المستبعد أن يخالف الصحابي نصًا ولا يخالفه صحابي آخر.
قال ابن القيم: "من الممتنع أن يقولوا -أي الصحابة- في كتاب الله الخطأ المحض؛ ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به، وهذه الصورة المذكورة وأمثالها [يعني قول الصحابي المخالف للنص] قد تكلم فيها غيرهم بالصواب.
والمحظور إنما هو خلو عصرهم عن ناطق بالصواب، واشتماله على ناطق بغيره فقط، فهذا هو المحال".
فلدينا إذن أمران متلازمان، وهما شرطان وقيدان للاحتجاج بقول الصحابي:
الأول: ألا يخالف الصحابي نصًا.
والثاني: ألا يخالف الصحابي صحابي آخر.
فإن خالف الصحابي نصًا فلا بد أن يخالفه بعضُ الصحابة، فلا يكون حينئذ قول بعضهم حجة؛ إذ كلا القولين يحتمل الصواب.

- قول الصحابي إذا خالف القياس:
قول الصحابي الذي اتفق الأئمة على الاحتجاج به لا يكون مخالفًا للقياس.
أما إن كان مخالفًا للقياس:
فالأكثر على أنه يحمل على التوقيف؛ لأنه لا يمكن أن يخالف الصحابي القياس باجتهاد من عنده.
وقول الصحابي المخالف للقياس - عند هؤلاء - مقدم على القياس؛ لأنه نص والنص مقدم على القياس، وقد تعارض دليلان والأخذ بأقوى الدليلين متعين.
وذهب بعض الأئمة إلى أن قول الصحابي لا يكون حجة إذا خالف القياس؛ لأنه قد خالفه دليل شرعي وهو القياس، وهو لا يكون حجة إلا عند عدم المعارض.

8- الأدلة على حجية قول الصحابي:
من الأدلة على ذلك:
( الدليل الأول: ما ورد من النصوص الدالة على عدالتهم وتزكية الله تعالى لهم وبيان علو منزلتهم، كقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } [التوبة: 100].
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».

( الدليل الثاني: أن الصحابة -رضي الله عنهم- انفردوا بما جعلهم أبر الأمة قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلهم تكلفًا، فقد خصهم الله بتوقد الأذهان وفصاحة اللسان، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل قد غنوا عن ذلك كله.
فليس في حقهم إلا أمران:

أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا.
والثاني: معناه كذا وكذا.
وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما؛ لذلك كان قولهم أقرب إلى الصواب وأبعد عن الخطأ؛ فإنهم حضروا التنزيل، وسمعوا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، وهم أعلم بالتأويل وأعرف بالمقاصد، وأقرب عهدًا بنور النبوة، وأكثر تلقيًا من المشكاة النبوية.

( الدليل الثالث: أن فتوى الصحابي لا تخرج عن ستة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الوجه الثاني: أن يكون سمعها ممن سمعها منه - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يهابون الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويعظمونها، ويقللونها خوف الزيادة والنقصان.
الوجه الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهمًا خفي علينا.
الوجه الرابع: أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم، ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده.
الوجه الخامس: أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور فهمها على طول الزمان من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومشاهدة أفعاله، وأحواله، وسيرته، وسماع كلامه، والعلم بمقاصده، وشهود تنزيل الوحي، ومشاهدة تأويله بالفعل، فيكون فهم ما لا نفهمه نحن.
وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها.
الوجه السادس: أن يكون فهم ما لم يرده الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأخطأ في فهمه، والمراد غير ما فهمه.
وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة.
ومعلوم قطعًا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين."
****
المصدر:
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة
محمَّد بنْ حسَيْن بن حَسنْ الجيزاني

بعد هذا العرض إذا لم يكن هناك اعتراض أو مناقشة ، فلماذا لا نحاول عرض هذا النتيجة على أقوال الصحابة في كتب التفسير ونرى مدى موافقة القواعد الأصولية لواقع كتب التفسير؟
 
يبدو أن هناك خلافاً حول موقف الجمهور، لذلك سأختار نصاً آخر من كتاب آخر وهو الوسيط في أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي، والكلام حول فتوى الصحابي بالاجتهاد، يقول:

(( أنه ليس بحجة مطلقاً، وهو مذهب الجمهور من الأشاعرة والمعتزلة والشيعة والشافعي في قول وأحمد في رواية عنه واختاره بعض متأخري الحنفية والمالكية، وأما ابن حزم فهو منكر للأخذ بفتوى الصحابي.....)). وما يهمني هنا أن لا يظن ظان أن قول من يقول بحجية مذهب الصحابي سلم له ذلك من غير معارضة من كبار العلماء.
أما الأدلة التي طرحها الأخ الغامدي فهي الأدلة التي يكررها من يقول بحجية اجتهاد الصحابي. ولي هنا الملاحظات التالية:
عندما نتحث عن مصادر التشريع يجب أن تكون الأدلة نصيّة وجليّة.
أن القائلين بذلك قد عجزوا عن الإتيان بنص من القرآن أو السنة فذهبوا يستخدمون أدلة الفلاسفة وعلماء الكلام.
هم يريدوننا أن نصدق أن الشهادة بالخيرية لمجمل الصحابة تعني العلم والقدرة على الفهم. وعندما يعجز الإنسان عن الإتيان بالدليل نراه يفر إلى الخطب العاطفية ويشهر بوجوهنا سيف محبتهم رضوان الله عليهم. ولم يدركوا خطورة أن يضيفوا إلى مصادر التشريع مصدراً ما أنزل الله به من سلطان. وما علينا إذا صارحناهم أن هذا تحريف لدين الله تعالى باستحداث مصدر لم يقل به الله ولا رسوله، بل لم يقل به الصحابة رضوان الله عليهم. لا والله لا نقول في دين الله إلى عن بينة.
والعجيب أنهم جعلوا الصحابة درجة واحدة، ولو أنهم اقتصروا على الصحابة الذين طالت ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم واشتهروا بالعلم لهان الخطب. وعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" لا تسبوا أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، لا شك أن الحديث هنا موجه إلى الصحابة. فهناك من الصحابة من لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد صحابي آخر ولا نصيفه.
ثم ما علاقة الفصاحة بالقدرة على الاجتهاد والاستنباط وإقامة الحجة، فكم من فصيح لا تغني فصاحته أمام العباقرة والمبدعين. ( ولا يظنن ظان أننا لا نقول بضرورة اتقان اللغة العربية كشرط للاجتهاد ولكنه شرط من عدة شروط).
ثم من أين لهم أن الصحابي لا يخالف نصاً ولا قياساً إلا وجد من يرده إلى الصواب. أما علموا أن الصحابة ساحوا في الأرض ولم يبقوا متجاورين في المدينة بل سكنوا الأمصار المتباعدة. فقد يجتد صحابي في البصرة لأنه لم يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يجتهد وهو يذهل عن القياس الصحيح.
أما أعجب العجب فالدليل الثالث الذي عرضه الأخ الغامدي ناقلاً عن غيره وهو أن يؤخذ الدين بحساب الاحتمالات ويبنى على ذلك أساس من أسس التشريع!! وما علموا أن الله قد حفظ دينه وأننا لم نكلف إلا بما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه ما لا يمكن أن يقوله الصحابي إلا نقلاً عن رسول الله كأداء الصلاة مثلاً. نعم يجب أن يقوم الدليل على أنه ناقل. ولا يليق بنا أن نقول: يحتمل أن يكون اجتهاده نقلاً، فأي ظن يقام عليه صرح التشريع الإسلامي.
 
الأخ الفاضل سنان تقول:
"وما يهمني هنا أن لا يظن ظان أن قول من يقول بحجية مذهب الصحابي سلم له ذلك من غير معارضة من كبار العلماء"

أقول:
معروف أن المسألة خلافية ولم يقل أحد بأن القائل بحجية مذهب الصحابي سالم من المعارض.

تقول:
"عندما نتحث عن مصادر التشريع يجب أن تكون الأدلة نصيّة وجليّة"

أقول:
مصادر التشريع قد تقرر أن منها ما هو متفق عليه وما هو محل خلاف فلا حاجة أن نشترط ما هو خلاف الواقع.

تقول:
"أن القائلين بذلك قد عجزوا عن الإتيان بنص من القرآن أو السنة فذهبوا يستخدمون أدلة الفلاسفة وعلماء الكلام"

أقول:
القائلون بحجة مذهب الصحابي أبعد الناس عن طرق الفلاسفة وعلماء الكلام.

تقول:
"هم يريدوننا أن نصدق أن الشهادة بالخيرية لمجمل الصحابة تعني العلم والقدرة على الفهم. وعندما يعجز الإنسان عن الإتيان بالدليل نراه يفر إلى الخطب العاطفية ويشهر بوجوهنا سيف محبتهم رضوان الله عليهم. ولم يدركوا خطورة أن يضيفوا إلى مصادر التشريع مصدراً ما أنزل الله به من سلطان. وما علينا إذا صارحناهم أن هذا تحريف لدين الله تعالى باستحداث مصدر لم يقل به الله ولا رسوله، بل لم يقل به الصحابة رضوان الله عليهم. لا والله لا نقول في دين الله إلى عن بينة."

أقول:
أخي الحبيب كلامك هذا هو أقرب للخطابة من قول من تنتقدهم.
الصحابة هم الذين نقلوا لنا الدين
هم الذين نقلوا لنا مصادر التشريع
وهم أولى الناس بفهم ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم
وهم أفضل من طبق تعاليم الوحيين في واقع الحياة
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم فقال:
"أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" رواه أبو داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.
ودعا لعبد الله بن عباس فقال: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ"
ثم إن الشهادة لهم من الله بالفضل والإذعان للحق وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم تدل على أنهم أولى الناس بتحري الحق ومعرفته ومن ثم وجب أن ينظر لأقوالهم بعين الاعتبار.

تقول:
"والعجيب أنهم جعلوا الصحابة درجة واحدة، ولو أنهم اقتصروا على الصحابة الذين طالت ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم واشتهروا بالعلم لهان الخطب. وعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" لا تسبوا أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، لا شك أن الحديث هنا موجه إلى الصحابة. فهناك من الصحابة من لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد صحابي آخر ولا نصيفه."

أقول:
صحيح أن الصحابة يتفاضلون في الفضل والعلم ، ولكنهم في نفس الوقت أفضل ممن أتى من بعدهم ، ومتى ثبتت الصحبة لشخص وقال قولاً في دين الله فالعقل يدعو إلى النظر في قوله بحكم هذه الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

تقول:
"ثم من أين لهم أن الصحابي لا يخالف نصاً ولا قياساً إلا وجد من يرده إلى الصواب. أما علموا أن الصحابة ساحوا في الأرض ولم يبقوا متجاورين في المدينة بل سكنوا الأمصار المتباعدة. فقد يجتد صحابي في البصرة لأنه لم يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يجتهد وهو يذهل عن القياس الصحيح."

أقول :
لو تأملت تحرير محل النزاع في المسألة لما سطرت عبارتك هذه. والصحابي لا يمكن أن يخالف نصا وهو عالم به ، وأما مخالفة القياس فأقول: إذا كانت دلالة قول الصحابي على الحق ظنية فدلالة القياس كذلك.

تقول:
"أما أعجب العجب فالدليل الثالث الذي عرضه الأخ الغامدي ناقلاً عن غيره وهو أن يؤخذ الدين بحساب الاحتمالات ويبنى على ذلك أساس من أسس التشريع!! وما علموا أن الله قد حفظ دينه وأننا لم نكلف إلا بما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه ما لا يمكن أن يقوله الصحابي إلا نقلاً عن رسول الله كأداء الصلاة مثلاً. نعم يجب أن يقوم الدليل على أنه ناقل. ولا يليق بنا أن نقول: يحتمل أن يكون اجتهاده نقلاً، فأي ظن يقام عليه صرح التشريع الإسلامي."

أقول:
الدين لا يؤخذ بحساب الاحتمالات ، ولكن طرق الفهم والاستنباط ترجح قول الصحابي على قول غيره وفهم الصحابي على فهم غيره.

وختاما أقول لنضع أقوال الصحابة وأقوال مخالفيهم على المحك وننظر من هو الأقرب إلى الحق فيما وقع فيه الخلاف من أصول الفقه.
والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
- قول الصحابي إذا خالف القياس:
قول الصحابي الذي اتفق الأئمة على الاحتجاج به لا يكون مخالفًا للقياس.
أما إن كان مخالفًا للقياس:
فالأكثر على أنه يحمل على التوقيف؛ لأنه لا يمكن أن يخالف الصحابي القياس باجتهاد من عنده.
وقول الصحابي المخالف للقياس - عند هؤلاء - مقدم على القياس؛ لأنه نص والنص مقدم على القياس، وقد تعارض دليلان والأخذ بأقوى الدليلين متعين.
وذهب بعض الأئمة إلى أن قول الصحابي لا يكون حجة إذا خالف القياس؛ لأنه قد خالفه دليل شرعي وهو القياس، وهو لا يكون حجة إلا عند عدم المعارض.

هذه النقطة تحتاج إلى توضيح فيما يبدو لي ، فالذي أعلمه :

1- أن بعض الائمة رأوا أن قول الصحابي حجة مقدمة على القياس .
والمصود هنا القياس الأصولي المعروف .
2- وذهب البعض إلى أن قول الصحابي ليس بحجة مطلقا .
3- وذهب البعض إلى أن قول الصحابي حجة إذا خالف القياس ، وقصدوا بذلك ، إذا ما قال الصحابي قولا لا يدرك بالعقل .

أما بالنسبة لقضية مخالفة الصحابي للقياس الأصولي الصحيح ، فلا أجد مثالا عليها ، فإذا تكرم أحد فاليأتي بمثال من خلال الفروع الفقهية علما بأن شيخ الإسلام ابن تيمية قال ما يلي :

"وَإِلَى سَاعَتِي هَذِهِ مَا عَلِمْت قَوْلًا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلَّا وَكَانَ الْقِيَاسُ مَعَهُ لَكِنَّ الْعِلْمَ بِصَحِيحِ الْقِيَاسِ وَفَاسِدِهِ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ خَبِيرًا بِأَسْرَارِ الشَّرْعِ وَمَقَاصِدِهِ ؛ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَحَاسِنِ الَّتِي تَفُوقُ التَّعْدَادَ ؛ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ؛ وَمَا فِيهَا مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالرَّحْمَةِ السَّابِغَةِ ؛ وَالْعَدْلِ التَّامِّ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ."

والله أعلم وأحكم.
 
الصحابي أقرب إلى معرفة الحق من غيره

الصحابي أقرب إلى معرفة الحق من غيره

بعض الإخوة الأفاضل يعيب على البعض ذكر ما ورد في فضائل الصحابة رضي الله عنهم في مورد الاحتجاج على اعتبار أقوالهم لكونه لا يصلح دليلا وهذا في نظري لا يسلم لهم فقد فعل هذا أئمة كبار ، يقول بن القيم في إعلام الموقعين:

" [ لَيْسَ مِثْلَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ ] وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لَا يُسَاوِيهِمْ فِي رَأْيِهِمْ ، وَكَيْفَ يُسَاوِيهِمْ وَقَدْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى الرَّأْيَ فَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ ؟ كَمَا رَأَى عُمَرُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ ، وَرَأَى أَنْ تُحَجَّبَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ ، وَرَأَى أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ ؛ وَقَالَ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اجْتَمَعْنَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ { عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ } فَنَزَلَ الْقُرْآنُ

بِمُوَافَقَتِهِ ، { وَلَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ مُنَافِقٌ ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } } .
{ وَقَدْ قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ : إنِّي أَرَى أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ ، وَتُسْبَى ذُرِّيَّاتُهُمْ ، وَتُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ } .

وَلَمَّا اخْتَلَفُوا إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ شَهْرًا فِي الْمُفَوَّضَةِ قَالَ : أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي ، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنْهُ ، أَرَى أَنَّ لَهَا مَهْرَ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي امْرَأَةٍ مِنَّا يُقَالُ لَهَا بِرْوَعَ بِنْتُ وَاشِقٍ مِثْلَ مَا قَضَيْت بِهِ ، فَمَا فَرِحَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَهُ بِذَلِكَ .

وَحَقِيقٌ بِمَنْ كَانَتْ آرَاؤُهُمْ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُمْ لَنَا خَيْرًا مِنْ رَأَيْنَا لِأَنْفُسِنَا ، وَكَيْفَ لَا وَهُوَ الرَّأْيُ الصَّادِرُ مِنْ قُلُوبٍ مُمْتَلِئَةٍ نُورًا وَإِيمَانًا وَحِكْمَةً وَعِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَفَهْمًا عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَنَصِيحَةً لِلْأُمَّةِ ، وَقُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِمْ ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ، وَهُمْ يَنْقُلُونَ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ غَضًّا طَرِيًّا لَمْ يَشُبْهُ إشْكَالٌ ، وَلَمْ يَشُبْهُ خِلَافٌ ، وَلَمْ تُدَنِّسْهُ مُعَارَضَةٌ ، فَقِيَاسُ رَأْيِ غَيْرِهِمْ بِآرَائِهِمْ مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ ."
 
ليس للشافعي قول في عدم حجية قول الصحابي

ليس للشافعي قول في عدم حجية قول الصحابي

يبدو أن هناك خلافاً حول موقف الجمهور، لذلك سأختار نصاً آخر من كتاب آخر وهو الوسيط في أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي، والكلام حول فتوى الصحابي بالاجتهاد، يقول:

(( أنه ليس بحجة مطلقاً، وهو مذهب الجمهور من الأشاعرة والمعتزلة والشيعة والشافعي في قول وأحمد في رواية عنه واختاره بعض متأخري الحنفية والمالكية، وأما ابن حزم فهو منكر للأخذ بفتوى الصحابي.....)). وما يهمني هنا أن لا يظن ظان أن قول من يقول بحجية مذهب الصحابي سلم له ذلك من غير معارضة من كبار العلماء.
.

وهذا كلام بن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين في المسألة:
"فَصْلٌ : [ رَأْيُ الشَّافِعِيِّ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ] وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ الصَّحَابِيُّ صَحَابِيًّا آخَرَ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَهِرَ قَوْلُهُ فِي الصَّحَابَةِ أَوْ لَا يَشْتَهِرُ ، فَإِنْ اشْتَهَرَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الطَّوَائِفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : هُوَ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ ، وَقَالَتْ شِرْذِمَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ : لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ اُشْتُهِرَ أَمْ لَا فَاخْتَلَفَ النَّاسُ : هَلْ يَكُونُ حُجَّةً أَمْ لَا ؟ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ أَنَّهُ حُجَّةٌ هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ ، صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، وَذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَأَصْحَابِهِ ، وَتَصَرُّفُهُ فِي مُوَطَّئِهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَنْهُ وَاخْتِيَارُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ ، أَمَّا الْقَدِيمُ فَأَصْحَابُهُ مُقِرُّونَ بِهِ ، وَأَمَّا الْجَدِيدُ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُحْكَى عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَفِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ عَنْهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ جِدًّا ؛ فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ لَهُ فِي الْجَدِيدِ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَغَايَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ نَقْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْكِي أَقْوَالًا لِلصَّحَابَةِ فِي الْجَدِيدِ ثُمَّ يُخَالِفُهَا ، وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ حُجَّةٌ لَمْ يُخَالِفْهَا ، وَهَذَا تَعَلُّقٌ ضَعِيفٌ جِدًّا ، فَإِنَّ مُخَالَفَةَ الْمُجْتَهِدِ الدَّلِيلَ الْمُعَيَّنَ لِمَا هُوَ أَقْوَى فِي نَظَرِهِ مِنْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ دَلِيلًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ، بَلْ خَالَفَ دَلِيلًا لِدَلِيلٍ أَرْجَحَ عِنْدَهُ مِنْهُ ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَرَاهُ فِي الْجَدِيدِ إذَا ذَكَرَ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ مُوَافِقًا لَهَا لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا وَحْدَهَا كَمَا يَفْعَلُ بِالنُّصُوصِ ، بَلْ يُعَضِّدُهَا بِضُرُوبٍ مِنْ الْأَقْيِسَةِ ؛ فَهُوَ تَارَةً يَذْكُرُهَا وَيُصَرِّحُ بِخِلَافِهَا ، وَتَارَةً يُوَافِقُهَا وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا بَلْ يُعَضِّدُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ ، وَهَذَا أَيْضًا تَعَلُّقٌ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ فَإِنَّ تَظَافُرَ الْأَدِلَّةِ وَتَعَاضُدِهَا وَتَنَاصُرِهَا مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَلَا يَدُلُّ ذِكْرُهُمْ دَلِيلًا ثَانِيًا وَثَالِثًا عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ قَبْلَهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ .

وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ ، فَقَالَ : الْمُحْدَثَاتُ مِنْ الْأُمُورِ ضَرْبَانِ ، أَحَدُهُمَا : مَا أُحْدِثَ يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ أَثَرًا فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ ، وَالرَّبِيعُ إنَّمَا أَخَذَ عَنْهُ بِمِصْرَ ، وَقَدْ جَعَلَ مُخَالَفَةَ الْأَثَرِ الَّذِي لَيْسَ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ ضَلَالَةً ، وَهَذَا فَوْقَ كَوْنِهِ حُجَّةً ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ مَدْخَلِ السُّنَنِ لَهُ : بَابُ ذِكْرِ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ إذَا تَفَرَّقُوا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ إذَا تَفَرَّقُوا فِيهَا تَصِيرُ إلَى مَا وَافَقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ ، وَإِذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ الْقَوْلَ لَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ فِيهِ لَهُ مُوَافَقَةٌ وَلَا خِلَافَ صِرْتُ إلَى اتِّبَاعِ قَوْلِهِ إذَا لَمْ أَجِدْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا إجْمَاعًا وَلَا شَيْئًا فِي مَعْنَاهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ أَوْ وُجِدَ مَعَهُ قِيَاسٌ .

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ : مَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مَقْطُوعٌ إلَّا بِإِتْيَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صِرْنَا إلَى أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ إذَا صِرْنَا إلَى التَّقْلِيدِ أَحَبَّ إلَيْنَا ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ نَجِدْ دَلَالَةً فِي الِاخْتِلَافِ تَدُلُّ عَلَى أَقْرَبِ الِاخْتِلَافِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَنَتْبَعُ الْقَوْلَ الَّذِي مَعَهُ الدَّلَالَةُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مَشْهُورٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ النَّاسَ وَمَنْ لَزِمَ قَوْلُهُ النَّاسَ كَانَ أَشْهَرَ مِمَّنْ يُفْتِي الرَّجُلَ أَوْ النَّفَرَ وَقَدْ يَأْخُذُ بِفُتْيَاهُ وَيَدَعُهَا ، وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ يُفْتُونَ الْخَاصَّةَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَلَا يَعْتَنِي الْعَامَّةُ بِمَا قَالُوا عِنَايَتَهُمْ بِمَا قَالَ الْإِمَامُ ، وَقَدْ وَجَدْنَا الْأَئِمَّةَ يُنْتَدَبُونَ فَيُسْأَلُونَ عَنْ الْعِلْمِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا فِيهِ وَيَقُولُونَ فَيُخْبِرُونَ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ ، فَيَقْبَلُونَ مِنْ الْمُخْبِرِ ، وَلَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ أَنْ يَرْجِعُوا لِتَقْوَاهُمْ اللَّهَ وَفَضْلِهِمْ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنْ الْأَئِمَّةِ فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدِّينِ فِي مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِمْ ، وَكَانَ اتِّبَاعُهُمْ أَوْلَى بِنَا مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَالْعِلْمُ طَبَقَاتٌ ، الْأَوْلَى : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، الثَّانِيَةُ : الْإِجْمَاعُ فِيمَا لَيْسَ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً ، الثَّالِثَةُ : أَنْ يَقُولَ صَحَابِيٌّ فَلَا يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، الرَّابِعَةُ : اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ ، الْخَامِسَةُ : الْقِيَاسُ ، هَذَا كُلُّهُ كَلَامُهُ فِي الْجَدِيدِ .

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا : وَفِي الرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ لِلشَّافِعِيِّ - بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابَةِ وَتَعْظِيمِهِمْ - قَالَ : وَهُوَ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ وَعَقْلٍ ، وَأَمْرٍ اُسْتُدْرِكَ بِهِ عِلْمٌ ، وَآرَاؤُهُمْ لَنَا أَحْمَدُ ، وَأَوْلَى بِنَا مِنْ رَأْيِنَا ، وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِمَّنْ تُرْضَى أَوْ حُكِيَ لَنَا عَنْهُ بِبَلَدِنَا صَارُوا فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا فِيهِ سُنَّةً إلَى قَوْلِهِمْ إنْ اجْتَمَعُوا أَوْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنْ تَفَرَّقُوا ، وَكَذَا نَقُولُ ، وَلَمْ نَخْرُجْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ كُلِّهِمْ.

قَالَ : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلَانِ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قَوْلَيْنِ نَظَرْت ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَشْبَهَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَخَذْت بِهِ ، لِأَنَّ مَعَهُ شَيْئًا قَوِيًّا ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ دَلَالَةً بِمَا وَصَفْت كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَرْجَحَ عِنْدَنَا مِنْ وَاحِدٍ لَوْ خَالَفَهُمْ غَيْرُ إمَامٍ .

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَوْلِ دَلَالَةٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ كَانَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِمْ ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا صِرْنَا إلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ دَلَالَةٌ ، وَقَلَّمَا يَخْلُو اخْتِلَافُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِلَا دَلَالَةٍ نَظَرْنَا إلَى الْأَكْثَرِ ، فَإِنْ تَكَافَئُوا نَظَرْنَا أَحْسَنَ أَقَاوِيلِهِمْ مَخْرَجًا عِنْدَنَا ، وَإِنْ وَجَدْنَا لِلْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا أَوْ قَبْلَهُ إجْمَاعًا فِي شَيْءٍ تَبِعْنَاهُ ، فَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ لَمْ نَجِدْ فِيهَا وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَيْسَ إلَّا إجْهَادُ الرَّأْيِ ، فَهَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ بِنَصِّهِ ، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ ، بَلْ كَلَامُهُ فِي الْجَدِيدِ مُطَابِقٌ لِهَذَا مُوَافِقٌ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ لَفْظِهِ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْجَدِيدِ فِي قَتْلِ الرَّاهِبِ : إنَّهُ الْقِيَاسُ عِنْدَهُ ، وَلَكِنْ أَتْرُكُهُ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عِنْدَهُ لِقَوْلِ الصَّاحِبِ ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ مُوجِبَ الدَّلِيلِ لِغَيْرِ دَلِيلٍ ؟ وَقَالَ : فِي الضِّلَعِ بَعِيرٌ ، قُلْتُهُ تَقْلِيدًا لِعُمَرَ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : قُلْتُهُ تَقْلِيدًا لِعُثْمَانَ ، وَقَالَ فِي الْفَرَائِضِ : هَذَا مَذْهَبٌ تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ زَيْدٍ ."
 
الآن اطمأننت وأدركت أن ما كان يدور بخلدي ولا اصرح به صحيحاً، لأنني بحث طويلاً عن دليل يجعل اجتهاد الصحابي حجة فلم أجد، وها أنا أجد أن كل من كتب في مداخلات عدة مواضيع منتميه لم يقدموا الدليل النصي، بل ذهبوا يستخدمون المنطق الفلسفي أو العاطفي. وعندما جاء بعضهم بنص وجدناه يقول:"فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"، نعم عليكم بنهج الخلفاء الراشدين وسيرتهم التي لا يزال المسلمون يتغنون بها. وحتى لا نخوض طويلاً بعرض سيرتهم ونهجهم يكفي أن نقول: هل النص الكريم يتحدث عن الصحابة أم عن الخلفاء الراشدين؟
أما دعاء الرسول عليه السلام لابن عباس فلا علاقة له بما نحن فيه. ثم هو عليه السلام لم يدع لغيره بمثل هذا، ونحن نتكلم عن الصحابة وليس عن ابن عباس.
 
أدلة من قالوا بحجية قول الصحابي :

1- {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }(آل عمران110)

2- { اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ } (يس21)

3- { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } (لقمان15)
 
لقد قلنا إن المسألة خلافية ولا نحجر على أحد أن يختار ما يترجح عنده من الأقوال

ولكن الذي نرفضه دعوى أن الجمهور على عدم حجية قول الصحابي

والأمر ياتباع سنة الخلفاء الراشدين من أعظم الأدلة على حجية أقوال الصحابة للذي يريد أن يراه دليلا.

أما بن عباس رضي الله عنهما فأين نضع قوله في التفسير إذا ثبت وقد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال غيره من غير الصحابة؟
 
عودة
أعلى