والغزالي ممن انتصر لعدم الاحتجاج بقول الصحابي ، والذين احتجوا به إنما قوى ذلك عندهم ظهور أن الصحابي لا يفتي إلا برواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يرجعون مذاهبهم إلى السنة.
والحق أن الأدلة التي أقاموها على هذه الحجية لا تفيد غلبة الظن فضلاً عن القطع اللازم في هذه الأصول...)).
!
الأخ سنان حفظك الله
يبدو أننا سنحول الملتقى إلى ملتقى أصول الفقه بدلا من ملتقى أهل التفسير ، ولكن لا بأس ما دام أنه في سبيل فهم كتاب الله تعالى.
قول الخضري رحمه الله تعالى محل نظر ، وما دام أنك فتحت الباب فدعنا نرى المسألة بشيء من التفصيل:
" المبحث الثاني : قول الصحابي
والكلام على هذا المبحث في النقاط الآتية:
1- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه.
2- قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة.
3- قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف.
4- قول الصحابي فيما عدا ذلك.
5- تحرير محل النزاع.
6- قول الصحابي لا يخالف النص.
7- قول الصحابي إذا خالف القياس.
8- الأدلة على حجية قول الصحابي.
1- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه:
قول الصحابي فيما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد له حكم الرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستدلال به والاحتجاج، أو يكون ذلك في حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن من باب الرواية بالمعنى؛ فإن الصحابة يروون السنة تارة بلفظها وتارة بمعناها.
ولا يصح بناءً على ذلك أن يقال فيه: هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
2- قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة:
إذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم لم يكن قول بعضهم حجة على بعض، ولم يجز للمجتهد بعدهم أن يقلد بعضهم، بل الواجب في هذه الحالة التخير من أقوالهم بحسب الدليل -عند الأكثر- ولا يجوز الخروج عنها.
قال ابن تيمية: "وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء".
3- قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف:
قول الصحابي إذا اشتهر ولم يخالفه أحد من الصحابة صار إجماعًا وحجة عند جماهير العلماء.
قال ابن تيمية: "وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء".
4- قول الصحابي فيما عدا ذلك "وهذا هو المقصود بحثه في هذا المقام":
قول الصحابي إذا لم يخالفه أحد من الصحابة ولم يشتهر بينهم، أو لم يُعلم هل اشتهر أو لا؟ وكان للرأي فيه مجال، فقول الأئمة الأربعة وجمهور الأمة: أنه حجة خلافًا للمتكلمين.
قال ابن تيمية:
"وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع، وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد - في المشهور عنه - والشافعي في أحد قوليه، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع، ولكن من الناس من يقول: هذا هو القول القديم".
5- تحرير محل النزاع:يمكن تحرير محل النزاع في قول الصحابي من خلال النقاط الماضية فيما يأتي:
أ- أن يكون في المسائل الاجتهادية، أما قول الصحابي فيما لا مجال للاجتهاد فيه فله حكم الرفع.
ب- ألا يخالفه غيره من الصحابة، فإن خالفه غيره اجتهد في أرجح القولين بالدليل.
جـ- ألا يشتهر هذا القول، فإن اشتهر -ولم يخالفه أحد من الصحابة- كان إجماعًا عند جماهير العلماء.
يضاف إلى ذلك شرطان:
( أولهما: ألا يخالف نصًا.
( ثانيهماً: ألا يكون معارضًا بالقياس.
بتلك الضوابط وبهذين الشرطين ذهب الأئمة إلى الاحتجاج بقول الصحابي.
6- قول الصحابي لا يخالف النص:
قول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفًا للنص، إذ من المستبعد أن يخالف الصحابي نصًا ولا يخالفه صحابي آخر.
قال ابن القيم: "من الممتنع أن يقولوا -أي الصحابة- في كتاب الله الخطأ المحض؛ ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به، وهذه الصورة المذكورة وأمثالها [يعني قول الصحابي المخالف للنص] قد تكلم فيها غيرهم بالصواب.
والمحظور إنما هو خلو عصرهم عن ناطق بالصواب، واشتماله على ناطق بغيره فقط، فهذا هو المحال".
فلدينا إذن أمران متلازمان، وهما شرطان وقيدان للاحتجاج بقول الصحابي:
الأول: ألا يخالف الصحابي نصًا.
والثاني: ألا يخالف الصحابي صحابي آخر.
فإن خالف الصحابي نصًا فلا بد أن يخالفه بعضُ الصحابة، فلا يكون حينئذ قول بعضهم حجة؛ إذ كلا القولين يحتمل الصواب.
- قول الصحابي إذا خالف القياس:
قول الصحابي الذي اتفق الأئمة على الاحتجاج به لا يكون مخالفًا للقياس.
أما إن كان مخالفًا للقياس:
فالأكثر على أنه يحمل على التوقيف؛ لأنه لا يمكن أن يخالف الصحابي القياس باجتهاد من عنده.
وقول الصحابي المخالف للقياس - عند هؤلاء - مقدم على القياس؛ لأنه نص والنص مقدم على القياس، وقد تعارض دليلان والأخذ بأقوى الدليلين متعين.
وذهب بعض الأئمة إلى أن قول الصحابي لا يكون حجة إذا خالف القياس؛ لأنه قد خالفه دليل شرعي وهو القياس، وهو لا يكون حجة إلا عند عدم المعارض.
8- الأدلة على حجية قول الصحابي:
من الأدلة على ذلك:
( الدليل الأول: ما ورد من النصوص الدالة على عدالتهم وتزكية الله تعالى لهم وبيان علو منزلتهم، كقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } [التوبة: 100].
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
( الدليل الثاني: أن الصحابة -رضي الله عنهم- انفردوا بما جعلهم أبر الأمة قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلهم تكلفًا، فقد خصهم الله بتوقد الأذهان وفصاحة اللسان، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل قد غنوا عن ذلك كله.
فليس في حقهم إلا أمران:
أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا.
والثاني: معناه كذا وكذا.
وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما؛ لذلك كان قولهم أقرب إلى الصواب وأبعد عن الخطأ؛ فإنهم حضروا التنزيل، وسمعوا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، وهم أعلم بالتأويل وأعرف بالمقاصد، وأقرب عهدًا بنور النبوة، وأكثر تلقيًا من المشكاة النبوية.
( الدليل الثالث: أن فتوى الصحابي لا تخرج عن ستة أوجه:
الوجه الأول: أن يكون سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
الوجه الثاني: أن يكون سمعها ممن سمعها منه - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يهابون الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويعظمونها، ويقللونها خوف الزيادة والنقصان.
الوجه الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهمًا خفي علينا.
الوجه الرابع: أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم، ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده.
الوجه الخامس: أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور فهمها على طول الزمان من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومشاهدة أفعاله، وأحواله، وسيرته، وسماع كلامه، والعلم بمقاصده، وشهود تنزيل الوحي، ومشاهدة تأويله بالفعل، فيكون فهم ما لا نفهمه نحن.
وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها.
الوجه السادس: أن يكون فهم ما لم يرده الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأخطأ في فهمه، والمراد غير ما فهمه.
وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة.
ومعلوم قطعًا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين."
****
المصدر:
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة
محمَّد بنْ حسَيْن بن حَسنْ الجيزاني
بعد هذا العرض إذا لم يكن هناك اعتراض أو مناقشة ، فلماذا لا نحاول عرض هذا النتيجة على أقوال الصحابة في كتب التفسير ونرى مدى موافقة القواعد الأصولية لواقع كتب التفسير؟