السلام عليكم
سألني سائل بالمسجد الذي أؤمّ الناس فيه عن قوله تعالى: "حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم.." فقال: لم زيدت (ما) بعد إذا؟
فقلت له: الذي يمكنني قوله الآن إن فيها مزيدًا من التأكيد، فأنظرني حتى أراجع الأمر.
وقد جهدت في البحث فلم أظفر ببيان شافٍ في المسألة، فهل من معين؟
وعليكم السلام ورحمة الله ،،
مادة (ما) -في العادة- تربط إلى التصور الذهني : الإطلاقَ في وصف الشيء المذكور .
فالأَوْلى أن تسمى الإطلاقية .
كقوله تعالى : ((فبما نقضهم ميثاقهم)) ، ((وإنّ كلاً لما ليوفينهم)) .
فأفادت آية سورة فصلت : إطلاق التصور لمجيئهم النارَ والعياذ بالله .
الفاضل مهند شيخ يوسف
يقول الزمخشري (ت:538ه) في تفسيره : " فإن قلت: (ما) في قوله: { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا } ما هي؟ قلت: مزيدة للتأكيد، ومعنى التأكيد فيها: أنّ وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم، ولا وجه لأن يخلو منها. ومثله قوله تعالى:{ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ }[يونس: 51] أي: لا بدّ لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به" إن أسلوب " إذا ما " يدل على تأكيد الوقت الآني الذي يقع فيه الفعل . وهذا ما نجده في كل الأساليب القرآنية المشابهة . والله أعلم وأحكم
{...وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ...}[البقرة:282] في وقت دعوتهم للكتابة فعليهم أن يلبوا الطلب فورا . {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[المائدة:93] يقول الشعراوي في تفسيره : " إذن، فهنا ثلاث مراحل: هناك من أدرك حكماً فاتقى الله وآمن وعمل صالحاً، وبعد ذلك انتقل وأفضى إلى ربه فلا جناح عليه، وهناك من عاش ليعاصر أحكاماً أخرى فآمن بها وعمل بها، وهناك من عاش ليعاصر أحكاماً قد زادت فعمل بها أيضاً. والإيمان الأول ارتبط بالعمل الصالح، وكذلك الإيمان الثاني الذي جاء في الآية." فكل وقت عند الرعيل الأول مرتبط بأحكام شرعية خاصة ولا حرج على الذين لم يعاصروا الأحكام الشرعية الجديدة وماتوا قبل فرضها وتطبيقها ." {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ }[التوبة:92] ، يقول الشعراوي في تفسيره : " إذن: فالمعفوْن من الجهاد هم: الضعيف والمريض، والذي لا يجد قوتاً، ولا يجد راحلة؛ فيطلبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له رسول الله: { لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ }" فهذا الجواب يكون في نفس اللحظة عند طلب الراحلة . وقس على ذلك في كل الحالات المماثلة {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }[التوبة:124] {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون }[التوبة:127] {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }[يونس:51] {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ }[الأنبياء:45] {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[فصلت:20] {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ }[الشورى:37] ، يغفرون في وقت الغضب . {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ }[الفجر:15] {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ }[الفجر:16]
والله أعلم وأحكم
[وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ{19} حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{20} وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{21}] ففي وقت معين من يوم حشر الكفار إلى النار حيث يُجاء بهم إليها وتكون عملية الإشهاد منهم عليهم ، ويتيقنون من أن الذي أنطق سمعهم وأبصارهم هو الله الذي أنطق كل شيء ويكون التعقيب على هذا المشهد بما يلي : [وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ{22} وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ{23}فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ{24}] وفي ذلك الحين بالذات ، لا ينفع الصبر ولا الاستعتاب . ويؤكد الصبر المرتبط باللحظة الآنية ما جاء في صحيح البخاري : " مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ ، فقال : اتَّقي اللهَ واصبري قالت : إليكَ عَنِّي ، فإنكَ لم تُصَبْ بمصيبتي ، ولم تعرفْهُ ، فقيل لها : إنَّهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فأتت باب النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فلم تجد عندَهُ بوَّابِينَ ، فقالت : لم أعرفْكَ ، فقال : إنما الصبرُ عند الصدمةِ الأولى ." والله أعلم وأحكم