الحمد الله وكفى ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المصطفى محمد وعلى آله وصحبه أولي التقى ، وبعد :
فمسألة الحب عند المسلمين في أعلى منازلها : حب الله تعالى ، ثم حب رسوله e ، ثم تأتي بعد ذلك المحبات الأخرى التي يحفها العفاف والخلق الكريم ؛ أي المحبات الجبلية للوالدين ، والأبناء ، والزوجات ، والأهل والعشيرة ، والأصدقاء ، بل للمال والمسكن والتجارة ، وهذه المحبات لا تزاحم محبة الله ورسوله في قلب المؤمن الصادق ؛ قال الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ } [ البقرة : 165 ] ، وقال تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 24 ] .
وهناك محبات أخرى عند غير المسلمين وبعض المسلمين مما لا يحل ؛ كمحبة ما لا يحل من النساء ، ومحبة الفواحش ، ومحبات متنوعة من المحرمات .
وقد سئل بعض العلماء : هل الحب حرام ؟ فأجاب : الحب الحلال حلال ، والحب الحرام حرام .
والحب الحرام ، لا نجده عند مسلم صادق ، يحب الله ورسوله ، ويخشى عقاب الله تعالى إذا خالف أوامره أو أوامر رسوله ، أو وقع في ما نهى الله عنه ، أو نهى عنه رسوله .
ويعيش المسلمون بالتواد والتراحم والتعاطف كالجسد الواحد ، قد علمهم رسولهم e أن الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان ؛ وعلمهم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ؛ فمسألة الحب في الإسلام مسألة عقيدة ، ثم هي معايشة حياتية ، لا تحتاج أن يتذكرها المسلم في يوم ، سماه غير المسلمين ( عيد الحب ) ، ويقصدون به العلاقة بين الرجل والمرأة على الوجه الذي حرمَّه ربُّ العالمين ؛ ويقيمون له احتفالا يمتلئ بما يُغضب الرب جل جلاله .
قصة عيد الحب
يعتبر عيد الحب - في الأصل - من أعياد الرومان الوثنيين ، وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي ؛ ولما اعتنق الرومان النصرانية أبقوا على الاحتفال بعيد الحب ، ولكن نقلوه من مفهومه الوثني ( الحب الإلهي ) إلى مفهوم آخر يُعبَّر عنه بشهداء الحب ، ممثلاً في القِس فالنتاين ، الذي قتله الإمبراطور الروماني كلاوديس الثاني في الرابع عشر من فبراير عام ( 270 م ) تقريبًا ؛ وسموه - أيضًا - ( عيد العشاق ) ، واعتبر ( فالنتاين ) راعي العشاق .
ولقصة هذا العيد المبتدع أساطير عند الرومان ، وعند ورثتهم من النصارى ، وأشهر هذه الأساطير التي تتعلق بـ ( فالنتاين ) ؛ أن فالنتاين عارض الإمبراطور في منع عقد الزواج بين الشباب ، كي يتفرغ الشباب للقتال ، وكان القس يعقد الزواج بين الشباب سرًّا في كنيسته ، فلما اكتشف الإمبراطور ذلك أمر بقتله .
وتشير رواية أخرى أن القس سُجن قبل أن يقتل ؛ وفي سجنه تعرف على ابنة أحد حراس السجن ، وكانت مريضة ، فعمل القسيس على شفائها ، ووقع بينهما الحب ؛ وأنه قبل أن يُعدم أرسل لها بطاقة مكتوبًا عليها : ( من المخلص فالنتاين ) .
وأصبح في أوربا النصرانية يوم الرابع عشر من فبراير هو عيد الحب ، الذي باركته الكنيسة التي تدعو إلى نشر الحب بين الشباب ، وقد ارتبط اسم الحب في أوربا وأمريكا بالجنس .
ثم ابتدع لهذا العيد احتفالا يرتبط بنشر الرذيلة ، من ألوان وأشكال ، وعبارات في بطاقات ، ودعوات إلى لقاءات ، كل ذلك يدعو إلى نشر الحب المحرم بين الذكور والإناث .
أثاره السيئة
من آثار الاحتفال بهذا العيد المبتدع : انتشار الزنا والفواحش ؛ ولذلك حاربه رجال الدين النصراني في أول وقت ظهوره ، وأبطلوه ؛ ثم جاء خلف منهم أعادوه وباركوه ؛ وأباحوا المجون والاختلاط والإباحية ، كما أباحوا من قبل الخمر ، كذبًا وبهتانًا ؛ وكانت ثمرة هذا الاختلاط أن تفككت الأسر ، وسُنت قوانين في أوربا وأمريكا تعطي الشباب حرية مطلقة دون قيد بعد سن الثامنة عشرة ، وكثرت حالات الحمل غير الشرعي ، وارتفعت حالات الاغتصاب ، وتخلي أكثر الآباء عن تربية الأبناء ؛ لأنهم يشغلونهم عن التمتع بالحياة ، التي أصبحت حياة مادية لا يقيدها دين ولا خلق . لماذا لا يحتفل المسلم بهذا العيد ؟
الإسلام قد جعل المسلم مميزًا بعقيدته وسلوكه وأخلاقه ؛ ومن هذا التميز تميزه في الأعياد والمواسم ، فالأعياد في الإسلام عبادات يُتقرب بها إلى الله عز وجل ، وهي من الشعائر الدينية العظيمة ، وليس في الإسلام ما يطلق عليه عيد إلا ثلاثة : عيد الجمعة ، وعيد الفطر ، وعيد الأضحى ؛ وليس لأحد من الناس أن يضع عيدًا لم يشرعه الله جل جلاله ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وبناءً على ذلك فإن الاحتفال بعيد الحب ، أو بغيره من الأعياد المحدثة يعتبر ابتداعًا في الدين ، ضلالة ، لا يجوز للمسلم أن يحتفل به ، أو يهنئ به .
كما أن الاحتفال بعيد الحب فيه تشبه بالرومان الوثنيين ، ثم بالنصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرومان ، وليس هو من دينهم ؛ وعموم التشبه بالكفار - وثنيين كانوا أم كتابيين - محرم ، سواء كان التشبه بهم في عقائدهم وعباداتهم - وهو أشدُّ إثمًا - أم فيما اختصوا به من عاداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم ، كما قرر ذلك الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم ؛ فقد قال الله تعالى : { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 105 ] ، وقال عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [ المائدة : 51 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله : هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ، كما في قوله تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ( اقتضاء الصراط المستقيم : 1 / 314 ) .
ثم إن المحبة المقصودة بهذا العيد منذ أن أحياه النصارى ، هي محبة العشق والغرام خارج إطار الزوجية ؛ وهذا محرم ، ومن أثارها - كما تقدم - انتشار الزنا والفواحش ، وانتشار الأمراض المعروفة بالأمراض الجنسية ؛ ومعظم شباب المسلمين الذين يحتفلون بهذا العيد إنما يحتفلون به لأجل الشهوات ؛ وليس ذلك بنافٍ عنهم صفة التشبه بالكفار ؛ ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يعقد علاقة غرامية مع امرأة لا تحلُّ له ، لأن ذلك بوابة الزنا ، الذي هو من كبائر الذنوب .
موقف المسلم من عيد الحب
بعد هذا العرض الموجز يمكن تلخيص ما يجب على المسلم تجاه هذا العيد فيما يلي : أولاً : عدم الاحتفال به ، أو مشاركة المحتفلين به ، أو تهنئتهم ؛ فكل ذلك غير جائز . ثانيًا : عدم إعانة الكفار على احتفالهم به بأي نوع من أنواع الإعانة ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى : لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم ؛ لا من طعام ، ولا لباس ، ولا اغتسال ، ولا إيقاد نيران ، ولا تبطيل عادة ، من معيشة أو عبادة .. أو غير ذلك ؛ ولا يحل فعل وليمة ، ولا الإهداء ، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك ، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ، ولا إظهار الزينة ؛ وبالجملة : ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم ، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام . ( مجموعة الفتاوى : 25 / 329 ) .
فلا يجوز بيع ولا شراء هذه الأدوات المختصة بهذا العيد من لباس أحمر ، وملصقات على هيئة القلوب ، وكروت بها عبارات هذا العيد ... وغير ذلك مما ابتدع لهذا العيد . ثالثًا : يجب على المسلمين أن يتناصحوا فيما بينهم على هذا ، وإذا رأوا مسلمًا يبيع أو يشتري من ذلك شيئًا أن ينصحوه ، وينهوه عن هذا المنكر ؛ قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى : وكما لا نتشبه بهم في الأعياد ، فلا يعان المسلم بهم في ذلك ، بل ينهى عن ذلك ؛ فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم ، لم تُجَبْ دعوته ، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد ، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد ، لم تقبل هديته ، خصوصًا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه ، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك ، لأن في ذلك إعانة على المنكر . ( اقتضاء الصراط المستقيم : 2 / 519 ،520 ) . رابعًا : توضيح حقيقة هذا العيد وأمثاله من أعياد الكفار لمن اغتر بها من المسلمين ، وبيان ضرورة تميز المسلم بعقيدته ، وتذكيره بمخاطر التشبه بالكفار في شعائرهم الدينية ، كالأعياد ؛ أو بعاداتهم وسلوكياتهم ، نصحًا للأمة وأداءً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي بإقامته صلاح العباد والبلاد ، وحلول الخيرات ، وارتفاع العقوبات كما قال تعالى : { وَمَاكَانَرَبُّكَلِيُهْلِكَالْقُرَىبِظُلْمٍوَأَهْلُهَامُصْلِحُونَ } [ هود : 117 ] .
وإن كان واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلزم جميع المسلمين ، كلًّا بحسبه ، فخطباء المساجد ووسائل الإعلام عامة يلزمهم أن يقوموا بواجبهم في بيان عدم جواز الاحتفال بهذا العيد ، أو التهنئة به .