ض
ضيف
Guest
هذه مقالة للشيخ الأديب على الطنطاوي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته في كتابه الذكريات الجزء الثاني .
أسوقها لكم لنتذكر فضلهما الذي لا ينسى ولنستغل فرصة وجودهما قبل أن يأتي يوم لا يجدي فيه الندم فأسأل الله أن يمد في عمري أبي وأمي على طاعته وأن يمد في أعمار والديكم ويرحم من توفي منهم ، فإلى المقالة :
إني أكتب اليوم عن أمي ، ولكن كل واحد منكم سيقرأ فيه الحديث عن أمه هو .
ألم يقل سبنسر : إن الجميع يبكون في المآتم ولكن كلا يبكي على ميته ؟
فمن قعد يقرأ هذه الحلقة وله أم فليتدارك ما بقي من أيامها لئلا يصبح يوماً فلا يجدها ولا يجد ما يعوضه عنها .
وإن كانت عجوزاً أوكانت مريضة أو كانت مزعجة بكثرة طلباتها فاذكر أنها إن احتاجت إليك اليوم فلقد كنت يوماً أحوج إليها ، وإن طالبتك أن تقدم لها من مالك فقد قدمت لك من نفسها ومن جسدها ، وأنها حملتك في بطنها فكنت عضواً من أعضائها يتغذى من دمها ، ثم وضعتك كرهاً عنها ، انتزعت منها انتزاع روحها .
أما أبصرت يوماً حاملاً في شهرها التاسع بطنها إلى حلقها لا تستطيع أن تمشي من ثقل حملها ولا تستطيع أن تنام ؟
وإن لم تر بعينك امرأة تلد أفما سمعت صراخها من ألمها ؟
ألم يبلغك ما تقاسي وما تتعذب ؟
لوسبب لك إنسان عشر هذا العذاب لأعرضت عنه ولهجرته هذا إن أنت رفقت به فما انتقمت منه ولا آذيته ولكن الأم تنسى بعد لحظات من خروج الولد ألمها ثم تضمه إلى صدرها فتحس كأن روحها التي كادت تفارقها قد ردت إليها ، وتلقمه ثديها ليمتص حياتها فيقوى بضعفها ويسمن بهزالها أو يمدها الله بقوة من عنده فلا تضعف ولا تهزل ويقوى هو ويسمن .
وإن ضقت بطول حياة أمك ، تخفي ذلك في أعماق نفسك وتنكره بلسانك فقد كانت ترى فيك حياتها ، إن تبسمت أحست أن الدنيا تبسم لها والأماني قد واتتها ، وإن بكيت بكى قلبها واسود نهارها ، وإن مرضت هجرت منامها ونسيت طعامها ، ترعاك ساهرة حتى تصبح ، فإن أصبحت ظلت ترعاك حتى تمسي .
إنك لو أحببتها بقلبك كله لم توفها إلا واحداً بالمئة مما أولتك هي من حبها .
وإن كان لك أب شيخ كبير محتاج إليك ، فاذكر أنه طالما تعب لتستريح أنت وشقي لتسعد ، ماجمع المال إلا لك وما خسر ماضيه إلا ليضمن مستقبلك ، وأنه كان يعود من عمله محطماً مكدوداً فتثب إلى حجره وتقول له : بابا ، وتمد يديدك الصغيرتين لتعانقه ، فينسى بك التعب والنصب ، ويرى المسرات كلها قد جمعت له والمتاعب كلها قد نأت عنه .
واذكر أنه مازاد من عمرك يوم حتى نقص من عمريهما مثله ، ولا بلغت شبابك حتى ذهب شبابهما ، ولا نلت هذه القوة حتى نالهما الضعف .
أفئن بلغت مبلغ الرجال كان جزاؤهما منك الصدود والنكران !
إن الإنسان يربي كلباً فيفي له ، وحماراً فلا يرفسه ، ويطعم القط فلا يعضه ، بل إن من الناس من يتألف صغار الأسود والنمور وأنواع الوحش فتأنس به وتأوي إليه وتلحس يده ـ.
ويفني الوالدان نفسيهما في الولد فينسى فضلهما ويجحد يدهما ؟
يا عجــــبـــا ً ! !
أيكون الكلب والحمار والقط والنمر أوفى من الإنسان ؟ !
وقد تجد في الناس من يظهر لك من حبه أكثر مما تظهر الأم ويظهر الأب ، ولكن منهم من يحبك لمالك أو لجمالك أو لجاهك وصلاح حالك ، فإن ساءت الحال أو ذهب الجمال أو قل المال أعرض عنك ولم يعد يعرفك .
أما الذي يحبك لذاتك ويبقى على حبك مهما تبدلت الحال بك فهو أمك وأبوك ، لاتجد مثلهما .
فمن كانت له أم أو كان له أب فقد فتح له باب الجنة ، فمن الذي يمر بباب الجنة مفتوحاً فلا يدخلها ؟ !
إني أكتب اليوم عن موت أمي ، وقد كتبت من قبل عن موت أبي ، وإن كنت أتمنى أن أخسر تسعة أعشار ما أملك من مال أقتنيته وكتب ألفتها ، وشهرة نلتها ومناصب تقلدتها ، وأن تكون بقيت لي أمي وبقي لي أبي ) .
أسوقها لكم لنتذكر فضلهما الذي لا ينسى ولنستغل فرصة وجودهما قبل أن يأتي يوم لا يجدي فيه الندم فأسأل الله أن يمد في عمري أبي وأمي على طاعته وأن يمد في أعمار والديكم ويرحم من توفي منهم ، فإلى المقالة :
إني أكتب اليوم عن أمي ، ولكن كل واحد منكم سيقرأ فيه الحديث عن أمه هو .
ألم يقل سبنسر : إن الجميع يبكون في المآتم ولكن كلا يبكي على ميته ؟
فمن قعد يقرأ هذه الحلقة وله أم فليتدارك ما بقي من أيامها لئلا يصبح يوماً فلا يجدها ولا يجد ما يعوضه عنها .
وإن كانت عجوزاً أوكانت مريضة أو كانت مزعجة بكثرة طلباتها فاذكر أنها إن احتاجت إليك اليوم فلقد كنت يوماً أحوج إليها ، وإن طالبتك أن تقدم لها من مالك فقد قدمت لك من نفسها ومن جسدها ، وأنها حملتك في بطنها فكنت عضواً من أعضائها يتغذى من دمها ، ثم وضعتك كرهاً عنها ، انتزعت منها انتزاع روحها .
أما أبصرت يوماً حاملاً في شهرها التاسع بطنها إلى حلقها لا تستطيع أن تمشي من ثقل حملها ولا تستطيع أن تنام ؟
وإن لم تر بعينك امرأة تلد أفما سمعت صراخها من ألمها ؟
ألم يبلغك ما تقاسي وما تتعذب ؟
لوسبب لك إنسان عشر هذا العذاب لأعرضت عنه ولهجرته هذا إن أنت رفقت به فما انتقمت منه ولا آذيته ولكن الأم تنسى بعد لحظات من خروج الولد ألمها ثم تضمه إلى صدرها فتحس كأن روحها التي كادت تفارقها قد ردت إليها ، وتلقمه ثديها ليمتص حياتها فيقوى بضعفها ويسمن بهزالها أو يمدها الله بقوة من عنده فلا تضعف ولا تهزل ويقوى هو ويسمن .
وإن ضقت بطول حياة أمك ، تخفي ذلك في أعماق نفسك وتنكره بلسانك فقد كانت ترى فيك حياتها ، إن تبسمت أحست أن الدنيا تبسم لها والأماني قد واتتها ، وإن بكيت بكى قلبها واسود نهارها ، وإن مرضت هجرت منامها ونسيت طعامها ، ترعاك ساهرة حتى تصبح ، فإن أصبحت ظلت ترعاك حتى تمسي .
إنك لو أحببتها بقلبك كله لم توفها إلا واحداً بالمئة مما أولتك هي من حبها .
وإن كان لك أب شيخ كبير محتاج إليك ، فاذكر أنه طالما تعب لتستريح أنت وشقي لتسعد ، ماجمع المال إلا لك وما خسر ماضيه إلا ليضمن مستقبلك ، وأنه كان يعود من عمله محطماً مكدوداً فتثب إلى حجره وتقول له : بابا ، وتمد يديدك الصغيرتين لتعانقه ، فينسى بك التعب والنصب ، ويرى المسرات كلها قد جمعت له والمتاعب كلها قد نأت عنه .
واذكر أنه مازاد من عمرك يوم حتى نقص من عمريهما مثله ، ولا بلغت شبابك حتى ذهب شبابهما ، ولا نلت هذه القوة حتى نالهما الضعف .
أفئن بلغت مبلغ الرجال كان جزاؤهما منك الصدود والنكران !
إن الإنسان يربي كلباً فيفي له ، وحماراً فلا يرفسه ، ويطعم القط فلا يعضه ، بل إن من الناس من يتألف صغار الأسود والنمور وأنواع الوحش فتأنس به وتأوي إليه وتلحس يده ـ.
ويفني الوالدان نفسيهما في الولد فينسى فضلهما ويجحد يدهما ؟
يا عجــــبـــا ً ! !
أيكون الكلب والحمار والقط والنمر أوفى من الإنسان ؟ !
وقد تجد في الناس من يظهر لك من حبه أكثر مما تظهر الأم ويظهر الأب ، ولكن منهم من يحبك لمالك أو لجمالك أو لجاهك وصلاح حالك ، فإن ساءت الحال أو ذهب الجمال أو قل المال أعرض عنك ولم يعد يعرفك .
أما الذي يحبك لذاتك ويبقى على حبك مهما تبدلت الحال بك فهو أمك وأبوك ، لاتجد مثلهما .
فمن كانت له أم أو كان له أب فقد فتح له باب الجنة ، فمن الذي يمر بباب الجنة مفتوحاً فلا يدخلها ؟ !
إني أكتب اليوم عن موت أمي ، وقد كتبت من قبل عن موت أبي ، وإن كنت أتمنى أن أخسر تسعة أعشار ما أملك من مال أقتنيته وكتب ألفتها ، وشهرة نلتها ومناصب تقلدتها ، وأن تكون بقيت لي أمي وبقي لي أبي ) .