هل لأبي معشر مفردة في قراءة البصري!

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع الجكني
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

الجكني

مشارك نشيط
إنضم
02/04/2006
المشاركات
1,286
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد وصلني كتاب بعنوان :
" قراءة الإمام أبي عمرو بن العلاء البصري "
وكتب تحت العنوان :
" للإمام أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري الشافعي المتوفى سنة 468هـ"
وكتب تحت ذلك :
" تحقيق ودراسة : أحمد رجب أبو سالم
وقد فرحت كثيراً بالحصول على هذه المفردة القيّمة الخاصة بقراءة أبي عمرو البصري ، رحمه الله ، بقلم هذا الإمام الكبير من علماء القراءات ؛ أعني أبا معشر الطبري رحمه الله .
ولما كتب الله لي الوقت لأتفرغ لهذه المفردة قراءة ودراسة ، استوقفتني بعض النقاط التي عكّرت عليّ تلك الفرحة ، ونغّصت علي تلك النشوة ، حتى انتهيت من دراسة الكتاب وأنا في شك وحيرة من نسبته لأبي معشر رحمه الله ، غير جازم بإثباته له ، كما أني غير جازم بنفيه عنه ، وإن كنت إلى الثانية أميل ظناً لا تأكيداً .
ولما كان ذلك كذلك ؛ أحببت أن أعرض هذه الشكوك والحيرة على احبابي وأصحابي المختصين بالقراءات وعلومها ، علِّي أجد حلاً لها فيغلّب أحد الرأيين على الآخر ، فأجزم به .
وقبل أن أبدأ بغرض هذه الشكوك أنوّه إلى أن كلامي هو مع " متن الكتاب " ، وليس مع فضيلة محقق الكتاب جزاه الله تعالى كل خير على تعبه وجهده القيّم الواضح في خدمة الكتاب وتحقيقه ، حسب التحقيق العلمي الأكاديمي كما ألزم نفسه به ، فلا حرمه الله تعالى الأجر ولا المثوبة في الدنيا والآخرة ، اللهم آمين .
المسألة الأولى : نسبة الكتاب إلى المؤلف :
ذكر المحقق الفاضل جزاه الله خيراً (24) مؤلفاً لأبي معشر الطبري ، وهي كل ما ذكره السابقون من لدن ابن خير الإشبيلي في " فهرسته " وإلى فضيلة المحقق الكريم .
والملاحظ أن هذه المؤلفات كلها ليس فيها ذكر " لقراءة أبي عمرو البصري " رحمه الله ، وليس فيها ذكر ل " مفردة أبي عمرو البصري " ؛ مما يعني أن هذه النسبة يعتريها الشك لأننا ننسب الكتب لأصحابها :
1- إما بتنصيص أصحاب الفهارس والتراجم عليها .
2- وإما بالنقل منها والتصريح بها .
ولا أتذكر الآن احتمالاً ثالثاً ، وهذان يكفيان في النسبة ، أما بوجود الاسم والنسبة في أغلفة المخطوطات ، فهذا – عندي كما عندي كثيرين – هو للاستئناس ، وليس للتأكيد ، والله أعلم .
ومع أن عنوان المخطوط :" مختصر في إفراد قراءة أبي عمرو " إلا أن المحقق الكريم عزف عنه إلى " قراءة أبي عمرو بن العلاء " لقول أبي معشر في المقدمة : هذا ذكر قراءة أبي عمرو " قال المحقق : " وهذا النص مجمع عليه في النسختين ، وهو أقرب إلى عناوين الكتب المختصرة .....فكل ذلك يرجّعُ هذه التسمية وهذا العنوان " اهـ ) ص : 45) .
وللمخالف أن يقول :
" لكن أبا معشر نفسه قال : "هذا ذكر قراءة أبي عمرو ....مختصراً موجزاً ..الخ " فلا أرى أن البحث العلمي حذف الإشارة إلى كون هذا الكتاب مختصراً ، بل هي من صميم العنوان ؛ فالكتاب مختصراً جداً جداً ، والله أعلم .
أما ملحوظاتي :
1- في ص 61 س3 : قال أيّده الله : قرأتُ بها القرآن ...الخ
تكررت هذه العبارة أكثر من مرة ؛ أعني " أيّده الله " ، وهي عبارة دالة بوضوح على أن هذه المفردة ليست لأبي معشر الطبري رحمه ، وإنما هي لأحد تلاميذه ، وهو ما تؤكده الفقرة الآتية وهي :
2- ص63س3 : " أخبرنا عبد الكريم بن عبد الصمد المقرئ بمكة حرسها الله في المسجد الحرام بقراءتي عليه في المحرّم سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ، قال : قرأت بها القرآن ....اله " اهـ
فهذا الكلام نص واضح صريح في أن هذا التأليف ليس لأبي معشر ، وإنما هو لأحد تلاميذه ، والله أعلم .
ملحوظة مهمة جداً :
هاتان الفقرتان سقطتا من النسخة ( ب ) ، وهي النسخة الثانية التي اعتمدها المحقق الكريم ، مما يعني أن الفقرتين موجودتان في النسخة ( أ ) وهي التي اعتمدها المحقق النسخة الأصل :
قال حفظه الله : " وقد اتخذت هذه النسخة أصلاً ، ورمزت لها بالنسخة ( أ ) لتمامها ، وقِدم نسخها ، وحُسن خطها " اهـ ( ص : 48 ) .
3- في ص 70 س7 : " وذكر بعضهم عن أهل البصرة ...الخ " اهـ :
عندي أن هذه العبارة ليست لأبي معشر لأمرين :
الأول : ، عبارته في كتابه سوق العروس : " وعن أهل البصرة " اهـ
الثاني : قوله هنا : ولكني ذاكرت العلماء بهذه الصنعة فذكروا لي أن ذلك ليس كما يزعم هؤلاء ، ما ذكر أهل البصرة هذه المسألة ...الخ
فهذا الكلام أكاد أجزم بأنه ليس كلام أبي معشر الطبري ؛ لأن هذه المسألة وهي – ترقيق اللام من لفظ الجلالة مطلقاً – معروفة عند أبي معشر لكونه يروي كتب الأهوازي والخزاعي ، وهما قد رويا بأسانيدهما عن أهل البصرة ؛ أبي عمرو ويعقوب وأبي حاتم أنهم كانوا يتركون تفخيم لام " الله تعالى " على كل حال . والله أعلم
وأيضاً :
قول المفردة هنا : " وقالوا : ( كما يخرج من اللفظ ) يعنون به : أنه لا يخرج للفصيح إلا كما ذكرنا في أول الباب " اهـ : دليل على أن الكلام ليس لأبي معشر ؛ لأن هذا التفسير لعبارة ( كما يخرج من اللفظ ) هو لأبي معشر نفسه ، فكيف يقول : وقالوا: يعنون به ....الخ ، بدليل قوله في سوق العروس : " وعن أهل البصرة أن اللام في اسم الله تعالى كما يخرج من الفم لا يقصدون الترقيق والتغليظ ، وقيل معنى هذا الكلام أنه لا يخرج الفصيح إلا مفخماً عند الفتح والضم ، مرققاً عند الكسر ، وهو وجه جيّد " اهـ ( ق:94/أ)
فظهر أن هذا الكلام هو من تعليقات مؤلف الكتاب زيادة على ما يرويه عن أبي معشر ، والله أعلم .
4- في ص75س2: قال : " لا يدغم المتحرك في المتحرك نحو " جعل لكم " ألبتة من هذا الوجه ، بل روي عن أبي عمرو إدغام " بيت طائفة " في جميع رواياته في جميع الوجوه " اهـ
يظهر لي – والله أعلم – أن قوله " بل روي ...." ليست من كلام أبي معشر ؛ بل هو استدراك من تلميذه لأن أبا معشر لا يمكن أن يقول إن جميع روايات أبي عمرو من جميع الوجوه تدغم " بيت طائفة " وهو نفسه في سوق العروس يقول : " بيت طائفة : بالادغام في جميع الأحوال حمزة وأبي عمرو غير اللؤلؤي وحسين والأعمش ، غيرهم بفتح التاء " اهـ ( ق: 191/ب) .
5- في ص116 س5 : قال : " وقد سمعت أنه يميل " ومثواكم " لأنها رأس آية ، ولم يذكرها الشيوخ المتقدمون "اهـ :
هذا المسموع لم يذكره أبو معشر الطبري في كتبه التي وصلتنا ؛ أعني التلخيص وسوق العروس ، ولم أطلع عليه في كتب القراءات الكبار التي رجعت إليها ، ويغلب على الظن أنها من زيادات التلميذ ، وليست من كلام أبي معشر ، والله أعلم .
6- في ص218 س2 : قال : " وأمال أبو عمرو الحرف ....الخ " اهـ :
المفردة هي في قراءة أبي عمرو ، فالتصريح باسمه هنا لا أرى له وجهاً ، إلا أن يكون من تلميذ أبي معشر ، والله أعلم .
7- في ص 240 س4 قال : " وقد بلغني عن النقاش ....الخ " اهـ
يظهر لي أن القائل هنا ليس أبا معشر ؛ لأن النقاش هو شيخ شيخ أبي معشر ، ويروي عنه بالسند ، وأيضاً قال في سوق العروس :" والشيوخ مثل ابن مجاهد والنقاش فتحوا الهاء لأبي عمرو " اهـ ، ويلاحظ أنه هنا في المفردة لم يذكر ابن مجاهد ، وفي سوق العروس لم يذكر أنه بلغه ، بل حكاه عنهما مباشرة ، والله أعلم .
8- في ص 277 س 2: قال : " بالتاء " اهـ ، وكتب في الحاشية : " في النسختين بالياء ، وهو تحريف ، والتصويب من التلخيص ص 311 " اهـ
وأقول : ما في النسختين هو الصواب لأن الكلام عن كلمة " يسبح " من قوله تعالى " وإن من شيء إلا يسبح بحمده " وهذه لا خلاف فيها بين القراء ، إنما الخلاف في " يسبح " التي في أول الآية " تسبح له السماوات " .
ويظهر لي أن السبب في سهو المحقق الفاضل هنا هو أن الكلام على " يسبح " الأولى ساقط من المفردة ، فلما رأى في التلخيص كلمة " يسبح " فقط ظنّ أن الثانية هي المرادة ، وهو خلاف الصواب الذي يريده أبو معشر رحمه الله ، وجلّ من لا يسهو ولا يغفل .
وخلاصة القول :
أن هذه المفردة مما أشك في صحة نسبتها لأبي معشر رحمه الله ، وأرى أنها : لأحد تلاميذه أفردها من طريق أبي معشر فقرأها عليه ، والله أعلم .
وربما يكتب الله لي أو لغيري في قابل الأيام الوقوف على هذا التلميذ ؛ خاصة وأنه حدّد وقت قراءته المفردة على أبي معشر وهي سنة ( 451هـ ) ، وساعتها سيزول شكي إلى يقين إما نفياً وإما إيجاباً ، والله تعالى أعلم .
والله من وراء القصد .
أ.د. السالم الجكني
أستاذ القراءات بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الأحد 12/10/1437هـ
 
عودة
أعلى