هل كان الخط العربي منقوطا وقت نزول الوحي؟

ايت عمران

New member
إنضم
17/03/2008
المشاركات
1,470
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المغرب
يرى بعض الباحثين أن إعجام الحروف أمر لم تعرفه اللغة العربية في عهد نزول القرآن الكريم، وإنما جاء متأخرا عن ذلك، وعليه، فالصحابة الكرام لم يجردوا المصاحف من النقط قصد احتمالها للقراءات المروية كما ذهب إليه القراء، ومنهم الإمامان: الشاطبي وابن الجزري، وإنما كتبوها على ما كان متداولا وقتهم من الخط.
ومن أبرز ما استدلوا به النقوش القديمة المعثور عليها، والتي خلت فيها الكتابة من علامات النقط.
بينما يرى آخرون أن الكتابة العربية كانت معجمة وقت التنزيل، ومن أهم ما استدلوا به نقوش قديمة نقطت فيها بعض الحروف المتشابهة، كالبردة المصرية المؤرخة بسنة 22 للهجرة، ونقش الطائف المؤرخ بسنة 58 هجرية.
بيد أني وقفت على شبه دليل لم أجد من تطرق إليه، ذلكم هو قول الإمام ابن جرير - رحمه الله – في جامع البيان:
"واختلفت القرّاء في قراءة قوله {فَتَبَيَّنُوا} فقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: {فَتَثَبَّتُوا} بالثاء، وذُكر أنها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء. وقرأ ذلك القرأة بعد: {فتبيَّنوا} بالياء، بمعنى: أمهلوا حتى تعرفوا صحته، لا تعجلوا بقبوله، وكذلك معنى {فَتَثَبَّتُوا}" (جامع البيان: 21 – 349 دار هجر)

فهل فيكم من وجد هذا الخبر مسندا إلى عبد الله رضي الله عنه؟
وألا ترون معي أنه دليل قوي في المسألة؟
وهل هناك أدلة أقوى لكل من الفريقين؟
 
بارك الله فيكم أخي محمد ايت عمران على طرح هذه المسألة, وكنت أود أن يطرحها أحد بعد ما حصل حولها نقاش في المؤتمر الدولي لتطوير الدراسات القرآنية, وأرى- والله أعلم- حسب ظني أن يجمع بين الأمرين دون أن نسقط أحادهما, بمعنى أن العرب كانت تكتب أحيانا بالنقط وبغيره, وعلى هذا جاءت النقوش القديمة, وليست المشكلة إثبات أنه لم يكن نقط, بل الإشكال أن نثبت أن هناك نقطا, ولو أثبتنا ذلك لم نخطأ العشرات من العلماء الذين نصوا على أن الصحابة تركوا نقط المصاحف لتحتمل وجوه القراءات.
وهنا سؤال مهم, وهو: هل يوجد أحد من العلماء السابقين نص على أن الصحابة كتبوا المصحف بما كان متداول عندهم من الخط, ولم يكتبوه بكتابة خاصة, وأنه لم يكن هناك نقط البتة في كتاباتهم, مع العلم أن النصوص المتواترة عن العلماء جاءت بعكس ذلك؟
 
وهنا سؤال مهم, وهو: هل يوجد أحد من العلماء السابقين نص على أن الصحابة كتبوا المصحف بما كان متداول عندهم من الخط, ولم يكتبوه بكتابة خاصة, وأنه لم يكن هناك نقط البتة في كتاباتهم
بارك الله فيك الذي فهمته من مشاركتك أن القرآن كُتب بطريقة مختلفة عن كتابة غير القرآن. إذا كان الأمر كذلك فلماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يكتبوا غير القرآن وقال صلى الله عليه وسلم (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) قال العلماء: إنما نهاهم عن ذلك خوف الالتباس بالقرآن، فإذا كان القرآن قد كُتب بطريقة مختلفة لكتابة الحديث مثلاً فأين الالتباس هنا؟ ألا يمكن التفريق بين القرآن وغيره من الخط وطريقة الكتابة؟

مع العلم أن النصوص المتواترة عن العلماء جاءت بعكس ذلك؟
ما هي تلك النصوص
بوركتم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ أشهر أنهيت بحثا علميا يتضمن جميع المسائل المتعلقة بالنقط والإضافات الأخرى، وسأضعه بين أيديكم قريبا إن شاء الله تعالى بعد أن ينشر في المجلة التي أرسلته لها.
 
أخي آيت عمران بارك الله فيك و نفع بك ، و فتح عليك ، موضوع قيم يستحق النقاش ، و لعلي أنبه على شئ أن الإمام ابن الجزري ليس ممن قال بأنه لم يكن النقط معروفا في هذا الوقت ، بل كلامه يدل على عكس ذلك ، و قد قال الإمام ابن الجزري في كتابه النشر ما نصه : ( و أجمعت الأمة المعصومة من الخطأ على ما تضمنته هذه المصاحف ( أي العثمانية ) و ترك ما خالفها من زيادة و نقص و إبدال كلمة بأخرى مما كان مأذونا فيه توسعة عليهم و لم يثبت عندهم مستفيضا أنه من القرآن ، و جُرِّدَتْ هذه المصاحف جميعها من النقط و الشكل ليحتملها ما صح نقله و ثبت تلاوته عن النبي صلى الله عليه و سلم إذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط . اهـ ) ، و قول الإمام ابن الجزري و تعبيره بلفظة ( جُرِّدَتْ ) دليل على وجود النقط حينها إلا أنه تعمد الصحابة رضوان الله عليهم من تجريد القرآن من النقط و الشكل ليتحمل القراءات التي صحت عن النبي صلى الله عليه و سلم ، فالواضح من كلام أهل العلم أن الكتابة كانت مشتهرة بكلا الأمرين بالنقط و الشكل و تركهما ، حتى أن بعض المخطوطات التي ترجع إلى القرن الرابع و الخامس الهجري التي كتبت بالخط المغربي و غيره ، كتبت بغير نقط و شكل ، غير أني لا يحضرني منها شئ الآن ، فالشاهد من الكلام أن كلا الأمرين كان مشتهرا لدى الصحابة و الناس حينها ، إلا أنهم اختاروا تجريده من النقط و الشكل ليتحمل القراءات المختلفة ، و الله أعلى و أعلم
 
الفاضل عمر بن علي، كيف "جردت تدل على وجود النقط حينها" حين أن النص نفسه يقول "جردت من النقط والشكل" ؟
أظن لو لم يذكر صاحب النشر رحمه الله المجرّد لما دل التّجريد على التنقيط بالضرورة لورود إحتمالات أخرى تتعلق على سبيل المثال بهندسة الحرف (تقعير، تثليث، تدوير، تطويل، توسيع، تضييق الخـ من أشكال هندسية) - هذا إن ثبت التجريد بادئ ذي بدء.
وأظن أن كلام شيخنا ايت عمران (ومن أبرز ما استدلوا به النقوش القديمة المعثور عليها، والتي خلت فيها الكتابة من علامات النقط) لا ينفي التجريد لكن فقط يثبت الملاحظ ولهذا يجب دراسة تلك النقوش على أساس الإهتمام بالإحتمالات الأخرى.
كما يمكن أيضا الإجابة على السؤال بدراسة تاريخ الخط "العربي"، كيف تعرّف العرب على الخط، ما الأصل الأقرب للخط الذي تعرفوا عليه الخـ. (نقوش خارجية منسوبة لهذا المنبع الأقرب قادرة على تقليص الإحتمالات).
 
أخي الفاضل شايب ، لا أدري هل في كلامي غموض ، أم أن الأمر يحتاج إلى توضيح ، لما ذكر الإمام ابن الجزري أن الصحابة جردوا الكتابة من النقط و الشكل ، فهذا دليل على أنها كانت موجودة و لكنهم تعمدوا إزالتها لتحتمل باقي القراءات ، فعلى سبيل المثال إن قلت ، جرده من ملابسه ، فإنها تدل على أنه كان يرتدي ملابسا ، ثم جرده منها ، فكذلك لفظة جردت التي لفظ بها الإمام ابن الجزري تعطي نفس المعنى و الأمثلة كثيرة على مثل هذا في اللغة ، و لو كان الإمام ابن الجزري يقصد عدم وجودها أصلا لما قال ذلك أصلا و لما احتاج أن يقول أنهم جردوها لتحتمل باقي القراءات ، فلا شك أن عدم وجودها سيجعل من تحمل القراءات أمرا ليس فيه اجتهاد من الصحابة ، فالصحابة تعمدوا ذلك ليتحمل الرسم باقي القراءات و فسرها في الفقرات التي تلي النص التي نقلته ، أما كلامكم السابق ذكره عن هندسة الخط فهو كلام نظري بحت عن الخطوط لا أقصده تماما في هذا الموضع و لا أظن أن الإمام ابن الجزري كان يقصده أصلا في مسألة التجريد ، و عموما قد صرح الإمام ابن الجزري بما جُرّد فالأمر لا يحتاج إلى فلسفة فيه ، و عموما قد أدليت رأيي في المسألة و فهمي لها ، و الله أعلى و أعلم ، و جزيتم خيرا
 
حياكم الله أخي الحبيب/مدثر, الله المستعان كيف أناقش أستاذي في الرسم والضبط!!!, سامحني الله, ولكن ما دمتم سألتم فلا بد من الإجابة, ولكن سأجيب فضيلتكم الآن على عجلة وأكمل بعد ذلك بإذن الله.
بارك الله فيك الذي فهمته من مشاركتك أن القرآن كُتب بطريقة مختلفة عن كتابة غير القرآن.
الذي فهمته هو الذي قصدته, وهذا الذي نص عليه العلماء السابقين من أن القرآن قد كتب بطريقة خاصة لا يقاس عليها أي خط لأنه كتب بطريقة فريدة, وهذه النصوص لا تخفى على فضيلتكم, ومنها:
قال المهدوي في هجاء المصاحف: "لمّا كانت المصاحف التي هي الأئمّة؛ إذ قد اجتمعت عليها الأُمّة، تلزم موافقتها، ولا تسوغ مخالفتها - وكان كثير من الخطّ المُثْبَت فيها، يخرج عن المعهود عند الناس...".
قال ابن درستويه: "ووجدنا كتاب الله عز وجل لا يُقاس هجاؤه ، ولا يُخالَفُ خطُّه...".
وقال السيوطي: ولا يقاس خط المصحف.
وقال ابن الجزري في بيان ذلك بعدما ذكر أن المصاحف جردوها من النقط والشكل: "ونحو ذلك مما يدل تجرده عن النقط والشكل وحذفه وإثباته على فضل عظيم للصحابة رضي الله عنهم في علم الهجاء خاصة وفهم ثاقب في تحقيق كل علم".
لماذا مدحهم ابن الجزري إذا كانوا قد كتبوا المصحف كما يكتب بأي كتابة في عصرهم؟!!!!
وأما الأمثلة العملية التي تدل على أن خط المصحف فيه دقائق ونفائس وفوائد لا توجد في غيره مما تعمده الصحابة في كتابتهم له, فهي كثيرة ولا تخفى على أمثالكم.
هذا من حيث العموم, أما ما يتعلق بأن النقط كان موجودا ومع ذلك قد تركوه, فأقول: يا شيخ مدثر أنت أعلم مني بذلك, فالكتب طافحة بمقولة: "وجردوه من النقط والشكل ليحتمل القراءات", إذاً كان هناك نقط وشكل لكن لم يستعملوه, وقد ذكر أخي محمد بعض الأدلة على ذلك, وأزيد على ذلك بعض الأدلة, -وأكمل بعد ذلك إن شاء الله-:
قال ابن مسعود: "جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء", ذهب بعض العلماء في تفسير الحديث بأنه أمر بتجريد المصحف من النقط؛ وهذا يدل على أنه كان معروفا عندهم, وهذا يوافق ما نقله أخي محمد ايت عمران عن ابن مسعود من أن مصحفه كان فيه (فَتَثَبَّتُوا) منقوطة بالثاء.
كذلك ذكر الفراء في معاني القرآن عن زيد بن ثابت أنه وجد حجرًا مكتوبًا عليه آية من غير تنقيط فنقَّطها, وهي كلمة: ننشزها.
فهذا كله يدل على أن النقط كان معروفا ولكنهم تركوه لما ذكر سابقا.
تنبيه: أنا مستعد أن أرجع عن رأيي في هذه المسألة إن ظهر لي عكس ما ذكرته, فالحق أحق أن يتبع.
 
شكر الله للمشايخ الكرام إثراءهم لموضوع النقاش، وأعتذر عن تأخر الرد بسبب انقطاع النت لدي،
أخي آيت عمران بارك الله فيك و نفع بك ، و فتح عليك ، موضوع قيم يستحق النقاش ، و لعلي أنبه على شئ أن الإمام ابن الجزري ليس ممن قال بأنه لم يكن النقط معروفا في هذا الوقت ، بل كلامه يدل على عكس ذلك [/COLOR]
[/COLOR]
متفق معكم تماما يا أستاذ عمر، وأنا لما قلت:
يرى بعض الباحثين أن إعجام الحروف أمر لم تعرفه اللغة العربية في عهد نزول القرآن الكريم، وإنما جاء متأخرا عن ذلك، وعليه، فالصحابة الكرام لم يجردوا المصاحف من النقط قصد احتمالها للقراءات المروية كما ذهب إليه القراء، ومنهم الإمامان: الشاطبي وابن الجزري،
قصدت أن هذا البعض من الباحثين رأوا أن الصحابة لم يجردوا المصحف، خلافا لما ذهب إليه بعض القراء كالشاطبي وابن الجزري...
 
الذي فهمته هو الذي قصدته, وهذا الذي نص عليه العلماء السابقين من أن القرآن قد كتب بطريقة خاصة لا يقاس عليها أي خط لأنه كتب بطريقة فريدة, وهذه النصوص لا تخفى على فضيلتكم, ومنها:
قال المهدوي في هجاء المصاحف: "لمّا كانت المصاحف التي هي الأئمّة؛ إذ قد اجتمعت عليها الأُمّة، تلزم موافقتها، ولا تسوغ مخالفتها - وكان كثير من الخطّ المُثْبَت فيها، يخرج عن المعهود عند الناس...".
قال ابن درستويه: "ووجدنا كتاب الله عز وجل لا يُقاس هجاؤه ، ولا يُخالَفُ خطُّه...".
وقال السيوطي: ولا يقاس خط المصحف.
أخي الكريم عمرو:
هذه النقول لا تدل على أن الصحابة كتبوا المصحاحف على طريقة تخالف المعهود في زمانهم، بل غاية ما تدل عليه أن خط المصحف لا يغير، ولا يقاس عليه.
وقول الإمام المهدوي: "وكان كثير من الخطّ المُثْبَت فيها، يخرج عن المعهود عند الناس" يقصد المعهود في زمانه - القرن الخامس - وذلك لأن الخط تطور كثيرا، خصوصا في خلافة بني العباس، وهذا أمر معروف مسلم.
 
أخي الفاضل شايب ، لا أدري هل في كلامي غموض ، أم أن الأمر يحتاج إلى توضيح ، لما ذكر الإمام ابن الجزري أن الصحابة جردوا الكتابة من النقط و الشكل ، فهذا دليل على أنها كانت موجودة و لكنهم تعمدوا إزالتها لتحتمل باقي القراءات.
جزاك الله خيرا سيدي الفاضل.
لا، ليس في كلامك غموض لكن ربما أنا أسأت فهمك أو أنا أسأت التعبير.
كنت أظن أنك حاولت الرد على سؤال فضيلة الأستاذ ايت عمران ( وهل هناك أدلة أقوى لكل من الفريقين؟). ثم رأيت أن كلامك (لفظة " جُرِّدَتْ " دليل على وجود النقط حينها) ليس إلا تحصيل حاصل. العبارة "جرّدت المصاحف من النقط والشكل" تدل على أن مجال التجريد لا يشمل التنقيط والتشكيل فقط وإلا إستغنى الناقل عن ذكر "من النقط والشكل" فالفعل جرّد من المحمولات الثلاثية التي تدل على العلاقات القائمة بين ثلاثة أشخاص لغوية: المجرِّد والمجرَّد والمجرّد منه (على الأقل إذ يمكن الزيادة ليكون رباعي بإضافة المجرد به وهذا ليس ضروري). لو كان في اللغة العربية زوائد تدخل على الفعل نقط لاستغنى الكاتب عن الفعل جرد.

إلى خلاصة القول:
عبارة "جرّدت المصاحف من النقط والشكل" لا تدل على أن الخط العربي كان منقوطا زمان نزول الوحي بل فقط تحمل رأي ابن الجزري رحمه الله أن الخط العربي كان منقوطا زمان نزول الوحي وهذا ما تشير إليه المشاركة الأولى. الرأي هذا ليس بعرض يكفي نفسه بنفسه و لا بخبر مسند إلى غيره، ولذلك ينبغي أن نستدل له لا به وعليه يدور هذا الموضوع: (وهل هناك أدلة أقوى لكل من الفريقين؟) قال الشيخ ايت عمران، وأقول ((وهل هناك أدلة لكل من الفريقين؟)).

ماذكره الأساتذة جزاهم الله خيرا ليس فيه ما يصلح دليلا إذ الرأي يفتقر إلى برهان والرواية تقوم بالسند. قرأت روايات كثيرة أخرى في تاريخ الخط العربي وآدابه لمحمد طاهر بن عبد القادر، ولا أستحسن إيرادها لأنها مجردة لكن إذا أُخرجت وثبتت فإن ضم بعضها إلى بعض سيؤدي إلى تبرير الإعتقاد بأن الصحابة رضي الله عنهم رسموا المصحف برسم متميّز.
 
أخي محمد ايت عمران من أقوال العلماء الدالة على أن المصحف كتب كتابة خاصة قول الإمام الجعبري في الجميلة ص97: "واعلم أن في وضع مصطلح الرسم من التغيير حكم جمة مناسبة لمصطلحهم في الألفاظ؛ حيث دل ما بقي على ما حذف وما آل إليه على ما كان عليه, ونيه على أصول وفروع, ونص على مشتبه, واحتمل وجوها من القراءات وأفاد تخفيفا...".
ولا يمكن أن يقال أن هذا كله كان موجودا في أي كتابة كانت موجودة في زمانهم؛ وإلا فما فائدة ذكر ذلك؟!!!
وقال أيضا ص127 عن خط المصحف: "أصلوا جمعه وكيفية وضعه". إذا لم يتعلموه من أحد بل هم من وضعوا قواعده وأسسوا أحكامه.
وقد استنبط الإمام الجعبري-كعادته- حكمة بليغة تدل دلالة واضحة على ما ذكرته؛ فقال: "وأعظم فوائده أنه حجاب منع أهل الكتاب أن يقرؤوه على وجهه دون موقف".
فانظر رحمك الله فهذا النص يدل على أنه كتب في زمنهم بكتابة خاصة لا يستطيع أهل الكتاب في زمانهم أن يقرؤوه دون معلم, فلو كتبوا بكتابة عصرهم لم يحتاجوا إلى موقف, والله أعلم.
 
يُرجَعُ في هذا الموضوع الدّقيق إلى:

-المحكم في نقط المصاحف: للداني (ت 444هـ)، تحقيق عزة حسن، ط. دمشق، 1960م.

-تاريخ خليفةَ بنِ خيّاط برواية بقيّ بن مَخْلَد ، تح. د. سهيل زكَّار، ط. وزارة الثّقافةِ بسوريا،
سلسلة إحياء التّراث القديم، رقم:17. وحقَّقَ الكتابَ أيضاً د.أكرَم ضياء العُمَري، دار طيبة
للنشر والتّوزيع، الرّياض، ط.2، 1404هـ /1985م

-التصحيف والتحريف وشرح ما يقع فيه، للعسكري (ت 382 هـ)، ط.القاهرة، سنة 1908م.

-الخط والكتابة في الحضارة العربية، د. يحيى وهيب الجوري، ط.1، دار الغرب الإسلامى،
بيروت، 1994م .

-تاريخ الكتابة العربية وتطورها، محمود حاج حسين، منشورات وزارة الثقافة/دمشق، 2004م.

-صنعة الكتابة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، محمد حميد الله خان الحيدر أبادي،
(منشور في مجلة : "فكر وفن": العدد الثالث، العام الثاني، سنة 1964م).

-الخط العربي، نشأته وتطوره، د. الطاهر أحمد مكي، (مجلة: "اللسان العربي": العدد السادس،
سنة 1969م).

-تاريخ الخط العربي وآدابه، محمد طاهر الكردي، ط.2، الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون،
الرياض، سنة 1402هـ.

-تطور الحروف العربية على آثار القرن الهجري الأول الإسلامية، د. صفوان التل، ط.2، مطابع دار الشعب،
عمّـان، 1981م.

- يُمكن الرّجوعُ أيضاً إلى بحث : مراجعةُ عددٍ من النّظريّات المتعلّقة برسم المُصحف، في ضوء علمِ
الخُطوطِ القديمة، د.غانم قدوري الحمد، شارك به صاحبه في مؤتمر تطوير الدراسات القرآنية بالرياض
1434/4/6 هـ / 2013/2/16 م ، ونشر البحث في كتاب أشغال المؤتمر العلميّة ، ج2 ، المحور العلميّ
وبالضبط يُستفاد من المبحث الرابع ...

أ.د. عبدالرحمن بودرع


المصدر
 
ما يذكره العلماء عن ابن مسعود رضي اللع عنه من قوله: "جردوا القرآن" مشهور، لكن أحببت أن أنقل إلى حضراتكم تخريج الحافظ الزيلعي له هنا لاحتوائه على فائدة عظيمة عندي،
قال رحمه الله:
"قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ، وَيُرْوَى جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ.
قُلْتُ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةً عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَهُ.
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جرردوا الْقُرْآنَ، لَا تُلْحِقُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، انْتَهَى.
وَبِهَذَا السَّنَدِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ الصَّوْمِ أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: قَوْلُهُ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ يُحْتَمَلُ فِيهِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَيْ: جَرِّدُوهُ فِي التِّلَاوَةِ، لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ.
وَالثَّانِي: أَيْ: جَرِّدُوهُ فِي الْخَطِّ مِنْ النَّقْطِ، وَالتَّعْشِيرِ، انْتَهَى.
قُلْت: الثَّانِي أَوْلَى، لِأَنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عن ابن مسعود، أنه كَانَ يَكْرَهُ التَّعْشِيرَ فِي الْمُصْحَفِ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِهِ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ إبْرَاهِيمُ يَذْهَبُ بِهِ إلَى نَقْطِ الْمَصَاحِفِ.
وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَرِهَ التَّعْشِيرَ فِي الْمَصَاحِفِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ هُوَ أَبْيَنُ، وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّ مَا خَلَا الْقُرْآنَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يُؤْخَذُ عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ عَلَيْهَا. وَقَوَّى هَذَا الْوَجْهَ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا إلَى الْعِرَاقِ خَرَجَ مَعَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُشَيِّعُنَا، وَقَالَ لَنَا: إنَّكُمْ تَأْتُونَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ دَوِيٌّ بِالْقُرْآنِ كَدَوِيِّ النحل، فَلَا تَشْغَلُوهُمْ بِالْأَحَادِيثِ فَتَصُدُّوهُمْ، وَجَرِّدُوا الْقُرْآنَ، قَالَ: فَهَذَا مَعْنَاهُ، أَيْ لَا تَخْلِطُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، انْتَهَى.
وَرِوَايَةُ جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ غَرِيبَةٌ". (نصب الراية: 4 / 269).

والفائدة المقصودة قوله رحمه الله: "قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ إبْرَاهِيمُ يَذْهَبُ بِهِ إلَى نَقْطِ الْمَصَاحِفِ".
وإبراهيم هذا هو النخعي رحمه الله، وهو أحد من روى هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه.
 
أخي العزيز المفضال شايب ، بارك الله فيك و جزاك الله خيرا على ما تفضلتم به ، و لكنكم فهمتم كلامي في الأولى على غير مقصدي ، و للأسف في الثانية كذلك ، و لكن لا بأس المهم أني استفدت من كلامكم و أرجو ألا يكون كلامي عديم الفائدة ،
لذلك أحب أن أوضح لفضيلتكم أني ما ذكرت نص ابن الجزري للاستدلال به على الأمر عامة ، فابن الجزري يؤخذ من قوله و يرد ، و له رأيه و هو إمام علم ، و لكني أوردت كلام ابن الجزري ، لأني ظننت من كلام فضيلة الشيخ آيت عمران في أول مشاركة له أنه يقصد أن ابن الجزري و الشاطبي ، ممن يقولون بعدم وجود النقط في زمن كتابة القرآن ، فأوردت النص للاستدلال بكلام ابن الجزري بأن مذهبه خلاف ذلك ، ثم وضح لي الشيخ الفاضل آيت عمران قصده فشكرته و ما زدت حرفا ، ولا زلت أقرأ المداخلات و أستفيد ، و جزيتم جميعا كل خير ، و أشكر لكم حسن أدبكم و مشاركاتكم المفيدة ، و الله من وراء القصد
 
بارك الله فيكم جميعاً .
لعله من المناسب الإشارة إلى بحث بعنوان (نشأة الإعجام في الخط العربي وأثره في رسم المصحف العثماني في ضوء المكتشفات الحديثة) للباحث د. سامر رشواني ، حيث ناقش فيه الموضوع بشكل موسع ، وهو جدير بالقراءة ، ووصل فيه إلى نتائج قيمة ، ونقل فيه روايات نادرة في الموضوع .
وهو منشور ضمن كتاب صدر عن دار مدارك بعنوان (المناهج الحديثة في الدرس القرآني) .
 
بارك الله فيكم جميعاً .
لعله من المناسب الإشارة إلى بحث بعنوان (نشأة الإعجام في الخط العربي وأثره في رسم المصحف العثماني في ضوء المكتشفات الحديثة) للباحث د. سامر رشواني ، حيث ناقش فيه الموضوع بشكل موسع ، وهو جدير بالقراءة ، ووصل فيه إلى نتاج قيمة ، ونقل فيه روايات نادرة في الموضوع .
وهو منشور ضمن كتاب صدر عن دار مدارك بعنوان (المناهج الحديثة في الدرس القرآني) .
شكر الله لك شيخنا الحبيب على هذه الإفادة, وهذا رابط البحث لمن أراد من هنا:
 
ومما يستدل به على أن الضبط كان موجودا في زمان النبوة ما أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والسمعاني في أدب الإملاء والاستملاء بأسانيدهم إلى محمد بن عبيد بن أوس الغساني – كاتب معاوية – قال: حدثني أبي قال: "كتبت بين يدي معاوية كتابا فقال لي: يا عبيد؛ ارقش كتابك؛ فإني كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا رقشته. قال: قلت: وما رقشه يا أمير المؤمنين؟ قال: أعط كل حرف ما ينوبه من النقط".

ولعل متطوعا يتطوع بتخريج هذا الأثر المهم.
 
وهذا دليل آخر مهم جدا:
قال الإمام الداني: "حدثنا عبد الملك بن الحسين قال: نا عبد العزيز بن علي قال: نا المقدام قال: نا ابن عبد الحكم قال: قال ابن وهب وابن القاسم: سمعنا مالكا سئل عن المصاحف تكتب فيها خواتم السور، في كل سورة ما فيها من آية، فقال: (إني اكره ذلك في أمهات المصاحف أن يكتب فيها شيء أو يشكل، فأما ما يتعلم فيه الغلمان من المصاحف فلا أرى بذلك بأسا).
قال عبدالله بن عبد الحكم: وأخرج إلينا مالك مصحفا محلى بالفضة، ورأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة في طول السطر.
قال: ورأيته معجوم الآي بالحبر، وذكر أنه لجده، وأنه كتبه إذ كتب عثمان المصاحف". (المحكم في نقط المصاحف: 17 تحقيق: د.عزة حسن)
 
جزاكم الله خيراً ما أراه أن الكلمة الفصل في هذا الحوار هي للمخطوطات لا للروايات المنقولة، وما هذا إلا لأن المخطوطات العربية القديمة سابقة للنصوص المنقولة بقطع النظر عن مدى صحة النقولات ولا يستدل باللاحق على السابق، وقد سألت أحد المختصين في مؤتمر أقيم في عمان عن رسم المصحف إن كان خط المصحف يوافق المخطوطات العربية في وقته أم لا؟ فكان جوابه أنه موافق لمخطوطات عصره، ولهذا فرأيي المتواضع أن الكلمة الفصل في الحوار هي لتاريخ الخط العربي الموثق بالمخطوطات العربية السابقة لكتابة المصحف أو المتزامنة معه والذي يثبت أن الخط العربي مجرد.
والقول بأن المصحف كتب على معهود العرب في الخط يجعل كل قول بإعجاز الرسم وكل معنى يترتب على الرسم تكلفاً من صاحبه في غير موضعه، والله أعلم.
 
جزاكم الله خيراً ما أراه أن الكلمة الفصل في هذا الحوار هي للمخطوطات لا للروايات المنقولة، وما هذا إلا لأن المخطوطات العربية القديمة سابقة للنصوص المنقولة بقطع النظر عن مدى صحة النقولات ولا يستدل باللاحق على السابق، وقد سألت أحد المختصين في مؤتمر أقيم في عمان عن رسم المصحف إن كان خط المصحف يوافق المخطوطات العربية في وقته أم لا؟ فكان جوابه أنه موافق لمخطوطات عصره، ولهذا فرأيي المتواضع أن الكلمة الفصل في الحوار هي لتاريخ الخط العربي الموثق بالمخطوطات العربية السابقة لكتابة المصحف أو المتزامنة معه والذي يثبت أن الخط العربي مجرد.
والقول بأن المصحف كتب على معهود العرب في الخط يجعل كل قول بإعجاز الرسم وكل معنى يترتب على الرسم تكلفاً من صاحبه في غير موضعه، والله أعلم.
الموضوع يدور حول النقط، وكلا الفريقين يستدل بالمخطوطات، فكيف نجمع بينهما؟
ثم إن بعض الروايات المنقولة إن صحت كانت أقوى من المخطوط؛ نظرا لما قد يعتري ذلك المخطوط من احتمالات، كأن يختلف في تاريخ كتابته، وكاحتمال أن يكون قد طرأ عليه تغيير...
فعندما يقول ابن عبد الحكم: "وأخرج إلينا مالك مصحفا محلى بالفضة، ورأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة في طول السطر. قال: ورأيته معجوم الآي بالحبر، وذكر أنه لجده، وأنه كتبه إذ كتب عثمان المصاحف"...
فهذا وصف لمخطوط قديم، والواصف حديث العهد بالموصوف.
 
الموضوع يدور حول النقط، وكلا الفريقين يستدل بالمخطوطات، فكيف نجمع بينهما؟
ثم إن بعض الروايات المنقولة إن صحت كانت أقوى من المخطوط؛ نظرا لما قد يعتري ذلك المخطوط من احتمالات، كأن يختلف في تاريخ كتابته، وكاحتمال أن يكون قد طرأ عليه تغيير...
فعندما يقول ابن عبد الحكم: "وأخرج إلينا مالك مصحفا محلى بالفضة، ورأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة في طول السطر. قال: ورأيته معجوم الآي بالحبر، وذكر أنه لجده، وأنه كتبه إذ كتب عثمان المصاحف"...
فهذا وصف لمخطوط قديم، والواصف حديث العهد بالموصوف.
ألا تعد مخطوطات رسائل الرسول صلى الله عليه وسلمإلى الملوك والأمراء دليلاً على أن النقط لم يكن معتمداً عند كتبة رسول الله فهذه المخطوطات غير منقوطة. ثم إن المخطوطات التي يعتقد أن الخط العربي منقوط فيها لم يتعد النقط حرفين أو ثلاثة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم شيوع النقط.
ولعل من الخطوات المهمة عند خوض غمار هذا البحث هو دراسة مصطلحات الإعجام والنقط والشكل وتطورها الدلالي، والأمر يستحق إنجاز بحث فيه.
 
أحسن الله إليك وبارك فيك
ألا تعد مخطوطات رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء دليلاً على أن النقط لم يكن معتمداً عند كتبة رسول الله فهذه المخطوطات غير منقوطة.
لفتة جميلة منك، لكن، هل يقطع بنسبة هذه الرسائل خطا إلى ذلك العصر؟
وهنا بحث جيد يحاول التحقيق في نسبة بعضها.
وإن قطع بنسبتها كانت دليلاً على أن النقط لم يكن معتمداً عند كتبة رسول الله كما تفضلت، ولم تكن دليلا على أن النقط لم يكن موجودا، وهذا ما يفيده قولك:
ثم إن المخطوطات التي يعتقد أن الخط العربي منقوط فيها لم يتعد النقط حرفين أو ثلاثة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم شيوع النقط.
وهناك مخطوطات من عصور متأخرة، كالقرن الخامس والسادس، خلت من النقط كما تعلمون، دون أن يعني خلوها خلو زمانها منه.
والله أعلم.
 
فأما قول الطبري : ( وذُكر أنها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء ) = فيظهر أنه نقل ذلك عن الفرّاء (ت 207) ؛ إذ قال :
" ورأيتُها في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء " [ معاني القرآن ، 3 / 71 ] .
وقد نقل الفراء في غير ما موضع عمّا وصفَه بمصحف عبد الله .
فإن سلمنا بأن ما رآه الفراء هو مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حقا = فلا يبعد أن يكون بعضُ أصحابه رضي الله عنه أو غيرهم قد ضبط حروفا في مصحفه على قراءته لاحقا .
وإن كان لا يبعد أيضا أن يكون النقط مما عرفه العرب في كتاباتهم من قبلُ على وجهٍ ما ، وإن لم يكن شائعا فيهم . ومن أدلة القائلين بذلك - غير ما عُثر عليه منقوطا - ، وقد عددها الدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه (مصادر الشعر الجاهلي) :
- قول الفرّاء : " حدثني سفيان بن عُيَيْنة - رفعه إلى زيد بن ثابت - قال : كُتب في حَجَرٍ (ننسرها) و(لم يتسن) ، وأنظر إلى زيد بن ثابت فنقَط على الشين والزاي أربعا ، وكتب (يتسنه) بالهاء " [ معاني القرآن ، 1 / 172 - 173 ] .
- وقول النديم : " وقال ابنُ عبّاس : أوّل مَن كتبَ بالعربية ثلاثةُ رجالٍ من بَوْلان - وهي قبيلةٌ سكنوا الأنبار - وإنهم اجتمعوا فوضعوا حروفا مُقَطَّعةً وموْصولة ، وهم : مُرامِرُ بن مَرْوة ، وأسلمُ بن سِدْرة ، وعامِر بن جِذْرة . ويُقال مُرّة وجِذْلة . فأما مُرامِر فوضع الصُّور ، وأما أسلمُ ففصل ووصل ، وأمّا عامِر فوضع الإعجام " [ الفهرست ، 1 / 11 ، تحقيق أيمن فؤاد ] .
ولا يخفى وضع هذه الرواية على ذي لُب ، إلا أن الدكتور ناصر الدين الأسد ساقها ، ثم قال :
" وقد ذكرنا في صدر هذا البحث أن صحة هذه الرواية وأمثالها عن أصل الخط العربي لا تعنينا في شيء ، ونحن هنا لا نسوقها إلا لأمر واحد لا نعدوه ، وذلك أن في هذا القول لابن عباس - إن كان قاله - دليلا واضحا على أن ابن عباس كان يعرف الإعجام ، وأنّ مَن قبله كانوا يعرفونه ، وأما إن لم يكن قاله فما زال يحمل من الدلالة ما لا يصح معها أن نغفله ، وذلك أن واضع هذا القول وناسبه إلى ابن عباس كان لا بد يعرف أن ابن عباس كان يعرف الإعجام ، وإلا لما قَبل الناس قولَه " ! [ مصادر الشعر الجاهلي / 51 ، ط دار الفتح ] .
- رواية ابن أبي داود في (المصاحف) أنّ مما غيره الحجاج بن يوسف في المصحف : (وهو الذي ينشركم) بيونس ، فغيّره (يسيركم) .
قال الدكتور ناصر الدين : " وقد نقبل أن يكون الحجاج هو الذي نقط الكلمة وكانت من قبلُ غيرَ منقوطة كما يزعمون ، ولكن أن يكون غيّر نقطها فذلك هو ما نقف عنده ، ونفهم منه أنها كانت منقوطة قبله ، ثم غير هذا النقط ، وإلا فالكلمة من غير نقط تحتمل الوجهين ولا سبيل إلى ذكر أن الحجاج غير نقطها " [مصادر الشعر الجاهلي / 51] .
- ورجح القلقشندي أن الإعجام موضوع مع وضع الحروف ؛ إذ يبعد - في نظره - أن الحروف قبل ذلك - مع تشابه صورها - كانت عرية عن النقط إلى حين نقط المصحف . [ صبح الأعشى ، 3 / 155 ] .
- واستشهد الدكتور ناصر الدين بأبياتٍ ثلاثة لأبي ذؤيب والمرقِّش وطَرَفة ؛ هي على الترتيب :
[poem=]عرَفْتُ الديارَ كرَقْمِ الدَّوَا=ةِ يذبرها الكاتبُ الحِمْيَرِيُّ
الدارُ قَفْرٌ والرسُومُ كما=رقَّشَ في ظهْرِ الأديمِ قَلَمْ
كسُطورِ الرَّقِّ رقَّشَهُ=بالضُّحَى مُرقِّشٌ يَشِمُهْ[/poem]
على أن الوشم والرقم والترقيش = من معانيها النقط ، كما ذكر البطليوسي والشنتمري والقالي. [ انظر مصادر الشعر / 52 فما بعدها ].
- واستشهد كذلك بقول ابن مسعود رضي الله عنه ( جردوا القرآن) ؛ على أن النقط كان مقصودا بذلك مع الفواتح والعشور ، كما فسره الزمخشري !
- وقول مَن ذهب إلى أن كتبة المصاحف زمن عثمان رضي الله عنهم قد عمدوا إلى تجريدها من النقط لتحتمل أكثر من قراءة . ووجه الاستدلال به أنهم لا يجردوه إلا من شيء كان معروفا .
- ثم قال الدكتور الأسد : " وربما كان أخطر ما يوجه إلى من يدعي نقط الكتابة في الجاهلية هو هذه النقوش الجاهلية الخالية من النقط . وهو دليل لا سبيل إلى إنكاره ، وإن كان لا بأس في التحدث عنه حديثا قد يكون فيه بعض حجة ؛ وذلك أن جميع ما عثرنا عليه من الكتابة الجاهلية كان نقوشا على الحجر والصخر ، وكان سطورا قلائل بل كلمات معدودات ، ولم نعثر على كتابة جاهلية على الرَّقِّ أو البردي مثلا كثيرة السطور والكلمات . فربما كان عدم النقط ناجما عن اطمئنان الكاتب إلى أن كلماته هذه المنقوشة في نجاة من التصحيف والخلط في القراءة ، لأنها أسماء أعلام وسنوات ، وكلماتٌ بينهما من اليسير معرفتها ، وربما كان مما يسوِّغ له إهمال النقط فوق ذلك صعوبةٌ فنية ومشقة عملية في النقش " . ثم ختم حديثه بذكر بردية 22 هـ ، ونقش الطائف 58 هـ. [ انظر تمام كلامه عن النقط : مصادر الشعر الجاهلي ، ص 48 - 55 ، ط دار الفتح ] .
وقد أحسن إذ قال :
" وحسبنا ما قدمنا عن النقط ، ونحن أول من يعرف أن هذا كله لا يقوم وحده دليلا قاطعا على وجود النقط قبل الإسلام " .
قلت : فمع أن بعض ما ذُكر له وجه وحظ من النظر ، إلا أن بعضه الآخر لا يثبت ، بل يحتاج إلى أن يُستدل له لا به ! والله أعلم .


فائدة على الهامش :
ذكر ابنُ الجوزي أن فقيه الشيعة ابنَ المعلم (ت 413 ﻫ) أحضر مصحفا يخالف المصاحف ، وعرضَه على القضاة والفقهاء ببغداد ، وذكر أنه مصحف ابن مسعود ، فأشار أبو حامد الإسفراييني والفقهاء بإحراقه ، فأحرق سنة 398 ﻫ [ المنتظم ، 15 / 58 - 59 ، ط دار الكتب العلمية ] .
وذكر أبو العباس القرطبي في (المفهم) أن مصحف ابن مسعود رضي الله عنه وُجد في خزائن بني عبيد بمصر ، وأحرق عام 566 ﻫ.
أقول: فكما كثُرت المصاحف المنسوبة إلى عثمان رضي الله عنه خطأً ، كذلك فُعل مع مصحف عبد الله رضي الله عنه ؛ لاشتهار قصته مع عثمان إذ غلّ مصحفه . والله أعلم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الكرام بداية أقول بارك الله في جهودكم ، والتحقيق العلمي لأي مسألة لا يقف عند نقل النصوص فقط بل لابد من تمحيصها ومعرفة الصحيح منها وأيها الذي تبنى عليه العلوم، وخلاصة المسألة أن النقط لم يعرف إلا على يد الدؤلي (نقط الإعراب) ونقط الإعجام على يد نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر والشكل على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي
أما الآثار التي تناقلها بعض الإخوة نحو :
، و جُرِّدَتْ هذه المصاحف جميعها من النقط و الشكل ليحتملها ما صح نقله و ثبت تلاوته عن النبي صلى الله عليه و سلم إذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط . اهـ ) ، و قول الإمام ابن الجزري و تعبيره بلفظة ( جُرِّدَتْ ) دليل على وجود النقط حينها إلا أنه تعمد الصحابة رضوان الله عليهم من تجريد القرآن من النقط و الشكل ليتحمل القراءات التي صحت عن النبي صلى الله عليه و سلم ، فالواضح من كلام أهل العلم أن الكتابة كانت مشتهرة بكلا الأمرين بالنقط و الشكل و تركهما ، حتى أن بعض المخطوطات التي ترجع إلى القرن الرابع و الخامس الهجري التي كتبت بالخط المغربي و غيره ، كتبت بغير نقط و شكل ، غير أني لا يحضرني منها شئ الآن ، فالشاهد من الكلام أن كلا الأمرين كان مشتهرا لدى الصحابة و الناس حينها ، إلا أنهم اختاروا تجريده من النقط و الشكل ليتحمل القراءات المختلفة ، و الله أعلى و أعلم
فإنها بنيت على فهم وترجيح خاطئ لرواية قديمة ، لا أقصد فهم أخي عمر بل صاحب القول الذي نقله ، وتابعه أخي عمر في هذه المسألة . فالمصاحف لم تجرّد من النقط ولا من الشكل
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الإخوة الكرام بداية أقول بارك الله في جهودكم ، والتحقيق العلمي لأي مسألة لا يقف عند نقل النصوص فقط بل لابد من تمحيصها ومعرفة الصحيح منها وأيها الذي تبنى عليه العلوم،
وجود أمثالكم من خيرة المشايخ والدكاترة فرصة ينبغي أن نغتنمها معاشر الطلبة للإفادة من علومكم ونصائحكم، والهدف من فتح هذا الحوار هو الوصول إلى التحقيق العلمي ومعرفة الصحيح في المسألة، واستيفاء جميع الأدلة ووضعها بين يدي الباحثين مقصد عظيم، وهو أحد مقاصد التأليف كما لا يخفى على شريف علمكم يا دكتور.
وخلاصة المسألة أن النقط لم يعرف إلا على يد الدؤلي (نقط الإعراب) ونقط الإعجام على يد نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر والشكل على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي
أما الآثار التي تناقلها بعض الإخوة نحو :
..........
فإنها بنيت على فهم وترجيح خاطئ لرواية قديمة ، لا أقصد فهم أخي عمر بل صاحب القول الذي نقله ، وتابعه أخي عمر في هذه المسألة . فالمصاحف لم تجرّد من النقط ولا من الشكل
هل هذه هي النتيجة التي توصل إليها بحثكم الذي أشرتم إليه قبل بقولكم:
منذ أشهر أنهيت بحثا علميا يتضمن جميع المسائل المتعلقة بالنقط والإضافات الأخرى، وسأضعه بين أيديكم قريبا إن شاء الله تعالى بعد أن ينشر في المجلة التي أرسلته لها.
بارك الله فيكم وأحسن إليكم.
 
وبارك فيكم وأحسن إليكم ولكل المهتمين بالذود عن حياض هذا الدين الحنيف . نعم أخي الحبيب، هذه بعض نتائج البحث الذي أشرتم إليه , وأرجو أن تعذرني لعدم إيراد اسم البحث أو المجلة التي أرسلته لها أو إيراد الأدلة التفصيلية في هذه المسألة وذلك صيانة لنزاهة التحكيم العلمي.
 
أشكر لفضيلتكم شيخنا حسن هذا التعليق المفيد ، و لكن كما علمتمونا و علمنا مشايخنا الأفاضل الأقوال المجردة لا يستدل بها إنما يستدل لها ، و فضيلتكم ذكرتم و جزمتم بأن الدؤلي أول من عرف على يديه نقط الإعراب ، ثم ذكرتم نقط الإعجام ثم الشكل ، و ذكرتم رجاله ، و لم تتحفونا بالأدلة التي بنيتم عليه هذا القول !!! ، فهلا أفدتمونا ببعض الأدلة ، حتى يتسنى لنا أن نترك قول الأئمة الكبار أمثال ابن الجزري و غيره ، لقول فضيلتكم إن كان معكم الدليل الواضح الذي يخالف فهمهم ؟ ، و جزاكم الله خيرا و نفع بكم و زادكم علما و فضلا
 
حياكم الله أخي عمر
أرجو معذرتي عن إيراد الأدلة ومناقشتك فيها في هذا الوقت لأن بحثي مازال تحت التحكيم العلمي وأطمئنك بأن الأدلة كثيرة، والحق أحق أن يتّبع سواء كان مع إمام كبير كابن الجزري رحمه الله أو باحث صغير كحسن عبد الجليل، وبإمكانكم مراجعة بحثي الموسوم (( أبو الأسود الدؤلي وجهوده في نقط المصحف)) وهو موجود على صفحات الإنترنت
 
فإنها بنيت على فهم وترجيح خاطئ لرواية قديمة ، لا أقصد فهم أخي عمر بل صاحب القول الذي نقله ، وتابعه أخي عمر في هذه المسألة . فالمصاحف لم تجرّد من النقط ولا من الشكل
السلام عليكم ورحمة الله
هل يمكن توضيح المقتبس أعلاه يادكتور
بورك فيك
 
أخي الحبيب التجريد لم يطلق في الأصل على النقط والشكل بل على أمر آخر لكن فُهم من قبل بعض العلماء على غير وجهه الصحيح ثم انتشر هذا الفهم بين كثير من الناس. وكثيرة هي المؤلفات في علوم القرآن الكريم واللغة العربية التي مازالت للآن تتناقل هذا الموضوع على غير وجهه الصحيح.
ولكي أُقرّب لكم المقصود ؛ أنظر أخي الحبيب إلى مسألة نقط الدؤلي ، ووضعه للغة العربية ، فلا يكاد يخفى على أحد أن الدؤلي صاحب النقط لكن نقطه لا يستعمل في الكتابة الحالية ، ومع ذلك نجد برنامج القراءات السبع -بصوت الشيخ عارف العسلي- الذي أذيع على كثير من المحطات الفضائية يشير في مقدمته إلى التحسينات التي أضيفت لصيانة المصاحف ويمثل النقط بنقط الإعجام ... أرجو أن تتكرم بقراءة هذا البحث وهو موجود على صفحات هذا الملتقى.
 
، لما ذكر الإمام ابن الجزري أن الصحابة جردوا الكتابة من النقط و الشكل ، فهذا دليل على أنها كانت موجودة
عفوا كلام ابن الجزري ليس دليلا بل هو رأي يحتاج إلى دليل ، اللهم إلا أن تقصد أن كلامه دليل على مراده ومقصده فقط فلا بأس .
 
قول ابن الجزري
و جُرِّدَتْ هذه المصاحف جميعها من النقط و الشكل ليحتملها ما صح نقله و ثبت تلاوته عن النبي صلى الله عليه و سلم إذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط . اهـ ) ،
ألا يتنافى مع المقصد الذي من أجله كتبت المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه؟
إن رجلا يريد أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا يكون نزاع ولا يكون اختلاف لا يمكن أن يجرده من الإعجام فيبطل مقصده الأصيل في جمع الناس ويوقعهم في مزيد من الاختلاف . فالأقرب أن المصاحف لم تكن معجمة في ذلك الزمان لعدم معرفتهم بالإعجام أو لعدم اشتهاره بين الناس .
وأما القول بأنهم قد كتبوا القرآن على نظام خاص يختلف عن طريق الكتابة المعروفة فغريب بلا دليل .
وأقوال العلماء التي ذكرت في رسم المصحف وأنه سنة لا يقاس عليه ليست دليلا في المسألة .ولعلهم يعنون مخالفته لاصطلاح الكتابة في عصورهم هم لا للكتابة في العصر الأول . والله أعلم
 
فضيلة الدكتور أسامة المراكبي جزاكم الله خيرا على ما تفضلتم به ، و هو - مع كامل احترامنا لكم - رأي من ضمن الآراء المطروحة ، كما أن فضيلتكم لم تستدلوا له ، و جعلتم الاستدلال عقلي بحت ،
و أقول لفضيلتكم أما عن تعليقكم الأول على كلامي في أمر ابن الجزري رحمه الله ، فقد أوضحت الغاية من ذكره في مداخلة سابقة و ردا على سؤال يطابق سؤال فضيلتكم ، فلترجع إليه مشكورا غير مأمور في المداخلات السابقة ،
و أما عن الشطر الثاني من تعليق فضيلتكم ، فلعلي إن شاء الله أكتب الرد عليه لاحقا ، و لكني أشير إلى شئ ، و هو أن مسألة الأحرف السبعة و الاختلاف الكبير في تفسيرها ، يتغير به الاجتهاد في مسألة تجريد القرآن من النقط و الشكل من حيث تعمده أو عدمه ، و لعلي أعود إلى كلام فضيلتكم لاحقا و جزاكم الله خيرا
 
أما قول فضيلتكم :ألا يتنافى مع المقصد الذي من أجله كتبت المصاحف في عهد عثمان ؟
من وجهة نظري المتواضعة لا تنافي بينهما ، حيث أن المقصد الذي من اجله كتبت المصاحف ، هو الإبقاء على جميع القراءات الصحيحة عن النبي صلى الله عليه و سلم و خاصة التي كانت موافقة للعرضة الأخيرة ، فترك النقط من الأسباب التي أبقت عليها و على سبيل المثال في سورة يونس :( هنالك تبلو كل نفس )، و ( تتلو كل نفس ) ، لو أبقى الصحابة على النقط لما احتملت كلا القراءتين ، فترك النقط فيها أولى للإبقاء على القراءتين .
أما قول فضيلتكم : إن رجلا يريد أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا يكون نزاع ولا يكون اختلاف لا يمكن أن يجرده من الإعجام فيبطل مقصده الأصيل في جمع الناس ويوقعهم في مزيد من الاختلاف . فالأقرب أن المصاحف لم تكن معجمة في ذلك الزمان لعدم معرفتهم بالإعجام أو لعدم اشتهاره بين الناس .
فمن وجهة نظري المتواضعة أن الأمر أكبر من مجرد الاختلاف في نقط بعض الكلمات و إنما الأمر أوسع من ذلك ، و أظن أن معنى الأحرف السبعة و الاختلاف في معناها ، هو الذي يحسم الخلاف في هذه المسألة ، فهل كان معنى الأحرف السبعة جواز القراءة بكل كلمة تؤدي نفس المعنى المقصود من الآية ، فإن كان ذلك كذلك ، فهذا ما حمل عثمان رضي الله عنه على الإبقاء على ما سمع من النبي صلى الله عليه و سلم فقط أو أقره و كتبه كتبة الوحي ، و أثبت في المصاحف المكتوبة ، و هذا ما حمل عثمان رضي الله عنه على كتابة المصحف بما صح في العرضة الأخيرة و حرق كل ما خالف ذلك مما اعتادت عليه الألسنة و خاصة بعد الفتوحات ، حتى لا يدخل في القرآن ما ليس منه ، أو يزاد في القرآن ما ليس منه ، أما إن كان معنى الأحرف السبعة غير ذلك فيحتمل ما تفضلتم به ، و الله أعلم .
أما قول فضيلتكم : وأما القول بأنهم قد كتبوا القرآن على نظام خاص يختلف عن طريق الكتابة المعروفة فغريب بلا دليل ،وأقوال العلماء التي ذكرت في رسم المصحف وأنه سنة لا يقاس عليه ليست دليلا في المسألة .ولعلهم يعنون مخالفته لاصطلاح الكتابة في عصورهم هم لا للكتابة في العصر الأول . والله أعلم
لعلي أوافق فضيلتكم الرأي في هذا ، إلا أنه يعتبر قولا من ضمن الأقوال التي قال بها بعض العلماء ، و له وجه ، فبعض الكلمات قد كتبت على غير قياس في العربية ولا فيما اعتاده الناس ، و منها لأذبحنه في النمل ، و غيرها مما ذكره الشاطبي رحمه الله في عقيلته ، و قبله الداني و غيرهما ، و لعل الكتابة عامة كانت على غير المعهود إلا أن هذه الكلمات كانت من أبرزها ، و لكن يبقى هذا القول محتاج إلى مزيد بحث و الله أعلم.
و جزاكم الله خيرا على ما تفضلتم به ، و بانتظار المزيد من مشايخنا الأفاضل كي تعم الفائدة عسى الله أن يجري الحق و الصواب على لسان أحد مشايخنا الأفاضل فتعم الفائدة إن شاء الله ، و ما أنا إلا متطفل على موائدكم مستفيد منها ، إن شاء الله ، فلا نعدم منكم نفعا و فائدة إن شاء الله ، و سامحوني على التجرؤ في مناقشتكم ، فوالله ما أبغي إلا الاستفادة و بيان الحق ، و الله من وراء القصد
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الحبيب عمر بن علي، إشارة إلى العبارة الواردة في مشاركتكم
وخاصة التي كانت موافقة للعرضة الأخيرة
فليس هناك ما يسمى بالموافق للعرضة الأخيرة، مع أن هذه العبارة مذكورة في كثير من كتب علوم القرآن الكريم والقراءات القرآنية
وقولكم :
فهل كان معنى الأحرف السبعة جواز القراءة بكل كلمة تؤدي نفس المعنى المقصود من الآية ، فإن كان ذلك كذلك ، فهذا ما حمل عثمان على الإبقاء على ما سمع من النبي صلى الله عليه و سلم فقط أو أقرّه وكتبه كتبة الوحي
فكلّ العبارة السابقة وخصوصا التي تحتها خط من الطامات الكبرى التي لم ولن تصح بحال من الأحوال، وهي من مصائب الفهم الخاطئ الذي انتشر بين طلبة العلم وقد ردّ عليها العلماء قديما
 
سيدنا الشيخ حسن ، كنت قد تحاشيت الرد على بعض ما كتبتم ، و لم أستوعب ما فيه ، إما لقصر باعي أو قلة اطلاعي أو خطأ في فهمي لما كتبتم ، أو لعدم إيضاح فضيلتكم لمقصودكم من الكلام ، و لكن كما تفضلتم أيضا في ردكم السابق أنكم تعدون الآن بحثا في هذا الأمر ، فأعود و أقول لفضيلتكم نفس الكلام الذي كتبته لكم من قبل ، يا سيدنا ، حضرتك ذكرت أن هذا الفهم خاطئ رغم أنه و رد في كثير من كتب القراءات و علومه ، و رددتم الأقوال كلها ، و في الجملة الثانية رددتم أيضا الكلام كله ، بمجرد أنه فهم خاطئ عند كثير من الطلبة ، و قد رد عليها العلماء قديما ، و لم تحيلونا على أي شئ من المصادر ، و لم تتحفونا بأي حجة أو دليل يرد هذا الفهم الخاطئ - من وجهة نظر فضيلتكم - إلى الآن ، لذلك أستسمحكم عذرا أن أتوقف عن الرد عن مشاركات فضيلتكم أو أتوقف عن النقاش مع كامل احترامي لفضيلتكم و شكري لكم على اهتمامكم بما أكتب ، إلى أن ينتهي فضيلتكم من البحث الذي تقومون به ثم ينشر ، حتى نقرأه و نطلع على أدلتكم ، فإن كان بها ما يشفي الصدر و يروي الغليل ، أخذنا بها و تركنا ما سواها ، و إن كانت أدلة يرد عليها ناقشنا فضيلتكم فيه ، حتى تقنعونا برأي فضيلتكم أو نتمسك بما اعتقدناه سابقا ، و أرجو من فضيلتكم المعذرة مرة أخرى و بانتظار بحثكم الماتع ، الذي أسأل الله أن ينفعنا جميعا به ، و جزاكم الله خيرا
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي عمر بداية أشكركم على سعة صدركم وحسن ردّكم
وتيسيرا لمن أحب الاستزادة أحيلكم إلى كتاب نكت الانتصار لنقل القرآن الكريم للباقلاني ت403هـ ، باب الكلام في إبطال القراءة على المعنى دون اللفظ ص321.
ثم أخي الحبيب ألا نقرأ في كتاب الله تعالى قوله جل جلاله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (الشعراء193-195)
وقوله تعالى : الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (إبراهيم:1) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (صّ:29)
فإنزال القرآن خاص بالنبي صلى الله عليه وسلّم ، لا يجوز أن ينزل على غيره ثم يقرّه صلى الله عليه وسلّم . ومن قال بذلك فقد أخطأ في فهم الحديث المروي عن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم رضي الله عنهما. وتوقف في فهم الأثر عند قول النبي صلى الله عليه وسلّم لعمر بعد أن قرأ هشام هكذا أنزلت، فأقرّ النبي صلى الله عليه وسلّم قراءة هشام . وأغفل أن عمر بداية الأمر سأل هشام : من أقرأك ...
ثم أخي الحبيب لو جاز أن يقرأ الناس وفق لهجتهم وهواهم لانتفى إعجاز القرآن الكريم ولبَطُل الدين كلّه.
 
عودة
أعلى