هل قلب الأديب مثل قلمه؟ (بحث)

إنضم
28/07/2010
المشاركات
73
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنثر بعض خواطر عن موضوع شغلني من زمن بعيد ؛ وحيل بيني وبين جمعه واستقصائه لشغلي المتراكم المتراكب ، ولعل عندكم ما يشفي الغُلة...

وهذا ليس مدحًا أو قدحًا في الأدباء ، وإنما هو بحث للاستفادة منه في الرقي بفنون الأدب ، أو هكذا أصبو.
هل الأخلاق التي يصورها الشاعر في أعذب لفظ هي من واقع يعيشه أم من حلم يتمناه أم مجرد صنعة؟
مثلا .. تلك الشجاعة المفرطة التي تعج بها القصيدة هي حقًا كائنة في نفس الشاعر؟ وجرت على يده من صولات وجولات وكرٍّ وفرٍّ؟
وهل امرؤ القيس فعل هذا أو شبهه (وبيضة خدرٍ لا يُرام خباؤها – تمتعت ...) دخل على المخدرات (ذوات الخدور) ولم يعبأ بالسيوف والأبطال ونحوه؟ أم أن ذلك القول -شبه المستحيل أو المستحيل- كان لدفع ما رمته به شاعرة في زمانه من أنه يعاني العجز عن النساء؟
البعض يتخيل أن قلب الأديب جوهرة نقية ، يكاد يطير مع الرياح ويُحلق في السماء بلا جناح ، يتصور أن الأديب لا يؤذي أحدًا ، بل هو نِعم الصديق ، سيكون خير زوج – لمن يسعدها الله بالزواج منه - ، وقطعًا سيصبح أبرّ أب ، وأوفى ... وأفضل ... وأرقى...
ولا أرى بالطبع ألا يكتب الشعر إلا المبرأ من كل سوء ومن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولكن هالني الفرق الكبير بين الحقيقة والمجاز.
وجدتُ أن بعض الأدباء عارٍ عن أي خلق حميد مما يدلس به على السذج ، وكأنه يمارس الكتابة على أساس أنها أفضل من السرقة والاحتيال وأعمال أخرى يُعاقب عليها القانون ، هي مهنة لا غير.
وربما وجدت زوجات الكثير من الأدباء يملأن المحاكم ، يشكين الغلظة والقسوة في بيت الأديب الذي يندد بقسوة الآس على خدود الحبيبة!!
حتى النظافة الشخصية ، قد تكون معاكسة لنظافة القلب المزعومة ورقيًّا ، بل إن الكثير يتخيل الشاعر في صورة غير منظمة غير مهندمة ، وأشبه بالمجنون ، أو هو هو مجنون!!
وكثير من الأدباء يفكر بنصفه السفلي رغم أنه يكتب بأنامله.
وكثير من المبدعين يعاني اضطرابات نفسية ، قد يكون جزء منها بسبب ما يتكبده في استكناه معنىً ما ورسمه على الورق وتحبيره وتدبيجه ، وتعرُّض الأديب لأسهم النقد اللاذعة المؤلمة ، كاتهامه بالسرقة الأدبية أو ضعف اللغة أو الموهبة أو الخيال ، ورب قصيدة ترفع صاحبها إلى عليين ، وقصيدة تكون سبب هلكته وزوال اسمه ورسمه .. إنها مسؤولية .. مسؤولية الكلمة .. أو ضريبة القول.
وقد لا يملك التعبير المحب الحقيقي العاشق الولهان الساهر حتى مطلع الفجر ؛ اعتلت صحته وهرم وهو دون العشرين ، ونحل جسمه بل ذاب ، أضناه التفكير وجفاه الابتسام ، وأحال حاله حالكًا ، يرى سواد الليل في ضحوة النهار (ولا أريد الوصف أكثر حتى لا أفضح نفسي! "ابتسامة")
بينما ترى الشاعر صاحب الصنعة يشكو الجوى ولوعة الفراق وهو يحتسي كأسا من الشاي المنعنع ، ويبث بثه وحزنه –المزيف- للقصيد ؛ فيخرج أعذب الألحان دون آلة حرام ، ويُملي على كلماته ما يشعر به غيره!!
فالحب وحده لا ينظم بيتًا ولا يفتح بيتًا ، بل هي مهنة وحرفة وصنعة كأي صنعة ، وتحتاج كتابة الأدب :
لموهبة وعلم ودربة وآخر ما تعوزه : التجرِبة!!!
أبو مالك سامح بن عبد الحميد حمودة
 
الأديب هو إنسانٌ كأيّ إنسانٍ .. غيرَ أنّه يُجيد فنّ التعبير ...
يُحكم عليه كما يُحكم على غيره , ولا يشذّ عن فطرة البشر في ميلهم لإبداء محاسنهم وإخفاء عيوبهم عمَنْ حولهم . فلا فرق بين أديبٍ معتدٍ بنفسه ومفتخرٍ بحسبه ونسبه ؛ وبين متصدرٍ في المجالس , يحكي انجازاته , ويضخم نجاحاته , ويبالغ في مدح نفسه , حتى لتظنَّ أنه معجزة ربانية تمشي على الأرض ! , ويبدع إبداعا يستحق معه جائزة ( موسادية! ) في إخفاء جرائمه ومساوئه , والتهوين من شأن سقطاته وإخفاقاته . فإن قلتَ أن متصدرَ المجالسِ هذا كاذبا يضفي على نفسه ما ليس فيها ؛ فقل بالمقابل هذا شاعرٌ كاذبٌ يدعي لنفسه ما ليس فيها .
وإن تأملتَ بتمعنٍ حال البشر , قلما تجدُ من يجلد نفسه بسياطِ اللومِ على مرأى منك , أو يتعمدُ التهوينَ من شأنِ نفسه أمامك . فإن وجدتَ من شذَّ عن العرف فجاءك بخصاله السيئة يرصها بين يديك رصا , فاعلم أن بالمقابل أديبا أو شاعرا سيفعل ذلك . لكن ذلك يندر ويقلّ , إذ مَنِ الذي يسعده أنْ يَسْتَحِثَّك وأنت مُستمتِعٌ بقراءة شعره أو نثره ؛ على سبه وشتمه والتقزز من سريرته , إلا إذا كان مختلا أو مجنونا لا يعي ما يفعل .
وبين هذا الإفراط وذاك التفريط .. تظل الشريحة العريضة من المجتمع البشري يميلون إلى الاعتدال , وهناك بينهم لن تعدم أديبا معتدلا صادقا ... رقيق المشاعر , ذا حسٍ رهيفٍ ... وأدبٍ بليغٍ , يمقتُ المبالغةَ ... ويصدقُ القولَ , يمعِنُ في التأمّل ... ويتقنُ سبرَ أغوارِ الغيرِ , يتفانى في الوفاء , ويحسنُ التواضعَ , ويُجيدُ الصمتَ . فإن رأيتَ مثل هذا الأديب فلا تَلُمْ مَنْ خلع عليه أجمل الصفاتِ , وأعذبَ الطباعِ .
وأنا لا أزعم أن كل من أبدع قلمه , وفاضتْ كلماته بالرقة والعذوبة , وجاب بجواده مرجَ الأخلاقِ الحميدةِ دونما خيلاءٍ ؛ أن يكون صورةً طبق الأصل لما يعكسه قلمه , بل ربما يكونُ صاحبَ خلقٍ سيءٍ وطباعٍ جافةٍ . فهَبْ أنكَ قد صادفتَ من هؤلاء من هو كذلك , فالتمس له عذرا , فلعله لم يجد حوله مَنْ يُقدّره . أو لعل الحياة قد أخذته على حين غرةٍ فأذاقته سياطا مؤلمة , جعلته يتقوقع برقته وشاعريته مختبئا عن الأعين , متقمصا شخصية قاسية جلفة , ليستطيع أن يعيش في عالم همجيٍّ موحشٍ . فإذا ما اختلى بقلمه في هدأةٍ من ضجيجِ الحياة , تسلّلَ إلى جوهرة قلبه النقيّة , فيحادثها وتحادثه , ويسامرها وتسامره , فتراهما ينسجان أبدع الحروف وأرقها , فيأتيك فيض قلمه كما لو كان قبسَ نورٍ آتٍ من الفضاء .

وعلى هذا فلا عجبَ حين ترى ..
المحب الحقيقي العاشق الولهان الساهر حتى مطلع الفجر ؛ قد اعتلت صحته وهرم بدنه ، يرى سواد الليل في ضحوة النهار , وهو لا يملك التعبير عما في نفسه ..بينما ترى الشاعر صاحب الصنعة يجيد وصف الجوى ولوعة الفراق وهو يحتسي كأسا من الشاي المنعنع !!

فالفرق بينهما أن الشاعر بخياله الخصب قد تقمصَّ شخصيةَ المحبِّ الولهانِ , فأجرى على لسانه ما جرى في فؤاد صاحبه ... ولو أن المحبَّ الحقيقي الساهرَ حتى مطلع الفجر قد أتقن التعبير عما في نفسه لأجاد وأبدع عن صاحب الكوب المنعنع ! .

خلاصة الأمر : أن الكاتب إما أن يكون كاذبا يدعي ما ليس فيه أو صادقاً , والصادق إما أن يكون صدقه في ذم نفسه وفضح عيوبه وإما في مدح نفسه , والصادق في مدح نفسه إما أن يصِّدق حاله مقاله أو يكذبه .
وبكل الأحوال نستخلص أن الكاتب إنسان كأي إنسان .... غير أنه يجيد فن التعبير .
تبقى المشكلة الأساسية ـ من وجهة نظري ـ هي في خيال القارئ . فما ذنب الأديب ( شاعرا كان أو ناثرا ) إن ابتُلي بقارئ قد رسم في خياله لأديبه المفضل صورة ملائكية ؟؟!! يرفعه على عرشٍ من الإجلال والتوقير , ويلبسه حللا من الجمال والكمال , ثم ينحني بين يديه بتقديس واحترام , فإن قُدّر لهذا القارئ أن يرى أديبه المفضل على صورته الحقيقية ـ إنسانا من لحم ودم , يأكل ويشرب , يثور ويغضب , يسب ويضرب ـ لأصابته صدمة عظيمة , وانهارت خيالاته وصوره الجميلة تباعا .
فإن رأيتَه يشكو صدمتَه , فدَعْهُ يعاني من خيبةِ أملٍ هو حائكها وصانعها , والأديبُ .. منها بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام !.
إن ما يقلقني ـ يا سادتي الأفاضل ـ ليس قلب الأديب هل هو مرآة لقلمه ؟ وإنما .. ما يقلقني هو ذلك القارئ الساذج الذي تسحره الكلمة , وتطربه الصورُ والتراكيب , فيُسلم قلبه وعقله لذلك الأديب البارع , الذي قد يدُسُّ السم في العسل , وصاحبنا قد رفع راية الاستسلام المسبقِ لأفكار وقناعاتِ كاتبه , رافعا من شأنه , ومقدسا لقوله . غاب عنه أن أغلب أدباء عصرنا هذا ـ إلا من رحم الله ـ ضائعو الهوية , مضطربون في أفكارهم , مترنحون تحتَ وطأةِ استعمارٍ فكريٍّ مُشتِّت , فتراهم مذبذبين بين إسلام وعلمانية والحاد , لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .
فإن لم يكن القارئ مُسَلَّحَا بعقله , مُحَكِّمَا لدينه ومبادئه ؛ فقل : على أمتنا السلام !!.
 
كلام راقٍ رائق شائق
وأحرى بمثلك أن يتصدر تعليم أدب الكتابة قبل كتابة الأدب.
ولكن لعل من أهم مقاصد الموضوع ؛ هذا السؤال:
هل نُـجِلُّ الأديب كمحترف حاذق ماهر في مهنته؟ (وهي مهنة شريفة بضوابطها)
أم نرفعه فوق ذلك درجات (أملاها علينا الكثير من الأدباء)؟
==
بإيضاح وإفصاح أكثر : البعض تصيبه نوبات هلع عندما يتناهى لمسامعة أن الأدب صنعة وحرفة ، ولا يُسيغ إلا وصف الأديب بأنه هبة من الله ، آية ، وحيّ عُلوي ، ما يخطه لا يشوبه التكلف أو حتى استدعاء المعاني ، آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب.
===
نعم الموهبة هي البداية ولا شك ، ولكنها لا تكفي حتى لكتابة الشعر العامي.
أين تذوق الشعر ودراسة العروض والقافية؟ ، بل أين إتقان النحو والصرف والبلاغة و...؟ ، والإملاء لا تنسوا الإملاء ، أين العكوف على كتب اللغة والمعاجم؟ ، أين الحفظ من أشعار الأقدمين من الجاهليين ومن بعدهم إلى عصرنا هذا؟ ، وبعد ذلك يحتاج طول زمان في الكتابة والعرض على أهل الفن والجمهور ، ليصحح مساره ويُقوّم إبداعه .
===
والأديب يكابد لإخراج فنه ، بل الفن الجيد ما هو إلا نتيجة معاناة ما ، سواء كانت شخصية ذاتية أم مُتوهمة بالمشاركة أو التشخيص لحال غيره.
فهي صنعة سامية ، صناعة الكلمة ، ورب صول أنفذ من قول ، ورب كلمة يُصان بها عِرض وتُحفظ بها نفس ، ورب قول أشد على العدو من وقع النبل.
وكذلك رب كلمة يَضل بها صاحبها ويُضل بها غيره.
فالمقصد أنها صناعة ، نَصف الماهر بها بالحاذق المُجيد ، في اللفظ والمعنى واللغة والثقافة والموهبة و... ، هذا جانب منفك الجهة عن الاستخدام في الخير أو الشر ، الصدق أو الكذب ، ونحوه.
 
عودة
أعلى