هل قضية الاسراء بالجسد مجمع عليها عند أهل السنة ..وكذلك المعراج .

إنضم
06/03/2009
المشاركات
52
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الاخوة الاكارم :
هل قضية الاسراء بجسد النبي صلى الله عليه وسلم مجمع عليها , أو هو قول الجمهور عند أهل السنة .؟
وهل رأي أن المعراج بالروح فقط قوي عند أهل السنة ؟. بارك الله فيكم .
 
إليك كلام الشنقيطي رحمه الله تعالى فقد جمع شتات المسألة في أحسن وجه:
"قوله تعالى : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } الآية .
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقوله بعض العلماء في الآية قولاً ويكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول . فإنا نبين ذلك . فإذا علمت ذلك .
فاعلم أن هذا الإسراء به صلى الله عليه و سلم المذكور في هذه الآية الكريمة ، زعم بعض أهل العلم أنه بروحه صلى الله عليه وسلم دون جسده ، زاعماً أنه في المنام لا اليقظة ، لأن رؤيا الأنبياء وحي .
وزعم بعضهم أن الإسراء بالجسدِ ، والمعراج بالروح دون الجسد ، ولكن ظاهر القرآن يدل على أنه بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظةً لا مناماً ، لأنه قال { بعبده } والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، ولأنه قال { سبحان } والتَّسبيح إنما يكون عند الأمور العظام . فلو كان مناماً لم يكن له كبير شأن حتى يتعجب منه . ويؤيده قوله تعالى : { مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى } [ النجم : 17 ] لأن البصر من آلات الذات لا الروح ، وقوله هنا { لنريه من آياتنا } .
ومن أوضح الأدلة القرآنية على ذلك قوله جل وعلا : { وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ والشجرة الملعونة فِي القرآن } [ الإسراء : 60 ] فإنها رؤيا عين يقظة ، لا رؤيا منام ، كما صحَّ عن ابن عباس وغيره .
ومن الأدلة الواضحة على ذلك - أنها لو كانت رؤيا منام لما كانت فتنة ، ولا سبباً لتكذيب قريش ، لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار ، لأن المنام قد يرى فيه ما لا يصح . فالذي جعله الله فتنة هو ما رآه بعينه من الغرائب والعجائب . فزعم المشركون أن من ادعى رؤية ذلك بعينه فهو كاذب لا محالة ، فصار فتنة لهم . وكون الشجرة الملعونة التي هي شجرة الزقوم على التحقيق فتنة لهم - أن الله لما أنزل قوله : { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم } [ الصافات : 64 ] قالوا : ظهر كذبه . لأن الشجر لا ينبت بالأرض اليابسة، فكيف ينبت في أصل النار! « كما تقدم في البقرة .
ويؤيد ما ذكرنا من كونها رؤيا عين يقظة قوله تعالى هنا : { لنريه من آياتنا } الآية ، وقوله { مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى } [ النجم : 17-18 ] . وما زعمه بعض أهل العلم من أن الرؤيا لا تطلق بهذا اللفظ لغة إلى على رؤيا المنام ، مردود . بل التحقيق : أن لفظ الرؤيا يطلق في لغة العرب على رؤية العين يقظة أيضاً . ومنه قول الراعي وهو عربي قح :
فكبر للرَّيا وهش فؤاده ... وبشَّر نفساً كان قبل يلومها
فإنه يعني رؤية صائد بعينه . ومنه أيضاً قول أبي الطيب :
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض ... قاله صاحب اللسان وزعم بعض أهل العلم : أن المراد بالرؤيا في قوله : { وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ } [ الإسراء : 60 ] الآية ، رؤيا منام وأنها هي المذكورة في قوله تعالى : { لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله } [ الفتح : 27 ] الآية والحق الأول .
وركوبه صلى الله عليه وسلم على البراق يدل على أن الإسراء بجسمه . لأن الروح ليس من شأنه الركوب على الدواب كما هو معروف ، وعلى كل حال :
فقد تواترت الأحاديث الصحيحة عنه : « أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وأنه عرج به من المسجد الأقصى حتى جاوز السماوات السبع » .
قد دلت الأحاديث المذكورة على أن الإسراء والمعراج كليهما بجسمه وروحه ، يقظة لا مناماً ، كما دلت على ذلك أيضاً الآيات التي ذكرنا .
وعلى ذلك من يعتد به من أهل السنة والجماعة ، فلا عبرة بمن أنكر ذلك من الملحدين .
وما ثبت في الصَّحيحين من طريق شريك عن أنس رضي الله عنه : أن الإسراء المذكور وقع مناماً - لا ينافي ما ذكرنا مما عليه أهل السنة والجماعة ، ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة . لإمكان أن يكون رأي الإسراء المذكور نوماً ، ثم جاءت تلك الرؤيا كفلق الصبح فأسري به يقظة تصديقاً لتلك الرؤيا المنامية . كما رأى في النوم أنهم دخلوا المسجد الحرام ، فجاءت تلك الرؤيا كفلق الصبح ، فدخلوا المسجد الحرام في عمرة القضاء عام سبع يقظة ، لا مناماً ، تصديقاً لتلك الرؤيا . كما قال تعالى : { لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ . . . } [ الفتح : 27 ] الآية . ويؤيد ذلك حديث عائشة الصحيح « فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح » مع أن جماعة من أهل العلم قالوا : إن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ساء حفظه في تلك الرواية المذكورة عن أنس ، وزاد فيها ونقص ، وقدم وأخر . ورواها عن أنس غير من الحفاظ على الصواب ، فلم يذكروا المنام الذي ذكره شريك المذكور . وانظر رواياتهم بأسانيدها ومتونها في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى . فقد جمع طرق حديث الإسراء جمعاً حسناً بإتقان . ثم قال رحمه الله : « والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناماً من مكة إلى بيت المقدس راكباً البراق ، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين ، ثم أتي بالمعراج وهو كالسلم ذو درجٍ يرقى فيهان فصعد فيه إلى السّماء الدنيا ، ثم إلى بقية السماوات السبع ، فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم حتى مر بموسى الكليم في السادسة ، وإبراهيم الخليل في السابعة ، ثم جاوز منزليهما صلى الله عليه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء ، حتى انتهى إلى مستوىً يسمع فيه صريف الأقلام - أي أقلام القدر - بما هو كائن ورأى سدرة المنتهى ، وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة ، وغشيها الملائكة ، وإبراهيم الخليل بانِيَ الكعبة الأرضية مسنداً ظهره إليه ، لأن الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ، يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ، ورأى الجنة والنار وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ، ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفاً بعباده . وفي هذا اعتناء بشرف الصلاة وعظمتها . ثم هبط إلى بيت المقدس ، وهبط معه الأنبياء . فصلى بهم فيه لما حانت الصَّلاة ، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ . ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء . والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس ، ولكن ، في بعضها أنه كان أول دخوله إليه ، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه ، لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحداً واحداً وهو يخبره بهم ، وهذا هو اللائق . لأنه كان أولاً مطلوباً إلى الجانب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى .
ثم لما فرغ من الذي أريد به اجتمع به هو وإخوانه من النَّبيين ، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة ، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام في ذلك . ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس . والله سبحانه وتعالى أعلم . انتهى بلفظه من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى .
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث ، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام ، فهو متواتر بهذا الوجه . وذكر النقاش ممن رواه : عشرين صحابياً ثم شرع يذكر بعض طرقه في الصحيحين وغيرهما ، وبسط قصة الإسراء ، تركناه لشهرته عند العامة وتواتره في الأحاديث .
وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في آخر كلامه على هذه الآية الكريمة فائدتين ، قال في أولاهما : « فائدة حسنة جليلة - وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب ( دلائل النبوة ) من طريق محمد بن عمر الواقدي : حدثني مالك بن أبي الرجال ، عم عمر بن عبد الله ، عن محمد بن كعب القرظي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة إلى قيصر . فذكر وروده عليه وقدومه إليه ، وفي السياق دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل ، ثم استدعى من بالشام من التجار فجيء بأبي سفيان صخر بن حرب وأصحابه . فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم كما سيأتي بيانه . وجعل أبو سفيان يجتهد أن يحقِّر أمره ويصغِّره عنده ، قال في هذا السياق عن أبي سفيان : والله ما منعني من أن أقول عليه قولاً أسقطه به من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها عليَّ ولا يصدقني في شيءٍ .
قال : حتَّى ذكرت قوله ليلة أسري به ، قال فقلت : أيُّها الملك ، ألا أخبرك خبراً تعرف به أَنه قد كذب . قال : وما هو؟ قال: قلت إنه يزعم لنا انه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلةٍ ، فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ، ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصَّباح . قال : وبطريق إيلياء عند رأس قيصر ، فقال بطريق إيلياء : قد علمت تلك الليلة .
قال : فنظر إليه قيصر وقال : وما علمك بهذا؟ قال : إني كنت لا أنام ليلةً حتَّى أغلق أبواب المسجد . فما كانت تلك اللًّيلةِ أغلقت الأَبواب كلَّها غير بابٍ واحدٍ غلبني ، فاستعنت عليه بعمَّالي ومن يحضرني كلهم فغلبنا ، فلم نستطيع أن نحركه كأنما نزاول به جبلاً ، فدعون إليه النَّجاجرة فنظروا إليه فقالوا : إنَّ هذا الباب سقط عليه النجاف والبنيان ولا نستطيع أن نحرِّكهن حتى نصبح فننظر من أين أتى! قال : فرجعت وتركت البابين مفتوحين . فلمَّا أصبحت غدوت عليهما فإذا المجر الذي في زاوية المسجد مثقوب . وإذا فيه أَثر مربط الدابة . قال : فقلت لأصحابي : ما حبس هذا الباب اللَّيلة إلى على نبيٍّ وقد صلَّى الليلة في مسجدنا. اهـ .
ثم قال في الأخرى : « فائدة - قال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) وقد ذكر حديث الإسراء عن طريق أنس وتكلم عليه فأجاد وأفاد . ثم قال : وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن مسعودٍ ، وأبي ذرٍّ ، ومالك بن صعصعة ، وأبي هريرة وأب سعيد ، وابن عباس ، وشداد بن أَوس ، وأبي بن كعب ، وعبد الرحمن بن قرط ، وأبي حبة ، وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر ، وحذيفة ، وبُريدة ، وأبي أيوب ، وأبي أُمامة ، وسمرة بن جندب ، وأبي الحمراء ، وصهيب الرومي ، وأم هانىء ، وعائشة ، وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين . منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة » فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون وأعرض عنه الزنادقة والملحدون { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } [ الصف : 8 ] انتهى من ابن كثير بلفظه .
 
عودة
أعلى