هل في القرآن ما هو ظني الدلالة ؟

إنضم
26/02/2009
المشاركات
1,878
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
كثيرا ما نسمع المقولة أو القاعدة المشهورة:
القرآن قطعي من حيث الثبوت أما من حيث الدلالة فمنه ماهو قطعي الدلالة ومنه ماهو ظني الدلالة.
فهل هناك فعلا ما هو ظني الدلالة في القرآن أم أنها عبارة تحتاج إلى تحقيق وتدقيق؟
 
فصل أكثر شيخنا الحبيب. هل ثمة إشكال في العبارة؟
 
سؤالك هذا عالجته في كتابي مفاتيح التفسير في مصطلحين من مصطلحات الكتاب هما:
1- الدليل الظني 1/ 479
2- الدليل القطعى 1/ 480

ومما قلته تحت مصطلح الدليل الظني بعد الانتهاء من تعريفه:
قد يكون الدليل الظني في ثبوته، قطعيا في دلالته، إذا دل دلالة مباشرة على ما استدل به عليه، وقد يكون ظنيا أيضا في دلالته إذا حدث العكس، وهذا أمر يرجع إلى المستدل ومدى قدرته على تحديد ما يستدل به، وما يدلل عليه، فهو إذن أمر نسبى.
وظنية الدلالة، وقطعية الثبوت، أو ظنيتها مجالها أحاديث الآحاد والقراءات غير المتواترة .
والحاصل أن الظنية والقطعية في الأدلة السمعية ثبوتا ودلالة تتنوع إلى ما يلي:
أ - قطعي الثّبوت والدّلالة، كبعض النّصوص المتواترة التي لم يختلف فيها، كقوله تعالى:{ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } ( البقرة: 196)
ب - وقطعي الثبوت ظني الدّلالة، كبعض النّصوص المتواترة الّتي يختلف في تأويلها.
ج - و ظني الثّبوت قطعي الدّلالة، كأخبار الآحاد ذات المفهوم القطعيّ .
د - و ظني الثّبوت والدّلالة، كأخبار الآحاد الّتي مفهومها ظني .
ورتّب أصوليّو الحنفيّة على هذا التّقسيم ثبوت الحكم بقدر دليله :
فبالقسم الأوّل يثبت الفرض، وبالقسم الثّاني والثّالث يثبت الوجوب، وبالقسم الرّابع يثبت الاستحباب والسّنّيّة .
وهذا التّقسيم جارٍ على اصطلاح الحنفيّة في التّفريق بين الفرض والواجب، خلافاً للجمهور

وتحت مصطلح الدليل القطعي، قلت بعد تعريف الدليل القطعي وبيان النسبة بينه وبين الظني:
.......
ومجال قطعية الثبوت والدلالة ماثل في آيات العقائد وبعض آيات الأحكام ومجال قطعية الثبوت وظنية الدلالة ماثل في بعض آيات الأحكام، ولأجل ذلك حدث الاختلاف بين الفقهاء .
وما قيل في القرآن الكريم يقال أيضا في المتواتر من الأحاديث النبوية والقراءات القرآنية .
وأضرب لك مثالا يتضح به المقام:
دلالة القرء في قوله تعالى:[ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ] على واحد من الحيض أو الطهر دلالة ظنية، مع قطعية ثبوت الآية، والأمثلة كثرة كما ذكرت لك في دلالة الآيات القرآنية على الأحكام.
والله أعلم
 
شكر الله لك دكتور أحمد
سلمنا وجود الألفاظ المشتركة في القرآن ، كلفظ : القرء ، وأن دلالة المشترك على أحد معانية ظنية ، فكيف يخرج المكلف من العهدة أمام نص مشكل وهو مأمور بأن يعمل بمقتضى ذلك النص؟

ثم ألا يتصادم القول بظنية الدلالة مع وصف القرآن بأنه بين وميسر للذكر؟

يقول بن جرير رحمه الله تعالى:
"وذلك أن جميع ما أنزل الله عز وجل من آي القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنما أنزله عليه بيانًا له ولأمته وهدًى للعالمين، وغيرُ جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه، ولا أن يكون فيه ما بهم إليه الحاجةُ، ثم لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل."

* الأخ الفاضل محمد رشيد
أرجو أن يكون اتضح لك المراد.
 
أخانا أبا سعد الغامدي
اطلعت على سؤالك على عجل وأنا في المدينة المنورة وسأحرر لك إجابته فور عودتي إلى الرياض إن شاء الله
 
المقصود بظنية الدلالة للنص أن النص يحتمل الاختلاف في وجهات النظر بحيث لا يقطع الإنسان بخطأ مخالفه في المسألة حتى إن تبين له الراجح.
ومن المقطوع به عند جميع العلماء أن نصوص القرآن ليست متساوية في قوة الدلالة.
فبعضها واضح لا يشكل على أحد، وبعضها يشكل على العامة دون العلماء، وبعضها يختلف فيه العلماء، وبعضها لا يعلمه إلا الله، وقد ورد عن ابن عباس ما يؤيد هذا التقسيم، وورد أيضا عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم نصوص كثيرة جدا تؤيد هذا التفاوت في دلالة النصوص، كقول بعضهم: إن القرآن حمال وجوه، وكتوقف بعضهم عن تفسير بعض الآيات دون بعض، وكاختلافهم في فهم بعض الآيات، إلى غير ذلك.
فالخلاصة أن ظنية دلالة بعض آيات القرآن بالمعنى السابق شرحه لا ينازع فيه أحد بعد توضيح المراد به.
 
أخي أبا سعد الغامدي
أعتذر عن التأخير لظروف السفر
وقولك:
{سلمنا وجود الألفاظ المشتركة في القرآن ، كلفظ : القرء ، وأن دلالة المشترك على أحد معانية ظنية }
يظهر به أنه لم يعد لديك إشكال في القناعة بوجود ظني الدلالة في القرآن، وهو أمر مسلم به وشواهده كثيرة جدا، محلها كل موضع قابل للاختلاف في دلالته.
لكنك استشكلت بعد التسليم بوجود ظني الدلالة ما عبرت عنه بقولك:
{فكيف يخرج المكلف من العهدة أمام نص مشكل وهو مأمور بأن يعمل بمقتضى ذلك النص؟}
وفي رأيي أن هذا الاستشكال غير متجه إذا قصدت بالمشكل مطلق الخفاء، فهذا لا يكون أبدا في آيات الأحكام التي يطالب المكلف فيها بالعمل، أما إذا قصدت الخفاء النسسبي وهو الذي يبين بطرق أخرى من النقل أو العقل، فأقول لك:
نعم قد تخفى الدلالة في بعض الآيات لأسباب تعود إلى إجمال في اللفظ أو اشتراك فيه أونحو ذلك، لكن هذا كله، له سبله الكاشفة التي بها يزول الإشكال، فالإجمال مثلا يزول بالتفصيل الذي تتولاه نصوص أخرى في القرآن نفسه أو في السنة.
والاشتراك أيضا ينحل أمره بعمل العلماء ونظرهم، مهما أدى ذلك إلى اختلافهم في تحديد أي معاني المشترك هو المراد، فإن ما يصل إليه المجتهد في ذلك هو مراد الله في حقه، وحق من قلده.
يقول الزركشي في كلام طويل -عن اللفظ الذي يحتمل معنيين فصاعدا - أجتزئ لك بعضه:
أن يتنافيا اجتماعًا ولا يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كلفظ " القرء " حيث هو حقيقة في الحيض والطهر فعلى المجتهد أن يجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فإذا وصل إليه كان هو مراد الله في حقه وإن اجتهد مجتهد آخر فأدَّى اجتهاده إلى المعنى الآخر كان ذلك مراد الله تعالى في حقه لأنه نتيجة اجتهاده وما كلف به ....أ.هـ.
وعلى هذا فالخروج من العهدة كما ورد في سؤالك يكون بالاجتهاد لمن تتوافر فيهم شروطه، وبتقليد بعض المجتهدين لمن لا تتوافر فيهم شروط الاجتهاد.

وأما قولك:
{ ألا يتصادم القول بظنية الدلالة مع وصف القرآن بأنه بين وميسر للذكر؟ }
فأقول لك: لا تصادم ولا إشكال، فكون القرآن بينا أعم من أن يكون بينا بذاته أو بغيره
فأما بيانه بذاته، فحاصل في الآيات قطعية الدلالة كآيات العقائد وكثير من آيات الأحكام، وكل ما لا يعذر أحد بجهله.
وأما بيانه بغيره، فبعضه كان من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، كتفصيل المجمل ونحوه، وبعضه ببيان علماء الأمة من السلف ومن بعدهم .
والأصل في لك قول الله تعالى:
[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ]
فقوله [لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ] هو في بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، لما احتاج إلى بيانه من قبله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] هو في بيان العلماء وفهمهم لما لم يرد في بيانه نص.
وهذا هو الجواب مجملا، فإن احتاج بعض الكلام إلى التفصيل، أو كان لكم عليه استدراك وتعقيب، فالحوار مفتوح، وأنا في انتظار ردكم.

محبكم أحمد سعد الخطيب
 
يقول محمد رشيد بن علي رضا في تفسير المنار:
مَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ مِنَ النُّصُوصِ فَهُوَ الشَّرْعُ الْعَامُّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُهُ عَمَلًا وَقَضَاءً ، وَأَنَّ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْأَفْرَادِ فِي التَّعَبُّدَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ فِي الْأَحْكَامِ الْقَضَائِيَّةِ
ويقول أيضاً :أَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ الْعَامَّةَ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَيُكَلَّفُ الْعَمَلَ بِهَا كُلُّ مَنْ بَلَغَتْهُ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي خُوطِبَ بِهَا أَفْرَادُ الْأُمَّةِ كُلُّهُمْ ، وَيُنَفِّذُهَا أَئِمَّتُهَا وَأُمَرَاؤُهَا فِيهَا ، هِيَ مَا كَانَتْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ بِبَيَانٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ لَا حُجَّةَ مَعَهُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهِ ، وَأَنَّ مَا عَدَاهَا مَنُوطٌ بِالِاجْتِهَادِ ، فَمَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ نَصٍّ ظَنِّيِّ الدَّلَالَةِ حُكْمٌ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُرَادُ اللهِ مِنَ الْآيَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ ، وَمَنْ لَا فَلَا ، كَمَا وَقَعَ عِنْدَ نُزُولِ آيَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إِذْ فَهِمَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (2 : 219) تَحْرِيمَهُمَا فَتَرَكَ ، وَبَقِيَ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ تَحْرِيمَهَا مَعَ الْمَيْسِرِ بَيَانًا قَطْعِيًّا. والله أعلم
 
أخي أبا سعد الغامدي
أعتذر عن التأخير لظروف السفر
وقولك:
{سلمنا وجود الألفاظ المشتركة في القرآن ، كلفظ : القرء ، وأن دلالة المشترك على أحد معانيه ظنية }
يظهر به أنه لم يعد لديك إشكال في القناعة بوجود ظني الدلالة في القرآن، وهو أمر مسلم به وشواهده كثيرة جدا، محلها كل موضع قابل للاختلاف في دلالته.
لكنك استشكلت بعد التسليم بوجود ظني الدلالة ما عبرت عنه بقولك:
{فكيف يخرج المكلف من العهدة أمام نص مشكل وهو مأمور بأن يعمل بمقتضى ذلك النص؟}
وفي رأيي أن هذا الاستشكال غير متجه إذا قصدت بالمشكل مطلق الخفاء، فهذا لا يكون أبدا في آيات الأحكام التي يطالب المكلف فيها بالعمل، أما إذا قصدت الخفاء النسسبي وهو الذي يبين بطرق أخرى من النقل أو العقل، فأقول لك:
نعم قد تخفى الدلالة في بعض الآيات لأسباب تعود إلى إجمال في اللفظ أو اشتراك فيه أونحو ذلك، لكن هذا كله، له سبله الكاشفة التي بها يزول الإشكال، فالإجمال مثلا يزول بالتفصيل الذي تتولاه نصوص أخرى في القرآن نفسه أو في السنة.
والاشتراك أيضا ينحل أمره بعمل العلماء ونظرهم، مهما أدى ذلك إلى اختلافهم في تحديد أي معاني المشترك هو المراد، فإن ما يصل إليه المجتهد في ذلك هو مراد الله في حقه، وحق من قلده.
يقول الزركشي في كلام طويل -عن اللفظ الذي يحتمل معنيين فصاعدا - أجتزئ لك بعضه:
أن يتنافيا اجتماعًا ولا يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كلفظ " القرء " حيث هو حقيقة في الحيض والطهر فعلى المجتهد أن يجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فإذا وصل إليه كان هو مراد الله في حقه وإن اجتهد مجتهد آخر فأدَّى اجتهاده إلى المعنى الآخر كان ذلك مراد الله تعالى في حقه لأنه نتيجة اجتهاده وما كلف به ....أ.هـ.
وعلى هذا فالخروج من العهدة كما ورد في سؤالك يكون بالاجتهاد لمن تتوافر فيهم شروطه، وبتقليد بعض المجتهدين لمن لا تتوافر فيهم شروط الاجتهاد.

وأما قولك:
{ ألا يتصادم القول بظنية الدلالة مع وصف القرآن بأنه بين وميسر للذكر؟ }
فأقول لك: لا تصادم ولا إشكال، فكون القرآن بينا أعم من أن يكون بينا بذاته أو بغيره
فأما بيانه بذاته، فحاصل في الآيات قطعية الدلالة كآيات العقائد وكثير من آيات الأحكام، وكل ما لا يعذر أحد بجهله.
وأما بيانه بغيره، فبعضه كان من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، كتفصيل المجمل ونحوه، وبعضه ببيان علماء الأمة من السلف ومن بعدهم .
والأصل في لك قول الله تعالى:
[وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ]
فقوله [لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ] هو في بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، لما احتاج إلى بيانه من قبله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] هو في بيان العلماء وفهمهم لما لم يرد في بيانه نص.
وهذا هو الجواب مجملا، فإن احتاج بعض الكلام إلى التفصيل، أو كان لكم عليه استدراك وتعقيب، فالحوار مفتوح، وأنا في انتظار ردكم.

محبكم أحمد سعد الخطيب

الحمد لله على سلامتكم دكتور أحمد
وعودا حميدا
شكر الله لكم ما تفضلتم به من البيان

ذكرتم حفظكم الله أن الخفاء النسبي يزول بالطرق الكاشفة التي ذكرتها وهذا كلام لا اعتراض لي عليه ، ولكن سؤالي المترتب على قولكم هو :
هل يبقى النص ظني الدلالة بعد زوال الخفاء عنه بأحد الطرق الكاشفة ؟
 
شكر الله لكم أخي أبا سعد الغامدي كريم شعوركم
وأما عن قولكم -حفظكم الله-:

ذكرتم حفظكم الله أن الخفاء النسبي يزول بالطرق الكاشفة التي ذكرتها وهذا كلام لا اعتراض لي عليه ، ولكن سؤالي المترتب على قولكم هو :
هل يبقى النص ظني الدلالة بعد زوال الخفاء عنه بأحد الطرق الكاشفة ؟
فالجواب عنه بالإيجاب، أي يبقى النص في هذه الحالة ظني الدلالة طالما أنه لم يقطع بكونه وحدوي المعنى.
فاللفظ القابل لمدلولات متعددة، مهما كان بعضها أرجح من بعض، فإن دلالته على معناه الراجح تظل ظنية، والظن درجات أعلاها ما قارب اليقين.
ولقد تنبهت الآن إلى مشاركة الأخ الكريم أبي مالك العوضي، وهي مركزة وفيها فائدة عظيمة.
 
شكر الله لكم أخي أبا سعد الغامدي كريم شعوركم
وأما عن قولكم -حفظكم الله-:


فالجواب عنه بالإيجاب، أي يبقى النص في هذه الحالة ظني الدلالة طالما أنه لم يقطع بكونه وحدوي المعنى.
فاللفظ القابل لمدلولات متعددة، مهما كان بعضها أرجح من بعض، فإن دلالته على معناه الراجح تظل ظنية، والظن درجات أعلاها ما قارب اليقين.
ولقد تنبهت الآن إلى مشاركة الأخ الكريم أبي مالك العوضي، وهي مركزة وفيها فائدة عظيمة.

أخانا الفاضل الخطيب
أنا أفرق بين النص واللفظ ، فتعدد دلالة اللفظ لا يمنع من الوقف على مراد الشارع بشكل قطعي ، واختلاف الأفهام في إدراك مراد الشارع لا يعني الحكم على النصوص بأنها ظنية ، ونحن نجد أن المفسرين والفقهاء يختلفون في فهم النص ويحملون النص على أحد دلالة اللفظ ، فهل نقول إن النص لا يزال ظني الدلالة في حق من ترجح عنده بالدليل أن المراد بالنص هو ذلك المعنى الذي ترجح عنده؟
ولنأخذ لفظ القرء كمثال وفهم العلامة الشنقيطي للمعنى المراد من اللفظ، يقول رحمه الله تعالى:

"قوله تعالى : { ثَلاَثَةَ قروء } [ البقرة : 228 ] فيه إجمال : لأن القرء يطلق لغة على الحيض ، وقد اختلف العلماء في المراد بالقروء في هذه الآية الكريمة ، هل هو الأطهار أو الحيضات؟
وسبب الخلاف اشتراك القرء بين الطهر والحيض كما ذكرنا ، وممن ذهب إلى أن المراد بالقرء في الآية الطهر ، مالك ، والشافعي ، وأم المؤمنين عائشة ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، والفقهاء السبعة ، وأبان بن عثمان ، والزهري ، وعامة فقهاء المدينة ، وهو رواية عن أحمد ، وممن قال : بأن القروء الحيضات ، الخلفاء الراشدون الأربعة ، وابن مسعود ، وأبو موسى ، وعبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، وابن عباس ، ومعاذ بن جبلن وجماعة من التابعين وغيرهم ، وهو الرواية الصحيحة عن أحمد .
واحتج كل من الفريقين بكتاب وسنة ، وقد ذكرنا في ترجمة هذا الكتاب أننا في مثل ذلك نرجح ما يظهر لنا أن دليله أرجح ، أما الذين قالوا : القروء : الحيضات ، فاحتجوا بأدلة كثيرة منها قوله تعالى : { واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ واللاتي لَمْ يَحِضْنَ } [ الطلاق : 4 ] . قالوا فترتيب العدة بالأشهر على عدم الحيض يدل على أن أصل العدة بالحيض ، والأشهُر بدل من الحيضات عند عدمها ، واستدلّوا أيضاً بقوله : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ } [ البقرة : 228 ] .
قالوا هو الولد ، أو الحيض ، واحتجوا بحديث « دعي الصلاة أيام أقرائك » قالوا : إنه صلى الله عليه وسلم هو مبين الوحي وقد أطلق القرء على الحيض ، فدل ذلك على أنه المراد في الآية ، واستدلوا بحديث اعتداد الأمة بحيضتين ، وحديث استبرائها بحيضة .
وأما الذين قالوا القروء الأطهار ، فاحتجوا بقوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] قالوا : عدتهن المأمور بطلاقهن لها الطهر لا الحيض كما هو صريح الآية ، ويزيده إيضاحاً قوله صلى الله عليه وسلم ، في حديث ابن عمر المتفق عليه : « فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها ، فتلك العدَّة كما أمر الله » قالوا إن النَّبي صلى الله عليه وسلم صرح في هذا الحديث المتفق عليه ، بأن الطهر هو العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ، مبيناً أن ذلك هو معنى قوله تعالى :
{ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] وهو نصٌّ من كتاب الله وسنة نبيه في محل النزاع .

قال مقيده - عفا الله عنه- : الذي يظهر لي أن دليل هؤلاء هذا ، فصل في محل النزاع . لأن مدار الخلاف هل القروء الحيضات أو الأطهار؟ وهذه الآية ، وهذا الحديث ، دلا على أنها الأطهار .
ولا يوجد في كتاب الله ، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يقاوم هذا الدليل ، لا من جهة الصحة ، ولا من جهة الصراحة في محل النزاع . لأنه حديث متفق عليه مذكور في معرض بيان معنى آية من كتاب الله تعالى .
وقد صرح فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم ، بأن الطهر هو العدة مبيناً أن ذلك هو مراد الله جل وعلا ، بقوله : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] فالإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم : « فتلك العدة » ، راجعة إلى حال الطهر الواقع فيه الطلاق . لأن معنى قوله « فليطلقها طاهراً » أي : في حال كونها طاهراً ، ثم بين أن ذلك الحال الذي هو الطهر هو العدة مصرحاً بأن ذلك هو مراد الله في كتابه العزيز ، وهذا نص صريح في أن العدة بالطهر . وأنث الإشارة لتأنيث الخبر ، ولا تخلص من هذا الدليل لمن يقول هي الحيضات إلا إذا قال العدة غير القروء ، و النزاع في خصوص القروء كما قال بهذا بعض العلماء .
وهذا القول يرده إجماع أهل العرف الشرعي ، وإجماع أهل اللسان العربي ، على أن عدة من تعتد بالقروء هي نفس القروء لا شيء آخر زائد على ذلك . وقد قال تعالى : { وَأَحْصُواْ العدة } [ الطلاق : 1 ] وهي زمن التربص إجماعاً ، وذلك هو المعبر عنه بثلاثة قروء التي هي معمول قوله تعالى : { يَتَرَبَّصْنَ } [ البقرة : 228 ] في هذه الآية فلا يصح لأحد أن يقول : إن على المطلقة التي تعتد بالأقراء شيئاً يسمى العدة . زائداً على ثلاثة القروء المذكورة في الآية الكريمة البتة ، كما هو معلوم .
وفي القاموس : وعدة المرأة أيام أقرائها ، وأيام إحدادها على الزوج ، وهو تصريح منه بأن العدة هي نفس القروء لا شيء زائد عليها ، وفي اللسان : وعدة المرأة أيام أقرائها ، وعدتها أيضاً أيام إحدادها على بعلها ، وإمساكها عن الزينةز شهوراً كان أو أقراء أو وضع حمل حملته من زوجها .
فهذا بيان بالغ من الصحة والوضوح والصراحة في محل النزاع ، ما لا حاجة معه إلى كلام آخر ، وتؤيده قرينة زيادة التاء في قوله : { ثَلاَثَةَ قرواء } [ البقرة : 228 ] لدلالتها على تذكير المعدود وهو الأطهار . لأنها مذكرة والحيضات مؤنثة .
وجواب بعض العلماء عن هذا بأن لفظ القرء مذكر ومسماه مؤنث وهو الحيضة ، وأن التاء إنما جيء بها مراعاة للفظ وهو مذكر لا للمعنى المؤنث.
يقال فيه : إن اللفظ إذا كان مذكراً ، ومعناه مؤنثاً ، لا تلزم التاء في عدده ، بل تجوز فيه مراعاة المعنى ، فيجرَّد العدد من التاء كقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي :
وكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فجرد لفظ الثلاث من التاء . نظراً إلى أن مسمى العدد نساء ، مع أن لفظ الشخص الذي أطلقه على النثى مذكر ، وقول الآخر :
وإن كلاباً هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
فجرد العدد من التاء مع أن البطن مذكر . نظراً إلى معنى القبيلة ، وكذلك العكس كقوله :
ثلاثة أنفسٍ وثلاث ذود ... لقد عال الزمان على عيالي
فإنه قد ذكر لفظ الثلاثة مع أن الأنفس مؤنثة لفظاً . نظراً غلى أن المراد بها أنفس ذكور ، وتجوز مراعاة اللفظ فيجرد من التاء في الأخير وتلحقه التاء في الأول ولحوقها إذن مطلق احتمال ، ولا يصح الحمل عليه دون قرينة تعينه ، بخلاف عدد المذكر لفظاً ومعنى ، كالقرء بمعنى الطهر فلحوقها له لازم بلا شك ، واللازم الذي لا يجوز غيره أولى بالتقديم من المحتمل الذي يجوز أن يكون غيره بدلاً عنه ولم تدل عليه قرينة كما ترى .
فإن قيل : ذكر بعض العلماء أن العبرة في تذكير واحد المعدود وتأنيثه إنما هي باللفظ ، ولا تجوز مراعاة المعنى إلا إذا دلت عليه قرينة ، أو كان قصد ذلك المعنى كثيراً ، والآية التي نحن بصددها ليس فيها أحد الأمرين ، قال الأشموني في شرح قول ابن مالك :
ثلاثة بالتاء قل للعشره ... في عد ما آحاده مذكَّره
في الضد جرد إلخ . . . ما نصه : الثاني اعتبار التأنيث في واحد المعدود إن كان اسماً فبلفظه ، تقول : ثلاثة أشخص ، قاصداً نسوة ، وثلاث أعين قاصداً رجال . لأن لفظ شخص مذكر ، ولفظ عين مؤنث هذا ما لم يتصل بالكلام ما يقوي المعنى : أو يكثر فيه قصد المعنى .
فإن اتصل به ذلك جاز مراة المعنى ، فالأول كقوله :
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر .
وكقوله وإن كلاباً . . البيت .
والثاني كقوله : ثلاثة أنفس وثلاث ذود : اه منه .
وقال الصبان في حاشيته عليه : وبما ذكره الشارح يرد ما استدل به بعض العلماء في قوله تعالى : { ثَلاَثَةَ قرواء } [ البقرة : 228 ] . { بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } [ النور : 4 ] على أن الأقراء الأطهار لا الحيض ، وعلى أن شهادة النساء غير مقبولة . لأن الحيض جمع حيضة : فلو أريد الحيض لقيل ثلاث ، ولو أريد النساء لقيل بأربع .
ووجه الرد أن المعتبر هنا اللفظ ، ولفظ قرء وشهيد مذكرين ، منه بلفظه .
فالجواب ، والله تعالى أعلم ، أن هذا خلاف التحقيق ، والذي يدل عليه استقراء اللغة العربية جواز مراعاة المعنى مطلقاً ، وجزم بجواز مراعاة المعنى في لفظ العدد ابن هشام ، نقله عنه السيوطي ، بل جزم صاحب التسهيل وشارحه الدماميني : بأن مراعاة المعنى في واحد المعدود متعينة .

قال الصبان في حاشيته ما نصه : قوله : فبلفظه ظاهره أن ذلك على سبيل الوجوب ، ويخالفه ما نقله السيوطي عن ابن هشام وغيره من أن ما كان لفظه مذكراً ، ومعناه مؤنثاً ، أو بالعكس ، فإنه يجوز فيه وجهان اه .
ويخالفه أيضاً ما في التسهيل وشرحه للدماميني . وعبارة التسهيل تحذف تاء الثلاثة وأخواتها ، إن كان واحد المعدودات مؤنث المعنى حقيقة أو مجازاً .
قال الدماميني : استفيد منه أن الاعتبار في الواحد بالمعنى لا باللفظ . فلهذا يقال ثلاثة طلحات . ثم قال في التسهيل : وربما أُول مذكر بمؤنث ، ومؤنث بمذكر ، فجيء بالعدد على حسب التأويل ، ومثل الدماميني الأول بنحو ثلاث شخوص ، يريد نسوة ، وعشر أبطن ، يريد قبائل .
والثاني بنحو ثلاثة أنفس ، أي أشخاص ، وتسعة وقائع ، أي مشاهد ، فتأمل . انتهى منه بلفظه . وما جزم به صاحب التسهيل وشارحه ، من تعين مراعاة المعنى ، يلزم عليه تعين كون القرء في الآية هو الطهر كما ذكرنا .
وفي حاشية الصبان أيضاً ما نصه : قوله : جاز مراعاة المعنى في التوضيح أن ذلك ليس قياسياً ، وهو خلاف ما تقدم عن ابن هشام وغيره ، من أن ما كان لفظه مذكراً ، ومعناه مؤنثاً ، أو بالعكس ، يجوز فيه وجهان ، أي ولو لم يكن هناك مرجح للمعنى ، وهو خلاف ما تقدم عن لتسهيل . وشرحه أن العبرة بالمعنى ، فتأمل اه منه .
وأما الاستدلال على أنها الحيضات بقوله تعالى : { واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض } [ الطلاق : 4 ] الآية - فيقال فيه إنه ليس في الآية ما يعين أن القروء الحيضات ، لأن الأقراء لا تقال في الأطهار إلا في الأطهار التي يتخللها حيض ، فإن عدم الحيض عدم معه اسم الأطهار ، ولا مانع إذن من ترتيب الاعتداد بالأشهر على عدم الحيض مع كون العدة بالطهر . لأن الطهر المراد يلزمه وجود الحيض وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم ، فانتفاء الحيض يلزمه انتفاء الأطهار فكأن العدة بالأشهر مرتبة أيضاً على انتفاء الأطهار ، المدلول عليه بانتفاء الحيضز وأما الاستدلال بآية { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ } [ البقرة : 228 ] فهو ظاهر السقوط . لأن كون القروء الأطهار لا يبيح للمعتدة كتم الحيض . لأن العدة بالأطهار لا تمكن إلا بتخلل الحيض لهاز فلو كتمت الحيض لكانت كاتمة انقضاء الطهر ، ولو ادعت حيضاً لم يكن ، كانت كاتمة . لعدم انقضاء الطهر كما هو واضح .
وأما الاستدلال بحديث « دعي الصَّلاة ايام أقرائك » فيقال فيهك إنه لا دليل في الحديث ألبتة على محل النزاع . لأنه لا يفيد شيئاً زائداً على أن القرء يطلق على الحيض . وهذا مما لا نزاع فيه .
أما كونه يدل على منع إطلاق القرء في موضع آخر على الطهر فهذا باطل بلا نزاع ، ولا خلاف بين العلماء القائلين : بوقوع الاشتراك في : أن إطلاق المشترك على أحد معنييه في موضع ، لا يفهم منه منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر .

ألا ترى أن لفظ العين مشترك بين الباصرة والجارية مثلاً ، فهل تقول إن إطلاقه تعالى لفظ العين على الباصرة في قوله : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين } [ المائدة : 45 ] الآية - يمنع إطلاق العين في موضع آخر على الجارية ، كقوله : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } [ الغاشية : 12 ] .
والحق الذي لا شك فيه أن المشترك يطلق على كل واحد من معنييه ، أو معانيه في الحال المناسبة لذلك ، والقرء في حديث « دعي الصَّلاة أيَّام أقرائك » مناسب للحيض دون الطهر . لأن الصلاة إنما تترك في وقت الحيض دون وقت الطهر .
ولو كان إطلاق المشترك على أحد معنييه ، يفيد منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر ، لم يكن في اللغة اشتراك أصلاً . لأنه كل ما أطلقه على أحدهما منع إطلاقه له على الآخر ، فيبطل اسم الاشتراك من أصله مع أنا قدمنا تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه بأن الطهر هو العدة وكل هذا على تقدير صحة حديث « دعي الصَّلاة أيام أقرائك » لأن من العلماء من ضعفه ، ومنهم من صححه .
والظاهر أن بعض طرقه لا يقل عن درجة القبول ، إلا أنه لا دليل فيه لمحل النزاع .
ولو كان فيه لكان مردوداً بما هو أقوى منه وأصرح في محل النزاع ، وهو ما قدمنا . وكذلك اعتداد الأمة بحيضتين على تقدير ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم ، لا يعارض ما قدمنا . لأنه أصح منه وأصرح في محل النزاع . واستبراؤها بحيضة مسالة اخرى . لأن الكلام في العدة لا في الاستبراء .
ورد بعض العلماء الاستدلال بالآية والحديث الدالين على أنها الأطهار ، بأن ذلك يلزمه الاعتداد بالطهر الذي وقع فيه الطلاق كما عليه جمهور القائلين : بأن القروء : الأطهار فيلزم عليه كون العدة قرءين وكسراً من الثالث ، وذلك خلاف ما دلت عليه الآية من أنها ثلاثة قروء كاملة مردود بأن مثل هذا لا تعارض به نصوص الوحي الصريحة ، وغاية ما في الباب إطلاق ثلاثة قروء على اثنين وبعض الثالث . ونظيره قوله { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } [ البقرة : 197 ] والمراد شهران وكسر .
وادعاء أن ذلك ممنوع في أسماء العدد يقال فيه : إن النَّبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ذكر أن بقية الطهر الواقع فيه الطلاق عدة . مبيناً أن ذلك مراد الله في كتابه ، وما ذكره بعض أجلاء العلماء - رحمهم الله - من أن الآية والحديث المذكورين يدلان على أن الأقراء الحيضات بعيد جداً من ظاهر اللفظ كما ترى .
بل لفظ الآية والحديث المذكورين صريح في نقيضه ، هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة والله تعالى أعلم ، ونسبة العلم إليه أسلم .

ألا ترى أن لفظ العين مشترك بين الباصرة والجارية مثلاً ، فهل تقول إن إطلاقه تعالى لفظ العين على الباصرة في قوله : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين } [ المائدة : 45 ] الآية - يمنع إطلاق العين في موضع آخر على الجارية ، كقوله : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } [ الغاشية : 12 ] .
والحق الذي لا شك فيه أن المشترك يطلق على كل واحد من معنييه ، أو معانيه في الحال المناسبة لذلك ، والقرء في حديث « دعي الصَّلاة أيَّام أقرائك » مناسب للحيض دون الطهر . لأن الصلاة إنما تترك في وقت الحيض دون وقت الطهر .
ولو كان إطلاق المشترك على أحد معنييه ، يفيد منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر ، لم يكن في اللغة اشتراك أصلاً . لأنه كل ما أطلقه على أحدهما منع إطلاقه له على الآخر ، فيبطل اسم الاشتراك من أصله مع أنا قدمنا تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه بأن الطهر هو العدة وكل هذا على تقدير صحة حديث « دعي الصَّلاة أيام أقرائك » لأن من العلماء من ضعفه ، ومنهم من صححه .
والظاهر أن بعض طرقه لا يقل عن درجة القبول ، إلا أنه لا دليل فيه لمحل النزاع .
ولو كان فيه لكان مردوداً بما هو أقوى منه وأصرح في محل النزاع ، وهو ما قدمنا . وكذلك اعتداد الأمة بحيضتين على تقدير ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم ، لا يعارض ما قدمنا . لأنه أصح منه وأصرح في محل النزاع . واستبراؤها بحيضة مسالة أخرى . لأن الكلام في العدة لا في الاستبراء .
ورد بعض العلماء الاستدلال بالآية والحديث الدالين على أنها الأطهار ، بأن ذلك يلزمه الاعتداد بالطهر الذي وقع فيه الطلاق كما عليه جمهور القائلين : بأن القروء : الأطهار فيلزم عليه كون العدة قرءين وكسراً من الثالث ، وذلك خلاف ما دلت عليه الآية من أنها ثلاثة قروء كاملة مردود بأن مثل هذا لا تعارض به نصوص الوحي الصريحة ، وغاية ما في الباب إطلاق ثلاثة قروء على اثنين وبعض الثالث . ونظيره قوله { الحج أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } [ البقرة : 197 ] والمراد شهران وكسر .
وادعاء أن ذلك ممنوع في أسماء العدد يقال فيه : إن النَّبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ذكر أن بقية الطهر الواقع فيه الطلاق عدة . مبيناً أن ذلك مراد الله في كتابه ، وما ذكره بعض أجلاء العلماء - رحمهم الله - من أن الآية والحديث المذكورين يدلان على أن الأقراء الحيضات بعيد جداً من ظاهر اللفظ كما ترى .
بل لفظ الآية والحديث المذكورين صريح في نقيضه ، هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة والله تعالى أعلم ، ونسبة العلم إليه أسلم ."
 
عفوا أخانا أبا سعد فالآن انتبهت إلى ما كتبت:
أخانا الفاضل الخطيب
أنا أفرق بين النص واللفظ ، فتعدد دلالة اللفظ لا يمنع من الوقف على مراد الشارع بشكل قطعي ، واختلاف الأفهام في إدراك مراد الشارع لا يعني الحكم على النصوص بأنها ظنية ، ونحن نجد أن المفسرين والفقهاء يختلفون في فهم النص ويحملون النص على أحد دلالة اللفظ ، فهل نقول إن النص لا يزال ظني الدلالة في حق من ترجح عنده بالدليل أن المراد بالنص هو ذلك المعنى الذي ترجح عنده؟
والجواب عن كلامك حفظك الله:
يجب التنبه إلى التفريق بين حالتين: العمل والعلم
أما لزوم العمل فيستوي فيه قطعي الدلالة مع ظنيه أي من حيث وجوب العمل بكليهما.
وأما العلم - وهو يوازي الاعتقاد - فلا يتنزل في لزومه ظني الدلالة منزلة قطعيها البتة.
وعلى هذا، فمن ترجح لديه أحد الاحتمالات فيما يلزم فيه العمل، كان الظني في حاله نازلا منزلة القطعي، أي: في لزوم العمل، دون لزوم العلم، إذ إنه يمكن أن يبدو له باجتهاد آخر أن المحتمل الآخر هو الأرجح، فيعود إليه، ولو قلنا: إن اجتهاده الأول هو قطعي الدلالة في حقه، ما جاز له خلافه والانتقال عنه إلى اجتهاد آخر، ولا يقول بذلك أحد، فعدول المجتهدين عن اجتهادهم في بعض المسائل، إلى اجتهاد، آخر أمر واقع قديما وحديثا.
ولا يغيبن عنك مذهب الشافعي - رحمه الله - الذي يحمل في داخله اجتهادين لصاحب المذهب في كثير من المسائل نعت أحدهما بالقديم - وهو الذي كان في العراق - ونعت الآخر بالجديد - وهو الذي كان في مصر.
والسؤال الآن لأبي سعد:
أي الاجتهادين في حق الشافعي ومقلديه هو قطعي الدلالة؟
مع ملاحظة أن قطعي الدلالة لا يمكن العدول عنه.
وفقني الله وإياك
 
أساتذنا الكريم أحمد الخطيب
بارك الله فيكم وفي علمكم وعملكم
كلام سديد أسأل الله أن يجعله في موازين حسناتكم
 
سؤالك هذا عالجته في كتابي مفاتيح التفسير في مصطلحين من مصطلحات الكتاب هما:
1- الدليل الظني 1/ 479
2- الدليل القطعى 1/ 480
ومجال قطعية الثبوت والدلالة ماثل في آيات العقائد وبعض آيات الأحكام ومجال قطعية الثبوت وظنية الدلالة ماثل في بعض آيات الأحكام، ولأجل ذلك حدث الاختلاف بين الفقهاء .
وما قيل في القرآن الكريم يقال أيضا في المتواتر من الأحاديث النبوية والقراءات القرآنية .
والله أعلم
فأما بيانه بذاته، فحاصل في الآيات قطعية الدلالة كآيات العقائد وكثير من آيات الأحكام، وكل ما لا يعذر أحد بجهله
المقصود بظنية الدلالة للنص أن النص يحتمل الاختلاف في وجهات النظر بحيث لا يقطع الإنسان بخطأ مخالفه في المسألة حتى إن تبين له الراجح.
ومن المقطوع به عند جميع العلماء أن نصوص القرآن ليست متساوية في قوة الدلالة.
فبعضها واضح لا يشكل على أحد، وبعضها يشكل على العامة دون العلماء، وبعضها يختلف فيه العلماء، وبعضها لا يعلمه إلا الله، وقد ورد عن ابن عباس ما يؤيد هذا التقسيم، وورد أيضا عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم نصوص كثيرة جدا تؤيد هذا التفاوت في دلالة النصوص، كقول بعضهم: إن القرآن حمال وجوه، وكتوقف بعضهم عن تفسير بعض الآيات دون بعض، وكاختلافهم في فهم بعض الآيات، إلى غير ذلك.
فالخلاصة أن ظنية دلالة بعض آيات القرآن بالمعنى السابق شرحه لا ينازع فيه أحد بعد توضيح المراد به.

موضوعٌ قيِّم وحوارٌ ماتع، جزى الله الإخوة الفضلاء خيراً
وما وددت التعليق عليه هو تمثيل بعض الإخوة لقطعيّ الدلالة بآيات العقائد.! مما نحسبه سبق قلم منه.
إذ لا يقول به أحد من االعلماء في الأصول ، لأن كون نصّ ما ظني الدلالة لا علاقة له بموضوعه البتة
(سواء كان في العقائد أو الأحكام)
وما كنت لأعلّق لولا أني ألمس من خلال المنتديات من ينتمون إلى السلفية في الألوكة ومنتدى أهل الحديث قد أصفقوا على هذا الخطأ الفاحش ، إذ يتعاملون مع كل نصّ في العقائد على أنه قطعي الدلالة حتى ولو كان النص ظني الثبوت كأحاديث الآحاد في البخاري ومسلم وغيرها.
وهذا القصور في الفهم منهم والذي أشاعه بينهم بعض المتصدرين للخطابة والفتوى في بلادهم هو الذي فرق شمل المسلمين وصدّ الناس عن الخير.
نعوذ بالله من الخذلان.
بل إن كل ما لم يُجمع العلماء على فهم واحد لدلالته هو ظني الدلالة مهما كان موضوعه عقائد وأحكاما وآدابا ومما هو ظني الدلالة ولا ريب
ـ آيات الصفات الحسية كلها. ولذلك كان لأهل السنة 3 فهوم أو 3 دلالات رئيسة
ـ فهم ابن الجوزي وجماعة من السلف والخلف "ومذهب السلف هو التوقف الكامل في المتشابهات
من غير تأويل ولا إثبات. ومن أثبت فيُسأل هل المراد من الإثبات حقيقة العضو؟ فإن قال نعم فهو تجسيم
لأن الإشارة الحسية إليه جائزة، وإن قال لا (ليس المراد من الإثبات حقيقة العضو) فهو تأويل وإن زعم
أنه لا يُؤول، وبالجملة فكلاهما(الإثبات والتأويل) ليس مذهب السلف(بل التوقف وإمرارها كما جاءت
، على مراد الله) "
ـ فهم ابن يمية وجماعة من متأخري الحنابلة "مذهب السلف هو إثبات الظاهر مع نفي المماثلة بلا تكييف ولا تمثيل
ولا تعطيل".
ويبدو أن هذا الفهم للدلالة قد كان شائعا بين تيار من أهل السنة منذ القرن الخامس حيث نجد
الزمخشري رحمه الله يهجو أهل السنة من خلاله بقوله
وجماعةٌ سمّوا هواهم سُنةً * لجماعةٌ حُمْرٌ بعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوّفوا * شنع اورى فتستروا بالبلكفة
يعني بقولهم بل كيف.

ـ فهم الغزالي وما شاع من مذهب الأشعرية "ومذهب السلف هو التأويل وإن لم يُنقل عنهم تأويل لأنهم
كانوا يفهمون اللغة على السليقة فكانوا يؤولون وينزهون الباري تعالى عن الجسمانية وإن لم ينقل عنهم تأويل"

فهذا خير دليل على أن آيات العقائد من المتشابه المتعدد الدلالة
ـ وأكثر تفصيلات العقائد ظنية الدلالة .
وغفلة المتصدرين للوعظ والدعوة عن هذه المسألة (لكيلا نقول جهلهم بها) قد جلب على أهل السنة الويلات
وجعلهم يكفرون بعضهم ويفسقون بعضهم ويبدعون بعضهم ويجهلون بعضهم.

وما أرى الذين يتعاملون مع ما هو ظني الدلالة على أنه قطعي الدلالة بمنأى عن قوله تعالى "فأما الذين في قلوبهم
زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله"
والتأويل الذي في الآية ليس التأويل المصطلح عليه في علم أصول الدين ، ومن فهمه كذلك
فقد وقع في فهم النص بمفهوم متأخر،
بل هو القطع بدلالة واحدة لنص ما إلى القطع بدلالته سبيل.
وبعض "علماء" العصر يجيزون أن يسأل المسلم أخاه أين الله؟
على الرغم من أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يسألوا بعضهم أين الله!!!
وهذا من قياسهم الناقص حيث فهموا نصا ظني الثبوت والدلالة على غير وجهه وحملوه على غير محمله
فقد روي أن النبي ص سأل جارية ليعلم أمسلمة هي أم لا : أين الله. . ؟ فقاموا وتوجهوا بهذا السؤال إلى
من يعلمون يقينا أنه مسلم. ففعلوا ما لم يفعله الصحابة ولا تابعوهم ولا فضلاء المسلمين على التاريخ!
إن هذا الموضوع المهم جدا الذي افتتحه الأخ الغامدي هو أهم ما تسلط عليه الأضواء
فلو اتفق المسلمون أن تكون الدعوة إلى الله تعالى، إلى ما هو قطعي الدلالة ، أي إلى ماأجمع العلماء على دلالته من
النصوص في العقائد والأحكام لأصابنا خير كثير ولآتت الدعوة أكلها ولعاد آخر هذه الأمة إلى ما صلح به أولها.
 
المقصود بظنية الدلالة للنص أن النص يحتمل الاختلاف في وجهات النظر بحيث لا يقطع الإنسان بخطأ مخالفه في المسألة حتى إن تبين له الراجح.
ومن المقطوع به عند جميع العلماء أن نصوص القرآن ليست متساوية في قوة الدلالة.
فبعضها واضح لا يشكل على أحد، وبعضها يشكل على العامة دون العلماء، وبعضها يختلف فيه العلماء، وبعضها لا يعلمه إلا الله، وقد ورد عن ابن عباس ما يؤيد هذا التقسيم، وورد أيضا عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم نصوص كثيرة جدا تؤيد هذا التفاوت في دلالة النصوص، كقول بعضهم: إن القرآن حمال وجوه، وكتوقف بعضهم عن تفسير بعض الآيات دون بعض، وكاختلافهم في فهم بعض الآيات، إلى غير ذلك.
فالخلاصة أن ظنية دلالة بعض آيات القرآن بالمعنى السابق شرحه لا ينازع فيه أحد بعد توضيح المراد به.
سؤالك هذا عالجته في كتابي مفاتيح التفسير في مصطلحين من مصطلحات الكتاب هما:
1- الدليل الظني 1/ 479
2- الدليل القطعى 1/ 480
ومجال قطعية الثبوت والدلالة ماثل في آيات العقائد وبعض آيات الأحكام ومجال قطعية الثبوت وظنية الدلالة ماثل في بعض آيات الأحكام، ولأجل ذلك حدث الاختلاف بين الفقهاء .
وما قيل في القرآن الكريم يقال أيضا في المتواتر من الأحاديث النبوية والقراءات القرآنية .
والله أعلم
فأما بيانه بذاته، فحاصل في الآيات قطعية الدلالة كآيات العقائد وكثير من آيات الأحكام، وكل ما لا يعذر أحد بجهله


موضوعٌ قيِّم وحوارٌ ماتع، جزى الله الإخوة الفضلاء خيراً
وما وددت التعليق عليه هو تمثيل بعض الإخوة لقطعيّ الدلالة بآيات العقائد.! مما نحسبه سبق قلم منه.
إذ لا يقول به أحد من االعلماء في الأصول ، لأن كون نصّ ما ظني الدلالة لا علاقة له بموضوعه البتة
(سواء كان في العقائد أو الأحكام)
وما كنت لأعلّق لولا أني ألمس من خلال المنتديات من ينتمون إلى السلفية في الألوكة ومنتدى أهل الحديث قد أصفقوا على هذا الخطأ الفاحش ، إذ يتعاملون مع كل نصّ في العقائد على أنه قطعي الدلالة حتى ولو كان النص ظني الثبوت كأحاديث الآحاد في البخاري ومسلم وغيرها.
وهذا القصور في الفهم منهم والذي أشاعه بينهم بعض المتصدرين للخطابة والفتوى في بلادهم هو الذي فرق شمل المسلمين وصدّ الناس عن الخير.
نعوذ بالله من الخذلان.
بل إن كل ما لم يُجمع العلماء على فهم واحد لدلالته هو ظني الدلالة مهما كان موضوعه عقائد وأحكاما وآدابا ومما هو ظني الدلالة ولا ريب
ـ آيات الصفات الحسية كلها. ولذلك كان لأهل السنة 3 فهوم أو 3 دلالات رئيسة
1ـ فهم ابن الجوزي وجماعة من السلف والخلف "ومذهب السلف هو التوقف الكامل في المتشابهات من غير تأويل ولا إثبات. ومن أثبت فيُسأل هل المراد من الإثبات حقيقة العضو؟ فإن قال نعم فهو تجسيم لأن الإشارة الحسية إليه جائزة، وإن قال لا (ليس المراد من الإثبات حقيقة العضو) فهو تأويل وإن زعم أنه لا يُؤول، وبالجملة فكلاهما(الإثبات والتأويل) ليس مذهب السلف(بل التوقف وإمرارها كما جاءت ، على مراد الله) "
2ـ فهم ابن تيمية وجماعة من متأخري الحنابلة "مذهب السلف هو إثبات الظاهر مع نفي المماثلة بلا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل".
ويبدو أن هذا الفهم للدلالة قد كان شائعا بين تيار من أهل السنة منذ القرن الخامس حيث نجد
الزمخشري رحمه الله يهجو أهل السنة من خلاله بقوله
وجماعةٌ سمّوا هواهم سُنةً * لجماعـــــــــةٌ حُمْرٌ لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوّفـوا * شنع الورى فتستّروا بالبلكفة
يعني بقولهم بلا كيف. وهذه الحدة في قوله كانت بسبب التوتر بين أهل السنة والمعتزلة في عصره،، منذ ما سمي بالانقلاب السني في عصر المتوكل. وقد بلغ اوجه عام 408 حين نشر الخليفة القادر عقيدته السنية التي جاء فيها ومن قال بخلق القرآن فهو حلال الدم. مما لم يكن ينبغي أن يحصُل.

3ـ فهم الغزالي وما شاع من مذهب الأشعرية "ومذهب السلف هو التأويل وإن لم يُنقل عنهم تأويل لأنهم كانوا يفهمون اللغة على السليقة فكانوا يؤولون وينزهون الباري تعالى عن الجسمانية وإن لم ينقل عنهم تأويل"

فهذا خير دليل على أن آيات العقائد من المتشابه المتعدد الدلالة
ـ وأكثر تفصيلات العقائد ظنية الدلالة .
وغفلة المتصدرين للوعظ والدعوة عن هذه المسألة (لكيلا نقول جهلهم بها) قد جلب على أهل السنة الويلات وجعلهم يكفرون بعضهم ويفسقون بعضهم ويبدعون بعضهم ويجهلون بعضهم.

وما أرى الذين يتعاملون مع ما هو ظني الدلالة على أنه قطعي الدلالة بمنأى عن قوله تعالى "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله"
والتأويل الذي في الآية ليس التأويل المصطلح عليه في علم أصول الدين ، ومن فهمه كذلك
فقد وقع في فهم النص بمفهوم متأخر، بل هو القطع بدلالة واحدة لنص ما إلى القطع بدلالته سبيل.
وبعض "علماء" العصر يجيزون أن يسأل المسلم أخاه أين الله؟
على الرغم من أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يسألوا بعضهم أين الله!!!
وهذا من قياسهم الناقص حيث فهموا نصا ظني الثبوت والدلالة على غير وجهه وحملوه على غير محمله. فقد روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل جارية ليعلم أمسلمة هي أم لا : أين الله. . ؟ فقاموا وتوجهوا بهذا السؤال إلى من يعلمون يقينا أنه مسلم. ففعلوا ما لم يفعله الصحابة ولا تابعوهم ولا فضلاء المسلمين على التاريخ!
إن هذا الموضوع المهم جدا الذي افتتحه الأخ الغامدي هو أهم ما تسلط عليه الأضواء
فلو اتفق المسلمون أن تكون الدعوة إلى الله تعالى، إلى ما هو قطعي الدلالة ، أي إلى ماأجمع العلماء على دلالته من النصوص في العقائد والأحكام لأصابنا خير كثير ولآتت الدعوة أكلها ولعاد آخر هذه الأمة إلى ما صلح به أولها.
 
موضوعٌ قيِّم وحوارٌ ماتع، جزى الله الإخوة الفضلاء خيراً


وما وددت التعليق عليه هو تمثيل بعض الإخوة لقطعيّ الدلالة بآيات العقائد.! مما نحسبه سبق قلم منه.
إذ لا يقول به أحد من االعلماء في الأصول ، لأن كون نصّ ما ظني الدلالة لا علاقة له بموضوعه البتة
(سواء كان في العقائد أو الأحكام)

صحيح أن دلالة اللفظ من حيث القطعية والظنية أو قل احتمال اللفظ أكثر من معنى موضوعه غير مؤثر ، ولكن الذي تناقشنا فيه هو:
هل ورود اللفظ الظني الدلالة في نص من النصوص يجعل دلالة ذلك النص ظنية ولا يمكن الوصول إلى القطع بأن مراد الشارع من النص هو أحد تلك الدلالات أو بعضها أو كلها؟
وإذا قلنا لا يمكن واستدلينا على ذلك بوقوع الخلاف لحكمنا على أن أغلب الكتاب والسنة من باب الظن وسواء في ذلك العقائد أو الأحكام العملية .
والخروج من هذه المعضلة في نظري لا يكون إلا باعتبار أن ما يترجح في حق المجتهد في المسألة الخلافية هو قطع منه بأن هذا هو مراد الشارع.
وقبولي لمفهوم الدكتور أحمد إنما هو من الناحية النظرية لأن رجوع المجتهد عن قوله إلى قول آخر يدل على أنه لم يحقق المسألة منذ البداية وبخاصة في المسائل المشهورة التي وقع فيها الخلاف.
وربما كشف النقاش المتأني عن الحق في المسألة.
 

وما كنت لأعلّق لولا أني ألمس من خلال المنتديات من ينتمون إلى السلفية في الألوكة ومنتدى أهل الحديث قد أصفقوا على هذا الخطأ الفاحش ، إذ يتعاملون مع كل نصّ في العقائد على أنه قطعي الدلالة حتى ولو كان النص ظني الثبوت كأحاديث الآحاد في البخاري ومسلم وغيرها.


ولماذا خلطت يادكتور بين دلالة النص وطريق وروده ؟

 
وهذا القصور في الفهم منهم والذي أشاعه بينهم بعض المتصدرين للخطابة والفتوى في بلادهم هو الذي فرق شمل المسلمين وصدّ الناس عن الخير.
نعوذ بالله من الخذلان.
وماذا عن الطرف المقابل ؟
وهل الميل إلى قول معين في مسألة خلافيه يكون سبب في الفرقة وصد الناس عن الخير ؟
أم السبب هو في فهم معنى الخلاف و أسلوب التعامل مع المخالف ؟


 
بل إن كل ما لم يُجمع العلماء على فهم واحد لدلالته هو ظني الدلالة مهما كان موضوعه عقائد وأحكاما وآدابا ومما هو ظني الدلالة ولا ريب
ـ آيات الصفات الحسية كلها. ولذلك كان لأهل السنة 3 فهوم أو 3 دلالات رئيسة

وهذا هو الكارثة في نظري
فقل لي بربك ما هي نسبة المجمع عليه إلى نسبة المختلف فيه؟
ثم ماذا تقصد بالصفات الحسية؟
ألا ترى أن تصوراتنا التي تسبق حتى ظاهر النص هي من أعظم أسباب الخلاف؟
 

فهذا خير دليل على أن آيات العقائد من المتشابه المتعدد الدلالة
ـ وأكثر تفصيلات العقائد ظنية الدلالة .
وغفلة المتصدرين للوعظ والدعوة عن هذه المسألة (لكيلا نقول جهلهم بها) قد جلب على أهل السنة الويلات وجعلهم يكفرون بعضهم ويفسقون بعضهم ويبدعون بعضهم ويجهلون بعضهم.

وما أرى الذين يتعاملون مع ما هو ظني الدلالة على أنه قطعي الدلالة بمنأى عن قوله تعالى "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله"
والتأويل الذي في الآية ليس التأويل المصطلح عليه في علم أصول الدين ، ومن فهمه كذلك
فقد وقع في فهم النص بمفهوم متأخر، بل هو القطع بدلالة واحدة لنص ما إلى القطع بدلالته سبيل.
وبعض "علماء" العصر يجيزون أن يسأل المسلم أخاه أين الله؟
على الرغم من أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يسألوا بعضهم أين الله!!!
وهذا من قياسهم الناقص حيث فهموا نصا ظني الثبوت والدلالة على غير وجهه وحملوه على غير محمله. فقد روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سأل جارية ليعلم أمسلمة هي أم لا : أين الله. . ؟ فقاموا وتوجهوا بهذا السؤال إلى من يعلمون يقينا أنه مسلم. ففعلوا ما لم يفعله الصحابة ولا تابعوهم ولا فضلاء المسلمين على التاريخ!
إن هذا الموضوع المهم جدا الذي افتتحه الأخ الغامدي هو أهم ما تسلط عليه الأضواء

فلو اتفق المسلمون أن تكون الدعوة إلى الله تعالى، إلى ما هو قطعي الدلالة ، أي إلى ماأجمع العلماء على دلالته من النصوص في العقائد والأحكام لأصابنا خير كثير ولآتت الدعوة أكلها ولعاد آخر هذه الأمة إلى ما صلح به أولها.

كلام يحتاج إلى تحقيق
وإذا كانت آيات العقائد وهي أغلب القرآن من المتشابه فماذا بقي لنا من القطعيات لنتفق عليه؟
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :
المشايخ الكرام الأساتذة الفضلاء حدثت بيني وبين شخصية مناقشة كان ثمرتها سؤال توقفت فيه لرأي في وجهة نظري لم ترضى به الشخصية ، فأحلت السؤال إليكم بموافقة الشخصية ، والسؤال:
إذا جاء دليل على حكم من القرآن والسنة قطعي الثبوت والدلالة في القرآن والسنة ، هل هذا الحكم في قوة دلالته أثبت في الحجة ، من حكم آخر ورد دليله في السنة فقط وهو قطعي الثبوت والدلالة ؟
وقد كتب السؤال كما اقترحت الشخصية التي اختلفت معها في النقاش.
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا .
 
يبدو ان هذا الموضوع مثار منذ وقت، ولم انظره حتى رأيت مشاركة اخي ابو سعد الغامدي حفظه الله، واحببت أن ادلي بدلوي لاسيما ورسالة الماجستير التي قدمتها تخص هذا النوع من البحث، وأرجو ان يكون في كلامي ما يشف الصدور:
أولا: ما معنى قطعي الثبوت؟ هو ما كان مقطوعا بثبوته، ولا يحمل إلا على الخبر المتواتر، وهو الذي نقله جمع غفير عن مثله من أول السند إلى منتهاه، دون احتمال تواطؤهم على الكذب، وهذا مثاله القرآن الكريم، فقد نقله جمع غفير من الصحابة، وهم عدول لا يتواطؤن - وحاشاهمرضي الله عنهم- على الكذب، ونقله من بعدهم التابعين - روى مسلم في صحيه: عن عبدالله قال قال رسول الله صل1 خير أمتي القرن الذين يلوني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته لم يذكر هناد القرن في حديثه وقال قتيبة ثم يجئ أقوام- وبهذا نجزم دون أدنى شك ان القرآن الذي نتلوه اليوم هو الذي نزل على سيدنا محمد صل1. بل من انكر حرفا منه فقد كفر.
وما معنى ظني الثبوت؟ هو ما ورد بطريق الآحاد، وقد يكون صحيحا أو ضعيفا أو حسنا أو موضوعا، ولذلك قال ابن الصلاح في كتابه: مقدمة في علم الحديث: ليس ما قلنا أنه صحيح يعني أن النبيصل1 قد قاله، ولا ما قلنا أن ضعيف يعني أن النبيصل1 لم يقله، فإنما حكما بالصحة والضعف وفقا لقواعد صحة الحديث سندا ومتنا، ولما كان الحديث منقول بهذه الطريقة فهو من قبيل ظني الثبوت، وموطن الظن هو عدم وجود الكثرة التي سمعت ذات الحديث من رسول الله صل1، ولذلك صنف العلماء في الحديث المتواتر مصنفات عدة، منها ما ألفه الامام السيوطي: الدر المتناثر في الحديث المتواتر، وعلى هذا فقط الحديث المتواتر المتفق على تواتره هو ما يأخذ حكم القرآن من حيث الانكار وعدمه، فمن أنكر الحديث المتفق على تواتره فقد كفر، وهذا ما نسميه الحديث القطعي الثبوت.
ونحن مأمورون أن نأخذ بغلبة الظن لأن اليقين لا يحسن الوصول إليه في كل شيء. ولهذا وجب علينا الأخذ بما في الصحيح، ولكن لا نجعله بمثابة ما اتفق على تواتره، وهذا يعلمه من درس اصول الفقه وعلمه.
وبهذا اتضح معنى ظني الثبوت وقطعي الثبوت.
الآن ما هو قطعي وظني الدلالة؟ القطعي الدلالة: هو النص المتفق بين علماء الأمة في دلالته على حكم ما دون قبوله للتاويل، أو احتمال إفادته حكما آخر مثاله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) المائدة. فهذا النص قطعي في دلالته على وجوب قطع يد السارق من حيث هي يد، بغض النظر عن التفصيل - أي جزء من اليد،أو قيمة المبلغ المسروق المتوجب للقطع ،... - فلا يمكن أن يقال أن الآية تدل على ان المراد السارق الذي أرفق سرقته بزنى مثلا، أو تدل على كراهة السرقة،.... إذاً هذا النص قطعي في دلالته على بيان حد السارق عموما.
والظني الدلالة النص المحتمل للدلالة على أكثر من أمر: مثاله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. فكلمة (القروء) مفردها قرء، والقرء: معناه يحتمل انه الحيض، ويحتمل أنه الطهر، فدلالة الآية على أن العدة بالأطهار ظني، لوجود احتمال آخر مقبول لغة ويؤيده بعض الآثار. وكذلك دلالته على أن المقصود هو الاعتداد بالحيض. ومعلوم ما لهذا الاحتمال من اثر في تطبيق هذا الحكم من حيث الاختلاف في مدة العدة.
وبناء على ما سبق نقول:
القرآن كل نصوصه قطعية الثبوت ليس ثمة أدنى شك في ذلك. وبعض نصوصه ظنية الدلالة ولهذا تعددت الأحكام التي مناطها على آية واحدة.
وكذلك الحديث فيما يخص القطعي الثبوت منه والظني الثبوت.
وعند تعارض نصان:
يقدم نص القرآن أولا - ثم ما كان من السنة قطعي الثبوت - ثم ما كان ظني الثبوت.
وظني الثبوت: أعلاه ماتفق عليه الشيخان- ثم ما اخرجه البخاري دون مسلم، ثم ما اخرجه مسلم دون البخاري، ثم بقية كتب السنة على اختلاف في تقديم احدها على الآخر. ويراجع تفصيل ذلك في مقدمة ابن الصلاح في الحديث.
هذا والله أعلم.
 
السلام عليكم
من فضلكم لدي سؤال وحبذا التوثيق في الجواب
هل من شرط "النصية" في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم: قطعية الثبوت أيضا؟ أي إلى جانب قطعية الدلالة. وإن كان في المسألة تفصيل فحبذا ذكره
جزاكم الله خيرا
 
عودة
أعلى