هل علم الأصوات اللغوية شر يجب اجتنابه؟!

إنضم
29/04/2005
المشاركات
158
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
هل علم الأصوات اللغوية شر يجب اجتنابه؟!
قرأت منذ مدة تعليق الأستاذ عبد الحكيم عبد الرزاق على ما عرضه الأستاذ محمد الأمين بن محمد المختار حول ( الهاء والهمس والتسهيل والشيخ محمود خليل الحصري) ، ولفت نظري قولُه :"ويبدو أنكم تأثرتم بأهل الأصوات " ، ثم استرسالُه في بيان الفرق بين مفهوم الجهر عند القراء وأهل الأصوات ، ونَقْلُهُ عدداً من النصوص من كتابي ( الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) ومن بعض كتب أستاذنا الدكتور عبد الصبور شاهين - حفظه الله – لإظهار التناقض عند أهل الأصوات ، و في بعض ما نقله تصرف واختصار مخل (مثل تكثير الأقوال حول رأي المحدثين في همس الهمزة) ، وفي بعضه عدم إدراك لأطراف الموضوع (كما في تعليقه على مناقشة قضية جهر القاف).
وتَرَكَتْ تلك القراءة في نفسي بعض الانطباعات ، وفي مقدمتها حرص الكاتب على الإيحاء للقارئ بوجوب التعامل بحذر مع ما يقوله أهل الأصوات ، لأن هذا العلم " منشؤه من الغرب " ، فيجب الحذر منه ، وإن أضفى عليه أهل الأصوات "الصبغة العربية لعلها تلقى قبولاً "، كما قال .
ولم أعلق على الموضوع ، ابتعاداً من الانتصار للنفس ، واعتماداً على إدراك القراء للصواب في المسائل التي هي موضع خلاف ، لكن تعليق الأستاذ محمد الأمين الأخير ، وقوله فيه :" ما تفضلتم به حول علم الأصوات الحديث كلام من ذَهّبٍ ، وأنا لم أتأثر بهم إطلاقاً ، ولا ألقي لهم من الاعتبار إلا يسيراً ، خصوصاً بعد مقولاتهم عن القاف ونحوه " – أظهر لي الحاجة إلى التنبيه على خطورة مثل هذه الأحكام ، وإذا كان أكثر المشتغلين بعلم القراءات والتجويد اليوم يحملون التصور ذاته عن علم الأصوات فإن ذلك يعبر عن خلل منهجي شديد الخطورة ، وعن قصور في إدراك المفيد من الضار ، وأرجو ألا يكونوا كذلك.
ولم يكن قصدي من هذا التعليق مناقشة المسائل التي أثارها أخي الأستاذ عبد الحكيم ، وإنما أردت دعوة إخواني المهتمين بهذا الموضوع لإبداء آرائهم في الموقف من علم الأصوات ، وما يمكن أن يقدمه لدارسي علم التجويد والقراءات من فوائد ، وأخص منهم الدكتور عبد الرحمن الشهري ، المشرف العام على ملتقى أهل التفسير ، والدكتور أحمد خالد شكري ، والدكتور محمد السالم الجكني ، المُشْرِفَيْنِ على ملتقى القراءات والتجويد ، كما أدعو كل من له اهتمام بهذه القضية ، لبلورة رأي تجتمع عليه كلمة المشتغلين بهذه العلوم ، إن شاء الله تعالى .
 
لست من أهل هذا الشأن ولا من فرسان هذا الميدان،ولكن إذا سمحتم لي قلت كليمة لا تضر إن لم تنفع،فالموضوع كبير،والخطب فيه غير يسير،والمفيد من هذا العلم ما في كتب التجويد والقراءات وعند أهلهما قديما وحديثا،أما ما عند الغربيين والمستشرقين ومن تقيلهم من بني جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا ففيه عمل صالح وآخر سيء،وهو الأكثر؛لما ترى عندهم من تجهيل السلف الصالح من هذه الأمة وادعاءات كثيرة لا برهان عليها ودعاوى عريضة لا دليل لها.ويعلم الله أنك-أستاذنا الدكتور غانم- قد بذلت جهدا كبيرا لرد الدراسات الصوتية إلى مسارها الصحيح وسلكها في في مسالك من التراث،في كتبك وبحوثك الكثيرة. ولكن أكثر من يعنى بهذا الشأن في العصر الحديث على غير ذلك.وقد فصل القول في هذه القضية الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين-رحمه الله تعالى- بما لا مزيد عندي عليه. وكلي آذان و أعين للنظر والاستماع إلى ما يجود به الكرام من شيوخ العلم وأهل الشأن وفرسان الميدان في هذا الملتقى الطيب. والسلام.
 
أخي الفاضل الدكتور سليمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك لك تعليقك الوحيد على الموضوع ، وما أشرت إليه من مواقف بعض المشتغلين بعلم الأصوات خاصة المستشرقين أمر وارد ، لكن تلك مواقف شخصية لا تعبرعن الحقائق العلمية المقررة في علم الأصوات، وإذا كنت تقصد بكتاب الدكتور محمد محمد حسين (حصوننا مهددة) فإنه عرض مواقف من قبيل ما أشرت إليه ، ولولا أن الأستاذ عبد الحكيم قد دعا إلى حوار في مكان آخر لأطلت في التعليق هنا ، وفقنا الله وإياكم لما يرضيه .
 
أستاذي المفضال،شكرا لك على هذا التعقيب،وإنما قصدت بحثه الجامع في الموضوع بعنوان(علم اللغة بين التعريب والتغريب) المنشور ضمن كتابه(مقالات في اللغة والأدب) من مؤسسة الرسالة ببيروت،فلعلك تراه وتفيدنا برأيك فيه هنا أو هناك. وإذا رأيت أن يتواصل التحاور في النافذة الأخرى فأمر ما بدا لك.والسلام.
 
نحن نتحدث عن علمٍ يمكننا أن نسخِّره لخدمة كتاب الله...فلم اجتنابه؟! وهل شُّر علم الأصوات أكثر مِنْ خيره؟!
ولماذا نتقيد باجتهادات علماء العربية والتجويد في وصف وتحليل ظواهر النّطق الإنساني ونهمل ما أثبته العلم الحديث بالتجربة والبرهان القاطع؟
وما الذي يمنعنا من الاستفادة مما يقدمه علم الأصوات المعاصر من حقائق ونظريات تساعد في تيسير تعليم تلاوة القرآن الكريم وفهم كثيرٍ من المسائل المتعلقة بها؟
ولعلي أتحدث عن تجربتي الشخصية في تسخير هذا العلم لخدمة متعلمي اللغة العربية غير الناطقين بها ، فلقد وفقني الله تعالى لإعداد وتقديم دوراتٍ لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها عبر مستويات ومراحل متعددة تناسب أعمار المتعلمين ومستوياتهم...
وقد لاحظتُ أثناء التدريس بأنني لم أستطع الاعتماد على علم التجويد فحسب في تحليل ووصف كثيرٍ من الأصوات للمتعلِّمين والدّارسين...وخذ مثالا على ذلك:
يخلط بعض المتعلمين في النطق بين الثاء والذال ، ويجدون صعوبة في التمييز بين هذين الصَّوتين المشتركين في المخرج...وكنتُ حين يباغتني الطلبة بالسؤال أسأل نفسي: هل أجيبهم بتعريف القدماء لظاهرتي الجهر والهمس وأزيد الطين بلَّة بالدخول في مسألة جريان النفس وعدم جريانه! أم أقول لهم بأنَّ ما يجعل جرس هذين الحرفين مختلفا في السمع هو اهتزاز الوترين الصَّوتيين مع الذال وعدم اهتزازهما مع الثاء؟
لم أجد مفرا من اللجوء لتعريف علماء الأصوات لأنه يقرِّب الصورة ويوضحها...ولا يترك المتعلم في حيص بيص!
وتعريفهم أسهل في التطبيق...فأنت تستطيع أن تطلب من الدَّارس مثلا أن ينطق صوت الذال بِنَفَسٍ متصل ثم يوقف اهتزاز الوترين الصَّوتيين مع الاستمرار في دفع النَّفَسِ...فإنه سوف يلاحظ أنه يسمع حينئذ صوت الثاء...
لكنك إن أردت أن تتقيَّد بتعريف القدماء لظاهرتي الجهر والهمس في مثالنا هذا...فأنت بين أمرين:
إما أن تعتمد على التلقين وتهمل الجانب النَّظري ، والتلقين ضروري لكنه ليس كافيا في تسهيل سير العملية التعليمية...
أو أن تلقَّن المتعلم تلقينا صحيحا ثم تُربكه إن طلبتَ منه أن يجريَ النَّفَسَ مع الثاء! أو أن يمنع النفس أن يجري مع الذال لأنه حرفٌ قوي الاعتماد في موضعه!
والعبد الفقير يعلم التجويد كذلك ويشرح قواعده وأحكامه باللغة (الإنجليزية) ، وكنتُ حين أقرأ كتب التجويد المترجمة وأتأمل ترجمة صفات الحروف أجد عَجَبًا!
ولذا فأرى أنه يجب على معلِّمي التجويد إعادة النظر في رفضهم أو إهمالهم لحقائق ونظريات علم الأصوات اللغوية ، والإقبال على دراسة هذا العلم وتسخيره لخدمة متعلمي تلاوة القرآن الكريم ، من غير إفراط ولا تفريط.
لا أقول هذا انتصارا لشيخي في علم الأصوات الدكتور غانم الحمد ، بل أتحدث عن تجربة...ومَنْ جَرَّبَ عَرَف...
ولا يقولن قائل بأنني متأثر بما يقوله علماء الأصوات لأنني مقيم في الغرب!
فالعبد الفقير قد أكرمه الله بقراءة القرآن على المشايخ المجازين والأخذ عنهم...وهذا من فضل الله وكرمه ، فلستُ غريبا على أهل الأصوات ولستُ غريبا على أهل التجويد والقراءات...ولستُ من علماء هذين العِلْمَيْنِ ولا أدَّعي ذلك ، ولكني دراسٌ ومتعلم ولا أزال كذلك.
والله أعلم.

===============================

رد الأستاذ الكريم د. سليمان خاطر:

بارك الله فيك،أخي الكريم.
لما أرى من قلة العناية بالموضوع مع ما أعرفه من أهميته التي لا تخفى،أقترح أن تجيب أنت أو شيخنا الدكتور الحمد عن الأسئلة الآتية؛بغرض التشجيع على مناقشة الموضوع بصورة علمية:
ما المبادئ العشرة لعلم الأصوات ؟ أما المبادئ العشرة لعلم التجويد فمعروفة للجميع. ومتى نشأ علم الأصوات ؟ومن أول من أنشأه ؟وأين كان ذلك ؟
ما الفرق بين علم الأصوات وعلم التجويد ؟ (بم يتميز علم الأصوات عن علم التجويد ؟)
ما الجديد الذي جاء به علماء الأصوات ولم يكن معروفا عند علماء التجويد والتلاوة ؟
ما الأخطاء التي كانت عند علماء التجويد؛فصصحها علماء الأصوات ؟
هل الفرق بين العلمين في المصطلحات أو في المفاهيم ؟ أو في الحقائق العلمية ؟ وما الذي يستفيده المتقن للتجويد نظرا وتطبيقا، من دراسة علم الأصوات ؟
هذا لأني أرى أن أكثر ما يكون اللف والدوران حوله،ويكون بسسبه توهيم السلف من القراء وعلماء العربية وتخطئتهم ورميهم بما يعلم الله أنهم منه براء،في علم الأصوات،كله في كتب التجويد بشكل أحسن وأحكم وأصح.والله أعلم.
أما الاستفادة من الأجهزة الحديثة كالمعامل الصوتية والوسائل التعليمية ونحوها في تدريس التجويد،فلعلها ليست محل خلاف.

============================
 
بسم الله الرحمن الرحيم


الفرق بين علم الأصوات وعلم التجويد

إن تدريس هذين العلمين في الجامعات العربية في زماننا يترك انطباعاً بأنهما علمان مختلفان ، فعلم الأصوات اللغوية يُدَرَّسُ في أقسام اللغة العربية في كليات الآداب والتربية ، وكذلك في أقسام اللغات الأجنبية ، بوصفه من علوم اللغة ، بينما يُدَرَّسُ علم التجويد في أقسام العلوم الإسلامية ، بوصفة من علوم القرآن ، وهناك شبه جفوة بين القائمين على تدريس هذين العلمين ، في المناهج والوسائل ، بسبب عوامل تاريخية أدت إلى هذه الحالة.

لكن هذه الصورة لا تعبر عن الحقيقة العلمية لهما ، ولا تعكس الأصول المشتركة التي تربطهما ، ولإيضاح العلاقة بين العلمين وبيان مدى اتفاقهما واختلافهما ينبغي التعريف بالعلمين ، وتاريخ كل منهما ، والموضوعات التي يتناولانها ، بقدر ما تسمح به هذه العجالة .

أما علم التجويد : فإنه ظهر علماً مستقلاً في تراثنا العربي الإسلامي في القرن الخامس الهجري ، حين تمكن علماء قراءة القرآن من استخلاص المباحث الصوتية من كتب علماء العربية ووضعها في إطار علم جديد ، أُطْلِقَ عليه هذا الاسم منذ ظهور المؤلفات الأولى فيه ، مثل كتاب ( الرعاية لتجويد القراءة ) لمكي بن أبي طالب القيسي المتوفى سنة 437هـ ، وكتاب ( التحديد في الإتقان والتجويد ) لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة 444هـ .

وتتابع التأليف في هذا العلم في الحقب اللاحقة لظهور مؤلفاته الأولى ، ولم ينقطع التأليف فيه حتى وقتنا الحاضر ، وقد تنوعت مناهج التأليف فيه وأساليبه بين النظم والنثر ، والإيجاز والتفصيل ، والابتكار والتقليد ، وكانت السمة الغالبة على تلك المؤلفات المحافظة على صورته الأولى ، مع إضافات متميزة لبعض علماء التجويد في بعض العصور ، لكن ذلك لم يغير من صورته التي استقر عليها .

أما علم الأصوات : فيُعَدُّ من العلوم اللغوية الحديثة في العربية ، وظهرت بوادر التأليف فيه في العربية على يد المستشرقين في النصف الأول من القرن العشرين ، لكن أول مؤلف كُتِبَ فيه بالعربية في العصر الحديث هو كتاب " الأصوات اللغوية " للدكتور إبراهيم أنيس ، الذي صدرت طبعته الأولى في القاهرة سنة (1947) ، وتوالت المؤلفات فيه وتكاثرت بعد ذلك ، وغلب على تلك المؤلفات الاعتماد على الدراسات الصوتية الغربية ، وترجمة نتائج تلك الدراسات إلى العربية ، مع الإشارة إلى جهود علماء العربية مثل الخليل وسيبويه وابن جني في ميدان دراسة الأصوات ، لكن جهود علماء التجويد على ضخامتها لم تحظ بالعناية منهم ، بل إنها تكاد تكون مجهولة في الكتابات الصوتية العربية الحديثة والمعاصرة .

وتقدمت دراسة الأصوات اللغوية في العقود الأخيرة لدى الغربيين ، واستفادت كثيراً من مختبرات الصوت والأجهزة الحديثة التي تستعمل في دراسة الصوت وتحليله ، وتنوعت مناهج تلك الدراسة ووسائلها وموضوعاتها ، وتمخض عن ذلك ثلاثة فروع لعلم الأصوات ، هي :

(1) علم الأصوات النطقي ، ويعنى بعملية إنتاج الصوت اللغوي .

(2) علم الصوت الفيزياوي ، ويعني بطبيعة الصوت الإنساني ، وكيفية انتقاله من مصدر التصويت إلى أذن السامع .

(3) علم الأصوات السمعي ، ويعنى بكيفية إدراك الإنسان للصوت اللغوي.

وانعكست آثار ذلك التقدم في دراسة الأصوات اللغوية على كتابات الأصواتيين العرب ، وظهر عدد من المؤلفات التي تستند إلى ما تحقق من تقدم في مجال دراسة الأصوات ، لكن دراسة علم التجويد ومؤلفاته في العصر الحديث ظلت في معزل عن ذلك كله ، ومن هنا صار يُنظر إلى العلمين كأنهما مختلفان موضوعاً ومنهجاً ، لكنهما في الحقيقة من وادٍ واحد ، ويؤولان إلى أصل واحد ، ولعل في النظر في تاريخ العلمين وطبيعة كل منهما والموضوعات التي يتناولانها ما يؤكد ذلك ، وهذه نظرة سريعة في تلك الجوانب :

(1) النشأة : إن "علم التجويد" أقدم نشأة من (علم الأصوات) بما يقرب من عشرة قرون ، فالمؤلفات الجامعة في علم التجويد ظهرت في منتصف القرن الخامس الهجري ، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار سبق الغربيين إلى تأسيس علم الأصوات الحديث منذ القرن السابع عشر أو القرن الثامن عشر ، فإن علم التجويد يظل أقدم نشأة منه بستة قرون أو سبعة قرون .

(2) التسمية : إن مصطلح " علم التجويد " استعمل للدلالة على المباحث الصوتية المتعلقة بقراءة القرآن الكريم ، وكانت تلك المباحث مختلطة بالمباحث النحوية والصرفية لدى علماء اللغة العربية ، ولم يفردوها بمصطلح خاص أو علم مستقل ، وقد حاول ابن جني ذلك في كتابه ( سر صناعة الإعراب ) حين عبَّر عن موضوع الكتاب بـ ( علم الأصوات والحروف ) ، لكن من جاء بعده من علماء العربية لم يوفقوا في استثمار تلك اللمحة من ابن جني والبناء عليها ، حتى تمكن علماء قراءة القرآن بعده من استخلاص المباحث الصوتية من كتب علماء العربية ، وأفردوها في كتب خاصة ، واختاروا لها تسمية جديدة ، كانت في أول الأمر تتكون من عنصرين : الأول المخارج والصفات ، والثاني التجويد والإتقان ، فسمَّى مكي بن أبي طالب كتابه " الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة بعلم مراتب الحروف ومخارجها وصفاتها وألقابها " ، لكن معاصره أبا عمرو الداني سمى كتابه " التحديد في الإتقان والتجويد " ، ثم غلبت كلمة التجويد في عناوين الكتب التي ألفها العلماء في العلم من بعدهما .

أما مصطلح " علم الأصوات اللغوية " فإنه مصطلح جديد ، استعمله المتخصصون بعلم اللغة العربية في العصر الحديث ، وجاء ترجمة للمصطلح الغربي الدال على هذا العلم ، ودرسوا تحته مباحث صوتية قديمة سبق إلى دراستها علماء العربية والتجويد ، ومباحث صوتية جديدة نقلوها من الدرس الصوتي الغربي ، على نحو ما يتبين في الفقرة الآتية .

(3) الموضوعات : تتلخص موضوعات علم التجويد في ثلاثة أمور ، هي :

أ: معرفة مخارج الحروف .

ب: معرفة صفات الحروف .

ج: معرفة الأحكام الناشئة عن التركيب ، مثل الإدغام والإخفاء ، والترقيق و التفخيم ، والمد والقصر ، وغيرها من الموضوعات الصوتية المتعلقة بقراءة القرآن الكريم .

وتعد هذه الموضوعات من أهم موضوعات علم الأصوات اللغوية المعاصر ، لكن هذا العلم يدرس اليوم إلى جانب ذلك موضوعات أخرى بعضها يتعلق بعلم الأصوات النطقي ، مثل آلية إنتاج الصوت اللغوي ، والمقطع الصوتي ، والنبر والتنغيم ، وبعضها يتعلق بعلم الصوت الفيزياوي وعلم الصوت السمعي ، وبعض هذه الموضوعات الصوتية الحديثة مما يحتاج إليه دارس علم التجويد ، لو أتيح له الاطلاع عليها .

(4) المصطلحات : يستخدم علم أصوات العربية المعاصر معظم المصطلحات الصوتية التي استخدمها علماء العربية والتجويد ،وقد فضَّل بعض الدارسين مصطلحات عربية جديدة جاءت ترجمة للمصطلحات الصوتية الغربية ، ففي الوقت الذي استخدم فيه معظم المحدثين مصطلح المجهور والمهموس ، فإن بعضهم آثر مصطلح الانفجاري والاحتكاكي بدلاً من الشديد والرخو ، ولا يزال موضوع المصطلح الصوتي عند المحدثين من الموضوعات التي يكثر فيها الاختلاف والاضطراب ، لاسيما في التعبير عن المفاهيم الصوتية الحديثة ، وبعض ذلك راجع إلى عدم اطلاع الأصواتيين العرب المحدثين على كثير من التراث الصوتي عند علماء التجويد .

(5) وسائل الدراسة : اعتمد علماء العربية الأوائل وعلماء التجويد على الملاحظة الذاتية والتجربة الشخصية في دراسة الأصوات ، ولا تزال هذه الوسيلة من الوسائل المهمة في الدرس الصوتي الحديث ، لكن التقدم العلمي قد وضع في أيدي علماء الصوت وسائل جديدة تعتمد على الأجهزة الحديثة ، وتمكنوا من خلالها من إحراز تقدم هائل في فهم الصوت اللغوي والكشف عن أسراره ، ولا يستغني المشتغلون بعلم التجويد وتعليم قراءة القرآن من الاستفادة من هذه الوسائل الحديثة ، إذا ما توفرت المستلزمات الضرورية لذلك .

ويبدو من خلال هذا العرض الموجز أن أصل العلمين واحد ، وأن الموضوعات التي يدرسانها واحدة ، سوى أن علم التجويد يركز على المباحث الصوتية التطبيقية المتعلقة بقراءة القرآن ، وأن علم الأصوات يعنى بكل المباحث المتصلة بأصوات اللغة ، وأحسب أن ما يبدو من اختلاف بين العلمين في بعض الموضوعات والمصطلحات والوسائل إنما هو خلاف شكلي سوف يتلاشى في المستقبل القريب ، إن شاء الله تعالى ، بسبب زوال الموانع بين المشتغلين في ميدان التجويد والمشتغلين بعلم الصوت الحديث ، وحرص الكثير منهم على خدمة القرآن الكريم بأحدث ما وصل إليه العلم ، مع عدم التفريط بثوابت القراءة القرآنية ، هذا والله تعالى أعلم

غانم قدوري الحمد

=========================================

ملاحظة : لم أستطع استعادة مشاركة الأستاذ الكريم سليمان خاطر الأخيرة...فلقد ضاعت وضاع ردِّي عليه أيضا!
 
[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام على مقام شيخنا أستاذ الأجيال / الدكتور غانم قدوري الحمد
يشرفنا يا سيدي أن نتابع فوائدكم وإبداعاتكم
بيد أننا لسنا قريبا من مستواكم العالي في العلوم القرآنية وعلم الأصوات بالخصوص
إلا أننا يا سيدي كما قلتم نملك تصورا غير جيد عن علم الأصوات ، وذلك في حالة واحدة فقط ، وهي حالة ما إذا أريد به أن يحل محل ما سطره العلماء الأوائل وما نقل عنهم بالأسانيد المتواترة
وفي هذه الحالة نطرح سؤالا بسيطا في ظاهره بيد أنه يختزل مساحة واسعة من الأخذ والرد :
إذا كان علم الصوت ( أي المخارج والصفات ) علما استقرائيا ، يصف طريقة النطق الصحيح للحرف العربي كما نطقه أفصح ناطق بالضاد حتى نتمكن من المحافظة على اتباعه ، إذا كان ذلك كذلك ، فما ذا بوسع علم الأصوات الحديث أن يضيف زيادة على تأكيد ما أثبته الأقدمون ووصفوه ؟
وهل من حق علماء الأصوات أن "يجتهدوا"؟ فيأتونا بحرف لم تنطقه الاوائل على أنه كان ينبغي أن ينطق كذلك ؟
وبعبارة أخرى :
هل لنا من طريقة لمعرفة نطق العرب غير ما كتبه الأقدمون من العلماء تنظيرا وحمّلوه تلاميذهم تطبيقا ؟
لا ينكر أن تأثيرات بيئية واجتماعية ومحيطية تتسبب أحيانا في تحوير النطق في بعض الأحرف في مكان ما في زمان ما ولكنها دائما تجد من يتصدى لها من العلماء مسترشدا بما سطر في الكتب

أولا ترون في أسلوب المستشرقين ومن تأثر بهم عموما نوعا من بناء الأحكام الكبيرة على حشد مجموعة من الاحتمالات وهو ما يجافي المنطق ويوقع في مشاكل كبيرة ؟
هذا واعذرونا وسامحونا وادعوا الله لنا بالتوفيق أطال الله أيامكم في طاعته ورضوانه[/align]
 
أخي الأستاذ الكريم / محمد الأمين الشنقيطي – حفظه الله –
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
فجزاكم الله خيرا على المشاركة في الحوار ، وأرجو أن تقبلوا جواب التلميذ ريثما يعود
الأستاذ ويأتي بما ينشرح له صدركم إن شاء الله...ولولا أن شيخنا الحمد قد طلب مني أن أعرض بضاعتي في هذا الموضوع لما تقدَّمْتُ بين يديه ، واللهَ أسأل أن يوفقنا جميعا.

أخي الكريم...اعلم وفقني الله وإياك أننا لا ندعو إلى نبذ تراث الأوائل واستبدال علم الأصوات بعلم التجويد ، فما ندعو إليه هو اعتماد ما خَلَّفه لنا علماء العربية والتجويد من تراث صوتي أصيل... والاستفادة كذلك من حقائق علم الأصوات الحديث ونظرياته لإيضاح أو تصحيح مفهوم أو تعبير في ذلك التراث ، وتسخير هذا العلم لخدمة مُعَلِّمي ومتعلمي تلاوة القرآن الكريم على حَدٍّ سواء.
وهنا يجب التنبيه إلى أنّ علم الأصوات لا يستطيع الاقتراب مما هو من قبيل الرواية ، أما كان من قبيل الدراية ففيه مجالٌ للاجتهاد ، وقد تختلف وجهات نظر الباحثين وتتعدَّدُ آرائهم...وأظنّ أننا متفقون على أنّ نصوص القدماء وتحليلاتهم ووصفهم لظواهر النّطق الإنساني ليستْ وحيًا مُنَزَّلاً يجب التَّسليم له!
ومن ذلك مثلا مسألة تحديد الفرق بين ظاهرتي الجهر والهمس ، فما المانع من الاستفادة مما حقَّقه علم الأصوات المعاصر من تحديد الفرق بين الأصوات المجهورة والأصوات المهموسة بالبراهين والأدلة القاطعة وذلك باستخدام ما لم يتح للقدماء من وسائل وأجهزة حديثة...؟
ولا يعني هذا أننا ننتقص من قيمة ما حققه العلماء الأوائل من علماء العربية والتجويد ، فحقهم محفوظ إن شاء الله...لكن الحكمة ضالة المؤمن ، وليس من العدل والإنصاف نسف علم قائمٍ بحجة أنه غربي المنشأ!
ولا يعني هذا أننا يجب أن نُسَلِّم لكلِّ ما يأتينا به أهل الأصوات ، فالمؤمن كيِّسٌ فطن...ولذا خذ ما يُفيد واترك ما لا تراه مفيدا.
أما أن نقول بأن علم الأصوات شرٌّ كله! ونصرف الدَّارسين عن الإقبال عليه...فهذا يشير إلى خلل منهجي في التعامل مع هذا العلم...
ولقد حمل شيخنا الحمد على عاتقه أعباء إعادة كتابة علم الأصوات بالاستناد إلى المادة العلمية التي تزخر بها كتب السلف من علماء العربية وعلماء التجويد ، والاستفادة من الحقائق التي أثبتتها الدراسات الصوتية الحديثة...
ولذا أرى أنَّ مِنْ أضعف الإيمان أن نقبل على مؤلفات الشيخ ومؤلفات غيره من علماء الأصوات المنصفين المقسطين ممن نهلوا من نبع الأوائل ، واستفادوا مما أثبته الدَّرْسُ الصوتيّ الحديث.

ولعلنا نعود إلى مثالنا الذي سقتُه لك لأوضِّح مرادي بشيء من التفصيل...
أثبتَ عِلْمُ الأصوات الحديث إثباتا قاطعا أنَّ ما يميِّز الأصوات المجهورة عن الأصوات المهموسة هو اهتزاز الوترين الصوتِيَّيْن عند النطق بالصَّوْتِ المجهور وعدم اهتزازهما عند النطق بالصوت المهموس ، فعلك تسألني الآن : " فما ذا بوسع علم الأصوات الحديث أن يضيف زيادة على تأكيد ما أثبته الأقدمون ووصفوه ؟ وهل لنا من طريقة لمعرفة نطق العرب غير ما كتبه الأقدمون من العلماء تنظيرا وحمّلوه تلاميذهم تطبيقا ؟ "
الجواب: إنَّ علم الأصوات الحديث جاء ليؤكد ما أثبته القدماء في وصفهم لظاهرتي الجهر والهمس ، لكنَّ تعريفات الأوَّلين وتحليلاتهم لهاتين الظاهرتين لا تخلو مِنْ غموضٍ أو قصورٍ...ولا نلومهم على ذلك فقد كان التلقي من الشيوخ المتقنين هو المُعَوَّلُ عليه في تصحيح النطق ، ولا يزال الحال على ما كان عليه حتى في عصرنا الحاضر...
والعجيب أنَّ كتب التجويد على كثرتها لا تزال تردِّدُ تعريف سيبويه للصوت المجهور والمهموس ، وتُهمل الإشارة إلى ما أثبته علم الأصوات المعاصر بعد أن أصبح حقيقة علمية لا جدال فيها...
أليس الغرض من الوصف والتحليل النظري تسهيل سير العملية التعليمية...وتقريب الصورة الصحيحة للنطق الفصيح للمتعلمين والدارسين؟ فلماذا نحرم متعلمي تلاوة القرآن الكريم وغيرهم من النتائج الرائعة التي توصلت إليها الدراسات الصوتية الحديثة؟
ولماذا نرفض ما أثبته المحدثون من علماء الأصوات من حقائق تساعد في إيضاح كثيرٍ من وصف القدماء لبعض الظواهر الصوتية؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
الأخ الحبيب الشيخ عمار الخطيب .

نحن لا نكر شيئا مما تقول ، ولا ننكر فضل العلم الحديث ، ولا ننكر فضل د/ غانم وعلماء الأصوات ، ومع أن د/ جبل أكثرهم تعصبا لعلم الأصوات وفي نفس الوقت له كتاب جيد جدا اسمه ( دفاع عن القرآن) يدفع فيه شبه د/ إبراهيم أنيس في نفيه لوجود الإعراب في القرآن وغيره ، وهو كلام خطير للدكتور أنيس ، وقد شهد بخطورته ممن ينتسبون لعلم الأصوات وليس غيرهم .
والدكتور / إبراهيم أنيس أولهم وأساس هذا العلم .. ولكن دعنا من كل هذا سأوضح لك أمرا :
فضيلتكم تذهبون أن الخلاف لفظي ... كما ذهب لذلك أيضا د/ غانم .

وليس الكلام كما قلتما ، وفي مداخلاتي السابقة سقت عدة أدلة علي أن المسألة ليست نظرية (وستري ذلك في حواري الثاني ـ إن شاء الله ـ مع د/ جبل من خلال كتبه ) لأنهم أحالوا علي أصوات أخري بديلة لما عليه القراء ، وليست المسألة نظرية ، وقد ذهلت عند جواب د/ غانم علي البحث .

أخي الكريم لا بد أن يتأثر علماء الأصوات بشيوخهم الغربيين ، ود/ عبد الصبور شاهين له قضية آدم عليه السلام وهي قضية مشهورة وما أصابه من طغيان فكرة بقضية بدء الخلق ، وكل هذا أثر من آثار التأثر بالغربيين .

أخي الكريم القضية دائما تبدأ هكذا ثم تجده يصل في نهاية الأمر إلي أشياء لم تكن متوقعة .

وأسألك سؤالا: هل تستطيع أن تثبت لنا أن القضية في القاف والطاء (فقط )خلافهما لفظي ؟؟

أخي الكريم أنا أحدثك وقد جلست وتعلمت علم الأصوات ثم بحثت في كتبهم ، وكلامهم يطابق بعضه بعضا ، بل وقد نطق لنا د/ جبل الحروف التي يقول بها علماء الأصوات وهي تخالف ما نحن عليه في القرآن .

أما القول بأن الخلاف لفظي هذا استخفاف بعقول الناس ، وحيدة واضحة . ودمتم بخير أخي الفاضل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أكتب مرة أخرى باختصار حول الموضوع استجابة لرغبة الإخوة الدكتور سليمان ، والأستاذين : عبد الحكيم ، ومحمد الأمين , وفقهم الله لما يحبه ويرضاه ، وليس لدي الآن من الوقت ما يسمح لإفراغ الوسع في الإجابة عن كل الأسئلة ومناقشة كل ما له صلة بالقضية التي يدور حولها النقاش ، وهي قضية علم الأصوات اللغوية ، وأرجو أن يتيسر لي في المستقبل من الوقت والقدرة ما أتمكن معه من توفية الموضوع حقه من جوانبه كافة ، أو أن يتصدى له غيري ممن يحسن العبارة عنه فيتحقق على يديه ما عجزت عنه ، وسأتطرق الآن إلى أربع مسائل أساسية ، هي :
(1) مدى أصالة علم الأصوات في تراثنا اللغوي .
(2) المبادئ العشرة لعلم الأصوات.
(3) أخطاء المشتغلين في علم الأصوات تحسب عليهم لا على العلم ذاته .
(4) هل : علم الأصوات لأهل القرآن علم يضر ، والجهل به ينفع .
أولاً : مدى أصالة علم الأصوات في تراثنا اللغوي
قال الدكتور سليمان وفقه الله : " لا أعرف في علوم العربية الاثني عشر المعروفة عند سلف هذه الأمة من القراء وعلماء العربية علماً اسمه علم الأصوات ، وإنما أعرف فيها فقه اللغة الذي من مباحثه الكبرى وأبوابه المهمة دراسة أصوات العربية ...إلخ".
ولي على هذا القول ثلاث ملاحظات :
الملاحظة الأولى : لا يلزم من عدم معرفة هذا العلم في سابق الزمان أن لا يكون لعلم الأصوات مكانته بين علوم العربية اليوم ، لاسيما أن جميع علوم العربية المشار إليها حادثة في الملة بعد الإسلام ، ثم إن عدد هذه العلوم موضع خلاف بين علماء السلف فمنهم من يصل بها إلى خمسة عشر ، ومنهم من ينزل بها إلى أربعة ، بحسب اجتهاد كل عالم .
الملاحظة الثانية : هي أن ما يعرف بفقه اللغة ليس مصطلحاً لعلم من علوم العربية ، وهو ليس من علومها الاثني عشر ولا الخمسة عشر ، وحين استخدمه كل من ابن فارس وأبو منصور الثعالبي في عنواني كتابيهما فإنما كانا يقصدان به المعنى اللغوي لا الاصطلاحي ، واستعمله المحدثون من دارسي علوم اللغة العربية في مقابل المصطلح الغربي ( الفيلولوجيا) ، وظهر نقاش بعد ذلك عن أيهما أولى في الاستعمال مصطلح فقه اللغة أو مصطلح علم اللغة ، وانعكس ذلك على عناوين الكتب التي تعنى بالبحث اللغوي العربي في العصر الحديث ، ويبدو أن الغلبة تحققت للمصطلح الثاني في بلدان المشرق العربي ، وغلب استعمال مصطلح اللسانيات في المغرب العربي ، واختص فقه اللغة بالدراسة المقارنة للغة.
ومن ثم فإن مصطلح فقه اللغة ليس بديلاً لعلم الأصوات اللغوية لا في القديم ولا في الحديث .
الملاحظة الثالثة : إن أصالة علم الأصوات في تراثنا اللغوي مصطلحاً ومضموناً أمر ثابت وأكيد ، وإن لم يكن مشهوراً ، ولعل من يبحث عن الحق ويطلب الحقيقة سيجد في النصوص الآتية ما يكفي في إثبات أرومة هذا العلم العربية .
أما أصالة علم الأصوات مضموناً فمع التطور الكبير الذي حصل في علم الأصوات في زماننا في أهم فرع من فروع علم الأصوات ، وهو علم الأصوات النطقي ، فلا تزال أهم موضوعات هذا العلم : دراسة مخارج الحروف وصفاتها ، وما ينشأ لها في التركيب من أحكام ، وهذه هي موضوعات علم التجويد والمباحث الصوتية لدى علماء العربية .
وأما أصالة هذا العلم مصطلحاً فإن من المتقدمين من علماء العربية وعلماء التجويد من سمَّاه ( علم الأصوات) ، أو علم المخارج والصفات ، أو ما في معنى ذلك ، وإن لم تشتهر هذه التسميات . وإليكم بعض النصوص الدالة على ذلك :
قال أبو الفتح ابن جني (ت392هـ) في كتابه سر صناعة الإعراب (1/10) وهو يتحدث عن المشابهة بين أصوات اللغة والأصوات الخارجة من بعض الآلات الموسيقية :" وإنما أردنا بهذا التمثيل الإصابة والتقريب ، وإن لم يكن هذا الفن مما لنا ولا لهذا الكتاب به تعلق ، ولكن هذا القبيل من هذا العلم ، أعني علم الأصوات والحروف ، له تعلق ومشاركة للموسيقى ، لما فيه من صنعة الأصوات والنغم ".
وقال مكي بن أبي طالب القيسي(ت437هـ) ، صاحب أول مؤلف جامع في علم التجويد : " ... قَوِيَتْ نِيَّتِي في تأليف هذا الكتاب وجمعه في تفسير الحروف ومخارجها وصفاتها وألقابها ... وسَمَّيْتُ ما ألَّفْتُ من ذلك بكتاب : الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة بعلم مراتب الحروف ومخارجها وصفاتها وألقابها"، (الرعاية ص51-53).
وغلب استعمال مصطلح (التجويد) على مباحث هذا العلم ، بدلاً من علم الأصوات والحروف ، أو علم الخارج والصفات ، وصار أحد علوم القراءة ، وإن لم تنقطع صلته بعلوم العربية ، وقد عده بعض المتأخرين من علم الصرف ، فقال المرعشي(ت1150هـ) في كتابه ( جهد المقل ص 109) : " قيل : موضوعه الكلمات القرآنية ، يعني حروفها ، وفيه نظر ، لأنه يُبْحَثُ فيه عن أحوال الحروف أينما وقعت ، فلعله من علوم العربية ، وداخل في التصريف ، لذا جُعِلَ جزءاً من بعض كتبه كالشافية ، ولمَّا أفرده العلماء عن كتب التصريف لمعرفة أحوال حروف القرآن لا يبعد أن يصطلحوا على أنها موضوعه".
ثانياً : المبادئ العشرة لعلم الأصوات
تساءل الدكتور سليمان وفقه الله عن المبادئ العشرة لعلم الأصوات وكأن تحققها شرط لتحقق العلم ، وكأنها جواز المرور إلى شرعية هذا العلم ، وإذا لم تكن مبادئ علم التجويد هي مبادئ علم الأصوات فإنه ليس من الصعوبة تصور تلك المبادئ ، ووجدت المولى عصام الدين الملقب طاش كبري زاده (ت968هـ) قد جعل مبادئ العلمين واحدة ، فقد ذكر علم مخارج الحروف وتحدث فيه عن علم التجويد ، وأنقل نص كلامه لما في من الفوائد في الموضوع الذي أتحدث عنه ، وفوائد أخرى تكشف عن تقدم أولئك العلماء على الباحثين في عصرنا في تصورهم لعلاقة علم التجويد بالعلوم الأخرى .
قال في كتابه مفتاح السعادة (1/99) : " علم مخارج الحروف ، وهو معرفة تصحيح مخارج الحروف : كيفية وكمية ، وصفاتها العارضة لها ، بحسب طباع العرب ، وإنما قلنا طباع العرب لشرفها ، وشدة اهتمامنا بضبط علومهم .
فموضوعه : بسائط الحروف العربية بحسب مخارجها وصفاتها .
ومبادئه : بعضها بديهي ، وبعضها استقرائي ، ويستمد من العلم الطبيعي ، وعلم التشريح .
وغرضه : تحصيل ملكة إيراد تلك الحروف في المخارج ، على ما هي عليه في لسان العرب .
وغايته الأولية : الاحتراز عن الخطأ في تلفظ كلام العرب ، بحسب مخارج حروفه .
وغايته الأخيرة :القدرة على قراءة القرآن كما أنزل ، بحسب مخارج حروفها وصفاتها .
واعلم : أن الحروف تختلف باختلاف اللغات بحسب تعدد مخارجها ... ومن الكتب المختصرة المصنفة في علم المخارج : ( الأرجوزة المسماة بالمقدمة ) للشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري ، رحمة الله عليه ، وعليها شرح لولد المصنف ، رحمه الله ، وكتبتُ عليها شرحاً جامعاً للفوائد ، خالياً من الزوائد ، في زمن الشباب ، وانتفع بذلك جماعة من الأصحاب".
وكلام المولى عصام الدين في غاية الوضوح والأهمية من نواح عدة ، منها :
(1) إطلاقه مصطلح علم المخارج والصفات على علم التجويد وعدهما علماً واحداً ، وذكر المقدمة الجزرية ، وهي أشهر منظومات علم التجويد مثالاً لكتب علم المخارج والصفات .
(2) إشارته إلى علاقة علم المخارج والصفات بالعلوم الأخرى ، وقوله : (ويستمد من العلم الطبيعي ، وعلم التشريح) ، وفسر العلم الطبيعي بقوله (مفتاح السعادة 1/301) : " وهو علم باحث عن أحوال الأجسام الطبيعية بأنواعها". وذكر أن علم التشريح من فروع علم الطب ، وقال عنه (1/323): " وهو علم باحث عن كيفية أجزاء البدن وتركيبها ، من العروق والأعصاب ، والغضاريف ، والعظام ، وغير ذلك من أحوال كل عضو ..".
ألا يكفي هذا للقول بأصالة علم الأصوات مصطلحاً وموضوعاً ، بل ومنهجاً أيضاً ، فإن علم الأصوات اليوم يعتمد في جانب منه على فيزياء الصوت ، وهو ما سماه المولى عصام الدين بالعلم الطبيعي ، كما يعتمد على علم التشريح في الكشف على أعضاء آلة النطق وكيفية عملها .
وبعد ، فليس من الموضوعية ، ولا من العدل ولإنصاف ، نسبة علم الأصوات نشأة وموضوعاً إلى غير علماء السلف ، وإذا تقدم المحدثون في دراسة هذا العلم فإنه لا يعني أنه من وضعهم ، ولا ينبغي أن نقطع الصلة بين علم أصوات العربية والتجويد ، كما ينبغي عدم قطع صلتهما بماضي تراثنا العلمي ، الذي ينبغي أن نحرص على إحيائه والبناء عليه.


ثالثاً:أخطاء المشتغلين في علم الأصوات تحسب عليهم
علينا أن نفرق بين حقائق العلم ، وأخطاء المنتسبين إليه ، فإذا أخطأ كاتب هذه السطور في مسألة فينبغي عدم الحكم على العلم كله على أساس هذا الخطأ .
وكذلك علينا أن نفرق بين ما يصدر من بعض الدارسين من أخطاء أو اجتهادات ، وبين الحكم على عقائدهم ومحاكمة نواياهم ، إن لم يكن في تلك الأخطاء أو الاجتهادات إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، فإذا أخطأ الدكتور إبراهيم أنيس – رحمه الله – في مسألة الإعراب أو غيرها فإن ذلك لا يلغي كل ما قدمه في خدمة العربية ، أو يجب الحكم على علم الأصوات بالبطلان لأنه أول من كتب فيه في العربية في العصر الحديث .
رابعاً : علم الأصوات لأهل القرآن علم يضر ، والجهل به ينفع
هذا قول قاله الدكتور سليمان ، وقال أيضا: "والانشغال بهذا العلم المزعوم – في نظري – مضيعة للوقت الذي نُسْأل عنه يوم القيامة" ، ثم قال:" وأخلص إلى أن علم الأصوات الحديث الذي وضعه المستشرقون ، وتلقاه عنهم وعربه تلاميذهم المخلصون ممن إلى الإسلام والعربية ينتمون ميدان كَثُرَتْ فيه ألاعيب السحرة ...".
وهذه أحكام أطلقها الدكتور سليمان ، ووصفها في آخر كلامه بالقول :" وهذه مجرد آراء شخصية لا تخلو من حماسة الشباب ..".
وهي كما وصفها لا تخلو من حماسة الشباب ، لكنها قبل ذلك تنبع من قناعات حول علم الأصوات ، رسختها في نفسه تجربته الشخصية في البحث والقراءة والاطلاع ، وهكذا حالنا جميعاً لكل واحد منا تجربته الخاصة في التلقي والبحث ، تتشكل من خلالها مواقف وأفكار ، ولا شك في أن الجو العام مشحون بالمواقف السلبية من علم الأصوات ، وقد يؤثر ذلك على من لم يطلع على أصول هذا العلم ودقائقه ، فيتخذ موقفاً سلبياً منه .
و ترسخت في نفسي من خلال تكويني العلمي وتجربتي في القراءة والبحث والتعليم قناعة تامة بأهمية علم الأصوات لمعلم التجويد ومعلمه ، وضرورة معرفة أصول هذا العلم ودقائقه المتعلقة بجانب النطق في الأقل ، وأنا أختلف مع أخي الدكتور سليمان في الأحكام التي أطلقها على الأصوات ، ففي نظري علم الأصوات نافع لأهل القرآن ، وليس الاشتغال فيه مضيعة للوقت ، وليس فيه ألاعيب للسحرة أو غيرهم .
وأنا أعجب أن يكون ما قاله الدكتور سليمان يشكل قناعة لدى شريحة واسعة من المشتغلين بالقراءة والإقراء ، وعدد من المشتغلين بعلم العربية ، في الوقت الذي صار علم الأصوات اللغوية من العلوم الراسخة في الحضارة الإنسانية ، وأحد أعمدة التقدم العلمي الحاصل في تعليم اللغات ، والترجمة الفورية ، والاتصالات ، ومعالجة أمراض النطق والكلام ، وغير ذلك من المجالات .
وأحسب أن تكلف القول لإثبات فائدة معرفة المشتغلين بعلم القراءة والتجويد لعلم الأصوات كمن يجتهد في إثبات بديهية من البديهيات ، وعلى من يشك في ذلك أن يجرب القراءة والمتابعة والتفهم لمسائل علم الأصوات ، ويتأمل في مقدار ما يمكن أن يستفيده من ذلك في معرفة حقائق الأصوات وصفاتها ، وتفهم ظواهر النطق ، وأحكام القراءة ، وضبط مقادير الغنن والمدود وغيرها.
وأضيف فائدة أخرى وهي أن المعرفة بمبادئ علم الأصوات يكشف عن قيمة ما توصل إليه علماء العربية والتجويد وما قدموه في دراسة الأصوات بالملاحظة الذاتية ، ويجعل للقراءة في كتبهم متعة علمية تملأ المرء فخراً وإجلالاً ، مع كل ما حصل من تقدم في هذا الميدان.
والمشتغلون بعلم التجويد والقراءة اليوم مدعوون لأخذ زمام المبادرة لتملك الريادة في علم الأصوات ، وللخروج من عقدة غربة هذا العلم ، والعودة به إلى أصوله التي سبق إليها علماء السلف قبل أكثر من ألف عام ، وللابتعاد من الشعور بوجود تناقض بين علم الأصوات وعلم التجويد الذي يصطنعه البعض في زماننا .
هذا ما تيسر لي الآن ، وقد لا يجيب على جميع ما أثير من أسئلة وتساؤلات ، ولكني آمل أن يكون مفيداً ، والله تعالى أعلم ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
[ ملاحظة : اشتغلت بكتابة هذه الصفحات في الصباح ثم طباعتها في المساء ، وحين فتحت موقع ملتقى أهل التفسير لأضعها في مكانها وجدت أن كلاً من الأستاذين الفاضلين عمار الخطيب وعبد الحكيم عبد الرزاق قد كتب تعليقاً جديداً على الموضوع ، وكل واحد منهما يحاول أن يوضح وجهة نظره التي سبق عرضها من قبل ، ولم أجد ضرورة لإعادة النظر في ما كتبتُ ، وآمل أن لا يطول الوقت حتى تنحل الإشكالات وتقل نقاط الاختلاف حول الموضوع أو تنتهي ، إن شاء الله ] .
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الأستاذ الحبيب الشيخ عبد الحكيم – حفظه الله –
جزاكم الله خيرا على تعليقكم ، وبارك الله فيكم.

أستاذنا الكريم...قلتم " أما القول بأن الخلاف لفظي هذا استخفاف بعقول الناس ، وحيدة واضحة "
غفر الله لي ولكم ، فما دفعني للكتابة في هذا الموضوع إلا إحقاق ما أرى أنَّه الحق ، ورغبتي في الحديث عن تجربتي المتواضعة في تسخير هذا العلم لخدمة دارسي التجويد ومتعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها ، والعبد الفقير يقول ما يراه صوابا ولا يلزم أحدا بالأخذ بما يقول...
وأرجو أن يكون في جوابي هذا مزيد بيان لفضيلتكم...

أولاً: أخي الكريم...أحب أن ألفت نظركم إلى مسألة في غاية الأهمية أشار إليها شيخنا الحمد...وهي مسألة التفريق بين الحقائق التي أثبتها علم الأصوات الحديث ، وأخطاء المنتسبين إلى هذا العلم ، فليس من العدل والإنصاف رفض العلم كله بسبب أخطاء الدارسين أو اجتهاداتهم في تفسير وتحليل وصف علماء العربية والتجويد لمخارج الحروف العربية وصفاتها...وليس من العدل والإنصاف تنفير المتعلِّمين من الإقبال على دراسة هذا العلم بحجة أنَّ أول من صنَّف فيه من العرب غير مرضيٍّ عنه!
ولعل تهافت بعض الباحثين من المختصين وغير المختصين على الترجمة ، ونقل كل ما يقوله علماء الغرب من غير تدقيق ولا تمحيص ، ترك انطباعا سيئا لدى بعض الدراسين...فترسخت في نفوسهم قناعة تامة بأنَّ علم الأصوات شَرٌّ كله!
ولذا أرجو من الإخوة الفضلاء أن يعيدوا النَّظر فيما صَرَّحوا به ، وأن يجربوا بأنفسهم ما يمكن أن يقدمه علم الأصوات للمشتغلين بتعلم قراءة القرآن الكريم وتعليمه ، وذلك بالاعتماد على حقائق هذا العلم لإيضاح وتفسير نصوص علمائنا الأوائل وتحليلاتهم ، وتقريب الصورة الصَّحيحة للنطق الفصيح بكل يسر وسهولة.

ثانيا: لم أقرأ لأحدٍ من علماء الأصوات المُحدثين يدعو إلى التلقي منه وترك الأخذ عن الشيوخ المُسْنِدين المتقنين! وإنْ وُجِدَ مَنْ يدعو إلى ذلك فلعلها عَطْسَةٌ في سوق حَدَّادين!
ونحن جميعا متفقون على أنَّ التلقي من شيوخ الإقراء هو الأساس الذي لا يجوز تغييره ، ولا يضرّ علم الأصوات بعد ذلك إن دعا بعض دارسيه إلى حروف بديلة مخالفة لنطق القراء في وقتنا الحاضر...

ثالثا: قلتم " هل تستطيع أن تثبت لنا أن القضية في القاف والطاء (فقط )خلافهما لفظي ؟؟ "
إنَّ وصف علماء الأصوات للقاف والطاء في النطق المعاصر بأنهما صوتان مهموسان مبنيٌّ على أساس فهمهم للصوت المجهور والمهموس ، فهل يعني ذلك أنهم يدعون إلى نبذ نطق القراء المعاصرين لهذين الصَّوْتين والبحث عن بدائل أخر؟!
أم أنهم اجتهدوا في تفسير التباين بين وصف القدماء للقاف والطاء ونطق المعاصرين لهما من غير أن يخطِّئ أحدٌ منهم القرَّاء؟
وخذ مثالا على ذلك : لو قرأتَ على شيخنا الحمد قوله تعالى : " اهدنا الصِّراطَ المستقيم " ، فلن يكون نطقك للطاء في " الصِّراط " والقاف في " المستقيم " مختلفا عن نطق الشيخ...لكن إن سألك الشيخ عن الصفات التي يتصف بها الطاء والقاف فستقول بأنهما صوتان مجهوران...
وسيقول لك الشيخ إنهما صوتان مهموسان تشهد بذلك أذني كما يشهد لسانك!
ولن يقول لك إنَّ نطقك غير صحيح ، ولن يعرض عليك الشيخ بدائل أخرى تَتَلَقَّاها منه...
فالخلاصة أنَّ نطقكما واحد ، لكنَّ وصفكما مختلف...والله أعلم.

وجزاكم الله خيرا ، وبارك الله فيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
شيخنا المفضال الأستاذ الدكتور/غانم،حفظكم الله ورعاكم ووفقكم وأعانكم وحياكم.
أرى في ردكم الأخير نتفا مشوهة هي غيض من فيض مشاركتي الطويلة في هذا الموضوع،وهذه النتف تجعل كلامي يظهر-دون قصد منكم-بمظر من يكتفي ب"ويل للمصلين..." أو :"... لا تقربوا الصلاة..." دون إكمال الآيتين. مع أن كلامي كان مفصلا مطولا،وقد ضاع من هذه النافذة ولا أدري كيف حدث ذلك؛لجهلي بهذا الشأن،فإني أعتذر عن عدم مشاركتي مرة أخرى في هذا الموضوع مع متابعتي الدقيقة لما تكتبه أنت والشيوخ الكرام من أهل العلم هنا؛للإفادة منه،مع شكري ودعواتي لكم جميعا.والسلام.
 
السلام عليكم
شيخنا الحبيب عمار الخطيب يعجبني في مداخلتكم ابتغاؤكم الحق دائما ولا نزكيكم علي الله والدليل علي ما قلتُ : إنكم تجيبون علي جميع الأسئلة الموجودة بصرف النظر هل يصح الجواب أم لا .

نعم صحيح أخي الكريم في تفرقتكم بين أهل فن وبين حقائقهم ، ولكننا إن حكمنا نحكم بالأغلب .. أي ماذا يقول الجمع منهم ؟؟ ولكن ما أوردناه من مشاكلهم فقط كان للتنبيه علي خطورة الاختلاط بغير المسلمين ما دام عندنا أفضل مما عندهم ، ولا تضيف لنا شيئا جديدا إلا تغيير الأسماء كما تفضلتم وقلتم . دعنا أخي الكريم من كل هذا ولندخل في صلب الموضوع.

قلتم : فالخلاصة أنَّ نطقكما واحد ، لكنَّ وصفكما مختلف...والله أعلم.))

أخي الكريم هذا الكلام غير صحيح وسأضع لك أقوال د/ غانم نفسه وغيره وهم يثبتون أن التغاير حقيقي ، ولعل قولهم بالخلاف اللفظي إرادتهم عدم التصادم بالقراء ، أو أنهم رجعوا من الخلاف الحقيقي إلي الخلاف اللفظي .


ذكر ا.د غانم قدوري في الدراسات الصوتية " .. أن بعض المحدثين ذكر أن الطاء العربية القديمة ( الدال المطبقة ) لا تزال تسمع في بعض البلدان مثل جنوبي الجزيرة العربية ، حيث يقولون (مضر) يريدون (مطر) ... ينطقون بالطاء ضادا مثل التي تنطق في مصر اليوم "صـ 209

وقال أ.د / محمد حسن حسن جبل في الطاء:" .. وأن نطق أهل صعيد مصر للطاء يكاد يطابق ضادنا المصرية. فهو النطق الفصيح لأنه يتحقق فيه مقررات الأئمة عن الطاء. ولا عجب في هذا فأهل صعيد مصر جمهورهم قبائل عربية نزحت من الجزيرة العربية ثم هم معروف عنهم قوة الحفاظ علي الموروث أما الطاء التي ينطقها أهل شمال مصر وتشيع الآن فهي مهموسة فليست هي الفصحي قطعا . ولعل طاءنا هذه هي المقصودة بالكلام عمن ينطقون الطاء تاء .

ثم ذكر في هامش الكتاب سيبويه وابن جني وابن سنان وابن يعيش ،قال : والفيروزبادي وسماها طاء العجز " ا.هـ المختصر في أصوات اللغة العربية صـ 139

لا حظ أخي الكريم ..د/ غانم يحيل نطقا معينا للطاء لجنوب الجزيرة العربية ، ثم يشبهها بنطق أهل مصر للضاد .
بالله عليكم : هل يقصد بذلك خلافا لفظيا ؟؟ وهل يقتصر الأمر علي الاختلاف في التعريف فقط ؟؟ وهل الخلاف اللفظي يحتاج فيه لذكر جنوب الجزيرة فقط ؟؟
أخي الحبيب : ثم انظر إلي ما قاله د/ جبل وهو يزكي أهل الصعيد في نطقهم وأنهم المحافظون علي الموروث ، وهل فرط القراء في المحافظة علي أحرف القرآن .؟؟

وهذا الكلام قاله : د/ عبد الصبور شاهين ود/ بشر ود/ رمضان عبد التواب وجميع علماء الأصوات .
وضع لي شخصا واحدا منهم يقول بخلاف ذلك ، وبصرف النظر عن كون د/ غانم رجع أم لا ، ولكن هل تستطيع أن تتأول ما هو أعلي الصفحة من كلامهم ؟؟
ولذا كان قولي صحيحا : أما القول بأن الخلاف لفظي هذا استخفاف بعقول الناس ، وحيدة واضحة . ودمتم بخير أخي الفاضل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
 
سليمان خاطر 07-05-2008 02:46 مساءاً

شكر الله لشيخنا الأستاذ الدكتور/غانم قدوري الحمد هذا الجهد في الموضوع،وإن لم يجب عن أسئلتي التي جعلها تساؤلات،وليست كذلك،إن هي إلا أسئلة طالب علم يريد الحق ويطلب الحقيقة في هذه القضية التي طال الجدل فيها في العصر الحديث وما يزال، وكثر النزاع الذي قد يؤدي إلى الشقاق في كثير من الأحوال.
ولي على كلامه الطيب كلام لا أملك له الوقت الآن،فليسمح لي بطَلٍّ على أن يأتي الوابل بعدُ إن شاء الله.
لا أعرف في علوم العربية الاثني عشر المعروفة عند سلف هذه الأمة من القراء وعلماء العربية علما اسمه علم الأصوات، وإنما أعرف فيها فقه اللغة الذي من مباحثة الكبرى وأبوابه المهمة دراسة أصوات العربية وصفاتها وأحوالها وأحكامها عند العرب،على نحو ما عند إمام النحاة سيبويه في الكتاب،وعبقري العربية أبي الفتح ابن جني في سر صناعة الإعراب وغيرهما من أهل القرآن والعربية ،وقد انفصلت تلك النظرات اللغوية الصوتية والأحكام القرآنية عن كتب العربية الخالصة إلى كتب مستقلة عند القراء ومعلمي القرآن في القرن الخامس الهجري ،كما تفضلتم بذكر ذلك في مشاركتكم الطيبة الأخيرة،فظل الأمر على ذلك تدرس أصوات العربية في كتب التجويد نظرا وتطبيقا في القرآن الكريم،وفي كتب العربية كذلك،ومضى على ذلك القرون الإسلامية حتى إذا جاء العصر الحديث وصارت الغلبة في البلاد العربية والإسلامية للكفار من أهل الاستخراب والاستشراق من ملل الكفر المختلفة،وهو ملة واحدة في الحرب على الإسلام والمسلمين،ظهر من يدعي وضع علم جديد هو علم الأصوات .
ولعلكم تلحظون إصرارهم على كلمة (علم) ويقصدون بذلك أنه علم تجريبي من نتائج المعامل مثل سائر العلوم التجريبية، في إشارة واضحة إلى أن ما عند المسلمين من ذلك مجرد ظنون وتخمينات وأوهام لا تخضع للمعايير العلمية،وهم لا يؤمنون إلا بالتجرب و والمعمل البشري،وكل ما عدا ذلك من الخرافات (الميتافيزيقية) أي ما وراء الطبيعة، وهذا عندهم من الضلال المبين،وما أصروا على تسمية ما زعموا أنهم وضعوه بعلم الأصوات إلا من باب الطعن على قراء القرآن وعلماء العربية الأثبات في كل القرون والأعصار والأمصار.
وقد كان بعد ذلك ما كان من تلقف جماعة من بني جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتا لهذه الدعاوى حين تتلمذوا على هؤلاء الكفرة من يهود ونصارى ومن لا دين لهم من المستشرقين الذين حضروا إلى بلادنا أو بعث إليهم أبناء الإسلام والعربية،لا لتعليمهم العلوم التجريبية من الطب والتقنية الحديثة والصناعات المفيدة التي يتساوى فيها البشر،بل لتعليمهم العلوم الإنسانية التي تقوم على الأخلاق والدين ،ولكل وجهة فيها هو موليها. وقد عادوا إلينا فخورين بما اكتشفوه من كنوز لغوية جدية في ظنهم لا عهد للعرب والمسلمين بها فيخيالهم ويجب أن تحل محل علم التجويد والعربية عندنا في وهمهم.
وحسبك دليلا على ذلك أنك ذكرت -صادقا مصدقا -أن أول من ألف في علم الأصوات في العربية بالعربية هو إبراهيم أنيس الذي لا يؤمن بالإعراب في العربية ويراه مجرد بدعة تواضع عليها بعض علماء العربية في القرون المتأخرة ثم فرضوها على الفصحاء ! ولا يؤمن-كشيخه د.طه حسين- بالقراءات القرآنية ويرى أن لكل أحد أن يقرأ القرآن بما شاء كيف شاء، ولهما تلاميذ وأتباع إلى اليوم تقيلوهما وهذا شائع عنهم منتشر في كتبهم،ولا يخفى عليكم. مع أن أكثرهم لا يعرفون ما التجويد؛إذ لم يدرسوه ولم يطلعوا على كتبه بله تلقيه ممن يعانيه من أهل القرآن ومعانيه. ومع ذلك فقد أقبلوا بغير قليل من التفاخر والتعالي والدعاوى العريضة وهم شديدو الاعتزاز بشيوخهم من الغرب كثيرو الرزاية على أسلافهم من قدامى العرب سواء أكانوا من القراء أم من علماء العربية،المهم عندهم أنهم قدامى يجب تركهم.
وقد درستُ علم الأصوات الحديث عند بعض هؤلاء التلاميذ الأوفياء لشيوخهم الأدعياء،فلم أجد عندهم من جديد مفيد أو قديم سليم،فكل ما هنالك مصطلحات جديدة بعضها معربة وأكثرها مترجمة ترجمة من لا يحسن العربية إحسانه الأعجمية ،ثم نظريات طويلة الذيل قليلة النيل،ثم آراء وأقوال قيلت في لغات أخرى ممن جهل الفصحى، في جملة دعاوى سفسطائية لا صلة لها بالواقع مع الجهل بالقرآن،فقلما تجد مدرسا لعلم الأصوات الحديثة في الجامعات الإسلامية والعربية-بله غيرها- يحسن قراءة الفاتحة بما يغني عن إعادة صلاة من صلى خلفه.
أما علم التجويد فلا ف في أنه من العلوم الإسلامية العربية العريقة عراقة العربية أصيلة أصالة الكتاب الكريم.
لأنه به الإله أنرلا * وهكذا منه إلينا وصلا
ونحن جميعا نؤمن إيمانا لا يتطرق إليه الشك أن النبي-عليه الصلاة والسلام -تلقى القرآن من لدن حكيم حميد وتلقى منه أصحابه-رضوان الله عليهم- وهكذا إلى اليوم،دون أي إخلال بشيء من لفظه،فقراء القرآن هم الذين حفظ الله بهم كتابه الكريم وذكره العظيم،فلا ناقص عندهم ليكمل ولا خلل ليصلح ولا ناقص ليتم بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا على نزوله،فعلم الأصوات لأهل القرآن علم يضر والجهل به ينفع؛لأن كثرة المصطلحات وتداخلها في أي علم مما يؤدي إلى الخلط والاضطراب،فما عندنا في علم التجويد يكفي لحفظ هذا الكتاب وأدائه كما أنزل ،إلى يوم القيامة وما بعد يوم القيامة كذلك،إن شاء الله عز وجل
.وقد بذل علماء التجويد والقراءات والعربية من الجهد في خدمته ما تفنى فيه الأعمار ولا يفنى،فما أكثر ما ألفوا ودونوا ودرسوا وبينوا،فكان علم التجويد وأصوات العربية ،كما أنزلت في القرآن علما كافيا شافيا غنيا مغنيا إلى أبد الآبدين. والعلم عند الله رب العالمين ومنزل الكتاب المبين القائل:"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
والانشال بهذا العلم المزعوم-في نظري- مضيعة للوقت الذي نسأل عنه يوم القيامة،فالمهمات كثيرة والأوقات قليلة والعمر قصير،فما داعي لإنفاقه في وهم كبير عندنا مكانه العلم الغزير والفضل الكبير،فلنتجه إلى القرآن تلاوة وحفظا وعلم التجويد نظرا وتطبيقا والعربية دراسة وعملا ،وفي ذلك غنى أي غنى وكفاية أي كفاية.والله تعالى أعلم.
هذا مع كثير شكري واحترامي للشيخ العلامة الأستاذ الدكتور غانم الذي لا أعرف أحدا جهد جهده في بيان علم الأصوات العربية كما في كتب التجويد والعربية،والتعريف به ونشره في البحوث والدراسات والجامعات،وما يزال هذا المجال في حاجة إلى مزيد من جهد أمثاله من أهل القرآن والعربية؛للكشف عن الحقائق ورد الأباطيل المنكرة والدعاوى الكاذبة. جزى الله الشيخ خير الجزاء.والله الموفق.
وأخلص إلى أن علم الأصوات الحديثة الذي وضعه المستشرقون وتلقاه عنهم وعربه تلاميذهم المخلصون ممن إلى الإسلام والعربية ينتمون،ميدان كثرت فيه ألاعيب السحرة وغابت عنه عصا موسى؛فترى فيه للباطل طنينا لا ينقضي وللحق أنينا لا ينتهي،فلا يغلو من عده شرا يجب اجتنابه، أو رجسا من عمل شياطين الإنس يجب الحذر منه،ودراسته-إن كان لا بد من دراسته- بغير قليل من الحيطة.
ولعل الدكتور غانما وأمثاله ممن جمع القرآن إلى العربية ورزق الخلق العظيم والدين القويم والصبر والتوفيق في النظر والبحث يكونون تلك العصا المباركة التي يبدد الله بها ما هنالك من ظلام دامس وجهل طامس.وما ذلك على الله بعزيز.
وهذه مجرد آراء شخصية لا تخلو من حماسة الشباب،فلينظر إليها بحكمة الشيوخ.ولي عودة-إن شاء ربي- بعد الإجابة عن أسئلتي تلك ممن يملك الجواب،والله الهادي إلى الصواب.
[انتهت مشاركة الدكتور سليمان خاطر المحذوفة ]

_________________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الفاضل الدكتور سليمان ، السلام عليكم ، وبعد
فلم يتسع ما كتبتُه حول الموضوع لأنقل فقرات مطولة من تعليقك الذي حذف بسبب خلل فني أصاب ذاكرة الملتقى ، فذهبت بعض المشاركات ومنها مشاركتك المطولة ، وأشكرك على حسن ظنك بي ، ومع ذلك فإني أنقل نص مشاركتك المحذوفة ليطلع عليها زوار الملتقى ، وليرى القراء أني لم أقتطع من كلامك نقولاً توحي بغير ما قصدت ، ولكني أخذت زبدة القول من كلامك .
أما ما ذهب إليه الأستاذ عبد الحكيم من أن بعض الآراء حول جهر الطاء وهمسها فيه استخفاف بعقول الناس ، وكرر ذلك الكلام وأصر عليه ، فأقول معاذ الله أن أكون قصدت الاستخفاف بعقل أحد ، ولا تليق مثل هذه العبارة في الحوار العلمي الهادئ الذي دعا إليه ، يمكن القول إن هذا الرأي أو ذاك خطأ أو ضعيف ، من غير تحميل الكلام أكثر مما يحتمل ، وأهل القرآن أهل خير وتيقظ وأدب ، كما يقول الآجري رحمه الله .
ولا أحسب أن مسألة القول بجهر القاف والطاء عند المتقدمين ، وهمسهما عند دارسي الأصوات المحدثين تستوجب الحدة في القول ، فالمسألة ببساطة أن سيبويه قال بجهر الصوتين ، وتابعه جميع علماء العربية والتجويد من بعده ، ودارسو الأصوات المحدثون وجدوا أن القاف والطاء اللذين ينطقهما قراء القرآن اليوم مهموسان بناء على تعريف الجهر باهتزاز الوترين ، والهمس بعدم اهتزازهما ، وليس في ذلك تقليد للمستشرقين أو متابعة للغربيين ، فعمل الوترين الصوتيين عند الكلام آية من آيات الله ، إذ أنهما يتذبذبان ما بين 150 – 200 ذبذبة في الثانية مع الأصوات المجهورة ، وإذا قيل إن الطاء والقاف مهموسان لعدم تذبذب الوترين عند النطق بهما فهذا وصف لواقع الحال .
ولا شك في أن على الدارس أن يسأل لماذا وصف سيبويه الصوتين بالجهر ؟ وهل تعريفه للمجهور ينبني على أساس آخر غير تعريف المحدثين ، وهاهنا عدة احتمالات ذكرها الدارسون في المطولات ، ولكلٍ وجهته في تفسير ذلك ، ولا أحسب أن في اختلاف الدارسين في هذه المسألة ما يثير العجب ، أو يحمل على القول بالاستخفاف بعقول الناس .
أخيراً ، أقول هل وصل هذا الحوار الهادئ إلى غايته ، وهل أمكن الإجابة على السؤال المطروح حول أهمية علم الأصوات لدارس التجويد ، وألا يجد بعض الإخوة الذين مروا بالموضوع ما يقولونه ، خاصة من ذكرتهم في أول مشاركة لي حول الموضوع ، ثم هل هناك فائدة من الاستمرار فيه ؟!
 
مرحبا بشيخنا الكريم الأستاذ عبد الحكيم عبد الرزاق ...
أحمد الله تعالى أن وفقكم لحسم مناقشة مسألة الخلاف بين علماء التجويد وعلماء الأصوات ، فكان قولكم : " ولعل قولهم بالخلاف اللفظي إرادتهم عدم التصادم بالقراء " هو بيت القصيد...
فالعبد الفقير لا يزال يرى أنَّ الخلاف لا ينبني عليه شيءٌ ، وقد وضَّحْتُ وجهة نظري وأفصحت عن رأيي في مشاركتي السابقة ، ويبدو لي أنَّ الخلاف بيننا لفظي أيضا يا أخي الكريم!
فنحن متفقون على أنَّ وصف علماء الأصوات للقاف والطاء لا يترتب عليه شيءٌ من الناحية العملية ، ولذلك قلتُ في المثال الذي سقتُه لك : " إنَّ نطقكما واحد ، ووصفكما مختلف ".
أما النصوص التي نقلتَها عن علماء الأصوات فقد اطلعتُ عليها وعندي غيرها...وأقوالهم تلك جاءت نتيجة لمعالجتهم موضوع التطور التاريخي للأصوات ، فتجارب علماء الأصوات الحديثة أثبتت أنَّ القاف والطاء في نطقنا المعاصر صوتان مهموسان خاليان من صفة الجهر ، وهذا مشكل لأن القدماء وصفوا هذين الحرفين بأنهما مجهوران...فاجتهدوا في تفسير التباين بين وصف القدماء ونطق المعاصرين ، ولم يصرِّح أحدٌ منهم بأن نطق القراء اليوم للحرفين خطأ يجب اجتنابه.
والخلاصة أن علماء الأصوات يعالجون مشكلات علمية أثارتها الدِّراسات الصوتيَّة الحديثة ، واجتهاداتهم في هذا الجانب لا يترتب عليها شيء من النَّاحية العملية...إلا إذا أرادوا تغيير نطق القراء لهذين الحرفين ، والإحالة إلى أصواتٍ بديلة يجب الأخذ بها ، ولكنَّ ذلك لم يكن.
ولعلك ترفع تهمة الاستخفاف بعقول القراء عنّا جزاكم الله خيرا ، فقد تختلف وجهات النظر وتَتَعَدَّدُ الآراء...ولكل وجهة هو موليها ، ونحن لا نلزم أحدا بالأخذ بما نقول ، ونحترم رأيكم ورأي الإخوة الفضلاء وإن كنا بدورنا لا نعتقد صحة ما تقولون.
أسأل الله تعالى أن يغفر لي ولكم ، وأن ينفعنا بعلمكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ملاحظة: كنتُ قد كتبتُ مشاركتي هذه قبل أن أرى التعليق الجديد لشيخنا الحمد ، ولم أجد ضرورة لإعادة النظر في ما قلتُ...وبالله التوفيق.
 
أجد متعة في قراءة هذا السجال العلمي الرصين ولا أجد مبرراً لإغلاقه إلا إذا بدأ الكلام يكرر بين المشايخ الفضلاء علامة على عدم وجود ما يمكن إضافته أما ونحن ننعم بفوائد جديدة فليتكم تكملون والشكر موصول للجميع .
 
[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أساتذتنا الكرام
بما أن العبد الفقير كان – مع شيخه الأستاذ عبد الحكيم – من أثار الموضوع ، فلا محيد من المشاركة رغم معرفتي بقول الشاعر :

[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وابن اللبون إذا ما لُـزَّ في قَرَنٍ = لم يستطع صولة البُزْل القناعيس [/poem]

الحمد لله أني كنت حذرا حين قلتُ يوماً عن علماء الاصوات المعاصرين : ( ولا ألقي لهم من الاعتبار إلا يسيراً ، خصوصاً بعد مقولاتهم عن القاف ونحوه ) ، فأرجو أن يكون ذلك الاستدراك منجاة لي اليوم ، على اني لم أجد بعد ما يشفي الغليل من الردود على سؤالي او اسئلتي مع شكري للأستاذ عمار على ما قدم
أرى أن سبب التباين الشديد – وهنا الكثير من الخلاف اللفظي – هو طريقة السؤال في البداية : ( هل علم الأصوات شر يجب اجتنابه ؟ ) فلو أزلنا " موضوع الشرية " وطرحنا السؤال كما طرح بعد : (هل : علم الأصوات لأهل القرآن علم يضر ، والجهل به ينفع ؟ ) لكان الأمر أهون
إذن فلكي " يصل هذا الحوار الهادئ إلى غايته " لا بأس لو اقتربنا معا من خط الوسط وقلنا إن علم الأصوات ليس شرا مطلقا ولكنه أيضا ليس بديلا لعلوم السابقين وما ينبغي له أن يكون ، خصوصا أننا نجد في المشاركات أعلاه تكرار موضوع الخلاف اللفظي
بقي أننا قد نختلف – والخطب يسير – حول أخطاء علماء الأصوات ، فنقول نحن الناقدين : إن كثرتها الغالبة قد تكون مثارا كافيا لزحزحة الثقة في هذا العلم على الأقل تجعل الحذر واجبا ومؤكدا عند تقرير اعتماده ومدارسته

وفقنا الله جميعا وإياكم لما يحبه ويرضاه [/align]
[/color]
 
السلام عليكم
سيدي الفاضل : الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي

سأقوم بتصوير ما كتبه ا.د/ غانم قدوري الحمد وما قاله :إن الخلاف لفظي ، وعلمهم مبني فقط علي التصور ولا يتعدي كونه كلاما علميا وليس عمليا ، وهم يدينون للقراء بالفضل ، فسوف أنظر عندما أعرض هذا الكلام علي علماء الأصوات في مصر ماذا يكون جوابهم .
ودمتم بخير
والسلام عليكم
 
استفدت كثيراً مما حرره الأستاذ الكريم الدكتور غانم قدوري الحمد في موضوعه هذا وتعقيباته المتتالية في هذا الموضوع الذي يعد من فرسان ميدانه الذين كتبوا فيه بعلم وبصيرة لا أستغربها . وأعد طلبه المشاركة من أمثالي من طبقة تلامذة تلامذته تواضعاً لا أستغربه من مثله رفع الله منزلته وزاده بصيرة وهدى .
وأستغرب كثيراً مما حرره أخي العزيز الدكتور سليمان خاطر في هذا الموضوع ، ومبالغته في الإزراء على علماء الصوتيات وتهوينه من شأن ما قدموه للعربية بحجج غير مقنعة ، وما عهدته إلا مدققاً متدبراً ، وما أحسبه قد حمله على كلامه القاسي هذا في حق علماء الأصوات إلا تجربة خاصة مرت به ، وإلا فكل علم تجد بين المنتسبين إليه من له أخطاء وعليه ملحوظات والكمال عزيز ، وليس خطأ أحد من المشتغلين بأي علم من العلوم بعائد بالذم على ذلك العلم .

وليس لدي شك في أن المتصدي لتعليم القرآن يزداد بصيرة وخبرة بدراسته لعلم الأصوات واستفادته من نتائجه ذات الصلة بمباحث التجويد ، دون مبالغة في التعويل على وصف القدماء للحروف كأنهم نقلوا تلك الأوصاف عن جبريل . ونحن نعلم أنهم قد اجتهدوا في ذلك اجتهاداً مشكوراً ، لكنه ليس معصوماً ، وكذلك المعاصرين من المتخصصين في دراسة الأصوات لهم اجتهادات مشكورة غير معصومة لكنها أدق من حيث وسائل القياس ، وأهل العلم يعرفون كيف يستفيدون من هذا وهذا دون مبالغة أو بخس ، وأحسب الدكتور غانم قدوري الحمد من هؤلاء المنصفين المتثبتين فيما كتبوه في هذه الموضوعات ، وهو بعدُ يراجع ويستزيد من المعرفة في هذا العلم بارك الله في علمه .

والخلاصة برأيي في هذا الموضوع أن علم الأصوات اللغوية علم مهم ينتفع به ، ويُستعان به على إيضاح كثير من المسائل في باب صفات الحروف ومخارجها وغير ذلك من مباحث التجويد ، وآلة النطق التي يتعامل معها علم الصوتيات واحدة عند المسلمين واليهود والنصارى والمجوس فلا ضير في الانتفاع به ، ولا أرى حاجة لإقحام ذكر المستشرقين والاستعمار في الموضوع فلا علاقة لهذا بما نحن فيه . وإنما هي قضايا دقيقة في وصف بعض الحروف والاجتهاد في اختيار أدق الأوصاف وأنسبها له ونحو ذلك من المسائل العلمية البحتة والواضحة التي يمكن التحقق منها والحمد لله رب العالمين .
 
[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أساتذتنا الكرام
بما أن العبد الفقير كان – مع شيخه الأستاذ عبد الحكيم – من أثار الموضوع ، فلا محيد من المشاركة رغم معرفتي بقول الشاعر :

[poem=font="Simplified Arabic,5,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
وابن اللبون إذا ما لُـزَّ في قَرَنٍ = لم يستطع صولة البُزْل القناعيس [/poem]

الحمد لله أني كنت حذرا حين قلتُ يوماً عن علماء الاصوات المعاصرين : ( ولا ألقي لهم من الاعتبار إلا يسيراً ، خصوصاً بعد مقولاتهم عن القاف ونحوه ) ، فأرجو أن يكون ذلك الاستدراك منجاة لي اليوم ، على اني لم أجد بعد ما يشفي الغليل من الردود على سؤالي او اسئلتي مع شكري للأستاذ عمار على ما قدم
أرى أن سبب التباين الشديد – وهنا الكثير من الخلاف اللفظي – هو طريقة السؤال في البداية : ( هل علم الأصوات شر يجب اجتنابه ؟ ) فلو أزلنا " موضوع الشرية " وطرحنا السؤال كما طرح بعد : (هل : علم الأصوات لأهل القرآن علم يضر ، والجهل به ينفع ؟ ) لكان الأمر أهون
إذن فلكي " يصل هذا الحوار الهادئ إلى غايته " لا بأس لو اقتربنا معا من خط الوسط وقلنا إن علم الأصوات ليس شرا مطلقا ولكنه أيضا ليس بديلا لعلوم السابقين وما ينبغي له أن يكون ، خصوصا أننا نجد في المشاركات أعلاه تكرار موضوع الخلاف اللفظي
بقي أننا قد نختلف – والخطب يسير – حول أخطاء علماء الأصوات ، فنقول نحن الناقدين : إن كثرتها الغالبة قد تكون مثارا كافيا لزحزحة الثقة في هذا العلم على الأقل تجعل الحذر واجبا ومؤكدا عند تقرير اعتماده ومدارسته

وفقنا الله جميعا وإياكم لما يحبه ويرضاه [/align]
[/color]


أخي الأستاذ الكريم محمد الأمين - وفقه الله -

كنتُ قد قلتُ في مشاركة سابقة بــِ " أننا لا ندعو إلى نبذ تراث الأوائل واستبدال علم الأصوات بعلم التجويد ، فما ندعو إليه هو اعتماد ما خَلَّفه لنا علماء العربية والتجويد من تراث صوتي أصيل... والاستفادة كذلك من حقائق علم الأصوات الحديث ونظرياته لإيضاح أو تصحيح مفهوم أو تعبير في ذلك التراث ، وتسخير هذا العلم لخدمة مُعَلِّمي ومتعلمي تلاوة القرآن الكريم على حَدٍّ سواء ".

هل توافقني على ما قلتُ؟
فإن كنتَ توافقني فالحمد لله ، وإن كنت تخالفني فأرجو أن تُبَيَّنَ لنا ما تراه صوابًا.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر جميع الإخوة الذين أسهموا في مناقشة الموضوع، مهما كانت وجهات نظرهم ، فالاختلاف قد ينتهي من خلال الحوار إلى التقارب أو الاتفاق .
وأخص بالشكر الأخ الدكتور عبد الرحمن الشهري على مشاركته ، وأقدَّر له تواضعه الجم ، فهو في موقع الأستاذية لنا في ما يعرضه من المسائل العلمية ، والقدوة الحسنة في معالجة ما قد يحصل من إشكالات أحياناً ، ولا يخفى أن الأستاذية والتلمذة لا تحددها الأعمار ، ولا يزال المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، كما قال ابن المبارك رحمه الله .
وأشكر الأخ الدكتور أحمد البريدي على تشجيعه ، والأخ الأستاذ عمار الخطيب على مآزرته وتشجيعه .
وأشكر الإخوة الذين خالفونا في وجهة نظرهم إلى الموضوع : الدكتور سليمان ، والأستاذ محمد الأمين ، والأستاذ الشيخ عبد الحكيم ، وأقدِّر حرصهم على الحفاظ على نقاء مصدر التلقي ووحدته ، وحماستهم في الانتصار لعلماء السلف – رحمهم الله – ووجهات نظرهم ، ولا نختلف معهم في ذلك.
ولا أريد العودة لمناقشة الأفكار التي عُرِضَت تعليقاً على الموضوع ، فلعل من المفيد أخذ فرصة للتأمل والمراجعة الذاتية ، لكني أتوجه إلى أخي الأستاذ عبد الحكيم عبد الرازق بدعوته إلى الرفق مع إخوانه ، فإنه مع حرصه على الحوار الهادئ لم تخل عباراته من الحدة أحياناً ، مما لا يقتضيه المقام في نظري . وأود أن أشير إلى مسألة واحدة وجدتها قد أهمته ، وهي ما ورد من وصف الخلاف حول جهر الطاء والقاف وهمسهما بأنه لفظي ، فلعل القول بأن ذلك الخلاف نظري لا عملي ، في زماننا في الأقل ، مما يحل الإشكال أو يُهَوِّنُ المسألة ، والله تعالى أعلم .
 
عودة
أعلى