هل تهوي نجوم السماء للأرض يوم القيامة، وهل سيناريو نهاية الكون إسلامياً يوافق العلم؟

إنضم
08/02/2024
المشاركات
31
مستوى التفاعل
5
النقاط
8
العمر
51
الإقامة
مصر، المنصورة
هل تهوي نجوم السماء للأرض يوم القيامة، وهل سيناريو نهاية الكون إسلامياً يوافق العلم؟

يظن بعض المسلمين أن أحداث القيامة ستبدأ بظهور كوكب أو نجم يقترب من الأرض، وربما يضربها، واستدلوا لذلك بقول الله في سورة الطارق (والسماء والطارق وما ادراك ما الطارق. النجم الثاقب)، وقول الله (والنجم إذا هوى)، وقول الله (وإذا النجوم انكدرت)، فزعموا ان هذا النجم الطارق سيهوي وينكدر (يسقط) على الأرض فيثقبها. وهذا الإدعاء ذكرني بشبهة قديمة أثيرت ضد الإسلام تزعم بأن القرآن يقول بسقوط النجوم على الأرض، وأن هذا يدل على بطلان القرآن لأنه لا يمكن لهذه النجوم الكبيرة التي تفوق حجم الأرض بأضعاف أن تسقط على الأرض.

فهل فعلا هناك نص إسلامي يقول بسقوط النجوم على الأرض في سياق احداث القيامة أو غيرها؟!

@ الجواب المجمل

فيما أعلم لا يوجد نص صريح من قرآن أو سنة يقول بوقوع نجوم السماء على الأرض في سياق أحداث القيامة ولا حتى قبلها، وما ذكره المفسرون من وقوع النجوم على الأرض هو مجرد اجتهاد شخصي لم يصرح به النص الإسلامي وربما تأثروا فيه بأقوال أهل الكتاب، بل إن اجتهادهم هذا مخالف لنصوص أخرى من القرآن والسنة تفيد بأن مادة السماء ستتمزق وكواكب السماء ستنتثر مُبتعدة عنا وليس كما قالوا بوقوعها على الأرض، وإليكم التفصيل.

@ الجواب المفصل

أولا:
جاءت نصوص الوحيين صريحة في إمكان سقوط بعض مكونات السماء على الأرض فأشارت إلى الشهب (فأتبعه شهاب مبين)، والشواظ (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس)، والحجارة (أمطرنا عليهم حجارة من سجيل) (لنرسل عليهم حجارة من طين)، والكسف (او نسقط عليهم كسفا من السماء)، وكلها نصوص صريحة لا تحتاج لتأويل، ولكن لم يأت نص واحد صريح يقول بوقوع النجوم على الأرض.
فهل يعقل أن الله يصف لنا سقوط ما هو اقل من النجم على الأرض ولا يذكر لنا حدث عظيم مثل ذلك فيقول بصريح العبارة ان النجوم ستسقط على الأرض؟!

ثانيا
بينما غابت فكرة سقوط النجوم على الأرض عن النص الإسلامي نجدها جاءت صريحة في كتب النصارى فتأثروا بها حتى ترجموها قريبا لواقع ملموس في فيلم صخرة القيامة، وحاليا نرى مواقعهم تحذر من كواكب أو كويكبات ستقترب من الأرض لتصطدم بها وتفني حضارتها.

جاء في سفر الرؤيا [ 6 : 13 ] عن علامات نهاية الزمان :
(ونظرت لما فتح الختم السادس واذا زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسح من شعر والقمر صار كالدم . ونجوم السماء سقطت الى الارض كما تطرح شجرة التين سقاطها اذا هزتها ريح عظيمة).

وفي إنجيل متى [ 24 : 29 ] عن علامات نهاية الزمان:
(وللوقت بعد ضيق تلك الايام تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع).

نلاحظ من النص الأخير أنه تشابه مع ما جاء به النص الإسلامي من القول بذهاب ضوء الشمس وضوء القمر في قول الله (إذا الشمس كورت)، وقول الله (فإذا خسف القمر). كما نلاحظ أن نص الإنجيل صرح بسقوط النجوم على الأرض ولكن النص الإسلامي لم يصرح بذلك، كما أن نص الإنجيل لم يذكر ذهاب ضوء النجوم كما ذكر ذهاب ضوء الشمس والقمر أما النص الإسلامي فقد ذكر ذهاب ضوء النجوم (إذا النجوم انكدرت) و(إذا النجوم طمست)، وأخيرا لم يوضح الإنحيل الآلية التي ستُذهب ضوء الشمس والقمر.

في العلوم الحديثة فكرة سقوط النجوم على الأرض تعد من الخرافات وذلك للإختلاف الكبير في الحجم وقوى الجذب وسرعات الحركة والتوسع الكوني، ولذا لجأ النصارى للتلفيق من أجل التوفيق بين صريح ذكر سقوط النجوم في الإنحيل وبين استحالة ذلك علميا فقالوا بأن المراد بالنجوم هو بعض أجزاءها وليس كامل النجم، ويمكن مطالعة هذا التلفيق على الرابط التالي:

وهنا تتجلى عظمة النص الإسلامي الذي ذكر إمكان سقوط بعض أجزاء كواكب السماء كالشهب والشواظ والحجارة والكسف على الأرض ولكنه لم يذكر أبدا سقوط نجم كامل على الأرض، فالحمد لله على نعمة الإسلام التي جاءت نصوصه لتفضح تحريف الأناجيل بالعلم وتبين لنا بجلاء الآلية التي ستجعل أضواء كواكب السماء تختفي وهو الأمر الذي سكتت عن ذكره كُتب النصارى كما سأبين في النقاط التالية.

ثالثا:
لو تدبرنا صدر سورة الطارق (والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق، النجم الثاقب) لوجدنا أن الله لم يربط بين النجم الطارق وأحداث القيامة وحين وصفه الله بالثاقب لم ينص صراحة على انه سيسقط على الأرض ويثقبها، ولو عدنا لكتب التفاسير وعلى رأسها الطبري لوجدنا النجم الطارق الثاقب هو نجم يظهر ليلا يضيء بقوة ويختفي بالنهار، ونجد ان الثاقب المقصود به لغة هو التوهج بالضياء ولا علاقة له من قريب او بعيد بثقب الأرض أو أحداث القيامة، وعليه فهناك فهم مغلوط لآيات سورة الطارق عند من قالوا بأن الطارق نجم سيثقب الأرض في سياق أحداث الساعة.

رابعا:
قد يحتج البعض بقول الله (والنجم إذا هوى) ظنا منه أنه سيهوي إلى الأرض.
ولكن بالعودة لأقوال المفسرين وعلى راسهم الطبري نجد أن التفسير المرجح لهذه الآية أن هذا النجم هو الثريا أو اسم جنس لكل نجوم السماء حين تهوي اي تسقط عند الفجر، أي تسقط في الأفق في آخر الليل عند إدبار الليل وإقبال النهار.
وبالتالي لا يصح أن نستدل بهذه الآية على أن هناك نجم سيهوي على الأرض في سياق أحداث الساعة، لأن الآية قسم بأمر متكرر نراه كل ليلة وليس فيه سقوط لأي نجم على الأرض.

خامسا:
بعض التفاسير كالقرطبي والبغوي وغيرهم كثير قالوا بأن أحد معاني الإنكدار في قول الله (إذا النجوم انكدرت) هو تساقط النجوم على الأرض، فجاءوا بزيادة لم يقل بها النص القرآني حيث لم يذكر النص الأرض كمكان لسقوط النجوم، ولعلها تسقط من مكانها وتزول عنه ولكن لا تصل للأرض.

ولذا أقولها لله وبلا مواربة كل تفسير ذكر سقوط النجوم على الأرض بلا دليل من قرآن أو سنة فهو من قبيل الإجتهاد الشخصي ولا يمكن أن ننسبه لله بلا دليل، فلو كانت النجوم تنكدر على الأرض لصرح الله بذلك فهو لا يستحي من الحق.

قد يقول قائل ولكن القرطبي وغيره من المفسرين استدلوا لقولهم بحديث صريح على سقوط نجوم السماء على الأرض وهو حديث بن عباس
(لا يبقى في السماء يومئذ نجم إلا سقط في الأرض ، حتى يفزع أهل الأرض السابعة مما لقيت وأصاب العليا).

فأقول وبالله التوفيق هذا الحديث قال عنه أهل العلم أنه بلا إسناد وقد أورده القرطبي مرسلاً، وبالتالي لا يصح الإستدلال به، ولمن أراد التأكد فليراجع الرابط التالي:

قد يقول قائل ولكن شيخ المفسرين الطبري قال بسقوط نجوم السماء على الأرض واستدل لذلك برواية بن زيد (رمي بها من السماء الى الأرض) فمن أنت لتعارض فهم وأدلة الطبري؟!

وبالطبع أعترف بجهلي وبأنني صفر على شمال الطبري، ولكن الطبري أذكى وأعلم من ان يقع في مثل هذا الخطأ الفاحش فيقول بسقوط النجوم على الأرض والخطأ إنما وقع في فهم من قرأ تفسير الطبري لانكدار النجوم فتوهم انه قال بأنها تسقط على الأرض.

قال الطبري نصا في تفسير قول الله (إذا النجوم انكدرت)، قال (وإذا النجوم تناثرت من السماء فتساقطت، وأصل الانكدار: الانصباب)، ففسر الآية بآية اخرى وهي (وإذا الكواكب انتثرت) والمنتثر حتما يسقط ويزول عن مكانه ولكن لم يقل الطبري بسقوطها على الأرض، ولو عدنا لتفسير آية انتثار الكواكب عند الطبري لوجدناه ايضا يقول نصا ( وإذا كواكبها انتثرت منها فتساقطت)، فذكر تساقطها دون ان يذكر أنها تسقط على الأرض.

أعلم أنكم ستحتجون برواية بن زيد التي استدل بها الطبري وهي واضحة في سقوط النجوم على الأرض، ومؤكد ما نقله الطبري صار قولا له؟

فأقول وبالله التوفيق عند الرجوع إلى طريقة شيخ المفسرين الطبري في تفسير الآيات نجد انه يرتب عرض أدلته عن السلف من الأقوى الى الأضعف. وهذا ما فعله في تفسير انكدار النجوم فنقل اولا روايات الإنكدار بمعنى الإنتثار وذلك عن الربيع بن الخيثم ومجاهد وأبي صالح، والثلاثة لم يذكروا سقوطها للأرض ولكن فقط فسروا القرآن بالقرآن فجعلوا انكدار النجوم من انتثار الكواكب (واذا الكواكب انتثرت) ولم يبينوا معنى الإنتثار، وقد فعل الطبري مثلهم فقال بقولهم الذي نقلته لكم نصا أعلاه، ثم نقل الطبري القول الرابع وهو لقتادة (تساقطت وتهافتت) وهذا القول لم يذكر وقوع النجوم على الأرض وهو أضعف عند الطبري من قول من قالوا بانتثارها، واخيرا ذكر الطبري القول الخامس والأخير وهو الأضعف عند الطبري وهو رواية بن زيد الذي قال (رمي بها من السماء الى الأرض)، وهو القول الوحيد الذي ذكر سقوطها على الأرض، وإن كان بعض المفسرين قد تأثر برواية بن زيد إلا أن الطبري لم يقع في هذا الخطأ حيث عد هذه الرواية ضعيفة فجعلها آخر دليل يستدل به.

ويمكن مراجعة روايات الطبري لتفسير إنكدار النجوم على الرابط التالي:

لماذا قلت بضعف رواية بن زيد عن سقوط النجوم على الأرض؟
من المعلوم عند أهل العلم أن بن زيد في تفسير الطبري هو عبدالرحمن بن زيد بن اسلم وقد اشتهر بالتفسير ولكن قال فيه أهل الحديث هو من الضعفاء، واشتهر عنه اجتهاده في التفسير بالرأي ونقل الاسرائيليات، ولذلك جعل الطبري روايته آخر رواية لضعفها ولمشابهتها لما في الانحيل من القول بسقوط النجوم على الأرض، ومؤكد ان هذه المعلومات عن بن زيد كانت معروفة للطبري ولذا جعل روايته آخر ما يستدل بها ليدل على ضعفها، ولذا قال الطبري النجوم تنتثر وتسقط ولكن لم يقل على الأرض والله تعالى أعلى واعلم.

لمراجعة أقوال أهل العلم عن بن زيد أرجو مطالعة الرابط التالي:

سادسا:
عندما نقوم بجمع كافة معاني الإنكدار معا لكي نفهم مراد الله منها سنجد ان المعاجم اللغوية والتفاسير قد اجمعت على ان الانكدار يعني الانتثار والانصباب وتغير الحال حيث تظلم ويذهب ضوءها.
كلا المعنيين الإنتثار والإنصباب يدل على تحرك سريع للنجوم ومغادرتها او زوالها عن موقعها، والسؤال هنا هل تحركت في اتجاه الأرض لتقع عليها أم تحركت مبتعدة عن الأرض لتختفي عن الأنظار؟
من المؤكد أنها لو تحركت باتجاه الأرض لزاد وهجها واشتد ضوءها نسبيا بسبب اقترابها منا، ولو تحركت مبتعدة عن الأرض فسيقل ضوءها حتى يختفي، وعليه يمكن الحكم على اتجاه الإنكدار من شدة الإضاءة، وهذا هو ما وضحه المعنى الثالث للإنكدار وهو تغير النجوم اي تغير حالها حيث تظلم ويذهب ضوءها، وهذا المعنى اللغوي نقلته التفاسير عن بن عباس حيث قال (انكدرت أي تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن موضعها)، ورواية بن عباس هذه تلقاها العلماء بالقبول مع أن بها انقطاع لأن كافة رواتها ثقات، ويشهد لهذه الرواية قول الله تعالى (وإذا النجوم طمست) اي انطفأ ضوءها وأظلمت كما أجمع على ذلك أصحاب التفاسير.

وعليه فذهاب ضوء النجوم دال على ابتعادها عنا وليس وقوعها باتجاهنا، وكذا ذهاب ضوء الشمس والقمر فيه دليل على ابتعادهما عنا وليس اقترابهما منا.

ولكن هل هناك نص صريح يشير الى ابتعاد النجوم عنا؟

بدون هذا النص الصريح قد يتهمني البعض أنني اجتهد لتفسر الإنكدار بالهوى وأن اجتهادي لا يرقى لإجتهاد المفسرين الذين قالوا بوقوع النجوم على الأرض!!!!.

فأقول وبالله التوفيق مع أنني بينت لكم فيما سبق أن المفسرين لا دليل لهم من قرآن أو سنة على وقوع النجوم على الأرض وبينت منهج الطبري وضعف الروايات التي تقول بوقوع النجوم على الأرص، وأيضا بينت أن المعنى اللغوي اثبت ابتعاد النجوم عن الأرض لأنه أشار لذهاب ضوءها وليس لزيادته، ومع ذلك فدعوا قولي وخذوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم حيث يقول:

(النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ).

بالله عليكم هل هذا النص يشير إلى ابتعادها عنا أم اقترابها منا ووقوعها على الأرض؟!
هل يمكن لعالم أو حتى جاهل أن يقول بأن (ذهبت النجوم) اي أقبلت علينا ووقعت على الأرض؟!

لا شك عندي في أن هذا النص صريح في أن النجوم ستذهب بعيدا عنا وأن هذا هو سبب ذهاب ضوءها، وأن هذا النص موافق للفهم اللغوي لهذه اللفظة المعجزة (انكدرت) التي أفادت الحركة وذهاب الضوء لابتعاد النجوم بعيدا عنا والله تعالى أعلى وأعلم، وإن شاء الله تعالى سنجد تأكيد هذا الفهم في الدليل القادم الذي يتحدث عن انفطار السماء وانتثار الكواكب.

سابعا:
بقي لنا أن نعرف الآلية التي ستجعل ضوء الشمس والقمر والنجوم يذهب ويختفي.
ولنبدأ من قول الطبري أن إنكدار النجوم هو انتثارها (وإذا الكواكب أنتثرت)، فالنجوم جزء من زينة السماء، ولذا فإنها تنتثر مع باقي كواكب السماء.

قال تعالى (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت).

ولعلي لا أكون مغاليا إذا قلت بأنه بدون فهم انفطار السماء وانتثار الكواكب فلا يمكن لنا أن نفهم كيف سيذهب ضوء الشمس والنجوم والقمر في سياق احداث القيامة كما حكى ذلك رب العزة في صدر سورة التكوير (إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت)، وفي سورة القيامة (فإذا خسف القمر، وجمع الشمس والقمر).

معلوم أن الإنفطار والتفطر ضد الفطر، فالفطر يدل علي البناء والتكوين (فاطر السماوات والأرض) (فطرهن) (فطرني)، أما الإنفطار والتفطر فيدلان علي التمزق والهدم والتشقق، وفي الحديث (كان رسول الله يقوم من الليل حتي تتفطر قدماه)، أي تتشقق.

ولنا أن نسأل هنا أي سماء هذه التي ستنفطر وتتمزق اذا كانت الكواكب ستبقي لتنتثر؟؟؟؟!!!!

أليست الكواكب هي السماء؟؟؟!!!!!

فأقول وبالله التوفيق الكواكب ليست هي السماء ولكن جزء يسير من السماء، فهي بمثابة الزينة للسماء الدنيا كما قال تعالي (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب)، فإذا كانت الكواكب زينة للسماء فإن هذا دليل علي أن السماء تتكون من مادة أخري غير مادة الكواكب، وهذا من إعجاز القرآن الذي فرق بين مادة الكواكب ومادة السماء التي تزينها الكواكب.

مادة السماء التي ستنفطر يبدو أن لها وظيفتان كما حددهما القرآن والله تعالي أعلي وأعلم:

1. تسهيل سباحة وحركة وجريان الكواكب (كل في فلك يسبحون)، (كل يجري لأجل مسمي) ولفظ السباحة يشير الي أن هذه المادة ليست بالصلبة والله تعالي أعلي وأعلم.

2. منع زوال الكواكب بعضها عن بعض (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده).
فالأرض لا تزول عن باقي الأجرام التي حولها لأن مادة السماء تمسكها في موضعها وتمنعها من الزوال.

بالنسبة لكلمة الانتثار لغويا فهي تعني تفرق وتبعثر وتوزع شيء عن شيء، يقال انتثرت الأوراق اذا تبعثرت، ونثَر الشّيءَ : رمى به متفرِّقًا ، زرَّه ، بعثره.

وعليه فانتثار الكواكب أي الرمي بها متفرقة وبعثرتها، والسبب في ذلك وضحته جملة (إذا السماء انفطرت) أي إذا تهدمت وتمزقت مادة السماء التي تمسك هذه الكواكب من الزوال عن بعضها البعض فإنها ستنتثر.

وفيزيائيا معلوم أن الممسوك عن الزوال (الإبتعاد) لو أُفلت من القوة الممسكة له لانتثر مبتعدا عن نقطة الإمساك وليس مقتربا منها، ولو كانت كواكب السماء تنتثر مقتربة منا لزاد بالنسبة لنا ضوءها وحجمها وهو ما لم يحكه القرآن بل قال بعكسه فقال بانكدار النجوم وتكوير الشمس وخسف القمر وهو ما يؤكد الانتثار بعيدا عنا وليس قريبا منا.

وحقيقة آية انفطار السماء و انتثار الكواكب مع باقي الآيات التي تدل علي الإمساك والسباحة والجريان وتوسع السماء كلها معجزة علمية فيزيائية ترسم لوحة حركية غاية في الابداع والجمال، فهذه الكواكب تتحرك وتجري سابحة في مادة السماء، ومادة السماء تمسك هذه الكواكب مانعة اياها من الإفلات تحت تأثير سرعتها، فأصبح كل كوكب واقع تحت تأثير قوتين، الأولي قوة تدفعه للسباحة والجريان ومحاولة الإفلات والزوال عن باقي الكواكب، وقوة أخري تمسكه في موقعه وفلكه الذي حدده الله له حتي يحافظ علي موقعه بالنسبة للكواكب الأخري، وهي قوة جذب باقي الكواكب وقوة إمساك مادة السماء.

فإذا أذن الله في انفطار السماء، أي تهدم وتمزق المادة التي تسبح فيها الكواكب والتي تمسك الكواكب، فان قوة جريان الكواكب تكون غير مُعارضة بقوة الامساك فتنتثر الكواكب وتتبعثر في كل اتجاه مبتعدة عن مركز الامساك، والله تعالى أعلى وأعلم.

ومما يدل أيضا على أن الإنتثار يكون بعيدا عنا وليس في اتجاه الأرض أن الله قال بجمع القمر للشمس عند انتثاره وليس للأرض (وجُمع الشمس والقمر)، والقمر من زينة السماء الدنيا فلو كان ينتثر مقتربا منا لقال الله بجمع القمر للأرض ولكن لأنه ينتثر مبتعدا عنا فقد جمعه الله للشمس لأنها أقدر على جذبه من الأرض، والله تعالى أعلى وأعلم.

ما الذي يترتب علي انتثار الكواكب؟؟؟

1. تكوير الشمس (إذا الشمس كورت) أي اضمحل ضوءها وذهب وصارت الشمس كالكورة، وذلك لابتعادها عن الأرض بالانتثار. يقول الطبري ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ اي جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها، وإذ فعل ذلك بها ذهب ضوءها.

2. انكدار النجوم (وإذا النجوم انكدرت) وانطماسها (إذا النجوم طمست) أي أظلمت بسبب ابتعادها عن الأرض بسرعة.

٣. خسف القمر وجمعه للشمس (وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر)، أي ذهب ضوءه، والجمع بينهما كمال قال الطبري وغيره إما في ذهاب الضوء او في التكوير والإلقاء او جمعهما معا، وكلها اقوال محتملة يمكن الجمع بينها.

ونلاحظ هنا دقة ألفاظ القرآن في استخدام وصفين مختلفين لوصف التأثير الفيزيائي لحدث الانتثار علي الشمس والقمر والنجوم، فالشمس والقمر لكبر حجمهما في أعيننا وقربهما منا عن باقي نحوم السماء فإنهما عندما ينتثران بعيدا عنا يصغر حجمهما نسبيا ويظهران لنا بحجم كرة صغيرة ضعيفة الضوء، أما النجوم فلبعدها عنا ولصغر حجمها في أعيننا مقارنة بالشمس والقمر، فان الانتثار يجعلها تنطمس وتنكدر فتبدو لنا مظلمة تماما أو في ضوءها كدر شديد يجعلها أقرب إلى الظلمة التامة.

وعليه فانفطار السماء اي تمزق مادتها هو سبب انتثار زينة السماء مبتعدة عنا، وابتعادها هو سبب ذهاب ضوءها والله تعالى أعلى واعلم.

ثامنا:
هل السيناريو القرآني القائل بتمزق مادة السماء وانتثار الكواكب يوافق العلم؟

علميا هناك سيناريوهان مطروحان لتفسير نهاية الكون، احدهما الكون المغلق والآخر الكون المفتوح، وإليكم التفصيل.

١. سيناريو الكون المغلق أو الإنسحاق العظيم ( big crunch)
ويحدث اذا توقف الكون عن التوسع فتنهار مادة الكون على نفسها تحت تاثير جاذبية كتلته، ولذا سميت بالإنسحاق الكبير وهي عكس الإنفجار الكبير.
ولكن هذا السيناريو لم يعد يلقى قبولاً بين العلماء نظرا للتسارع الملحوظ في توسع الكون تحت تأثير قوة لازالت مجهولة للعلماء اطلقوا عليها الطاقة المظلمة.

٢. سيناريو الكون المفتوح أو التمزق الكبير ( big rip)
ويحدث هذا السيناريو إذا استمر الكون في توسعه بحيث يتباعد عنا كل شيء ثم تتمزق مادة الكون ويظلم تماما، اي ان الكون يمزق نفسه بالتوسع المستمر ولذا اطلق العلماء على هذا السيناريو التمزق الكبير .
وهذا السيناريو ظهر عام ٢٠٠٣ وأصبح يلقى قبولاً واسعاً بين كثير من العلماء.
وللمزيد حول هذا السيناريو أرجو مراجعة الرابط التالي

واضح جدا أن سناريو الكون المفتوح او التمزق الكبير هو الأقرب للسيناريو القرآني الذي يقول بإنفطار مادة السماء اي تمزقها وانتثار كواكبها مبتعدة عنا لتتركنا في ظلام لاختفاء نور الشمس والقمر والنجوم، فسبحان من هذا كلامه وسبحان من هذا وصفه، ولذا أفضل أن أسمي هذا السبق القرآني لوصف نهاية الكون (الإنفطار والإنتثار) لأنه من وصف الله العليم، ولا ينبئك مثل خبير.

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
ا. م. بكلية طب القنفذة - جامعة أم القرى
 
عودة
أعلى