هل تقرأ الملائكةُ القرآنَ الكريمَ؟

إنضم
25/01/2013
المشاركات
94
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛
فقد انتشرَ في الفترة الأخيرة على بعض مواقع التواصل الاجتماعيّ ما مضمونه أنَّ الملائكة لم يُعطَوْا فضيلة قراءة القرآن، ويتَّكئ الناقلون لهذا الأمر على فتوى لابن الصلاح – رحمه الله – يقول فيها: «وَرَدَ أنَّ الملائكةَ لم يُعطَوْا فضيلة قراءة القرآن، وهي حريصة لذلك على استماعه من الإنس».
وقد بَهَرَ هذا المعنى كثيرًا من المدوّنين على تلك المواقع فتناقلوه إعجابًا، حتى كادَ يصيرُ عند بعضهم مُسلَّمًا به، فالإمام ابن الصلاح من أئمة الحديث المشهود لهم بالحفظ ورسوخ القدم.
ولكنَّ الأمرَ لا يثبتُ للتحقيق والتمحيص، وهو – وإن كان لا ينبني عليه عملٌ في الظاهر القريب– فإنَّه يتعلَّق بمسألةٍ اعتقاديّة غيبية، ولا يؤمن ألا ينبني عليه عملٌ في الآجل، وهو شأنُ كثير من مسائل الاعتقاد. وفي هذه الورقاتِ أحاول أن أتعرَّض لهذه المسألة بشيءٍ من التحقيق. والله المستعان.
ولا يفوتني الإشارة إلى أنَّ صدور مثل هذه الفتوى غير المحرَّرة – في تقديري - من مثل ابن الصّلاح – رحمه الله – أَوْلى بالتنويه، وأجدرُ بالتعقُّب؛ لجلال قدره، وعلوِّ منزلته، فمن حقِّ العالِم أن يُنوَّه بما استبانَ من خطأ اجتهاده؛ لئلا يُنسَبَ الخطأ إلى الشَّرع من جِهته، ويُتّخذ قولُه به ذريعةً إلى الخوض فيما ليس للقائلِ به علمٌ. نسألُ الله الهداية والتوفيق والسداد والثبات.
***

هل تقرأ الملائكة القرآن الكريم؟
في فتاوى ابن الصلاح (ت643هـ) ما نصُّه: «مسألة: رجل يقول: الشيطان يقرأ القرآن ويُصلِّي هو وجنوده، ويريد إغواء العالـِم والزاهد، ويأخذه من الطريق التي يسلكها ليُضلَّه[1]، وإن كان يقدر على ذلك فكيف معرفة الخلاص منه؟
أجاب رضي الله عنه: ظاهر المنقول ينفي قراءتهم القرآن وقوعًا، ويلزم من ذلك انتفاء الصلاة منهم؛ إذ منها قراءة القرآن، وقد ورد أنَّ الملائكة لم يُعطوا فضيلة قراءة القرآن، وهي حريصة لذلك على استماعه من الإنس، فإنَّ قراءة القرآن كرامةٌ أكرم الله بها الإنس، غير أن المؤمنين من الجنّ بَلَغَنَا أنهم يقرؤونه. والله أعلم»[2].
وقد ظهر صدى فتوى ابن الصلاح في كلام بعض مَن جاؤوا بعده، قال أبو البقاء الدميري الشافعي (ت808هـ): «قراءة القرآن كرامةٌ أكرم الله بها بني آدم، والملائكة لم يعطوا هذه الفضيلة، وهي حريصة على استماعه من الإنس، كذا أفتى ابن الصلاح.
وقد يتوقف فيه من جهة أن جبريل - عليه السلام - هو النازل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى في وصف الملائكة:(والتاليات ذكرًا) [الصافات: 3]؛أي: تتلو القرآن»[3].
وقال البهوتي (ت1051) بعد أن نقل كلام الدميري: «قلتُ: يحتمل أن يكون مراد ابن الصلاح الملائكة غير جبريل أو يُقال: لا يلزم من نزوله به بقاء حفظه له جُملةً، لكن يبعده حديث مدارسته صلى الله عليه وسلم إياه القرآن، إلا أن يقال: كان يُلهُمُه إلهامًا عند الحاجة إلى تبليغه، وأما تلاوة الملائكة له فلا يلزم منها حفظه»[4].
وبعض كلام البهوتي كان السكوت عنه أوْلى وأليق، وقد رأينا أنَّه فرَّع عن هذه المسألة عدة مسائل ما كان أغنانا عن الخوض فيها، وإمرارها كما أمرَّها السلف صلى الله عليه وسلم، إذ هي من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وليس في الجهل به مضرّة، ولا في العلم به فائدةٌ عمليَّة، وأما العلم الناقص، والتكلُّف البارد؛ فكلاهما مما يضرُّ ولا ينفع. والله المستعان.
فقد فرَّع عن هذه المسألة ما يأتي:
هل نسيَ جبريلُ – عليه السَّلام – القرآنَ، بعد أن بلَّغه النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ انقضى ذلك بموته r؟
وهل الملائكة –إن قلنا بأنَّهم يتلون القرآن – يستظهرونه فلا ينسَوْنه؟
وهذا يضاف للسؤال الرئيس: هل يصحُّ أنَّ الملائكة لم يُعطَوْا فضيلةَ قراءة القرآن، وهي حريصة لذلك على استماعه من الإنس؟
فنقول: ليس هناك ما يمنع كونًا ولا شرعًا من قراءة الملائكةِ القرآنَ، فالمانع الشرعيُّ مقتضاه أنَّ هناك نهيًا تكليفيًّا من الله عز وجل للملائكة عن قراءة القرآن. وهذا من أغرب الغريب، وأصعبه على التصوُّر. فإن ادَّعى ذلك امرؤٌ قلنا له: هلمّ برهانكم على أنَّ الله حرَّم عليهم هذا.
والمانع الكونيّ مقتضاه أنَّ طبيعتهم وجبلّتهم لا تواتيهم على قراءة القرآن واستظهاره، وهذا منقوضٌ بعدة أدلة؛ بعضها أظهرُ في الدلالة من بعضٍ، ومجموعها يُقوِّي هذا النَّقضَ وينصره.
وإليكَ التفصيل:
تابع القراءة على هذا الرابط:مشاهدة المرفق 9714
هل تقرأ الملائكة القرآن الكريم؟
حمِّل البحث كاملًا من المرفقات

[1] يظهر أنَّ مراد السائل الاستفهام: هل يكون ذلك، وهل يقدر الشيطان عليه؟ وإن كان أخرجه مخرجه الخبر، وهذا في الكلام كثيرٌ؛ يُعرف بقرينة التنغيم.

[2] فتاوى ابن الصلاح (ص 234). ونقله عنه السيوطي في الإتقان (2/ 656)؛ النوع الرابع والثلاثون.

[3] النجم الوهاج في شرح المنهاج (1/ 385).

[4] كشاف القناع (1/ 428-429).
 
عودة
أعلى