إبراهيم عوض
New member
- إنضم
- 18/03/2005
- المشاركات
- 203
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
هل انحلت العقدة من لسان موسى؟
أم هل ظل، عليه السلام، لا يُبِين؟
د. إبراهيم عوض
أمطرنى أحد الأصدقاء من قرائى، وهو كردى يعبّر ما يكتبه لى فى رسائله عن حبه الشديد لدينه على عكس ما نرى من بعضهم فى العراق حاليا ممن باعوا أنفسهم لأمريكا رغم شيوعيتهم التى كانوا عليها من قبل، أمطرنى هذا الصديق بطائفة من الأسئلة تتعلق بعدد من النصوص القرآنية يريد منى أن أبحثها وأجلى وجه الحق فيها. ومن تلك الأسئلة ما يراه البعض من تعارض ظاهرى بين ما تقوله آيتا سورة "طه" وسورة "الزخرف" عن العقدة التى طلب موسى من ربه أن يحلها من لسانه فحلها سبحانه، لنفاجأ بفرعون يقول عن ذلك النبى الكريم لأهل مصر إنه مَهِين، ولا يكاد يُبِين، بما يمكن أن يكون معناه هو أن العقدة لم تنحل من لسان موسى على عكس ما تقول آية "طه". والآن إلى بحث الآيتين المذكورتين، وهو مجرد اجتهاد منى قد يصيب الحق، وقد يخطئه.
يقول سبحانه وتعالى فى سورة "طه" على لسان موسى حين أمره أن يذهب إلى فرعون ويطلب منه فك أسر الإسرائيليين من العبودية التى كانوا يقاسونها تحت سلطانه فى مصر: "قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36)". وواضح أن الله سبحانه قد استجاب لعبده ونبيه موسى ففك عقدة من لسانه. إلا أننا نقرأ قول الله عز وجل فى سورة "الزخرف"، ولكن على لسان فرعون هذه المرة واصفا موسى عندما أتاه بالبينات وطلب منه إطلاق سراح قومه بنى إسرائيل: "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52)". فهل نفهم من هذا أن هناك تناقضا بين النصين الكريمين، إذ نفهم من الأول أنه جل جلاله قد فك عقدة من لسان موسى، على حين يقول فرعون إن موسى لا يكاد يُبِين؟
علينا أولا أن نحاول فهم معنى العقدة التى كانت عند موسى، وأن نتبين معنى فك عقدة من لسانه عليه السلام حسبما قال بالضبط، ثم نحاول أن نصل إلى حل لكلمة "يُبِين" فى كلام فرعون، وعلى أى معنى قال عن نبى الله إنه "لا يكاد يبين". من الواضح أن القرآن لم يوضح نوع العقدة التى اشتكاها موسى إلى ربه، وكل ما هنالك أنه، عليه السلام، رتب على حلها أنهم فى البلاط الفرعونى سوف يفهمون كلامه. إذن هى عقدة تمنع الآخرين من فهم ما يقول، أو على الأقل: من فهمه تماما وبسرعة. فماذا نفعل؟ لقد فكرت فى الاستعانة بنص العهد القديم الموجود فى سفر "الخروج" عن هذا الموضوع، فربما استطاع هذا النص أن يلقى لنا بعض الضوء على خبايا الأمر. وهذا هو النص المذكور: "10فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ». 11فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَمًا؟ أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا الرَّبُّ؟ 12فَالآنَ اذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ». 13فَقَالَ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ». 14فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى مُوسَى وَقَالَ: «أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضًا هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ، 15فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ الْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ. 16وَهُوَ يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا. 17وَتَأْخُذُ فِي يَدِكَ هذِهِ الْعَصَا الَّتِي تَصْنَعُ بِهَا الآيَاتِ»" (الإصحاح الرابع). فالإشارة هنا إلى ثقل فى الفم واللسان، ثم لا شىء آخر. ترى أهى فأفأة أو تأتأة مثلا؟ ترى أهى احتباس فى اللسان بوجه عام لا فى حرف معين من حروف الألفباء؟ ترى أهو خجل من مواجهة الجمهور والدخول فى مجادلة بهذه الخطورة أمامه؟ ترى أهو ضعف فى اللغة التى كان يجب عليه مخاطبة فرعون من خلالها، وهى لغة المصريين فى ذلك الوقت، تلك اللغة التى ترك التخاطب بها منذ سنوات؟ مرة أخرى لا يتحدث النص بأية تفاصيل، مثله فى ذلك مثل النص القرآنى.
ولكن هناك مع ذلك حكاية متداولة فى بعض كتب التفسير القرآنى كتفسير الطبرى مثلا تقول إن موسى كان قد وضع، وهو طفل صغير، جمرة ملتهبة فى فمه أحرقت لسانه وتركت رُتَّةً فى منطقه. فمن يومها وهو لا يستطيع الكلام إلا بصعوبة شديدة، وبالتالى كان دعاؤه لربه أن يفك عقدة من لسانه. وتتلخص تلك الحكاية فى أنه، فى الثالثة من عمره، كان جالسا ذات يوم فى حجر فرعون بوصفه ابنه (بالتبنى)، فما كان منه إلا أن خلع التاج من فوق رأس الملك ووضعه على رأسه هو، مما أثار هلع الفرعون والمنجمين، إذ قالوا إن هذا نذير بأنه سوف تكون نهاية ملك فرعون على يديه. وقد اقترح بعض الحاضرين أن يضعوا أمام الصغير مجمرتين: إحداهما مملوءة جمرا، والثانية مملوءة ذهبا، وأن يضعاهما أمامه. فإن مد يده والتقط الذهب فهذا معناه أنه مدرك لما يفعل، وعندئذ فليقتل. وأما إذا مد يده والتقط الجمر فمعنى ذلك أنه لا يزال طفلا ساذجا غريرا لا يفقه أبعاد ما صنع حين خلع التاج من فوق رأس الملك. وفعلا وضعت المجمرتان أمامه، فما أسرع أن مد يده بإيحاء من الملاك الذى كلفه الله بحمايته وإلهامه بما ينبغى أن يفعل، والتقط الجمرة وسارع بوضعها فى فمه، فأحرقته!
وهذه الحكاية مستقاة من أهل الكتاب، وهذا ما يسمى بــ"الإسرائيليات" طبقا للمصطلح الإسلامى فى علوم القرآن. وإلى القارئ نص ما وجدته فى أحد المواقع الخاصة بالتلمود، وهو مأخوذ، كما يقول أصحاب الموقع، من مصادر خارج العهد القديم، الذى يخلو منها ومن أمثالها تماما وليس فيه شىء عن تلك الفترة من حياة موسى البتة:
"Little is known about Moses' youth. The biblical narrative skips from his adoption by Pharaoh's daughter to his killing of an Egyptian taskmaster some 40 years later. One traditional story tells that when he was a child, sitting on Pharaoh's knee, Moses took the crown off of Pharaoh's head and put it on. The court magicians took this as a bad sign and demanded that he be tested: they put a brazier full of gold and a brazier full of hot coals before him to see which he would take. If Moses took the gold, he would have to be killed. An angel guided Moses' hand to the coal, and he put it into his mouth, leaving him with a life-long speech impediment (Ex. 4:10).
Although Moses was raised by Egyptians, his compassion for his people was so great that he could not bear to see them beaten by Pharaoh's taskmasters. One day, when Moses was about 40 years old, he saw an Egyptian beating a Hebrew slave, and he was so outraged that he struck and killed the Egyptian (Ex. 2:11-12). But when both his fellow Hebrews and the Pharaoh condemned him for this action, Moses was forced to flee from Egypt (Ex. 2:14-15).
He fled to Midian, where he met and married Zipporah, the daughter of a Midianite priest (Ex. 2:16-21). They had a son, Gershom (Ex. 2:22). Moses spent 40 years in Midian tending his father-in-law's sheep. A midrash tells that Moses was chosen to lead the Children of Israel because of his kindness to animals. When he was bringing the sheep to a river for water, one lamb did not come. Moses went to the little lamb and carried it to the water so it could drink. Like God, Moses cared about each individual in the group, and not just about the group as a whole. This showed that he was a worthy shepherd for God's flock.
I'm sure everyone knows what happened next - if you haven't read the book, then you've certainly seen the movie. God appeared to Moses and chose him to lead the people out of Egyptian slavery and to the Promised Land (Ex. Chs. 3-4). With the help of his brother Aaron, Moses spoke to Pharaoh and triggered the plagues against Egypt (Ex. Chs. 4-12). He then led the people out of Egypt and across the sea to freedom, and brought them to Mount Sinai, where God gave the people the Torah and the people accepted it (Ex. Chs. 12-24).
God revealed the entire Torah to Moses. The entire Torah includes the first five books of the Bible (Genesis, Exodus, Leviticus, Numbers and Deuteronomy) that Moses himself wrote as God instructed him. It also includes all of the remaining prophecies and history that would later be written down in the remaining books of scripture, and the entire Oral Torah, the oral tradition for interpreting the Torah, that would later be written down in the Talmud. Moses spent the rest of his life writing the first five books, essentially taking dictation from God.
After Moses received instruction from God about the Law and how to interpret it, he came back down to the people and started hearing cases and judging them for the people, but this quickly became too much for one man. Upon the advice of his father-in-law, Yitro, Moses instituted a judicial system (Ex. 18:13-26).
Moses was not perfect. Like any man, he had his flaws and his moments of weakness, and the Bible faithfully records these shortcomings. In fact, Moses was not permitted to enter the Promised Land because of a transgression (Deut. 32:48-52). Moses was told to speak to a rock to get water from it, but instead he struck the rock repeatedly with a rod, showing improper anger and a lack of faith (Num. 20:7-13)".
وفى الجزء المستمد من كتابات الحاخامات عن "موسى" فى المادة المخصصة له فى "Jewish Encyclopaedia: الموسوعة اليهودية" نقرأ ما يلى:
"Moses was a very large child at the age of three (Ex. R. i. 32; comp. Josephus; l.c.; Philo, l.c.); and it was at this time that, sitting at the king's table in the presence of several princes and counselors, he took the crown from Pharaoh's head and placed it on his own ("D. Y." l.c.; for another version see "M. W." l.c.). The princes were horrified at the boy's act; and the soothsayer said that this was the same boy who, in accordance with their former predictions, would destroy the kingdom of Pharaoh and liberate Israel (Josephus, l.c.; "M. W." l.c.). Balaam and Jethro were at that time also among the king's counselors (Soṭah 11a; Sanh. 106). Balaam advised the king to kill the boy at once; but Jethro (according to "D. Y." l.c., it was Gabriel in the guise of one of the king's counselors) said that the boy should first be examined, to see whether he had sense enough to have done such an act intentionally. All agreed with this advice. A shining piece of gold, or a precious stone, together with a live coal, was placed on a plate before the boy, to see which of the two he would choose. The angel Gabriel then guided his hand to the coal, which he took up and put into his mouth. This burned his tongue, causing him to stutter (comp. Ex. iv. 10); but it saved his life ("M. W." l.c.; "D. Y." l.c.; "S. Y." l.c.; Ex. R. i. 31).
Moses remained in Pharaoh's house fifteen years longer ("D. Y." l.c.; "M. W." l.c.). According to the Book of Jubilees (l.c.), he learned the writing of the Assyrians (the "Ketab Ashurit"; the square script ?) from his father, Amram. During his sojourn in the king's palace he often went to his brethren, the slaves of Pharaoh, sharing their sad lot. Hehelped any one who bore a too heavy burden or was too weak for his work. He reminded Pharaoh that a slave was entitled to some rest, and begged him to grant the Israelites one free day in the week. Pharaoh acceded to this request, and Moses accordingly instituted the seventh day, the Sabbath, as a day of rest for the Israelites (Ex. R. i. 32; "S. Y." p. 115a)".
أما فى التلمود فنجد النص التالى:
"About this time, when Moses was three years old, Pharaoh sitting at his banquet table, with his queen upon his right, Bathia at his left, and his two sons, with Bi'lam and the princes of his realm about him, took Moses upon his lap. The child stretched forth his hand, and taking the royal crown from Pharaoh's head placed it upon his own. In this action the king and the people around him imagined they saw a meaning, and Pharaoh asked, "How shall this Hebrew boy be punished? Then said Bi'lam, the son of Be'or, the magician, "Think not, because the child is young, that he did this thing thoughtlessly. Remember, oh king, the dream which thy servant read for thee ; the dream of the balances. The spirit of understanding is already implanted in this child, and to himself he takes thy kingdom. Such, my lord, hath ever been the way of his people, to trample down those who have dealt kindly with them, to deceitfully usurp the power of those who have reared and protected them. Abraham, their ancestor, deceived Pharaoh, saying of Sarah, his wife, 'She is my sister;' Isaac, his son, did the same thing; Jacob obtained surreptitiously the blessing which rightfully belonged to his brother; he travelled to Mesopotamia, married the daughters of his uncle, and fled with them secretly, taking large flocks and herds and immense possessions ; the sons of Jacob sold their brother Joseph into slavery; he was afterwards exalted by thy ancestor and made second in Egypt, and when a famine came upon the land, he brought hither his father with all his family to feed upon its substance, while the Egyptians sold themselves for food; and now, my lord, this child arises to imitate their actions. He mocks thee, oh king, thy elders and thy princes. Therefore, let his blood be spilled; for the future welfare of Egypt let this thing be done." The king replied to the words of Bi'lam, ''We will call our judges together, and if they deem the child deserving of death he shall be executed." When the judges and wise men assembled according to the order of the king, Jithro, the priest of Midian, came with them. The king related the child's action and the advice which Bi'lam had given him, requesting their opinions on the same. Then said Jithro, desirous to preserve the child's life, "If it be pleasing to the king, let two plates be placed before the child, one containing fire, the other gold. If the child stretches forth his hand to grasp the gold, we will know him to be an understanding being, and consider that he acted towards thee knowingly, deserving death. But if he grasps the fire, let his life be spared." This advice met with the king's approval, and two plates, one containing gold, the other fire, were placed before the infant Moses. The child put forth his hand, and grasping the fire put it to his mouth, burning his tongue, and becoming thereafter "heavy of mouth and heavy of tongue," as mentioned in the Bible. Through this childish action the life of Moses was saved. Moses grew up, a handsome lad, in the palace of the king ; he dressed royally, was honored by the people, and seemed in all things of royal lineage".
ولست أجد من نفسى الاستعداد فى تصديق تلك الحكاية رغم ما تتضمنه من تسلية فلكلورية جميلة. ذلك أن جمال الحكاية وما تثيره من شوق ولهفة لدى المستمع أو القارئ لا علاقة بينه وبين صدقها، فكلاهما شىء مختلف عن الآخر كما هو بَيِّنٌ ظاهر. وسبب عزوفى عن تصديق الحكاية يتلخص فى أن رد الفعل الطبيعى لدى أى إنسان يمسك بقطعة ملتهبة من الجمر، فما بالنا بطفل فى الثالثة من عمره؟ هو أن يلقى بها بعيدا عنه صارخا فى ألم وفزع. أما أن يظل ممسكا بها ثم يضعها فى فمه وكأنه يمسك بقطعة حلوى، فهذا أمر لا يقبله العقل وتكذّبه مشاهداتنا وتجاربنا. ثم إنهم يقولون إن الله أرسل ملاكا إلى موسى أوحى إليه أن يمسك بالجمرة بدلا من الذهب كى يصدق فرعون أنه طفلٌ غِرٌّ لا يمثّل أى تهديد. أفيُعَدّ هذا إكراما من الله لنبيه المرتقب؟ ترى إذا كان إحراق اللسان بالنار إكراما، فما العقاب والتعذيب إذن؟ قد يقال إن هذا أخف الضررين. لكن لماذا تركه الله منذ البداية يخلع التاج من فوق رأس ذلك الطاغية؟ إن هذا أمرٌ غريب ما دامت نتيجته هى ما عرفنا.
كذلك تقول إحدى الروايات إن زوجة الملك هى صاحبة الاقتراح. أفلم يخطر على بالها أن من المحتمل جدا أن يمد الصغير يده إلى الذهب؟ ترى أنَّى لها التصور بأنه سوف يتناول النار بالضرورة؟ هل أوحى الله لها؟ القصة لا تقول شيئا من هذا بتاتا. كما أنه يعيدنا إلى الاستغراب السابق الذى يثيره تفسير اختيار الطفل للنار بأنه مظهر للكرم الإلهى. أما إن كان بعض رجال البلاط، كما تقول رواية أخرى، هم أصحاب الاقتراح، فكيف فاتهم أن هذا ليس بالحل الحاسم، فموسى طفل صغير لا يعى مثل تلك الأمور، وكلا الاحتمالين قائم كما قلت آنفا، إذ من الممكن أن يتناول النار أو أن يتناول الذهب. بل كيف خطر أصلا لفرعون أن يفكر طفل فى الثالثة فيما ظن هو ورجال حاشيته أنه يفكر فيه، ألا وهو خلع فرعون من مُلْكه؟ أما إذا أصروا على فهمهم فمن الممكن أيضا القول بأن مثل ذلك الطفل، الواعى المضرس حسب أوهامهم فيه، قد يفكر أن يتناول الجمرة عن عمد حتى يفلت من القتل. أليس كذلك؟
ثم إن هذه الحكايات تتضمن أشياء عجيبة لا تدخل العقل، وبخاصة أنها تتعارض مع العهد القديم ذاته، فنحن نقرأ فى بعضها أن يثرون، والد زوجة موسى، قد ارتاب فيه وسحره وحبسه واتصل بالأحباش كى يسلمه لهم حسبانا منه أنه واحد من الأسرة المالكة الحبشية هارب منها. وفى بعضها الآخر أن موسى قد بقى فى مدين بضع عشرات من السنين، على حين أن بعضها الآخر يحدد المدة بأربع سنوات لا غير... إلخ. وهذا كله يناقض ما جاء فى العهد القديم، الذى يروى، كما نعلم، أشياء مختلفة تماما، فضلا عن تعارضها مع القرآن المجيد.
أما بالنسبة إلى التفسيرات الأخرى للعقدة التى دعا موسى ربه أن يحلها من لسانه، فالملاحظ أنه، عليه السلام، قد ذكر أنه إنما طلب ذلك كى يفقهوا قوله. والمقصود فرعون وملؤه كما أفهم من سياق الكلام. فهل الأمر يتعلق هنا باللغة ذاتها لا بعيب فى لسانه؟ ذلك ممكن، إذ لو كان موسى قد ترك استعمال تلك اللغة تماما طوال السنوات التى أمضاها فى مدين، فمحتمل جدا أن يكون قد نسيها أو صار بطىء التحدث بها إلى حد مزعج لمن يخاطبهم بها. ومبعث إثارتى لهذه النقطة وتفسيرى للضمير فى "يفقهوا" على هذا النحو أننا لم نر أو نسمع أن موسى قد عانى من صعوبة فى الكلام قبل ذلك قط: لا فى حديثه مع الإسرائيلى الذى استعان به فضرب المصرى من أجله، ولا فى حديثه مع الشخص الذى جاء من أقصى المدينة يسعى كى ينبهه إلى وجوب الفرار من مصر تجنبا للمؤامرة التى حيكت لقتله، ولا فى حديثه مع الفتاتين اللتين التقى بهما عند الماء أول وصوله إلى أرض مدين، ولا فى حديثه مع أبيهما، ولا فى حديثه مع أهله فى البرية حين رأى نارا فقال لأهله: "امكثوا. إنى آنست نارا...". وهذا إن حصرنا أنفسنا فى نصوص القرآن فقط دون التطلع إلى ما وراءها من أحداث حياة موسى عليه السلام. فلماذا تذكَّر موسى فجأةً العقدةَ التى ذكرتها آية سورة "طه" هنا فقط؟ ذلك هو السبب فى قولى إنه من المحتمل أن تكون العقدة لغوية. هذا، ولا أحب أن أتساءل عن نوع اللغة التى كان يتفاهم بها فى أرض مدين، وكيف كان يستعملها بتلك السهولة التى ينبئ عنها تفاهمه السريع مع الفتاتين وأبيهما منذ أول لقاء، وإلا فلن أنتهى، وبخاصة أن ذلك الموضوع خارج عن نطاق بحثنا.
ومن المفسرين من قال إن سخرية فرعون من موسى وقوله إنه "لا يكاد يبين" لا تعنى أن موسى كان يعانى من حبسة فى لسانه أيًّا كانت تلك الحبسة، بل معناه أن فرعون لا يرى أنه، عليه السلام، قد أتى بشىء مقنع. وقد وجدت صاحب "مفاتيح الغيب"، الإمام الرازى، يقول بذلك فى أحد الرأيين اللذين أوردهما فى تفسير آية "الزخرف" حيث ذكر "أن فرعون إنما أراد بقوله: "وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ" حجته التي تدل على صدقه فيما يدَّعي، ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام". وإلى ذلك التفسير يشير الألوسى صاحب "روح المعانى"، إذ كتب قائلا: "ومَنْ ذهب إلى أن الله تعالى كان أجاب سؤاله حل عقدة من لسانه فلم يبق فيه منها أثر قال: المعنى: ولا يكاد يبين حجته الدالة على صدقه فيما يدعي، لا أنه لا قدرة له على الإفصاح باللفظ. وهو افتراء عليه عليه السلام. ألا ترى إلى مناظرته له ورده عليه وإفحامه إياه؟". وعلى أساس من ذلك التفسير قال محمد أسد، فى آخر تعليقه بالهامش على آية "الزخرف"، إنها: "An allusion to the impediment in speech from which Moses suffered (cf. 20:27-28 and the corresponding note 17), or perhaps to the contents of his message, which to Pharaoh appeared unconvincing". وفى نفس الاتجاه يجرى أبو الأعلى المودودى، الذى لم يورد الرأيين باعتبار كل منهما صوابا محتملا، بل اختار الرأى الثانى وحده على سبيل الحسم، رافضا الأول بكل قوةٍ بناءً على أن الله قد ذكر فى سورة "طه" أنه عز وجل قد استجاب دعاء نبيه موسى بأن يحل عقدة من لسانه: "Some commentators have expressed the opinion that Pharaoh referred to the impediment of speech from which the Prophet Moses suffered since childhood. But this is not a correct opinion. As has been mentioned in Surah Ta Ha above, when the Prophet Moses was being appointed to Prophethood, he had implored Allah Almighty to remove the defect from his tongue so that the people might understand his speech, and at that very time his request had also been granted along with his other requests (vv. 27-36). Moreover, orations of the Prophet Moses that have been cited at different places in the Qur'an, point to his perfect eloquence and fluency. Therefore, the basis of Pharaoh's objection was not any impediment of speech from which Moses might be suffering but what he meant was: "This person talks confusedly at least I have never been able to understand what he says.".
وهذا تفسير وجيه، ولكنه ليس لازما، إذ من الممكن أن نفسر الأمر تفسيرات أخرى وجيهة أيضا فنقول إن موسى، عندما طلب من ربه ما طلب بشأن العقدة، قد قال: "واحلل عقدة من لسانى"، ولم يقل: "واحلل العقدة التى فى لسانى"، وهذا معناه أنه، لأمر أو لآخر، لم يخطر له أن يطلب فك العقدة أو العقد التى فى لسانه تماما، بل فكَّ عقدةٍ منه فقط أيا كانت طبيعة تلك العقدة، أى سواء كانت عقدة لغوية أو عضلية أو نفسية أو بلاغية. وهو ما تحقق، إذ قال فرعون إنه "لا يكاد يُبِين"، ولم يقل إنه لا يُبِين بتاتا. وثمة فرق بين هذا وذاك كما هو واضح لكل من يتذوق اللغة العربية. وقد وجدت الزمخشرى حين رجعت إليه بعدما كتبت ما كتبت هنا يقول: "وفي تنكير العقدة، وإن لم يقل: "عقدة لساني"، أنه طلب حلّ بعضها إرادةَ أن يفهم عنه فهما جيدا، ولم يطلب الفصاحة الكاملة. و"مِـن لِـّسَانِى" صفة للعقدة، كأنه قيل: عقدة من عقد لساني"، فسرنى سرورا شديدا هذا التوافق بينى وبين ذلك الجهبذ الكبير. وفى "مجمع البيان" للطَّبَرْسِىّ منسوبا إلى أبى على الـجُبَّائِىّ: "كان في لسانه لُثْغَة، فرفعها الله تعالى، وبقي فيه ثقل". ويرى الطاهر بن عاشور فى تفسيره أنه "ليس مقام موسى يومئذٍ مقام خطابة ولا تعليم وتذكير حتى تكون قلة الفصاحة نَقْصا في عمله، ولكنه مقام استدلال وحجة، فيكفي أن يكون قادرا على إبلاغ مراده ولو بصعوبة. وقد أزال الله عنه ذلك حين تفرغ لدعوة بني إسرائيل كما قال: "قد أوتيت سُؤْلك يا موسى"...".
ولا ينبغى فى هذا السياق أن ننسى أن موسى كان يعلم أنه ستظل هناك مشكلة فى مقدرته التعبيرية، وهو ما يرشح لأن يكون فى تعليق فرعون ولو بعض الصحة. ذلك أننا نجد موسى فى سورة "القصص" يخاطب ربه قائلا: "قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)"، وهو ما قالته سورة "الشعراء" أيضا: "قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)". ويفهم مما قالته السورتان أن هارون سوف يكون هو المتكلم بالنيابة عن موسى، أو على الأقل: سوف يساعده فى تبليغ كلامه إلى فرعون وحاشيته. وعلى هذا فمن الجائز جدا أن تكون الإشارة فى حديث فرعون موجهة إلى هذه النقطة، وهى أن موسى كان يشرح لهارون المراد تبليغه، فيقوم هارون بالتبليغ الفعلى، مما رأى فيه فرعون فرصة للنيل من موسى وتحقير أمره بقوله إنه "مَهِينٌ ولا يَكَادُ يُبِينُ". وربما كان خوف موسى من محاكمتهم له على قتله المصرى (على سبيل الخطإ طبعا) سببا آخر يزيد الكلام ثقلا عليه.
على أن من المحتمل، فى ضوء تأكيد آية سورة "طه" لاستجابة الله سؤل موسى، فيما لو فهمناها طبعا على أساس أن العقدة قد أزيلت تماما، أن تكون إشارة فرعون إلى ضعف إبانة موسى عما يريد توصيله من معان وأفكار هى إشارة كاذبة. وليس هذا بالشىء الغريب، فمعروف أن الطغاة والمستبدين هم من أكذب الناس وأفجرهم فى المزاعم والادعاءات، وأن دَيْدَنهم إلصاق التهم بمعارضيهم حتى يسقطوهم من أعين الجماهير فلا تستمع الجماهير إليهم ولا تنفعل بما يقولون ولا تتبع سبيلهم ولا تصدقهم. ودليلنا على ذلك موجود فى قصة موسى وفرعون ذاتها، علاوة على ما نعرفه من واقع الحياة وألاعيب السياسة وأكاذيب دهاقنتها. قال تعالى فى سورة "طه"، والكلام فى الآية الأولى عن فرعون وتكذيبه بالآيات التى جاءه بها موسى وهارون: "وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)". فهل فعلا قد جاء موسى ليخرج المصريين من أرضهم، وهو الذى أعلن مهمته منذ البداية واضحة صريحة، ألا وهى موافقة فرعون على إخراج بنى إسرائيل من أرض مصر مع موسى سالمين. فانظر كيف قلب فرعون الحقائق قلبا! إنه يزعم أن موسى إنما يريد إخراج المصريين من بلادهم، على حين أن موسى إنما كان يريد إخراج الإسرائيليين من مصر.
وثم أكاذيب أخرى اجترحها فرعون تجعلنا، إن أردنا، نرى فى اتهامه لموسى بضعف الإبانة مجرد كذبة من تلك الأكاذيب التى اشتهر بها لا حقيقة لها. وعلى هذا لا ينبغى أن ننظر إلى آيتى "طه" و"الزخرف" على أنهما متعارضتان، إذ المتكلم هنا غير المتكلم هناك، فالله هو المتكلم فى سورة "طه"، فيما المتكلم فى سورة "الزخرف" هو فرعون. ومن هنا فمن الممكن جدا أن يكون فرعون كاذبا فى دعواه ضعف إبانة موسى. وعلى هذا فلا تناقض بين النصين. وبين أيدينا من الشواهد ما يدل على أن فرعون كان من الكذابين القراريّين. ألم يَعِد الطاغيةُ نبىَّ الله بأنه متى دعا ربه أن يكشف عنهم العذاب وكُشِف العذاب فعلا أن يؤمن به فينخلع من الوثنية ويعتنق التوحيد ويطلق بنى إسرائيل من نير العبودية ليخرجوا من البلاد سالمين، ثم فى كل مرة تمّ ما أراد ينقلب على عقبيه ويتنكر لما وعد به ويرتكس فى الكفر والضلالة من جديد؟ هذا ما تقوله سورتا "الأعراف" و"الزخرف" على التوالى: "وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)"، "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآَخِرِينَ (56)".
وبعد، فأيا ما يكن معنى العقدة التى طلب موسى من مولاه الكريم أن يحلها، وحتى لو صدقنا فرعون فى قوله عنه عليه السلام إنه لا يكاد يبين، فليس هناك أى مجال للتعارض بين آيتى "طه" و"الزخرف"، إذ الأولى تقول إن موسى طلب من ربه أن يحل عقدة من لسانه، عقدة فحسب لا كل العقد، وإن الله آتاه سؤله، والثانية تقول إنه لا يكاد يبين. أى أنه كان يبين، ولكن ليست إبانة تامة. أى أن العقد التى كانت فى لسان موسى لم تنحل جميعها، بل انحلت عقدة واحدة من لسانه. ولا ننس أن النصين القرآنيين، وكذلك النص الكتابى، هى نصوص موجزة، مما يجعل دور الاجتهاد العقلى المجرد مفتوحا على مصراعيه. وقد قلت فى تفسير الآيتين بما بدا لى أنه هو أنسب شىء بعدما قلبتهما على كل الوجوه الممكنة التى خطرت لى، ولا أدعى لكلامى شيئا آخر فوق هذا. والله أعلى وأعلم.