كنت أبحث في المتشابه اللفظي في قول الله عزوجل سورة البقرة: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين)
وقوله في سورة الأعراف : (وإذا قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم وسنزيد المحسنين)..
وتحديدا في الغرض من مجئ (خطيئاتكم) بهذه الصيغة في سورة الأعراف .. و(خطاياكم )في سورة البقرة
فوجدت الألوسي وابن عاشور يذكران أن الغرض هو التفنن في الكلام..
فتوقفت عند هذه المسألة خاصةً أنني وجدت المفسرين والباحثين في المتشابه اللفظي يذكرون أوجهًا وجيهة لذلك
في حين أن العالمين الفاضلين يفردون التفنن بالذكر وكأن ذلك نفيًا لوجود أي غرض آخر سواه
فهل يمكن أن يكون التفنن غرضا بلاغيا..وهل يصح أن يكون هو الغرض الوحيد من المتشابه اللفظي ..؟!
ليس التفنن هو الغرض البلاغي الوحيد عند الألوسي وابن عاشور لكنه من ضمن الأغراض، والدليل على ذلك أنهما وجَّها آيات كثيرة دون ذكر للتفنن، والألوسي من كبار الموجهين للمتشابه اللفظي، وبادي الرأي - والمسألة تحتاج إلى دراسة مستقلة -أقول: لعلهما ذكرا التفنن في بعض المواضع هروباً مما قد يقع من التكلف في توجيه المتشابه اللفظي ، وهذا قريب مما يصنعه ابن عاشور في آيات أخرى حين يقول إن التقديم والتأخير لمراعاة الفاصلة ولا يذكر غرضاً بلاغياً آخر، وغيرُه - وخاصة من المعاصرين- يرفض أن تكون مراعاة الفاصلة غرضا بلاغياً مستقلاً وقد يتكلف في ذكر غرض بلاغي غير الفاصلة ؛ فكأن ابن عاشور يبتعد عن التكلف فيكتفي بالقول إن التقديم لمراعاة الفاصلة، والله أعلم.
ويبقى السؤال هل التفنن غرض بلاغي؟ الذي يبدو أنه غرض بلاغي لأن تكرار الكلام بنفس الطريقة قد يسبب مللاً فإذا قلت - مثلاً -:( قال النبي ... قال من لا ينطق عن الهوى... قال الهاشمي القرشي ) صلى الله عليه وسلم فلا شك أن هذا ألطف وأبلغ لأنه أبعد عن الملل ، وإن كان المتصور في الكلام البليغ أن يكون هذا التفنن لغرض معنوي أيضاً لكن قد يخفى علينا فنقول بالتفنن حتى لا نقع في التكلف ، والله أعلم ، وجزى الله خيراً من أتى بفائدة زائدة
{ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } "وهذه القصة مذكورة أيضاً في سورة البقرة، ونعرف أن قوله سبحانه: { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ } ، ولم يذكر الحق من القائل؛ لأن طبيعة الأمر في الأسباط أنه سبحانه جعل لكل سبط منهم عيناً يشرب منها، وكل سبط له نقيب، وهذا دليل على أنهم لا يأتلفون؛ فلا يكون القول من واحد إلى الجميع، بل يصدر القول من المشرع الأعلى وهو الحق إلى الرسول، والرسول يقول للنقباء، والنقباء يقولون للناس. وبعد أن تلقى موسى القول أبلغه للنقباء، والنقباء قالوه للأسباط، وفي آية أخرى قال الحق: { وَإِذْ قُلْنَا }. وهذا القول الأول وضعنا أمام لقطة توضح أن المصدر الأصيل في القول هو الله، ولأنهم أسباط ولكل سبط مشرب؛ لذلك يوضح هنا أنه أوحى لموسى. وساعة ما تسمع " وإذ " فاعلم أن المراد اذكر حين قيل لهم اسكنوا هذه القرية، لقد قيل إن هذه القرية هي بيت المقدس أو أريحا، لكنهم قالوا: لن ندخلها أبداً لأن فيها قوماً جبارين وأضافوا: { ...فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24] والحق لا يبين لنا القرية في هذه الآية؛ لأن هذا أمر غير مهم، بل جاء بالمسألة المهمة التي لها وزنها وخطرها وهي تنفيذ الأمر على أي مكان يكون: { ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا }. ويوضح الحق: أنا تكفلت بكم فيها كما تكفلت بكم في التيه من تظليل غمام، وتفجير ماء غماما، وتفجير ماء من صخر، ومَنّ وسلوى. وحين أقول لكم ادخلوا القرية واسكنوها فلن أتخلى عنكم: { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ }. وقديماً كان لكل قرية باب؛ لذلك يتابع سبحانه: { وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً }. والحطة تعني الدعاء بأن يقولوا: يا رب حط عنا ذنوبنا فنحن قد استجبنا لأمرك وجئنا إلى القرية التي أمرتنا أن نسكنها، وكان عليهم أن يدخلوها ساجدين؛ لأن الله قد أنجاهم من التيه بعد أن أنعم عليهم ورفّههم فيه. وإذا ما فعلوا ذلك سيكون لهم الثواب وهو: {... نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 161] وسبحانه يغفر مرة ثم يكتب حسنة، أي سلب مضرة، وجلب منفعة، لكن هناك في سورة البقرة قد جاء النص التالي: { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [البقرة: 58] فالكيان العام واحد ونجد خلافاً في الألفاظ واللقطات عن الآية التي وردت في سورة الأعراف. أول خلاف { وَإِذْ قُلْنَا } ، و { وَإِذْ قِيلَ } ، وشاء الحق ذلك ليأتي لنا بلقطة مختلفة كنا أوضحنا من قبل. ففي آية سورة البقرة يقول سبحانه: { ٱدْخُلُواْ } وفي آية سورة الأعراف يقول: { ٱسْكُنُواْ } ، ونعلم أن الدخول يكون لغاية وهي السكن أي ادخلوا لتسكنوا، وأوضح ذلك بقوله في سورة الأعراف: { ٱسْكُنُواْ } ليبين أن دخولهم ليس للمرور بل للإِقامة. وأراد سبحانه أن يعطيهم الغاية النهائية؛ لأنه لا يسكن أحد في القرية إلا إذا دخلها. وهكذا نرى أن كلمات القرآن لا تأتي لتكرار، بل للتأسيس وللإِتيان بمعنى جديد يوضح ويبين ويشرح. ويقول الحق هنا في سورة الأعراف: { وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ }. وفي آية سورة البقرة يقول: { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً }. وحين أمرهم الله بالدخول وكانوا جوعى أمرهم الحق أن يأكلوا، على الفور والتوّ بتوسع، لذلك أتى بكلمة " رغداً " لأن حاجتهم إلى الطعام شديدة وملحة، لكنه بعد أن أمرهم بالسكن أوضح لهم أن يأكلوا؛ لأن السكن يحقق الاستقرار ويتيح للإِنسان أن يأكل براحة وتأن. وقال الحق هنا في سورة الأعراف: { وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً }. أي أنه قدم قولهم " حطة " على السجود، وفي آية سورة البقرة قدم السجود فقال: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ... } [البقرة: 58] جاء الحق بهذا الاختلاف لأنه علم أن انفعالات السامعين تختلف ساعة الدخول، فهناك من ينفعل للقول، فيقول أول دخوله ما أمر به من طلب الحطة وغفران الذنب من الله، وهناك آخر ينفعل للفعل فيسجد من فور الدخول تنفيذاً لأمر الله. وأيضاً قال الحق هنا في سورة الأعراف: {... نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 161] وفي سورة البقرة يقول: { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ }. ونعلم أن صيغة الجمع تختلف؛ فهناك " جمع تكسير " وجمع تأنيث، ففي جمع التكسير نغير من ترتيب حروف الكلمة، مثل قولنا " قفل " فنقول في جمعها " أقفال ". أما في جمع التأنيث فنحن نزيد على الكلمة ألفاً وتاء بعد حذف ما قد يوجد في المفرد من علامة تأنيث، مثل قولنا " فاطمة " ، و " فاطمات " ، و " أكلة " ، و " أكلات " وهذا جمع مؤنث سالم، أي ترتيب حروفه لم يتغير، وجمع المؤنث السالم يدل على القلة. لكن جمع التكسير يدل على الكثرة فجاء- سبحانه- بجمع المؤنث السالم الذي يدل على القلة وبجمع التكسير الذي يدل على الكثرة لاختلاف درجات ونسب الخطايا؛ لأن المخاطبين غير متساوين في الخطايا، فهناك من ارتكب أخطاء كثيرة، وهناك من أخطأ قليلاً. والاختلاف حدث أيضاً في عجز الآيتين، فقال في سورة البقرة: { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } وجاء عجز سورة الأعراف بدون " واو " فقال: { سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ }. وقد عودنا ودعانا الحق إلى أن نقول: اغفر لنا وأنت خير الغافرين، وارحمنا وأنت خير الراحمين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة. وهنا يوضح سبحانه: أنا لن أكتفي بأن أغفر لكم وأن أرفع عنكم الخطايا. لكني سأزيدكم حسناً، وفي هذا سلب للضرر وجلب للنفع. كأن الله حينما قال: " خطاياكم " بجمع التكسير الذي ينبئ ويدل على كثرة الذنوب والخطايا و " خطيآتكم " التي تدل على القلة انشغلوا وتساءلوا: وماذا بعد الغفران يا رب فقيل؟ لهم: { سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } هل يغفر لنا فقط، أو أنه سيجازينا بالحسنات أيضاً؟ وكانت إجابة الله أنه سيغفر لهم ويزيدهم ويمدهم بالحسنات. وقد عقدنا هذه المقارنة المفصلة بين آية سورة البقرة وآية سورة الأعراف لنعرف أن الآيات لا تتصادم مع بعضها البعض، بل تتكامل مصداقاً لقول الحق: { ...وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [النساء: 82] "
ليس التفنن هو الغرض البلاغي الوحيد عند الألوسي وابن عاشور لكنه من ضمن الأغراض، والدليل على ذلك أنهما وجَّها آيات كثيرة دون ذكر للتفنن، والألوسي من كبار الموجهين للمتشابه اللفظي، وبادي الرأي - والمسألة تحتاج إلى دراسة مستقلة -أقول: لعلهما ذكرا التفنن في بعض المواضع هروباً مما قد يقع من التكلف في توجيه المتشابه اللفظي
[line]-[/line]
الحق أنني لم أتقص ما كتبه ابن عاشور أو الألوسي .. لكني توقفت عند توجيه الألوسي للآيتين السابقتين ،فهو ينعى على الرازي توجيهه لأوجه الاختلاف بينهما ، ثم يعقب ذلك بقوله :
(وبالجملة التفنن في التعبير لم يزل دأب البلغاء، وفيه من الدلالة على رفعة شأن المتكلم ما لا يخفى،
والقرآن الكريم مملوء من ذلك ، ومن رام بيان سر لكل ما وقع فيه منه فقد رام مالاسبيل إليه إلا بالكشف الصحيح والعلم اللدني،
والله يؤتي فضله من يشاء ، وسبحان من لا يحيط بأسرار كتابه إلا هو)
أما ابن عاشور فقد ذكر عند إيراده لأغلب مواطن الاختلاف بين الآيتين ما نصه أن : (الاختلاف "لمجرد" التفنن بين القصتين)
[line]-[/line]
ويبقى السؤال هل التفنن غرض بلاغي؟ الذي يبدو أنه غرض بلاغي لأن تكرار الكلام بنفس الطريقة قد يسبب مللاً فإذا قلت - مثلاً -:( قال النبي ... قال من لا ينطق عن الهوى... قال الهاشمي القرشي ) صلى الله عليه وسلم فلا شك أن هذا ألطف وأبلغ لأنه أبعد عن الملل ،
[line]-[/line]
لكن ألا تلحظ ـ شيخي الفاضل ـ أن الجملة التي أوردتَ ليست لمجرد التفنن بل إن تغيير الألفاظ فيها جاء بفائدة أخرى..
فعبارة (من لا ينطق عن الهوى) لها غرض غير التفنن فقد تمهد للمقولة التي سترد بعدها و تؤكد صدقها..
وكذلك عبارة(الهاشمي القرشي) تفيد غرضا غير التفنن يختلف بحسب مقولته التي سترد ، فقد تفيد فصاحته ـ مثلا ـ أو طيب أصله ومنشأه
فالعبارة ـ حفظك الله ـ لا تؤكد فكرة أن التفنن غرضا بذاته ..وإنما تنفيها
شكر الله لك إضافتك.. سيما بداية حديثك عن الألوسي وابن عاشور فقد نبهتني إلى أمر هام
(وبالجملة التفنن في التعبير لم يزل دأب البلغاء، وفيه من الدلالة على رفعة شأن المتكلم ما لا يخفى،
والقرآن الكريم مملوء من ذلك ، ومن رام بيان سر لكل ما وقع فيه منه فقد رام مالاسبيل إليه إلا بالكشف الصحيح والعلم اللدني،
والله يؤتي فضله من يشاء ، وسبحان من لا يحيط بأسرار كتابه إلا هو)
لاحظي أختي قوله :
وبالجملة فهو يريد أن يأتي بجواب عام لايضطر معه لتوجيه كل آية ، وإنما يوجه ما يستطيع ويجيب بالتفنن فيما لا يستطيع توجيهه كما مضت الإشارة إليه ، أما كونه يرفض توجيه المتشابه بغير هذه النكتة فهذا فيما يبدو مردود بأمور:
1/ أنه لم يعترض على مجرد توجيه الرازي لآيتي البقرة والأعراف بل اعترض على كون الأوجه التي ذكرها الرازي ضعيفة من وجهة نظره.
2/ أنه قارن بين عشرات الآيات في ثنايا تفسيره دون أن يشير إلى التفنن ، انظري على سبيل المثال كلامه على تقديم( ويزكيهم) في آل عمران وتقديمها في البقرة ، وكلامه في آل عمران نفيس مطول ذكر فيه وجها نص أنه أخذه من أبي السعود وأبدى وجها آخر من اجتهاده ولم يشر إلى التفنن أصلاً.
3/ قوله : ومن رام بيان سر لكل ما وقع...) لاحظي أختي قوله : (لكل) فهو لا يستبعد التوجيه للمتشابه لكنه يستبعد أن يستطيع إنسان واحد أن يوجه كل المتشابه÷ن هذا ما ظهر لي - والله أعلم- .
وللنقاط الأخرى حديث لاحق بإذن الله ، وأشكر لك تفاعلك وعدم قبولك لكل ما يُكتب
أشكر لك أخي الكريم (محمد نصيف) هذا الإلمام بتفسير الألوسي.. والدقة في قراءة النصوص..
أتفق معك ـ أستاذي الفاضل ـ في أن الألوسي لم يعمم التفنن في كافة آيات المتشابه اللفظي وإنما جعله غرضا لبعض منها دون بعض.
لكن يبقى السؤال : هل التـفـنــن ـ أصلا ـ غرض بلاغي يعوّل عليه ويكون هو الغرض "الوحيد" من إيراد صيغة دون غيرها..؟!
وهل يمكن أن تُوجه به وحده أوجه الاختلاف في آيات المتشابه اللفظي ..؟!
وماذا عن الصيغتين الواردتين أعلاه (خطايا) و(خطيئات) هل التعبير بإحداهما في آية وبالأخرى في الآية الثانية هو لمجرد التفنن فقط..؟
ثم ـ وهذا هو الأساس ـ ما معنى التفنن.. هل هو مجرد التنويع والتجديد فقط ..؟
هل هو حلية شكلية تخلو من الغرض المعنوي كما يوحي به اسمه ..؟
الحقيقة أفرحني هذا النقاش فجزاك الله خيرا على ابتدائه واستمراره بهذه الروح الطيبة، أما الأسئلة التي طرحتِها حول التفنن فهي جديرة بالدراسة ولا شك، وتعقيباً على ما قلتِه بخصوص: -:( قال النبي ... قال من لا ينطق عن الهوى... قال الهاشمي القرشي ) فهو مثال يسهل على أي قاريء أن يتنبه إلى الفرق بين التعابير فيه ولذلك مثلت به لكن لاحظي أني قلت بعده: ( وإن كان المتصور في الكلام البليغ أن يكون هذا التفنن لغرض معنوي أيضاً لكن قد يخفى علينا فنقول بالتفنن حتى لا نقع في التكلف ) لأن هناك أمثلة أصعب من هذا المثال بكثير بحيث يكون القول بالتفنن فيه أولى من ذكر شيء متكلف ، ويمكن أن يقال : يوجد مع التفنن غرض آخر لكننا لم نستطع تحديده فنتوقف بدلا من أن نتكلف، ومن الأمثلة التي أرى أنها عسيرة في تحديد الفرق ( ذلك الفوز العظيم ) ( ذلك هو الفوز العظيم ) ( وذلك الفوز العظيم) ( وذلك هو الفوز العظيم ) ، وأعرف أن بعض المعاصرين قد تكلم في بعض هذه الآيات لكن كلامه فيه خلل من جانب مهم جدا ألا وهو : عدم استقصاء المواضع في القرآن أما توجيه بعض الآيات دون بعض ففيه خلل لا يخفى وقد ينتقض التوجيه بالآيات المسكوت عنها، لذلك ينبغي التروي ولذلك قلت : لعلهما مالا إلى التفنن خوفا من التكلف، ولعل أحدا يبحث مسألة التفنن فإنها جديرة بالدراسة والله أعلم
أمر أخير : في الكشاف في سورة هود عند قوله تعالى :[FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P232]ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ[/FONT][FONT=QCF_P232]ﮠ[/FONT][FONT=QCF_P232] ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ[/FONT][FONT=QCF_P232]ﮪ[/FONT][FONT=QCF_P232] ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT]هود: ٩٣ "
فإن قلت : أى فرق بين إدخال الفاء ونزعها في سَوْفَ تَعْلَمُونَ؟ قلت : إدخال الفاء : وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ، ونزعها : وصل خفى تقديرىّ بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدّر ، كأنهم قالوا : فما ذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت؟ فقال : سوف تعلمون ، فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف ، للتفنن في البلاغة كما هو عادة بلغاء العرب ،
" فالأمر ليس مقصورا على الألوسي وابن عاشور
بحق عااااااااجزة عن شكرك أخي الكريم وأستاذي الفاضل (محمد نصيف)
وأوافقك على أن التفنن بحاجة إلى دراسة مستقلة
كما أوافقك على أن التفنن قد يكون منجاة من التكلف..وإن كانت هذه المنجاة قد تثبت أن التفنن ليس غرضا يقصد لذاته وإنما هو مجرد هروب ومنجاة ..!
ثم مامدى قبول التفنن في البحوث الأكاديمية..؟ بمعنى لو أن باحثا ذكر أن الغرض البلاغي هو التفنن فهل سيقبل ذلك منه حتى إن كان قد نقله من مفسر أو عالم ..؟ أم سيتهم بالهروب..؟!
حقًا ..إنها مسألة شااااااائكة
" وقد عزا بعضهم هذا الاختلاف -أي في صيغ المتشابه اللفظي- إلى التنويع في الأسلوب، أو ما يسمى ( التفنن في الكلام )، وهذا سببٌ أراه لا يستقل بنفسه، لأن التنويع في الأسلوب أو التفنن فيه، إنما يُلجأ إليه لإذهاب السأم والملل عن القارئ، وحاشا أن يصف أحدٌ القرآن بذلك، فلا بد من سبب يكون أصلا، ويمكن أن يأتي التنويع سببا آخر متفرعا " ا.هـ. من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم. محمد بن علي الصامل. ص186
- أوردت هذه العبارة للمدارسة، مع عدم اقتناعي بالحجة السابقة في رد التفنن غرضا بلاغيا -
أظن أن إبعاد السآمة والملل غرض يتحقق بالتفنن وليس في ذلك إنقاص لقدر القرآن:
أولاً: لأن الملل قد يكون بسبب السامع أوالقاريء لعدم الرغبة - مثلاً- أو وجود صوارف.
ثانياً: لو صح أن يقال إن في هذا إشعاراً بنقص في القرآن لكان غرض التشويق - مثلاً- منفياً عن القرآن لنفس العلة ؛ حيث يقول القائل : إذا قلتم: إن القرآن لا يحتاج إلى إذهاب الملل لأنه ليس مملاً"؛ فكذلك يلزمكم أن تقولوا: " القرآن لا يحتاج إلى تشويق إذ هو مشوّق أصلا"، ولا أظن أن أحداً ينفي غرض التشويق.
هذا وقد قال الطاهر ابن عاشور في المقدمة العاشرة من تفسيره"ومن أساليبه ما أسميه بالتفنن وهو بداعة تنقلاته من فن إلى فن بطرائق الاعتراض والتنظير والتذييل والإتيان بالمترادفات عند التكرير تجنبا لثقل تكرير الكلم، وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية فهو في القرآن كثير، ثم الرجوع إلى المقصود فيكون السامعون في نشاط متجدد بسماعه وإقبالهم عليه، ومن أبدع أمثلة ذلك قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ. أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:17,20] بحيث كان أكثر أساليب القرآن من الأساليب البديعة العزيز مثلها في شعر العرب وفي نثر بلغائهم من الخطباء وأصحاب بدائه الأجوبة. وفي هذا التفنن والتنقل مناسبات بين المنتقل منه والمنتقل إليه هي في منتهى الرقة والبداعة بحيث لا يشعر سامعه وقارئه بانتقاله إلا عند حصوله. وذلك التفنن مما يعين على استماع السامعين ويدفع سآمة الإطالة عنهم، فأن من أغراض القرآن استكثار أزمان قراءته كما قال تعالى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: من الآية20] فقوله {مَا تَيَسَّرَ} يقتضي الاستكثار بقدر التيسر، وفي تناسب أقواله وتفنن أغراضه مجلبة لذلك التيسير وعون على التكثير"، وأحب أن أذكر هنا بما نقلته عن الزمخشريمن قبل: "
فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف ، للتفنن في البلاغة كما هو عادة بلغاء العرب ، "
مع ملاحظة أن القرآن نزل بلسان العرب الذين نزل عليهم القرآن ، لا بلسانهم بعد ذلك؛ فإذا ثبت أن التفنن من الطرائق التي كانوا يسلكونها فالأصل أن القرآن يجيء بطريقتهم، والله أعلم.
التفنن نفسه باب من أبواب الإعجاز؛ لأنه قد كان يمكن الكافرين أن يقولوا: قد جاء القرآن بالأسلوب الوحيد المعجز فلا نستطيع أن نأتي به إلا أن يكون هو هو، فلما جاء القرآن بالقصة الواحدة بأساليب مختلفة، كان في هذا سدٌ للباب على هذه الحجة الداحضة.
وقد أشار إلى هذا المعنى عدد من أهل العلم كالباقلاني وغيره.
وفي التفنن فوائد أخرى غير ذلك؛ منها أن فيه منعا لتوهم أن أحد الأسلوبين أبلغ من الآخر أو أنه الصحيح دونه.
دعونا نتفق ـ أولا ـ على معنى التفنن وما يقتضيه هذا المعنى ..
فإذا كان التفنن يعني مجرد الحلية الشكلية والتنويع فقط دون مراعاة الجانب المعنوي ..
فيقال في الآيتين السابقتين مثلا : بما أن آية البقرة جاءت بجمع الكثرة فلماذا لا ننوع الصيغ ونأتي في الأعراف بجمع القلة..؟!
لنغير وننوع ونتفنن فقط بغض النظر عن السياق وما يقتضيه..!
يؤتى بجمع القلة في الأعراف .. فقط لأن جمع الكثرة ورد في البقرة..!
إن كان هذا هو التفنن فهو ـ في نظري ـ عشوائية ننزه القرآن الكريم عنها..
وإن كان هذا هو التفنن فلنرح الباحثين من البحث في الأغراض البلاغية (لاسيما مايتعلق بالمتشابه اللفظي وبالخروج على خلاف مقتضى الظاهر)ولنعزو كل خروج أو اختلاف إلى التفنن
وإن كان هذا هو التفنن فلتقصر همم الباحثين عن التنقيب في لطائف كلام الله عزوجل وليكتفوا بالتفنن
ثم قد يستساغ القول بالتفنن عند الحديث عن آية واحدة أو سورة واحدة قد يُحتاج معها إلى تنويع .. لكن كيف يستساغ في المتشابه اللفظي الذي تكون فيه الكلمة في سورة والكلمة الثانية في سورة أخرى تفصل بينهما مئات الآيات..؟!ما الحاجة إلى التفنن هنا..؟!
إن التفنن ـ في رأيي ـ إماتة للأغراض البلاغية .. و تجاهل للسياق ومقتضى الحال..
التفنن بهذا المعنى لا أظن أحدا من العقلاء يقول به فضلا عن أهل العلم.
ثم إن مراعاة المعنى لا يلزم منها أن يكون لهذه المراعاة شكل واحد لا يمكن تغييره، كما أن مراعاة مقتضى الحال لا يلزم منه أن التعبير الموافق له تعبير واحد لا ثاني له.
كلمة (التفنن) معناها اللغوي هو التنوع في الأساليب أو كما يقول البلاغيون: الجمع للفنين، وهي بهذا المعنى من المهمات التي يراعيها البليغ عادة؛ لأن بعض الناس قد يتأثر بالإطناب دون الإيجاز، وبعضهم بالعكس، وبعض الناس قد يتأثر بألفاظ الفخامة والتهويل، وبعضهم قد يتأثر بألفاظ السهولة والترغيب، وغير ذلك.
فلماذا إذن عند تعريف التفنن نستعمل كلمة (مجرد) ونقول (دون مراعاة الجانب المعنوي)؟
بل إن التفنن نفسه قد يكون من لوازم مراعاة مقتضى الحال.
والإنسان البليغ -وهو مخلوق ضعيف ناقص- يستعمل التفنن في كلامه مع مراعاة الجانب المعنوي أيضا، ولكن هذه المراعاة للجانب المعنوي لا يلزم منها أن يكون الأسلوب مما يستحيل تغييره.
ثم إن مراعاة الجانب المعنوي لا يلزم منها أن تكون متعلقة بسياق القصة فقط، بل قد تتعلق بأمور أخرى؛ لأن الله عز وجل أنزل كتابه ميسرا للذكر، فقد يكون من مقتضيات هذا التيسير أن تكون بعض الآيات طويلة وبعضها قصيرة، وأن تكون بعض السور طويلة وبعضها قصيرة، وأن تتوارد الآيات على معانٍ متوافقة حتى يقف عليها من اقتصر على بعض القرآن، وحتى يُعلم المؤكد منها أقوى من غيره بكثرة التنبيه عليه في آيات متعددة.
وغير ذلك من أوجه النظر قد تظهر للمتأمل، وإنما قلت ما حضرني الآن.
وهذا المعنى السابق ذكره يمكن ملاحظته من مثل قوله تعالى: {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل} وقوله: {وصرفنا فيه من الوعيد}.
قال البغوي: (يعني العبر والحكم والأمثال والأحكام والحجج والإعلام، والتشديد للتكثير والتكرير ).
وقال ابن عطية: ( ولقد خوفنا ورجينا وبالغنا في البيان، وهذا كله بتمثيل وتقريب للأذهان ).
وقال الألوسي: ( والمراد عبرنا عنه بعبارات وقررناه بوجوه من التقريرات ).
الذين قالوا بالتفنن في القرآن ، وجدوه مهربا لهم من بعض المشكلات التي لم يستطيعوا حلها . تاركين ذلك لحينه . لأن المفسر مهما أوتي من علم لا يستطيع أن يواكب معاني القرآن بطريقة مطلقة . وبالتالي يتصرف بعض المفسرين مع القرآن كما يتصرفون مع كلام البشر .
إن للقرآن خصائص ومميزات لا يشاركه فيها أحد . فهو كلام الخالق . كلام مصفوف متماسك مرصوص . كل مفردة وكل كلمة وكل تعبير وكل آية وكل سورة في مكانها المعلوم . وتحليل القرآن الكريم يجب أن يكون تحليلا علميا دقيقاً . كل شيء فيه له دلالة ، لأنه من خالق الكون . وهذا هو المنهج الحق في التعامل مع كتاب الله . وهو دأب كبار المفسرين .
يقول أحمد محمد شاكر في مقدمة تفسير الطبري : " وأبو جعفر رضي الله عنه لم يغفل قط عن هذا الترابط الدقيق بين معاني الكتاب ، سواء كان ذلك في آيات الأحكام أو آيات القصص أو غيرها من نصوص هذا الكتاب . فهو يأخذ المعنى في أول الآية من الآيات ثم يسير معه كلمة كلمة وحرفًا حرفاً ثم جملة جملة غير تارك لشيء منه أو متجاوز عن معنى يدل عليه سياقها . وليس هذا فحسب بل هو لا ينسى أبدًا أن هذا الكتاب قد جاء ليعلم الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور وأنه جاء ليؤدبهم بأدب رب العالمين فيربط بين هذا الأدب الذي دل عليه التنزيل وبينته سنة رسول الله ويخرج من ذلك بمثل هذا الفهم الدقيق لمعاني كتاب الله مؤيدًا بالحجة والبرهان ."
الملحظ التي تفضلت به أخي عبد الكريم ملحظ مهم، لكني لا أوافقك في أن المفسرين إنما ذكروه على سبيل الهروب من بعض الإشكالات، كما أن النقل التي تفضلت بإيراده لا إشكال ويستشهد به في موطن غير هذا.
فالتفنن كغيره من المصطلحات إنما يذكره علماء البلاغة وأضرابهم على سبيل تقريب صورة من صور البيان العربي الذي نزل به القرآن الكريم، وهم يذكرونه قاصدين ما يدل عليه من معانٍ يرون آثارها في القرآن الكريم.
وقد ذكر الشيخ أبو مالك ما يدل على أن التفنن لا يلزم منه عدم مراعاة المعنى، بل لهذا الأسلوب منزلته وموقعه في نفس المخاطَب، وأثره العميق في تأدية المعنى المراد.
سؤالي يا أحباب عن تعريف مصطلح التفنن؛ فقد ذكره الإمام السيوطي -رحمه الله- في رسالته (فتح الجليل للعبد الذليل) التي أقوم بشرحها حاليا في هذا الملتقى، وجعل التنوع بين الإفراد والجمع في الظلمات والنور والولي والأولياء تفنناً، ولم أجد من عرف التفنن فوضعت سؤالي لكم لعل أحدا يفيد الجميع .
أخي محمد العبادي الذي أريد أن أشير إليه هو أن المفسر المفروض فيه أن يبين معاني الآيات القرآنية . وأن يبحث عن الدلالة في كل شيء في القرآن الكريم ، حتى في مواطن التفنن التي تشتمل عليها المفردات والكلمات والآيات . كنا في إطار خطأ منهجي قام به المفسر ابن عاشور ، حيث ذكر التفنن وأغفل الدلالة المعنوية لهذا التفنن . و باغثنا أخونا الدكتور محمد نصيف بسؤاله عن التفنن . مما جعلنا نظن أنه يوافق المفسر على ما توصل إليه . وهذا الكلام يخالفه السيوطي في رسالته المعلنة : (فتح الجليل للعبد الذليل) الذي ذكر للتفنن دلالات معنوية ، نذكر منها هذا المقطع على سبيل المثال لا الحصر : " (وفيها) التفنن في ثلاثة مواضع إفراد النور وجمع الظلمات في الموضعين لأن الإيمان شيء واحد وطريق الحق واحدة والكفر والضلالات شتى والأهواء والبدع متفرقة وشاهده {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[الأنعام:153] وقوله صلى الله عليه وسلم (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها في الجنة واثنتان وسبعون في النار) "
الذي أراه أن المفسر مع بذله الجهد ستبقى عنده قضايا لا يصل فيها إلى إجابة شافية وعندها يكتفي بالقول بالتفنن ولا ملامة فالتفنن لا ينفي وجود أمر معنوي لكن الباحث أو المفسر لم يصل إليه، بدليل أنهم أحيانا يقرنون التفنن بنكتة أخرى ، وأعيد : القول بالتفنن يحتاج إلى تحرير وبحث، وأنا الآن أريد تعريف له من كتب أهل الفن لو تكرمتم.
تميز الطاهر بن عاشور بذكر (التفنن) في تفسيره بصفة لافتة ، حيث ذكر له أساليب متعددة . واعتبره بابا من أبواب البلاغة العربية ، يقول في ذلك : " ويجوز مع ذلك أن يكون بعض الكلام المعجز مشتملا على لطائف وخصوصيات تتعلق بوجوه الحسن كالجناس والمبالغة ، أو تتعلق بزيادة الفصاحة ، أو بالتفنن مثل ( أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير )."
فهل نستطيع أن ننعت هذا التميز بالظاهرة ؟ ونقول ظاهرة (التفنن) في تفسير ابن عاشور .
مع فائق التقدير والاحترام
يقول ابن قتيبة (ت:276ه) عن التفنن في كتابه مشكل القرآن : " فالخطيب من العرب، إذا ارتجل كلاما في نكاح، أو حمالة، أو تحضيض، أو صلح، أو ما أشبه ذلك- لم يأت به من واد واحد، بل يفتنّ: فيختصر تارة إرادة التخفيف، ويطيل تارة إرادة الإفهام، ويكرّر تارة إرادة التوكيد، ويخفي بعض معانيه حتى يغمض على أكثر السامعين، ويكشف بعضها حتى يفهمه بعض الأعجميين، ويشير إلى الشيء ويكني عن الشيء. وتكون عنايته بالكلام على حسب الحال، وقدر الحفل، وكثرة الحشد، وجلالة المقام."