هل الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف ؟

د.حسن خطاف

New member
إنضم
03/04/2006
المشاركات
46
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
هل الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن كتبت مقالا مختصرا حول مفهوم الصراط في القرآن الكريم رأيت بعض التعليقات المتصلة بمفهوم الصراط ، ومن هذه التعليقات تحديد كيفية الصراط ، فرأيت نظرا لطول المقال أن أفرد له عنوان مستقل ، كما اني اطمع من وراء ذلك أن يمدني بالتصويب من يرى في كلامي مجانبة للصواب ، فأقول مستعينا بالله تعالى :
أولا : علينا أن ننزل الناس منازلهم ، ولا خير فينا إنْ لم نعرف مكانة أسلافنا ، كما لاخير فينا أن غمطنا الناس حقهم ، والعلماء منازلهم ، ومن هنا لا أرى على صواب من ينقص من مكانة ابن الجوزي إلى حد انه أصبح الكتاب مشتملا على" التحريف ، والتأويل ، والتعطيل ، والتفويض. والكتاب جملة: ظلمـات بعضها " كما ينقل الأخ العبيدي عن المحدث سليمان العلوان ".
ولا ادري لماذا وصف الشيخ سلمان العلوان بالمحدث ؟ وليس هذا تنقيصا معاذ الله ، ولكن إن كان المقياس هو كونه محدثا ، فابن الجوزي قولا واحدا ليس أقل مرتبة منه مع تجاوزنا لبعض التشدد الذي أبداه رحمه الله في بعض كتبه .
ثانيا :بالنسبة لكون الصراط أحد من السيف وأدق من الشعر لم يثبت هذا الوصف في حديث صحيح أو حسن حسب ما بان لي ، ومن رأى غير ذلك فليبين لي مع شكري الجزيل له ، وزيادة في تأكيد المسألة ها أنا أعرض خلاصة ما توصلت إليه في هذا الجانب .
ما ذكر من وصفٍ عن الصراط لا يتجاوز- من ناحية ثبوت الوصف- هذين الحديثين‹ 1›:
1- قوله  " فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنْ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ، مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ،هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُخْرِجُونَهُمْ.." ‹ 2›
2- قوله  " وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ ، قَالَ[حذيفة بن اليمان] قُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ،ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ ،وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ ، يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ، فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا قَالَ ،وَفِي حَافَتَيْ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ ،فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ ،وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ « ‹3 ›.
هذا هو الصراط، وهذه أوصافه حسب ما ذكر عنه في الروايات الصحيحة بميزان أهل السنة، أما ما زاد عن ذلك من كونه"أدق من الشعر وأحد من السيف"فلم يرد في حديث صحيح،وصحة الحديث شرط أساسي للإيمان بهذا الوصف،مادام لم يذكر في القرآن الكريم؛ إذ الأمور الغيبية متوقفة على الخبر،لأنه المسلك الوحيد للإيمان بها.
وعندما نرجع إلى هذا الوصف "أدق من الشعر وأحد من السيف"نجد أنه ذكر مرة موقوفا ومرات مرفوعا بأسانيد لم تخلو من وهن .
الرواية الموقوفة:
هذه الرواية وردت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،ولم يرفعها إلى النبي ،وفي هذا يقول أبو سعيد بعد أن ساق حديثا طويلا في الرؤية والصراط» بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ ‹ ›4 ولم يذكر من أين بلغته هذه الزيادة.
هذه الرواية زيادة على أنها موقوفة فسند الحديث الذي جاءت فيه هذه الرواية واهٍ، والوهن متأتٍ من سويد بن سعيد الحد يثي الهروي[ت:204] وسويد هذا ضعيف باتفاق علماء الجرح والتعديل، قال فيه يحيى بن معين "كذاب ساقط" وقال أحمد "متروك الحديث" ، وقال البخاري" كان قد عمي فتلقن ما ليس من حديثه"‹ 5›،وقال النسائي"ليس بثقة" وقال ابن حبان":يأتي بالمعضلات عن الثقات يجب مجانبة ما روى"‹ 6›
وباختصار فإن سويد مصنف في كتب الضعفاء‹ 7› والمدلسين[وتدليسه كثير]‹ 8› كما أنه عمي واختلط‹ 9›
الروايات الموصولة:
وردت هذه الرواية في مسند أحمد عن طريق عائشة رضي الله عنها " وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ، وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ ،عَلَيْهِ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ ،يَأْخُذُونَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ ،وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمْ رَبِّ سَلِّمْ ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ ،وَمَخْدُوشٌ مُسَلَّمٌ ،وَمُكَوَّرٌ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ «‹ 10›
كما أنها وردت عن أنس  عند البيهقي بسند مبتور " وروي عن أنس أن النبي  قال إن على جهنم جسرا أدق من الشعر وأحد من السيف«‹ 11› وقال البيهقي معلقا على هذه الزيادة »وهذا اللفظ من الحديث لم أجده في الروايات الصحيحة ، وروي عن زياد النميري عن أنس مرفوعا ،الصراط كحد الشفرة أو كحد السيف، وهي أيضا رواية كمال وروي بعض معناه عن عبيد بن عمير عن النبي  مرسلا«‹ 12›.
هذه الرواية المرسلة موجودة في مصنف ابن أبي شيبة» حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال الصراط....كحد السيف«‹ 13›،وعبد الله بن عمير لم يرفعها إلى النبي  ، فهي على هذا النحو تكون موقوفة على عبد الله بن عمير‹ 14›.
أما ما ذكر مرفوعا عن أنس رضي الله عنه فهو لم يصح من جهة الرفع‹ 15›
وذكر الحاكم في مستدركه هذه الزيادة ‹كحد السيف› "...أنبأنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني،حدثنا المنهال بن عمرو،عن أبي عبيدة،عن مسروق عن عبد الله [بن مسعود]رضي الله عنه قال... ويمرون على الصراط والصراط كحد السيف ...قال مسروق فما بلغ عبد الله هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك،فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لقد حدثت هذا الحديث مرارا، كلما بلغت هذا المكان من هذا الحديث ضحكت، فقال عبد الله سمعت رسول الله  يحدثه مرارا فما بلغ هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك...«‹ 16›
وجاءت هذه الرواية نفسها[كحد السيف] عن عبد الله بن مسعود أيضا في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد » ... حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع، قال حدثنا عبد الله ابن مسعود عن النبي  ...«‹ 17›
وجاءت رواية عند الطبراني بلفظ"حد الموسى"عوضا عن حد السيف ولفظ الحديث» حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي... عن علي بن يزيد [عن] عائشة ... وهو مثل حد الموسى«‹ 18›
وذكر الحاكم عن سلمان بلفظ"حد الموسى" ... عن سلمان عن النبي  قال...ويوضع الصراط مثل حد الموسى" › 19
تبين من خلال ما تقدم أن هذه الزيادة وردت مرفوعة عن أربعة من الصحابة هم: عبد بن مسعود وعائشة وأنس بن مالك وسلمان
بعد ذكر جميع الروايات التي جاءت موصولة وموقوفة لا بد من عرضها متنا وسندا على الميزان العلمي لمعرفة هل هذه الزيادة صحيحة أم لا؟
فيما يتصل بسند هذه الروايات نجد في رواية أحمد بن حنبل ابن لهيعة،وهو ضعيف عند المحدثين‹ 20›،وتأسيسا عليه فالحديث من ناحية السند لا قيمة له،كما أننا نجد في رواية الحاكم يزيد بن عبد الرحمن أبا خالد الدالاني، والمنهال بن عمرو وأبا عبيدة ، وكل واحد منهم لم يسلم من النقد ‹ 21› أما رواية عبد الله بن أحمد"كحد السيف"،فليست أحسن حظا من غيرها‹22 ›.
أما رواية "حد الموسى" فالأصح في رواية الحاكم أنها موقوفة على سلمان ‹ 23›،أما رواية الطبراني فنجد في سنده علي بن يزيد الألهاني‹ 24› ،وهو متروك باتفاق علماء الجرح والتعديل‹ 25› فيسقط الحديث من ناحية السند.
هذه دراسة الزيادات من حيث السند،أما من حيث المتن، ،فيمكنْ تسجيل الملاحظات التالية:
أولا:هذه الزيادات لم تذكر في الأحاديث الصحيحة التي جاءت واصفة للصراط.
ثانيا:هذه الزيادات لم تتفق فيما بينها: فمرة جاءت الزيادة بلفظ"أدق من الشعرة وأحد من السيف"ومرة سقطت دقة الشعر،وبقي لفظ"كحد السيف"مع التنبيه إلى الفرق في المعنى بين القول أحد من السيف والقول كحد السيف ،ومرة ثالثة لم يذكر السيف وعوض عنه"كحد الموسى".
ثالثا: لم تخل هذه الزيادات من اضطرابٍ، فقد نقل الحديث عن عائشة - وهي من رواة هذه الزيادة - مرفوعا» ...ولجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف" وسنده لم يصح لوجود ابن لهيعة،ونقل عنها هنا"كحد الموسى"،ونلحظ هنا إغفال كامل عن ذكر دقته"أدق من الشعر"،كما أنه روي عنها في حديث مرفوع للنبي  ولا يوجد فيه أي ذكر لا للدقة ولا للحدة ،مع الإشارة إلى أن هذا الحديث هو نفسه- من حيث المتن- الحديث الذي ذكرت فيه الدقة والحدة، مع اختلاف في السند‹ 26›،ومن رواة هذه الزيادة أنس،وقد روي عنه الرفع والوقف.
نستنتج مما سبق أن هذه الزيادة لم تصح ، وعليه لا يصح وصف الصراط بأنه أدق من الشعر وأحد من السيف ، ومن كان عنده بحث على خلاف هذا فليمدنا به شاكرين جهده
والحمد لله
======================
‹ 1›أي ما ذكر من أحاديث أخرى جاءت تأكيدا لهذين الحديثين.
‹2 › رواه البخاري ضمن حديث طويل، الجامع الصحيح، كتاب الأذان ، باب فضل السجود، رقم:806.
‹ 3› جزء من حديث طويل رواه مسلم، في صحيحه،كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة، رقم:195.
‹4 › جزء من حديث طويل ،م.س. باب معرفة طريق رؤية الرؤية،رقم:183
‹5 › انظر ما قلناه عن سويد:ابن الجوزي، الضعفاء والمتروكين :2/32،رقم:1587
‹6 ›الضعفاء والمتروكين :50،رقم:260
‹7 › النسائي، الضعفاء والمتروكين :50،رقم:260، ابن الجوزي، م.س.ن.م.، الذهبي، المغني في الضعفاء: 290 ، ابن عدي،الكامل في ضعفاء الرجال :3/ 428،رقم:848
‹ 8› انظر:الكيكلدي، جامع التحصيل : 106،رقم:21،الطرابلسي،التبيين لأسماء المدلسين :108،رقم:34
‹9 › الكيكلدي، المختلطين:51
‹10 › مسند أحمد، باقي مسند الأنصار، مسند حديث السيدة عائشة،رقم:24272.
‹ 11› البيهقي شعب الإيمان:1/ 331
‹12 › م.س.1/332.
‹13 › ابن أبي شيبة،المصنف: 7 / 59،رقم:34198
‹ 14› ابن رجب الحنبلي، التخويف من النار :170.
‹ 15› م.س.ن.م.
‹ 16› المستدرك على الصحيحين : 2 / 408،رقم: 3424، وانظر م.س.4 / 632،رقم:8751 وفي كلا الموضعين تجد: يزيد بن عبد الرحمن أبا خالد الدالاني+المنهال بن عمرو+أبا عبيدة، وهم موطن النقد
‹ 17›السنة:2 / 520-522 ،رقم:1203
‹18 › المعجم الكبير :8/ 225،رقم: 7890
‹19 › المستدرك على الصحيحين : 4 / 629،رقم:8739
‹ 20› يحيى بن سعيد القطان كان» لايرى ابن لهيعة شيئا«،و يحيى بن معين يقول:» عبد الله بن لهيعة ليس حديثه بذلك القوي«، ، والحكم عليه بالضعف قاله أبو زرعة ، ابن أبي حاتم الرازي ، الجرح والتعديل:5 / ، 146، ويقول فيه ابن الجوزي: » ذاهب الحديث" العلل المتناهية :1/ 341.وقال الجوزجاني:" لا يوقف على حديثه ، ولا ينبغي أن يحتج به ،ولا يغتر بروايته" أحوال الرجال: 155،رقم:274 وفيه يقول ابن حبان »سبرت أخبار ابن لهيعة فرأيته يدلس ، رأيته يدلس عن أقوام ضعفاء ،على أقوام ثقات قد رآهم، ثم كان لا يبالي ،ما دُفع إليه قرأه سواء، كان من حديثه أو لم يكن من حديثه، فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه؛ لما فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين ،ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين بعد احتراق كتبه ؛لما فيها مما ليس من حديثه« نقل ذلك عنه ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين: 2 / 136-137، وانظر في تدليسه،الطرابلسي، التبيين لأسماء المدلسين : 125.
وقوله هذا جاء ردا على بعض الرواة الذين حدثوا عنه قبل إحراق كتبه، انظر: القيسراني، تذكرة الحفاظ : 1/ 238. ونختم الحديث عن ابن لهيعة بما قاله الذهبي:» ابن لهيعة تهاون بالإتقان،وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم،وبعض الحفاظ يروي حديثه ويذكره في الشواهد والاعتبارات والزهد والملاحم لا في الأصول، وبعضهم يبالغ في وهنه ولا ينبغي إهداره، وتُتجنب تلك المناكير فإنه عدل في نفسه« سير أعلام النبلاء 8 / 14،وتهاونه بالإتقان وعدم احتجاج العلماء به نلمسه من قول أبي زرعة:» كان ابن لهيعة لايضبط ، وليس ممن يحتج بحديثه«، انظر: ابن أبي حاتم الرازي،الجرح والتعديل:5 / 147 ‹ 21› ونذكر باختصار ما قيل فيهم:
يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني :اختلف فيه رجال التعديل والتجريح: وثقه أبو حاتم الرازي، وقال عنه أحمد بن حنبل لا بأس به انظر: ابن أبي حاتم الرازي ،علل ابن أبي حاتم :2/ 10، الذهبي،ميزان الاعتدال في نقد الرجال :7 / 253،رقم:9731،بمقابل ذلك نجد ابن حبان يجرحه ويقول عنه:» كان كثير الخطأ،فاحش الوهم، يخالف الثقات في الروايات،حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معلولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات ، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات« ابن حبان،المجروحين : 3 / 105،رقم: 1185.
المنهال بن عمرو: وثقه ابن معين وأحمد والعجلي،وغمزه يحيى بن سعيد وشعبة ،وتكلم فيه ابن حزم ولم يحتج بحديثٍ له ،وقال فيه ابن حجر صدوق ربما وهم،انظر: الذهبي،،ميزان الاعتدال في نقد الرجال :6/ 527،رقم: 8813،ابن حجر، لسان الميزان: 7 / 400
أبو عبيدة :هو ابن عبد الله بن مسعود كان يحدث أحيانا عن أبيه ولم يسمع منه، انظر: ابن حجر العسقلاني،طبقات المدلسين:48،العجلي، معرفة الثقات :2/ 414.
‹ 22 › يوجد في سندها يزيد الدالاني والمنهال بن عمرو، وزيادة على ذلك زيد بن أبي أنيسة ، وقد قال فيه أحمد بن حنبل في حديثه بعض النكارة،انظر ابن الجوزي، الضعفاء والمتروكين:1 / 303.
‹ 23› ابن رجب الحنبلي، التخويف من النار:169.
‹ 24› الهيثمي، مجمع الزوائد:7/86.
‹ 25› قال عنه النسائي والدارقطني والهيثمي بأنه متروك الحديث،وقال عنه البخاري بأنه منكر الحديث وقال ابن حبان بأنه منكر الحديث جدا،انظر :النسائي،الضعفاء والمتروكين :77، ابن الجوزي،الضعفاء والمتروكين: 2 / 200، الهيثمي،مجمع الزوائد:7/86،البخاري،التاريخ الصغير: 1/310،رقم: 1500، ابن حبان، المجروحين:2 / 110،رقم: 685
‹ 26›» عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ النَّارَ، فَبَكَتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ حِينَ يُقَالُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ،حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ" أبو داود ، السنن، كتاب السنة، باب في ذكر الميزان،رقم:4755.
 
إشكالات و استفسارات في الموضوع

إشكالات و استفسارات في الموضوع

الأخ الدكتور حسن حفظك الله:
لا شك أن تفاصيل الغيبيات لا يعطى لها حكم أصول العقائد، فأصل العقيدة ثابت لا ريب فما تواتر وثبت من النصوص التوقيفية، ولكن في دراستك للصراط ووصفه أردت أن تثبت بالدليل العلمي أن هذا الوصف للصراط لم يصح ولا يجوز وصف الصراط به ، واسمح لي أن أعلق على دراستك بملاحظات سريعة للدراسة والتوضيح :
أولاً : وأبدأ بالأخير في وصفك لرواية عائشة رضي الله عنها بالاضطراب بسبب اختلاف الرواية عنها، وهذا ليس باضطراب في رأيي، وذلك أنه لا تعارض بين الروايات الواردة عنها وكل الأمر أن رواية ذكرت صفتان ورواية ذكرت صفة واحدة ورواية ثالثة وافقت الثانية بالمعنى، أي إن رواية كحد الموسى هي في معنى رواية كحد السيف، ورواية أحد من السيف أيضاً هي في معنى ذلك وأما أدق من الشعر لا يخرج من حيث المعنى عن ذلك ، ويكون إغفال هذه الصفة ( أدق من الشعر) من تصرف الراوي الذي عليه مدار الحديث والله أعلم، والجمع بين هذه الروايات الثلاثة ممكن وليس صعباً.
أما بالنسبة لرواية ابن لهيعة ، نعم هي ضعيفة هذا إن لم يتابع عليها، وأما حديثه بالمتابعة فهو حسن كما هو معلوم عند المحدثين،فكيف ولحديثه شواهد تقويه وترقى بحديثه؟، وأما اختلاف الرواية بالوقف والرفع فبرأيي هذا ليس من الاضطراب لأن الحديث من الغيبيات التي لا تتأتى بالاجتهاد والرأي فكلا الروايتين تعطى حكم الرفع والله أعلم، وكذلك القول في باقي الروايات الموقوفة كلها لها حكم الرفع كما هو أيضاً مقرر في علم الاصطلاح .
ثانياً : إن عدم ذكر هذه الصفة في الأحاديث الصحيحة لا يعني بطلانها في نفس الأمر، فالأمر يعود إلى مدى حجية الحديث لا إلى صحته فقط.
والحديث كما قلتم أنتم ورد عن أربعة من الصحابة ، وتعددت طرقه وهذا يعني أن لهذا الوصف على أقل التقادير أصلاً لا يمنع من جواز هذا الوصف على الصراط ،بل ونجد في هذه الأحاديث الضعيفة بعض الصفات المشتركة في وصف الصراط كاكلاليب والشوك، فالحديث الضعيف لا يعني عدم ثبوت الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الأمر كما قال ابن الصلاح في مسائل الحديث الصحيح، كما أن صحة الحديث لا تعني ثبوت الحديث يقيناً للنبي صلى الله عليه وسلم في نفس الأمر وإنما الحكم يعود للقواعد المتفق ليها في الحكم على الحديث، بل يمكن لقائل أن يقول إن ورود الحديث عن أربعة من الصحابة يمكن أن يجعل الحديث من قبيل المتواتر لأن العدد في التواتر كما هو قول ابن حجر ليس له تعيين وكذلك لا يشترط في التواتر صحة أسانيده إذا كثرت وتعددت، نعم هذا الكلام وارد وليس مستبعداً وأرجوا أن يكون محل اعتبار في الدراسة التي أفدتم فيها .
ثالثاً : أما حديث أبي سعيد الخدري وقوله بلغني ولم يذكر ممن بلغه فهذا له احتمالان على فرض عدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم:
الأول أنه سمعه من صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يضر فالصحابة كلهم عدول.
الثاني أنه سمعه من تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يحتاج لدليل ويحتاج لدراسة : هل ثبت أن أبا سعيد الخدري روى عن تابعي عن صحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟، .
ومع ذلك كله فالصحابي إذا قال بلغنب أو قال ينمي الحديث فحكمه حكم الرفع كما هو مقرر في مصطلح الحديث ولا يضر الجهالة بالساقط
هذه بعض الملاحظات السريعة على ما تفضلتم به ، وهي أقرب لعرض إشكالات من كونها رأياً أتبناه أو أقول به أم لا وأنتظر منكم الإفادة جزاكم الله خيراً
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ حسن بارك الله فيك وشكر جهدك المتميز كما اشكر الأخ مرهف على هذه المداخلة القيمة والعميقة
وننتظر الرأي من بقية الإخوة ...
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الأستاذ مرهف بارك الله فيك ، وأود أن أوضح بعض الأمور انطلاقا من تعليقكم :
أولا:
قولكم " إن عدم ذكر هذه الصفة في الأحاديث الصحيحة لا يعني بطلانها في نفس الأمر، فالأمر يعود إلى مدى حجية الحديث لا إلى صحته فقط"
هذا الكلام يحتاج إلى دقة أكثر والله أعلم وذلك من جهتين :
الجهة الاولى : قولكم إن الأمر يعود إلى مدى حجية الحديث لا إلى صحته ، وهو كلام يشعر القارئ بوجود تنافر بين صحة الحديث وحجيته علما أن انتفاء صحة الحديث هو انتفاء لحجيته ، فحجة الحديث تستمد من صحته في واقع الأمر .
الجهة الثانية : أن الحديث عن مفهوم الصراط هو حديث عن الغيبيات ، والمنهج السديد في القول بالغيبيات- كما تعلمون- هو الاعتماد على الخبر ، فإذا لم يصح الخبر لا يصح أن نبني عليه أمرا وجوديا .
بناء على هذا علينا أن نفرق بين أمرين: بين القول إن عدم صحة الحديث لا تعني البطلان في نفس الأمر، وبين القول إن عدم صحة الحديث لاتعني وجود هذا الأمر ، والفرق بينهما كبير جدا ، وعلماء الحديث عندما بحثوا في مصطلح الحديث لم يقصدوا المعنى الأول ، وإنما قصدوا المعنى الثاني.
فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لشيء في حديث لم يصح ليبس انتفاء لهذا الشيء ، ولكن في نفس الوقت عدم صحة الحديث هو عدم إثبات لهذا الشيء، وهذا المعنى الأخير هو المقصود ، فنفي كون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف بناء على الأحاديث التي بين أيدينا، وهذا لايعني البطلان في نفس الأمر ، فضعف الحديث – كما هو معلوم- ليس جزما بوضعه ، كما أن صحته ليست جزما بوجود دلالته من حيث الواقع .
ثانيا:
لم احكم انا على رواية عائشة رضي الله عنها بالاضطراب انطلاقا من رواية عائشة ذاتها ، وإنما من خلال روايتها مع رواية أنس رضي الله عنه ، وعليه تكون الزيادة على هذا الشكل :
عن عائشة رضي الله عنها :1- أدق من الشعر وأحد من السيف 2- كحد الموسى من غير ذكر لدقة الشعر3- وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ من غير ذكر لا للشعر ولا للسيف
عن انس رضي الله عنه روي مرفوعا وموقوفا.
فالذي ظهر لي من خلال ما تقدم اضطراب هذه الزيادة حيث إنها رويت عن عائشة ولم تروَ عنها مرة أخرى ومرة أخرى روي طرف منها ، ورويت عن أبي سعيد موقوفة وعن غير مرفوعة .
علما ان اختلاف الألفاظ نوع من الاضطراب لأنه يشعر بعدم الضبط ومثل ذلك الاختلاف بين الرفع والوقف .
أما اللجوء إلى إيجاد مخارج قصد إبعاد الاضطراب فهو طريق لو سلكناه قد لانجد مثالا للاضطراب إلا في حديث ليس في المال حق سوى الزكاة ، إن في المال حق سوى الزكاة ، وذلك لوجود النفي وإثبات ، وعندها سنقع في تعسف شديد ،
ولاحظ أخي مرهف – حفظك الله - كيف تم الجمع في قولكم "وذلك أنه لا تعارض بين الروايات الواردة عنها وكل الأمر أن رواية ذكرت صفتان ورواية ذكرت صفة واحدة ورواية ثالثة وافقت الثانية بالمعنى، أي إن رواية كحد الموسى هي في معنى رواية كحد السيف، ورواية أحد من السيف أيضاً هي في معنى ذلك وأما أدق من الشعر لا يخرج من حيث المعنى عن ذلك ، ويكون إغفال هذه الصفة ( أدق من الشعر) من تصرف الراوي الذي عليه مدار الحديث والله أعلم، والجمع بين هذه الروايات الثلاثة ممكن وليس صعباً"
فالجمع الذي قمتم به استند على ما يلي :
- رواية كحد الموسى هي في معنى كحد السيف ، ورواية أحد من السيف هي في معنى ذلك ، مع وجود الفرق بين " كحد السيف وبين أحد من السيف .
- أدق من الشعر لايخرج من حيث المعنى عن قوله كحد السيف ، وإذا كان أدق من الشعر بمعنى كحد السف فلماذا ذكره
- إغفال صفة أدق من الشعر من تصرف الرواي ، كيف عرفنا ذلك .
أما قول أبي سعيد الخدري : بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ ، وإن له حكم المرفوع ، فهذه المسألة في تصوري تحتاج إلى ضبط ودقة .
أولا: ليس هناك اتفاق على أن له حكم المرفوع وإن كان الجمهور قد ذهب إلى ذلك .
ثانيا: أبو سعيد الخدري رضي الله عنه من صغار الصحابة وكان يشترك مع أبي هريرة رضي الله عنه في رواية الحديث وأحيانا يعقب على أبي هريرة ، وليس ببعيد إن كان قد سمع من الصحابة فسماعه في الأغلب عن أبي هريرة ، وقد روي عن أبي هريرة ، وهو الحديث الأول وقد خلا ذكر الصراط من هذا الوصف .
ثالثا:
فيما يتصل بابن لهيعة فالمسألة في عدم الاحتجاج به اجتهادية ، وعندما نرجع إلى بعض ألفاظ الجرح التي قيلت فيها نجد منه أنه قيل فيه: " ليس بشيء " ، " ذاهب الحديث" وهي كافية عند البعض لجعل الراوي لايحتج به ولا يستشهد به ولا يعتبر به ، علما أن ابن لهيعة يحتاج إلى دراسة مستقلة حتى يخرج المرء بحكم يشفي الغليل .
رابعا:
أما هل يكمن اعتبار هذا الحديث من المتواتر فهو مستبعد جدا – في تصوري، لأن التواتر أن يروي الخبر جمع عن جمع بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب ويكون شرط الكثرة متوفر في كل سلسلة ، ومن المعلوم أن الأحاديث المتواترة هي قليلة إذا ما قيست بالأحاديث الصحيحة ، بل هناك من ادعى ندرتها .
والحديث الذي بين أيدينا ليس من هذا القبيل .
وكون العدد ليس شرطا في التواتر لا يعني البتة التجاوز عن شرط العدد عند المتكلمين والأصوليين، ولكن المقصود به عدم التعويل على العدد بذاته ، وإلا فإن العدد شرط من شروط المتواتر ، أي أن العبرة باليقين الذي يفيده الخبر ، واليقين قد يستفاد من خبر ستة وقد لا يستفاد من خبر عشرين .
فالرواة في سند الحديث عددا وصفة لا تؤهل هذا الحديث ليكون من قبيل المتواتر .
وصحة الأسانيد ليست شرطا عندما تكون هناك كثرة نستغني بها عن صفات المخبرين ولذلك لم يشترط المتكلمون والأصوليون الإسلام للخبر المتواتر، لأن مباحث المتواتر ليست من صناعة المحدثين ، إنما هي من نسيج المتكلمين
والله أعلم بالصواب مع الشكر الجزيل لك أخي مرهف وللدكتور أحمد
======
د. حسن الخطاف - كلية الشريعة جامعة دمشق
 
الأخ الدكتور حسن: بارك الله في جهودك وأيدك الله بعونه وتوفيقه. أود أن أسأل هل عرضت في بحثك السابق كل الروايات ذات الصلة أم اقتصرت على بعضها ؟ وهل يمكن اعتبار مجموع الروايات في التصحيح ؟ وما الذي جعل العلماء السابقين يقررون هذه الأوصاف للصراط ؟
 
توضيح ومتابعة

توضيح ومتابعة

بسم الله الرحمن الرحيم
أعتذر بداية عن التأخير في التعليق لأسباب متعددة وأشكرك أخي الدكتور حسن على هذا الإثراء للموضوع وأتابع بالشكر للدكتور أحمد على هذه المتابعة وأسأل الله السداد والهداية وأوجز التعليق في الآتي :
أولاً : إن القول بأن العبرة بحجية الحديث أعم من القول بصحة الحديث وكما تعلمون فإن الحجية ليست مقتصرة على الصحة وإنما على الحديث الحسن بله والحديث الضعيف أيضاً كما هو عمل أبي داود وأبي حنيفة في الأحكام وغيرهما،فقصر الحجية في الحديث على الحديث الصحيح لا يجوز، اللهم إلا إن قلنا بأن المراد بالصحيح ما يشمل الحسن وهذا غير وارد اصطلاحاً، وبما أن المسألة هنا مطروحة في أمر غيبي فإن الأمر يختلف ويمكن تفصيل القول فيه أن الاعتقاد بوجود الصراط ثابت بما صح وثبت من النصوص التوقيفية ، وأما الصفات التفصيلية فهذا هو محل الكلام ، وأنا حقيقة لم أراجع أحاديث صفة الصراط لقلة المراجع بين يدي بسبب سفري وإنما اعتمدت على دراستكم وعرضكم لهذه الأحاديث وحبذا لو يراجع أحد الأخوة كتاب الإيمان بعوالم الآخرة لفضيلة الشيخ المحدث عبد الله سراج الدين رحمه الله فإنه عقد الكتاب لذلك ويكتب لنا ما وجد فيه عن الصراط، ولكن ألا يمكن القول بأن الإيمان والاعتقاد بهذه التفصيلات ليس مطلوبة في أصل العقيدة ولكن لا يمنع هذا من ذكرها على سبيل الترغيب والترهيب هذا إن سلمنا بأنها ضعيفة .
ثانياً: بالنسبة لابن لهيعة المصري (96 ـ 174هـ) لو نظرنا في ترجمته وما ورد فيه من الأقوال عند أئمة الجرح والتعديل لوجدنا أيضاً من يعدله والذين عدلوه أقرب لعصره من كثير ممن جرحوه، فأحمد ابن حنبل يقول : (من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه) ،وعنه أيضاً: (ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة)، وأحمد بن صالح يقول : (كان ابن لهيعة صحيح الكتاب، طلاباً للعلم) [انظرميزان الاعتدال 2/477 ط دار الفكر]، والحقيقة أننا لو أردنا أن نطعن برواية ما لراوٍ ما لوجدنا من الطعن لهذا الراوي ما يكون سبباً لرفض روايته وحديثه لو اقتصرنا على هذا الطعن ، وكذلك القول عند قبول رواية لراوٍ ما، ولكن المنهج العلمي السليم يتطلب إنصافاً وتجريداً لفكرة سابقة على الحكم على أي حديث، وإني في الأصل العام أحب أن أمشي على رأي جمهور المحدثين في قواعد الجرح والتعديل ونقد الحديث وخاصة في أمور الاعتقاد لأنه اعتقاد أمة ولا يصلح فيه رأي فرد.
أعود لموضوع ابن لهيعة وروايته وأقول إن روايته في وصف الصراط ليست ضعيفة وإنما أقل ما يقال فيها هي من الحسن لغيره وأما ما ورد في الطعن فيه فهذا محل تفصيل لا يقبل مطلقاً هكذا ولا يرد مطلقاً هكذا أيضاً، فالحكم فيه نسبي، وروايته لا ترد مطلقاً ولذلك فإنا نجد له روايات في صحيح مسلم ولكن مقروناً بعمرو بن الحارث [انظر تهذيب الكمال 4/255 ط أولى 1998] ويقول الخزرجي في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : (وروى له البخاري والنسائي ولم يصرحا باسمه) [صـ211 من الخلاصة ط مكتب المطبوعات الإسلامية]، قال المزي : (وروى البخاري في الفتن من صحيحه [وذكر الحديث]...وفي الاعتصام..[وذكر حديث إن الله لا ينزع هذا العلم]..وفي تفسير سورة النساء وفي آخر الطلاق وفي غير موضع؛فقال أبو عبد الله بن يربوع الإشبيلي : إنه ابن لهيعة في هذه المواضع كلها. وروى النسائي أحاديث كثيرة من رواية ابن وهب وغيره يقول فيها عن عمرو بن الحارث وذكر آخر، وعن فلان ونحو ذلك وجاء كثير من ذلك مبيناً في رواية غيره أنه ابن لهيعة.) [تهذيب الكمال 4/455 ، 456 ] .
فإن كان أمثال البخاري ومسلم قد أخرجا له مقروناً بغيره أو عن طريق رجال بأعيانهم لصحة الرواية عنه من طريقهم ، وكذلك النسائي الذي نعلم جميعاً أنه لا يخرج حديثاً لراوٍ أجمعوا على ضعفه مع تشدده كما هو مشهور عنه فهذا يعني أن أحاديث ابن لهيعة ينظر فيها وينبغي دراستها بتمهل ولذلك نجد أن حكم ابن حجر الذي لخصه في التقريب أنسب ما يقال فيه، يقول رحمه الله : (صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن مبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما ..) ولا يقتصر في ثبوت الرواية وصحتها عنه في هذين المحدثين الجليلين ولكنهما أعدل من يروي عنه، ولا شك أن قول ابن حجر فيه أنه (صدوق) وهي عنده لها دلالة شرحها في مقدمة التقريب ترفع حديثه من الرد إلى الاعتبار والقبول، فكيف ولحديثه شواهد من طرق متعددة ، فإنما توقفنا في رد حديثه من جهة حفظه واختلاطه بعد احتراق كتبه ، فإذا أتت المتابعات أو الشواهد من طرق متعددة تثبت أنه لم يختلط بل كان حافظاً في هذه الرواية فإن حديثه مقبول ويقوى مع المتابعات والشواهد، وهذا هو منهج المحدثين في تعاملهم مع رواية ابن لهيعة ففي ميزان الاعتدال عن حنبل عن أبي عبد الله قال : (ما حديث ابن لهيعة بحجة وإني لأكتب كثيراً مما أكتب لأعتبر به ويقوي بعضه بعضاً) [ الميزان 2/478] وعمل البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وغيرهم دليل واضح على ذلك .
ولذلك أرى أن حديثه في وصف الصراط هنا حجة ومقبول لما تقدم والله أعلم .
ثالثاً : القول بالاضطراب لا يكون إلا عند اختلاف الروايات اختلافاً حقيقاً لا يمكن الجمع بينها أبداً سنداً ومتناً ولم نعلم المتقدم من المتأخر فيها وهذا غير متوافر في أحاديث وصف الصراط التي أوردتموها بأسانيدها على عهدتكم،وليست مهمتنا هنا أن نثبت الاضطراب بل أن ننفيه ما استطعنا وهذا ما كان يقوم به ابن خزيمة وابن حجر في الفتح عند اختلاف الروايات ، وأما إغفال لفظة في رواية ذكرتها رواية أخرى فهذا يدخل في نسيان الراوي للفظة ذكرها غيره وهو معنى تصرف الراوي ، وزيادتها مع عدم معارضتها لا تثبت اضطراباً للحديث فالأحاديث تجتمع في معنى دقة الصراط وحدته . ومثال ذلك أن البخاري في كتاب الحرث والمزارعة عقد (باب اقتناء الكلب للحرث) وأورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (من أمسك كلباً فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط إلا كلب حرث أو ماشية) وفي رواية : (إلا كلب غنم أو حرث أو صيد)، وروى مسلم عن ابن عمر مرفوعاً : (أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم) فقيل لابن عمر : إن أبا هريرة يقول : (أو كلب زرع)، فقال ابن عمر : ( إن لأبي هريرة زرعاً، ويقال أن ابن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وأن سبب حفظه لهذه الرواية دونه أنه كان صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلاً بشيء احتاج إلى تعرف أحكامه . [انظر الفتح 5/6 ].
فهذا سبب من أسباب حفظ الراوي لرواية نسيها غيره ، وقد يروي الراوي لفظةً بمعناها لأنه نسي اللفظ الذي تلقاه ولكن بحيث لا يخرج عن المعنى العام ومثاله هذا الحديث الذي يصف الصراط واختلاف الرواية فيه والأمر محتمل ولكنه بعيد ـ برأيي ـ عن الاضطراب ، هذا والله أعلم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الدكتور علي أسعد بارك الله فيك ومعذرة على تأخير الرد لانشغالي لم أقم في واقع بعملية انتقاء ، وإنما بعملية مسح فيما هو متصل بالصراط ، وهذا المسح جاء في حدود علمي ، وكل ظني والله تعالى اعلم أنه لم يند عن هذا شيء ، ومن وجد زيادة على ما ذكرته فليبعث لي به حتى أراجع بحثي على ضوء ما هو جديد.
سؤالكم الثاني: ((وهل يمكن اعتبار مجموع الروايات في التصحيح ؟)) لم يتضح لي المراد منه ، ولعل المقصود ، هل يمكن أن نعتبر مجموع هذه الروايات ترقى إلى مستوى الحديث الصحيح ؟ فإن كان المقصود كذلك ، فالذي أراه انه لا يصل إلى هذا المستوى ، وقد بينت ذلك في الدراسة التي ذكرتها .
أما عن السؤال الأخير ففي تصوري قلة هم الذين قالوا بهذا الوصف من أهل ، وقد ذكر الأشعري هذه المسألة قائلا: واختلفوا في الصراط: فقال قائلون: هو الطريق إلى الجنة وإلى النار ووصفوه فقالوا: هو أدق من الشعر وأحد من السيف ينجي الله عليه من يشاء.
وقال قائلون: هو الطريق وليس كما وصفوه بأنه أحد من السيف وأدق من الشعر ولو كان كذلك لاستحال المشي عليه." مقالات الإسلاميين
وذكرها الغزالي في " الاقتصاد في الاعتقاد"
ومن المؤكد أن القائلين به اعتمدوا على الأحاديث التي سبق أن قمت بدراستها والله تعالى أعلم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله بك أخي مرهف ومعذرة على هذا التأخير لانشغالي .
حقيقة انا سررت بما ذكره لأنه ينم عن متابعة ، وقد طلبت في بحثي من كل الأخوة التعليق على ما يرونه لأن الحق أحقُ أن يُتَّبع ، وهنا أود أن اوضح بعض النقاط ، وهي ليست أصرارا على فكرة بقدر ما هو بيان لما هو صواب في ظني .
- الصلة بين حجية الحديث وصحته ، في زعمي أنها ليست كما ذكرتموه ، فكلمة الصحيح التي ذكرتها أنا ، ليس المقصود بها الحديث الصحيح المفارق للحديث الحسن ، وإنما قصدت بذلك صحة الحديث سواء أكان صحيحا أو حسنا، وهذا معروف من خلال سياق الحديث ، فسياق الحديث هو الذي يحدد ذلك ، فالذي قصدته نفي ان يكون الحديث مما يحتج به ، ولم أقصد بالصحة المعنى الاصطلاحي وهذا واضح من السياق وهذا النوع ممن الممكن استخدامه في تصوري .
خذ مثلا على ذلك عندما تُسأل عن حكم حديث وأنت تعلم أن هذا الحديث موجود في صحيح مسلم ، فأنت تقول للسائل هذا حديث صحيح ، ومن المعروف أن قولك هذا ليس المقصود به الحديث الصحيح بتعريفه في مصطلح الحديث ، وهو الذي حوى الشروط الخمسة، وإنما تقصد أن هذا يحتج به أي أن قولك حديث صحيح يشمل الحديث الصحيح والحسن، ولا يعني بالضرورة أن يكون صحيحا بالمعنى الاصطلاحي لأن التفريق بين الصحيح والحسن كما هو معلوم نشأ على يد الترمذي ولا يمكن أن نحاكم به من سبقه .
وخذ دليلا على ذلك أيضا ان بعض المحدثين ما كانوا يفرقون في واقع الأمر بين الصحيح والحسن ، خذ مثلا على ذلك صحيح ابن خزيمة وتلميذه ابن حبان صاحب " صحيح ابن حبان ، فوجود الحديث في صحيحيهما لا يعني انه صحيح بالمعنى الاصطلاحي بل ما كانا يفرقان بين الصحيح والحسن .
إذا كلمة الصحيح التي ذكرتها لا اعني بها الصحيح كمصطلح ، وإنما المقصود بها الحديث المقبول الذي يمكن أن يكون حجة ، وقد صرحت ذلك في مقدمة بحثي عندما قلت " لم يثبت هذا الوصف( وصف الصراط) في حديث صحيح أو حسن حسب ما بان لي"
وإذا كانت كلمة الصحيح مقصودا بها " الصحيح والحسن " كان نفي الصحة في تصوري هو نفي لحجية الحديث ، لأنك عندما تنفي الصحة عن الحديث فأنت تنفي أن يكون صحيحا أو حسنا ، والحديث لا يكون حجة إن نزل عن هذه المرتبة .
* اما قولكم عن الحديث الضعيف قد يكون حجة " وذلك كعمل أبي داود وأبي حنيفة في الأحكام وغيرهما" ، فالمسألة تحتاج إلى توضيح ذلك أن العمل بالحديث الضعيف ليس بالضرورة أن يكون مما يحتج به على إطلاقه ، فقد يعمل به لعدم وجود غيره وعلى هذا يحمل عمل أبي داود وأحمد بن حنبل ، والعمل بالضعيف هنا محمول على الحديث الضعيف الذي لم يكن شديد الضعف مع انتفاء المعارض ، وقد يعمل به لأنه صحيح بالنسبة لمن يعمل به ضعيف عند غيره .
وحتى عند الجمهور عندما قالوا يعمل به في فضائل الأعمال ضمن شروط معينة ، فالنظر في موقف الجمهور هذا يدل على أنه ليس حجة ، وإلا لعمل به في الأحكام وغيره ، ولما كانت هناك حاجة للشروط التي وضعت للعمل بالحديث الضعيف .
*أما قولكم " الاضطراب لا يكون إلا عند اختلاف الروايات اختلافاً حقيقاً لا يمكن الجمع بينها أبداً سنداً ومتناً ولم نعلم المتقدم من المتأخر فيها وهذا غير متوافر في أحاديث وصف الصراط التي أوردتموها بأسانيدها على عهدتكم"
فهذا الكلام في واقع الأمر صحيح نظريا ، أما تطبيقيا فغير مسلم بصحته ، ولذا عندما تنظر إلى كثير من الأحاديث التي حكم عليها بالاضطراب قد لا تجد تطبيقا للجانب النظري .
من ذلك مثلا حديث" مَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " حكم عليه البعض بالاضطراب للاختلاف بين رفعه ووقفه ، ا،انظر: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 3 / ص 15 والاختلاف الموجود يمكن أن يحل بالقول إنه روي مرة مرفوعا ومرة موقوفا ، أي أننا عندما ننظر إلى تعريف المضطرب في كتب أصول الحديث يعسر علينا ان نحكم على هذا الحديث بالاضطراب ، بل إني أقول لك يا أخي مرهف إذا أخذنا بتعريف المضطرب كما هو موجود في أصول الحديث فقد لا تجد مضطربا أبدا اللهم إلا حديث : ليس في المال حق سوى الزكاة إن في المال حق سوى الزكاة ، وذلك لسبب واحد أن العلاقة بينهما هي علاقة سلب وإيجاب ، والله تعالى أعلم .
أما قولكم" أقول إن روايته[ رواية ابن لهيعة] في وصف الصراط ليست ضعيفة وإنما أقل ما يقال فيها هي من الحسن لغيره "
هذا الكلام فيما أتصور غير دقيق والله تعالى أعلم ، لأنك عندما تقول أقل ما يقال فيها هي من الحسن لغير ، فمؤدى هذا أنها تحتمل ان تكون اعلى من ذلك ، وأعلى من الحسن لغيره هي : الصحيح لذاته ، الصحيح لغيره ، الحسن لذاته .
لا يمكن ان تكون الرواية من الصحيح لذاته لأن كل سند رواية من رواية الصراط الذي ذكر فيها وصف الصراط بانه أدق من الشعر وأحد من السيف لم تخل من نقد فكيف يكون صحيحا لذاته .
ولايمكن – فف تصوري أن تكون من قبيل الصحيح لغيره ، لأن هذا يفترض أن تكون رواية ابن لهيعة من نوع الحسن لذاته أولا وهو أمر غير مسلم به وتتعضد هذه الرواية من النوع التي هي من الحسن لذاته من وجه آخر مثلها أو أقوى منها حتى تنتقل إلى الصحيح لغيره ، وهذا غير مسلم به .
كما أنها في تصوري ليست روايته من الحسن لذاته ، لأن الفارق بين الحسن لذاته وبين الصحيح لذاته هو خفة الضبط ، والنقد الذي وجه إلى ابن لهيعة ليس خفة ضبط ، بل هي أكثر من ذلك حتى قال الذهبي " الذهبي:» ابن لهيعة تهاون بالإتقان،وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم،وبعض الحفاظ يروي حديثه ويذكره في الشواهد والاعتبارات والزهد والملاحم لا في الأصول، وبعضهم يبالغ في وهنه ولا ينبغي إهداره، وتُتجنب تلك المناكير فإنه عدل في نفسه« سير أعلام النبلاء 8 / 14.
وفي هذا السياق يقول أبو زرعة:» كان ابن لهيعة لا يضبط ، وليس ممن يحتج بحديثه«، انظر: ابن أبي حاتم الرازي،الجرح والتعديل:5 / 147.
فالمسألة ليست مسألة خف ضبط حتى يكون حديثه من الحسن ، فهو ضعيف في ذاته
بقي الاختلاف بيننا أخي مرهف فيما أتصور هل روايته هنا تعد من قبيل الحسن لغيره ، أنت هذا ما تره ، وانا أرى غير ذلك ،
مع العلم أن إطلاق الاحتجاج بالحديث الحسن لغيره غير مسلم به ، ويحتج بالحديث الحسن لغيره إذا ورد من طرق يحصل من مجموعها ما يترجح به جانب القبول ، فإن كان كذلك قبل وإلا فلا ، وأنا أرى في واقع الأمر أن هذا الحديث أن هذه الروايات لا ترقى به إلى مستوى الاحتجاج والله تعالى أعلم .
ورواية مسلم له مقرونا بغيره ترجح ضعفه ، فهو لم يرو له أصالة ، والله تعالى اعلم .
==========
د. حسن الخطاف/ كلية الشريعة بجامعة دمشق.
 
فضيلة الدكتور حسن حفظكم الله
أولاً أشكركم على سعة صدركم، والحقيقة وددت أن لا أكون منفرداً في نقاش هذه المسألة وأن لا تتشعب في الجزئيات وننسى أصل المسألة، والحمد لله أنكم حصرتم الاختلاف في المسألة بيننا في كون الحديث من الحسن لغيره أم لا، وأنتم لا ترون ذلك ولكم رأيكم، ولكن لا بد من إبداء بعض الأمور ومنها :
بالنسبة لحديث ابن لهيعة فإن الأوصاف التي قيلت فيه أؤكد الكلام السابق فيها أنها نسبية، ومجرد استدلال البخاري ومسلم والنسائي بحديثه مقروناً مع غيره يؤكد ذلك، وفيما ذكرته من الكلام حول ابن لهيعة يوضح ذلك، إذن فالنظر لبعض الأقوال في جرح ابن لهيعة ميل لحكم دون آخر.
بالنسبة للحديث الضعيف فإن كلامكم حفظكم الله لا خلاف فيه ولكن تعلمون أن أول شرط للعمل بالضعيف هو أن لا يكون شديد الضعف، وهو ما جرى عليه عمل العلماء في أحاديث الأحكام، وليس الأمر مطروحاً في هذه الجزئية والكلام في الحديث الضعيف يطول.
ثم إني وجدت كلاماً لابن كثير يؤيد ما ذهبت إليه من تقوية أحاديث الصراط ببعضها وعدم الحكم عليها بالاضطراب، وهو في كتاب أهوال يوم القيامة بتحقيق يوسف علي بديوي وهو في الأصل مأخوذ من البداية والنهاية لابن كثير وطبعه يوسف بديوي مفرداً فيه أهوال يوم القيامة دون أن يشير إلى أنه مأخوذ من البداية والنهاية (ط دار اليمامة دمشق الثانية 1422 ـ 2002) وسأورد من الكتاب ما يبين هذا:
حديث ابن مسعود موقوفاً بلفظ : فيمرون على الصراط كحد السيف دحض مزلة ...(أهوال يوم القيامة صـ208) أخرجه البيهقي من طريق المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن مسروق عن ابن مسعود.
قال ابن كثير : (وقد أورده البيهقي بعد هذا من حديث حماد بن سلمة عن أبي عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود فذكره موقوفاً) أهوال القيامة صـ 209.
ومعنى دحض مزلة أي مزلقة لا يمكن الثبات عليها (انظر مجمع بحار الأنوار في غريب التنزيل ولطائف الأخبار 2/153 )
ثم ذكر ابن كثير أن البيهقي أخرج أيضاً من حديث أنس بن مالك مرفوعاً : (الصراط كحد الشعرة، أو كحد السيف .. الحديث) ثم قال ابن كثير : (ثم روى البيهقي من حديث سعيد بن زربي عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً نحو ما تقدم بأبسط منه وإسناد ضعيف ولكن يقوَّى بما قبله والله أعلم ) أهوال يوم القيامة صـ 209 . لم يحكم عليه بالاضطراب ولكن قواه بتعدد طرقه
وذكر ابن كثير في موضع آخر حديث ابن مسعود عند الإمام أحمد (1/435) موقوفاً وفيه : (والصراط دحض مزلة عليه حسك كحسك السعدان حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس ..) قال ابن كثير : (وله شواهد فيما مضى وما سيأتي إن شاء الله ) أهوال يوم القيامة صـ 217 .
وفي موضع آخر ذكر ابن كثير ما رواه ابن أبي الدنيا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال : يوضع الصراط يوم القيامةوله حد كحد الموسى، فتقول الملائكة : ربنا ومن يجيزنا على هذا؟ فيقول : من شئت من خلقي، فيقولون : ربنا ما عبدناك حق عبادتك. أهوال يوم القيامة صـ 230 .
نلاحظ أن ابن كثير وهو محدث ومفسر وفقيه لم يحكم على الحديث بالاضطراب ،مع ظهور اختلاف الروايات بلفظ كحد السيف أو كحد الموسى، أو مثل السيف ... بل إنه قوى الأحاديث ببعضها في رواية ابن مسعود، ورواية أنس بن مالك.
وأما تعريف المضطرب فيقول السيوطي في تدريب الراوي صـ 133 مدرجاً كلامه مع كلام النووي في التقريب : ( المضطرب "هو الذي يروى على أوجه مختلفة" من راو واحد مرتين أو أكثر أو من راويين أو رواة "متقاربة"، وعبارة ابن الصلاح "متساوية" وعبارة ابن جماعة "متقاومة" .. أي ولا مرجح.. ) إذن في الاضطراب اختلاف في الرواية أو المتن اختلافاً حقيقياً يوجب رد الحديثين المضطربين لعدم الترجيح لأحدهما، وعبارة ابن جماعة "متقاومة" تنبئ عن تجاذب الترجيح للتساوي بين الروايات في السند أو المتن، ولا يضيرنا أن لا يوجد مثال للمضطرب أو أن تكون الأمثلة على المضطربة نادرة فهذا ليس بدليل على قبول الاضطراب في كل حديثين اختلفا اختلافاً ظاهراً ، فكم من مثال ذكره العلماء عن المضطرب ثم نقد وتدريب الراوي ذكر أمثلة على المضطرب ذكرها المحدثون ثم نقدها ونقل كلام شيخه ابن حجر في نقدها.
ثم إني أرى فضيلتكم تقولون في كل مسألة إن فيها نظراً ولكنكم لا توضحون وجهة نظركم وانتقادكم ورأيكم فيها وما هو الراجح برأيكم.
 
عودة
أعلى