ناصر عبد الغفور
Member
بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى عند هذه الآية:" إن قلت: هود كان نبيا رسولا، فكيف لم يظهر معجزة؟
قلت: قد أظهرها و هي الريح الصرصر، و لا يقبل قول الكفار في حقه.." - فتح الرحمن بكشف ما التبس من القرآن:227-.
لكن الذي يظهر أن هذا الكلام فيه نظر، إذ كيف تكون الريح معجزة و هي إنما أرسلها الله تعالى عذابا عليهم، و المعجزة إنما يؤيد به الله تعالى رسوله لإقامة الحجة على قومه و حملهم على تصديقه فهي بمثابة رسالة من الله تعالى لهم :" أن صدق عبدي فيما أخبر به عني".
و العذاب إنما يحل بعد ظهور المعجزات و تماد الناس في التكذيب و إصرارهم على الإنكار، فالعذاب يأتي بعد المعجزة و ليس العذاب نفسه معجزة.
و لا ريب أن هود عليه السلام جاءهم بالبينات و المعجزات و لا يلزم أن يعينها القرآن الكريم و يحددها كلها، فقد صح عن النبي الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم:" ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر " و هذا عام لكل الأنبياء و الرسل.
و ما أجمل ما سطره العلامة السعدي رحمه الله تعالى عند تفسيره لهذه الآية:"إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها، فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة، تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك، فإنه ما جاء نبي لقومه، إلا وبعث الله على يديه، من الآيات ما يؤمن على مثله البشر.ولو لم يكن له آية، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله، وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخلق جميل، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله، والفواحش، والظلم، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود، عليه السلام، من الصفات، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة، على صدقه.
بل أهل العقول، وأولو الألباب، يرون أن هذه الآية، أكبر من مجرد الخوارق، التي يراها بعض الناس، هي المعجزات فقط. ومن آياته، وبيناته الدالة على صدقه، أنه شخص واحد، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخ في قومه، ويناديهم، ويعجزهم، ويقول لهم: { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ }، { إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ } وهم الأعداء الذين لهم السطوة والغلبة، ويريدون إطفاء ما معه من النور، بأي طريق كان، وهو غير مكترث منهم، ولا مبال بهم، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون." اهـ - تيسير الرحمن:383-.
و في نفس المعنى يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى:"والبيِّنة كما نعلم هي الأمارة الدالة على صدق الرسول .
وصحيح أن هوداً هنا لم يذكر معجزته؛ وتناسوا أن جوهر أي معجزة هو التحدي؛ فمعجزة نوح عليه السلام هي الطوفان ، ومعجزة إبراهيم عليه السلام أن النار صارت برداً وسلاماً عليه حين ألقوه فيها .
ونحن نلحظ أن المعجزة العامة لكل رسول يمثلها قول نوح عليه السلام :
{ ياقوم إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ الله فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } [ يونس : 71 ] .
أي : إن كنتم أهلاً للتحدي ، فها أنا ذا أمامكم أحارب الفساد ، وأنتم أهل سيطرة وقوة وجبروت وطغيان .
وأحْكِموا كيدكم؛ لكنكم لن تستطيعوا قتل المنهج الرباني؛ لأن أحداً لن يستطيعَ إطفاء نور الله في يد رسول من رسله؛ أو أن يخلِّصوا الدنيا منه بقتله . . ما حدث هذا أبداً .
إذن : فالبيِّنة التي جاء بها هود عليه السلام أنه وقف أمامهم ودعاهم إلى ترك الكفر؛ وهو تحدي القادرين عليه؛ لأنهم أهل طغيان؛ وأهل بطش؛ ومع ذلك لم يقدروا عليه؛ مثلما لم يقدر كفار قريش على رسولنا صلى الله عليه وسلم ."اهـ.
هل الريح هي معجزة هود عليه السلام؟
قال تعالى حكاية عن قوم عاد:" قالوا يا هود ما جئتنا ببينة.." -هود:53-.قال العلامة زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى عند هذه الآية:" إن قلت: هود كان نبيا رسولا، فكيف لم يظهر معجزة؟
قلت: قد أظهرها و هي الريح الصرصر، و لا يقبل قول الكفار في حقه.." - فتح الرحمن بكشف ما التبس من القرآن:227-.
لكن الذي يظهر أن هذا الكلام فيه نظر، إذ كيف تكون الريح معجزة و هي إنما أرسلها الله تعالى عذابا عليهم، و المعجزة إنما يؤيد به الله تعالى رسوله لإقامة الحجة على قومه و حملهم على تصديقه فهي بمثابة رسالة من الله تعالى لهم :" أن صدق عبدي فيما أخبر به عني".
و العذاب إنما يحل بعد ظهور المعجزات و تماد الناس في التكذيب و إصرارهم على الإنكار، فالعذاب يأتي بعد المعجزة و ليس العذاب نفسه معجزة.
و لا ريب أن هود عليه السلام جاءهم بالبينات و المعجزات و لا يلزم أن يعينها القرآن الكريم و يحددها كلها، فقد صح عن النبي الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم:" ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر " و هذا عام لكل الأنبياء و الرسل.
و ما أجمل ما سطره العلامة السعدي رحمه الله تعالى عند تفسيره لهذه الآية:"إن كان قصدهم بالبينة البينة التي يقترحونها، فهذه غير لازمة للحق، بل اللازم أن يأتي النبي بآية تدل على صحة ما جاء به، وإن كان قصدهم أنه لم يأتهم ببينة، تشهد لما قاله بالصحة، فقد كذبوا في ذلك، فإنه ما جاء نبي لقومه، إلا وبعث الله على يديه، من الآيات ما يؤمن على مثله البشر.ولو لم يكن له آية، إلا دعوته إياهم لإخلاص الدين لله، وحده لا شريك له، والأمر بكل عمل صالح، وخلق جميل، والنهي عن كل خلق ذميم من الشرك بالله، والفواحش، والظلم، وأنواع المنكرات، مع ما هو مشتمل عليه هود، عليه السلام، من الصفات، التي لا تكون إلا لخيار الخلق وأصدقهم، لكفى بها آيات وأدلة، على صدقه.
بل أهل العقول، وأولو الألباب، يرون أن هذه الآية، أكبر من مجرد الخوارق، التي يراها بعض الناس، هي المعجزات فقط. ومن آياته، وبيناته الدالة على صدقه، أنه شخص واحد، ليس له أنصار ولا أعوان، وهو يصرخ في قومه، ويناديهم، ويعجزهم، ويقول لهم: { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ }، { إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ } وهم الأعداء الذين لهم السطوة والغلبة، ويريدون إطفاء ما معه من النور، بأي طريق كان، وهو غير مكترث منهم، ولا مبال بهم، وهم عاجزون لا يقدرون أن ينالوه بشيء من السوء، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون." اهـ - تيسير الرحمن:383-.
و في نفس المعنى يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى:"والبيِّنة كما نعلم هي الأمارة الدالة على صدق الرسول .
وصحيح أن هوداً هنا لم يذكر معجزته؛ وتناسوا أن جوهر أي معجزة هو التحدي؛ فمعجزة نوح عليه السلام هي الطوفان ، ومعجزة إبراهيم عليه السلام أن النار صارت برداً وسلاماً عليه حين ألقوه فيها .
ونحن نلحظ أن المعجزة العامة لكل رسول يمثلها قول نوح عليه السلام :
{ ياقوم إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ الله فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } [ يونس : 71 ] .
أي : إن كنتم أهلاً للتحدي ، فها أنا ذا أمامكم أحارب الفساد ، وأنتم أهل سيطرة وقوة وجبروت وطغيان .
وأحْكِموا كيدكم؛ لكنكم لن تستطيعوا قتل المنهج الرباني؛ لأن أحداً لن يستطيعَ إطفاء نور الله في يد رسول من رسله؛ أو أن يخلِّصوا الدنيا منه بقتله . . ما حدث هذا أبداً .
إذن : فالبيِّنة التي جاء بها هود عليه السلام أنه وقف أمامهم ودعاهم إلى ترك الكفر؛ وهو تحدي القادرين عليه؛ لأنهم أهل طغيان؛ وأهل بطش؛ ومع ذلك لم يقدروا عليه؛ مثلما لم يقدر كفار قريش على رسولنا صلى الله عليه وسلم ."اهـ.