جزاكم الله خيرا
وليس في هذا الكلام شيء يدل على ما أراد، فهل ذكر شيئا آخر في كتابه المذكور في العروض؟
وأنا أريد أن أطلع على كلامه كاملا قبل الحكم عليه من باب الإنصاف؛ وإلا فإن كلامه واضح الخطأ، فإن الأخفش لو كان سارقا لسرق ما هو أهم من ذلك، فما الذي في بحر المتدارك من الفخر حتى يسرقه الأخفش؟ وكتاب الخليل الأصلي في العروض لم يصل إلينا حتى يدل على ما قال.
والقول بأن الأخفش تلميذ سيبويه دون الخليل يدل على قلة اطلاع؛ فإن الأخفش أكبر من سيبويه سنا، وقد أخذ عن الخليل بن أحمد، ولكنه عُمّر بعد سيبويه زمانا؛ لأن سيبويه توفي سنة 180 على المشهور، والأخفش توفي سنة 215، ولو كان الحكم بالتلمذة والأستذة يعتمد فقط على سنة الوفاة، لقلنا إن أبا زيد الأنصاري أيضا تلميذ سيبويه لأنه توفي في هذه السنة، مع أن أبا زيد من شيوخ سيبويه كما هو معروف.
والأخفش هو الذي نقل للناس كتاب سيبويه، ولولاه لضاع هذا الكتاب؛ لأن النسخ الأخرى لم تصل إلينا، فلذلك ظن بعض الناس أنه تلميذ سيبويه، وقد يوجد مثل ذلك في كلام بعض العلماء، ولكن المراد به الرواية لا الرتبة، بل إن بعض ما في كتاب سيبويه هو من كلام الأخفش كما يظهر ذلك بالقرائن، مثل نسبة أكثر الأبيات الشعرية، ولذلك يخطئ بعض الباحثين عندما يقولون: (ونسبه سيبويه في كتابه إلى الشاعر فلان) وإنما الذي نسبه الأخفش.
ولكن دعونا نفترض مجرد افتراض من باب التنزل أن الأخفش أخذ بحر المتدارك من الخليل ونسبه لنفسه، فهل هذا يجعلنا نسقط روايته ونخرجه من الثقات؟! الجواب: أيضا لا؛ لأن كثيرا من العلماء قد اتهموا بمثل هذه التهمة من السطو على المصنفات ونسبتها لأنفسهم ومع ذلك لم يتهمهم أحد من العلماء بأنهم ليسوا ثقات في روايتهم.
مع أن هذا لو ثبت عن الأخفش فإن البحث العلمي المنصف سوف يقودنا إلى أن نقول: أخطأ الأخفش في استدراك هذا البحر لأنه موجود في كلام الخليل، كما يخطئ الحاكم أحيانا في استدراك بعض الأحاديث على البخاري ومسلم وهي موجودة في أحدهما، فهل يقال: إن الحاكم سطا على أحاديث الصحيحين لأنهم استدرك عليهما ذلك؟
والله تعالى أعلم.