هل الآية في سورة القلم تقيد العموم في معنى المحروم؟

إنضم
06/07/2006
المشاركات
46
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
وكل عام وأنتم بخير
وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
لدي مسألة :ـ
معنى قوله تعالى (( للسائل والمحروم))
معنى المحروم : ذهب ابن جرير الطبري رحمه الله إلى أن معناه هو الممنوع ، أي هو على العموم فيشمل جميع المعاني التي ذكرها المفسرون.
ولكننا نجد في سورة القلم (( بل نحن محرومون )) هل تعتبر هذه الآية تقييد لمعنى المحروم بأنه الذي أصابته جائحة.
وهل يصبح هذا المعنى هو الراجح؟
أي كيف نربط بين المعنى الذي ذهب إليه ابن جرير مع هذا المعنى؟
 
الأخ العزيز أبا أنس الغامدي وفقه الله ، وأسعده بطاعته آمين .
في صيغة السؤال فيما يبدو لي خلل ، (هل الآية في سورة القلم تقيد العموم في معنى المحروم ؟) لأن التقييد يكون للمطلق ، وأما التخصيص فيكون للعموم . وسؤالك هنا هو في موضوع العموم ، وهذه مباحث مهمة من مباحث الألفاظ مشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن جديرة بالعناية من المتخصص في الدراسات القرآنية رعاك الله وزادك علماً.

وأما السؤال فقد ورد ذكر (المحروم) المستحق للصدقة معرفاً (بأل) في موضعين :
1- في سورة الذاريات في قوله تعالى : وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19).
2- وفي سورة المعارج في قوله تعالى : وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) .

وورد الوصف بالحرمان دون (أل) في موضعين أيضاً :
1- في سورة الواقعة في قوله تعالى :{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ( 66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
2- وفي سورة القلم،في:{فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(27)

(والمحروم) في الآيتين لفظ عام ، بمعنى أنه يستغرق كل ما يصلح له بوضع واحد من غير حصر . و(أل) فيه استغراقية يصح إبدالها بكلمة (كل) . وللمفسرين في معنى المحروم في الآيتين الأوليين أقوال ، أوردها ابن الجوزي في تفسيره فقال :
وفي {المحروم} ثمانية أقوال :
أحدها : أنه الذي ليس له سهم في فيء المسلمين ، وهو المُحارَف ، قاله ابن عباس . وقال إبراهيم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة .
والثاني : أنه الذي لا ينمى له شيء ، قاله مجاهد ، وكذلك قال عطاء : هو المحروم في الرِّزق والتجارة .
والثالث : أنه المسلم الفقير ، قاله محمد بن علي .
والرابع : أنه المتعفِّف الذي لا يَسأل شيئاً ، قاله قتادة ، والزهري .
والخامس : أنه الذي يجيء بعد الغنيمة ، وليس له فيها سهم ، قاله : الحسن ابن محمد بن الحنفية .
والسادس : أنه المصاب ثمرته وزرعه أو نسل ماشيته ، قاله ابن زيد .
والسابع : أنه المملوك ، حكاه الماوردي .
والثامن : أنه الكَلْب ، روي عن عمر بن عبد العزيز . وكان الشعبي يقول : أعياني أن أعلَم ما المحروم .
وأظهر الأقوال قول قتادة والزهري ، لأنه قرنه بالسائل ، والمتعفِّف لا يَسأل ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل ثم يتحفظ بالتعفُّف من ظُهور أثر الفاقة عليه ، فيكون محروما من قِبَل نفسه حين لم يَسأل ، ومن قِبَل الناس حين لا يُعطونه ، وإنما يفطن له متيقِّظ ).
وقد اختار هذا القول كثير من المفسرين ، ومن آخرهم ابن عاشور فقال :
والسائل : الفقير المظهر فقره فهو يسأل الناس ، والمحروم : الفقير الذي لا يُعطَى الصدقة لظن الناس أنه غير محتاج من تعففه عن إظهار الفقر ، وهو الصنف الذي قال الله تعالى في شأنهم { يحسبهم الجاهلُ أغنياء من التعفّف } [ البقرة : 273 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم « ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي ولا يسأل الناس إلحافاً »).
وهاتان الآيتان في سورة الذاريات وسورة المعارج قد نزلتا قبل آية الصدقات في سورة التوبة ، فكان الحرمان هنا عاماً يدخل فيه كل فقير متعفف لا يسأل الناس ، ولذلك جاء هذا الوصف له في مقابل وصف السائل في الآيتين معاً . سواء كان فقره وحرمانه بسبب جائحة أو غيرها .
وقد أوضح ابن عاشور سبب إطلاق صفة الحرمان على الفقير المتعفف الذي لا يسأل الناس فقال :(وإطلاق اسم المحروم ليس حقيقة لأنه لم يَسأل الناس ويحرموه ولكن لما كان مآل أمره إلى ما يؤول إليه أمر المحروم أطلق عليه لفظ المحروم تشبيهاً به في أنه لا تصل إليه ممكنات الرزق بعد قربها منه فكأنه ناله حرمان ).

أما الحرمان في قول أصحاب الجنة :(بل نحن محرومون) فهو حرمان خاص من ثمرة بستانهم ذلك الموسم لإهلاك الله له جزاء عزمهم على منع حق الله فيه . ومثله الحرمان في سورة الذاريات ، وهذا الوصف لا يدل على اختصاص من أصابته جائحة بوصف الحرمان ، بل هو وصف يصدق عليه وعلى غيره من المحرومين لأي سبب ، فلا يصح تخصيص العموم في (المحروم) بمثل هذا الوصف والله أعلم ، وهذا بحث طريف في شروط المخصص في مباحث الألفاظ في أصول الفقه يمكن مراجعته في مظانه .

والقول بأن المحروم هو الذي أصابته جائحة قد قال به ابن زيد من مفسري السلف ، قال الطبري : حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) قال: المحروم: المُصابُ ثَمرُهُ وزرعهُ ، وقرأ (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ ) . . حتى بلغ ( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) وقال أصحاب الجنة :(إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) . وهذا تفسير بالمثال من ابن زيد رحمه الله ، واستدلال بالقرآن على تفسيره ، ولا أظن ابن زيد يقصر معنى المحروم على من أصابته جائحة فحسبُ ، وإنما هو أحد من يصدلق عليه وصف الحرمان لظهور هذا الوصف في حاله ، ولأنه وصف بالحرمان مرتين في القرآن الكريم .
وقد اختار الطبري قولاً يشمل كل معاني الحرمان فقال : والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممن حرمه الله ذلك، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ، كما قال جلّ ثناؤه( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .
 
عودة
أعلى