الأساتذة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
سمعت أحد الوعاظ يقول إن أعضاءنا ستشهد علينا يوم القيامة ثم قرأ آيات من سورة يس " الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ".
فبحثت في بعض كتب التفسير والحديث فلم أجد أن المؤمن العاصي ستشهد عليه أعضاءه .. ومما وجدته هذا الحديث : ".... فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ يسخطُ اللَّهُ عَلَيْهِ "رَوَاهُ مُسلم ..
سؤالي عن الآيات والأحاديث التي تتحدث عن شهادة الأعضاء يوم القيامة : هل هي خاصة بالمنافق والكافر ، أم هي عامة لجميع بني آدم حتى المؤمن العاصي؟
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
الذي يظهر و الله أعلم أن آيات شهادة الأعضاء و الجوارح يوم القيامة خاصة بأهل الكفر و النفاق، فالمؤمن الموحد و إن كان عاصيا فلا يمكن أن يحاول الكذب على الله حيث إن ما معه من التوحيد و الإيمان يمنعه من ذلك، فسيقر بذنوبه و مخالفاته و الله تعالى يقابل ذلك بالستر و العفو و المغفرة، بخلاف الكافر -و المنافق- الذي ليس معه من الإيمان ما يزجره عن الكذب، حيث سيحاول كتمان كفره و جرائمه و التملص من موبقاته، فعندئذ يختم الله تعالى على فيهه و تنطق جوارحه و أعضائه بكل ما يسوءه -عياذا بالله-.
و قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:"إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه و ستره من الناس و يقرره بذنوبه فيقول : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه و رأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا و أنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه ; و أما الكافر و المنافق فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" ص ج:1894 -.
و روى الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى بسنده عن أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه قال: يُدعى المؤمن للحساب يوم القيامة، فَيَعْرضُ عليه رَبُّه عملَه فيما بينه وبينه، فيعترف فيقول: نعم أيْ رب، عملتُ عملتُ عملت. قال: فيغفر الله له ذنوبه، ويستره منها. قال: فما على الأرض خَليقة ترى من تلك الذنوب شيئًا، وتبدو حسناته، فَوَدَّ أن الناس كلهم يرونها، ويُدعى الكافر والمنافق للحساب، فَيَعرضُ رَبُّه عليه عمله، فيجحد وفيقول: أي رب، وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل. فيقول له الملك: أما عملت كذا، في يوم كذا، في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزتك أيْ رب ما عملتُه. فإذا فعل ذلك خُتِم على فيه. قال أبو موسى الأشعري: فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى، ثم تلا { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.
قال الفخر الرازي رحمه الله تعالى:"الختم لازم الكفار في الدنيا على قلوبهم وفي الآخرة على أفواههم ، ففي الوقت الذي كان الختم على قلوبهم كان قولهم بأفواههم/ كما قال تعالى : {ذَالِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } (التوبة : 30) فلما ختم على أفواههم أيضاً لزم أن يكون قولهم بأعضائهم ، لأن الإنسان لا يملك غير القلب واللسان والأعضاء ، فإذا لم يبق القلب والفم تعين الجوارح والأركان.اهــ
و قال الحافظ رحمه الله تعالى:"وقوله تعالى: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } : هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة، حين ينكرون ما اجترموه في الدنيا، ويحلفون ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم، ويستنطق جوارحهم بما عملت."اهــ.
و المسألة تحتاج إلى مزيد بحث لكن هذا ما تيسر في هذه العجالة و من كان عنده تفصيل فلا يبخل و الله أعلم و أحكم.