هل إمساك الأرض عن الزوال يجعلها ثابتة لا تتحرك؟

إنضم
08/02/2024
المشاركات
43
مستوى التفاعل
6
النقاط
8
العمر
52
الإقامة
مصر، المنصورة
هل إمساك الأرض عن الزوال يجعلها ثابتة لا تتحرك؟

البعض يستدل على ثبات الأرض وعدم تحركها بآية ( إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا)، فيضرب القرآن بعضه ببعض حيث يعارض بهذا الفهم آية سباحة الشمس والقمر والليل والنهار (كل في فلك يسبحون)، والذي يثبت حركة الأرض والأجرام السماوية، ويعارض أيضاً آية توسع السماء، فالتوسع بحاجة لحركة.
ولا شك عندي في أن هذا التأويل خطأ، ومنشأه عدم فهم المراد بنفي الزوال، والفرق بينه وبين منع الحركة، مع العلم بأن لفظ الحركة ذُكر صراحةً في قول الله (لا تحرك به لسانك لتعجل به)، فلو أراد الله نفي الحركة عن الأرض وأجرام السماء، لصرح بذلك فيقول (إن الله يمسك السماء والأرض أن تتحركا)، وهو ما لم يحدث، فقد صرح الله بجريان الشمس، والقمر، والليل والنهار، وصرح بتوسع السماء، ولذا فالخلل في فهم البعض للفظة الزوال.

الفهم اللغوي للزوال

١. الفناء
٢. زال الشيء يزول زوالا: فارق طريقته
٣. وزالَ عَنْ مَكانِهِ: نَزَحَ، تَنَحَّى، تحوَّلَ وانتقل
٤. زالَهُ وانْزالَ عنه: فارَقَهُ.

وعليه فالمقصود لُغوياً بالزوال إما الفناء، أو تخلي شيء عن طريقته المُعتادة، ومكانه المُعتاد، ومفارقته لشيء مرتبط به.

فهم المفسرين للزوال

للأسف أغلب التفاسير القديمة بما فيها الطبري وابن كثير تكتفي بذكر زوال واضطراب السماء والأرض عن أماكنهما، دون النظر للمقابلة بين الإمساك والزوال، ودون النظر لكامل المعاني اللغوية للزوال.
ومن وجهة نظري القاصرة أروع تفسير قرأته لهذه الآية هو تفسير ابن عاشور، وقال فيه (حقيقة الإمساك : القبض باليد على الشيء بحيث لا ينفلت ولا يتفرق ، فشبه الله حال حفظ نظام السماوات والأرض، بحال استقرار الشيء المموسك باليد. والمراد بالزوال إما التحول للعدم والفناء، أو اختلال نظام التماسك بينهما والذي يؤدي إلى تطاحنهما، وقد اختير فعل الزوال دون غيره لمعناه المشترك، فالله يمسكهما من أن يعدما ، ويمسكهما من أن يتحول نظام حركتهما، كما قال تعالى لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار).

خلاصة ما سبق

المقصود بالسماوات كل ما نراه من نجوم وكواكب وأيضا ما لا نراه مما لا يعلمه إلا الله، فالأرض لها إرتباط بالشمس والقمر وباقي أجرام السماوات، هذا الإرتباط سماه القرآن إمساك، وسماه العلم جاذبية، والهدف من الإمساك هو منع زوالهما عن بعض، وليس منع زوال الأرض فقط كما توهم البعض فحكم بثبات الأرض، والفرق كبير، فالآية صرحت بإمساك شيئين لبعض، وصرحت بمنع زوالهما عن بعض، وعليه فالمقصود بالزوال إبتعاد كل جرم عن الآخر، فزال الشيء عن الشيء اي تركه وابتعد عنه، ولولا أن الله يمسك الأجرام لبعضها بالجاذبية لزالت عن بعضها، وإذا زالت عن بعضها فستتغير مواقعها بالنسبة لبعضها البعض، والله قد أقسم بمواقع النجوم، وهو قسم عظيم، فالنجوم تسبح في فلك والشمس تجري لمستقر لها، فكيف لجرم متحرك أن يبقى على علاقة بالأرض، إلا إذا كانت الأرض تسايره في الحركة لوجود قوى إمساك تمنع زوال الأرض عن أجرام السماء.
وإمساك الأجرام عن الزوال لا يمنع حركتها كما قد يظن البعض، والواقع يشهد بذلك، فمثلاً عربات القطار ممسوكة عن الزوال عن بعضها وكلها متحركة على الطريق، وأبسط من ذلك أن يمسك شخص بيد ولده لكي لا يزول عنه، ومع ذلك كلاهما قادر على السير والجري، والحركة.

وبذلك يمكننا الجمع بين آية إمساك السماوات والأرض عن الزوال، وآية سباحة الشمس والقمر والليل والنهار في فلك، وإزالة التعارض الظاهري بينهما، فالإمساك عن الزوال يحفظ علاقة المواقع بعضها ببعض، دون ان يمنع سباحة وحركة الكل، والله تعالى أعلى وأعلم.

فهم الإمساك ومنع الزوال علمياً

من الناحية العلمية يحاول علماء الفيزياء الكونية تفسير الجاذبية التي تمنع الأجرام من الزوال عن بعضها بقانون الجذب العام لنيوتن أو النسبية العامة لأينشاتين وهما أشهر وأعقد من أن يشرحهما جاهل مثلي، وبإختصار شديد جداً يعتبر نيوتن الجاذبية قوة تنشأ بين كتلة جسمين وهذه القوة تتناسب طرديًا مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسيًا مع مربع المسافة بين مركزيهما. أما أينشتاين فلا يعتبر الجاذبية قوة ولكن نتيجة لتشوه او إنحناء في نسيج الزمكان حيث يعتبر الزمان البعد الرابع للمكان، وهذا التشوه يُجبر جسم ما على أخذ مسار منحني حول جسم آخر مثلما تفعل كرة البلياردو إذا صادفت سطح مشوه فإنها ستتبع مساراً يحدده السطح المشوه.

وإذا كانت حسابات جاذبية نيوتن دقيقة على الأرض والاجسام القريبة منها فإنها غير دقيقة في حساب الجاذبية على مستوى الاجرام الأكبر والأبعد ولذا فإن جاذبية أينشتاين قد حلت مكانها لكونها أكثر دقة، والله وحده اعلم بما سيكون من جديد في المستقبل. ولكن لما كانت كتلة المادة المرئية في الكون غير كافية لتفسير الجاذبية المرصودة والتي تزيد عن الجاذبية المُفترضة بين كُتل المادة المرئية فقد لجأ العلماء لإفتراض وجود المادة المظلمة Dark matter وبكميات كبيرة تملأ كل شيء في الكون حتى إنها لتمر خلال أجسادنا وتخترق الأرض، ولكن هذه الفرضية لم تثبت للآن بدليل علمي قاطع، ويمكن قراءة المزيد عن المادة المظلمة في المواضيع التالية:

Does Dark Matter Encircle Earth?

Hunting dark matter inside the earth

This Is How Much Dark Matter Passes Through Your Body Every Second

اللهم ما كان من توفيق فمنك وحدك وما كان من ظن أو خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.

د. محمود عبدالله نجا
كلية طب - جامعة المنصورة
 
عودة
أعلى