هل أحكم علماء الفرق ضبط أصولها ؟

إنضم
01/05/2010
المشاركات
172
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الطائف / حي السداد
بسم الله الرحمن الرحيم​
من كانت له عناية بعلم الفرق يلاحظ أن كثيرا من العلماء يعولون في ضبط الفرق على ضبط أصولها ؛ إذ ضبط آحادها إما متعذر أو متعسر ؛ وأقرب طرقهم في ذلك ردها إلى خمسة أصول :-
1- الخوارج ، وهم أول الفرق ظهورا ، وفرقهم الرئيسة خمس ؛ المحكمة الأولى ، والأزارقة ، والنجدات ، والصفرية ، والإباضية .
2- الشيعة ؛ وهم إما زيدية ، أو إمامية ، أوغلاة ؛ كالخطابية والبيانية والمختارية .
3- القدرية ؛ وهم إما غلاة أو نفاة ؛ وإطلاق القدرية على النفاة أغلب ، ويدخل في ذلك القدرية الأولى نفاة العلم ، والثانية نفاة عموم المشيئة والخلق .
4- المرجئة ؛ وهم الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان ، فالإيمان عندهم مجرد قول ؛ إما قول القلب واللسان كما تقول مرجئة الفقهاء ، أو قول اللسان فقط كما ينسب للكرامية ، أوقول القلب كما تقول الجهمية وغيرهم . وقد يطلق الإرجاء على من وقف في الحكم على المشتركين في الفتنة فلم يشهد لهم بكفر ولا إيمان ! وكذلك على من أسقط وعيد الكبائر كلية أو جوز العفو عن جميع أصحاب الكبائر ؛ لأن النصوص تواترت بالعفو عن بعض دون بعض !
5- الجهمية ؛ وهو اسم جامع لكل من نفى الصفات ؛ كالجهمية الأولى ، والفلاسفة ، والمعتزلة ، وهم الذين كان يطلق عليهم السلف لفظ التجهم كثيرا . وقد يطلق على من كان فيه شعبة من التجهم ؛ كالكلابية ، والأشعرية ، كما في كتاب بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية .
وهذا الحصر المشهور وإن كان نافعا جدا في ضبط الفرق إلا أنه يلاحظ أنه غيب أصلا هاما من أصول الفرق ، وهو التصوف ؛ فلا نرى ذكرا للتصوف العملي ولا الفلسفي ، ولا للطرق التي امتزج في كثير منها التصوف العملي بالفلسفي ؛ وهي كثيرة جدا ؛ مثل التيجانية والختمية !!
والسبب في تقديري يرجع إلى أن علم الفرق تولى كبر الكتابة فيه علماء الكلام فأهملوا مالا يعرفون ؛ حتى قيل لبعض المتكلمين قد ذكرت الطوائف وعارضتهم ولم تذكر الصوفية ؟ فقال : لم أعرف لهم علما ولا قولا ولاما راموه !
وقد ذهب الشاطبي إلى أبعد من ذلك فرأى أن تخصيص الافتراق بالعقائد يخالف النصوص ؛ لأنها تدل على العموم ، ولفظ البدع لايختص بالعقائد وإنما يشمل الأقوال والأفعال ! الاعتصام 2/ 198 .
 
شكر الله لكم شيخنا هذا الكلام والتحليل، وفي مسألة اهتمام أهل الكلام بالكتابة في الفرق، كيف نفسر عدم اهتمام علماء أهل السنة بهذا اللون من التأليف لا سيما في وقت التدوين المشتهرة ؟
 
حياكم الله دكتور حاتم وبارك الله فيكم وزادكم من فضله
وبخصوص ما أشرتم إليه فيمكن الجواب عنه من وجوه :-
1- أن علماء السلف لم يهملوا الكلام في علم الفرق بل كانوا يتعرضون له في ثنايا كتب العقيدة والسنة والرجال وغيرها وفي تقديري لوتصدى باحث جاد لجمع كلامهم في هذا العلم لخرج بمصنف حافل نافع .
2- أن من علماء السنة من أفرد هذا العلم بمؤلفات مستقلة نافعة ، يحضرني من ذلك كتاب ( التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ) لأبي الحسين الملطي ، وهو مطبوع متداول . وكذلك ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والنحل ) ، وهو مطبوع في خمسة مجلدات . وفيه علم كثير وإن كان لايسلم له ببعض ماحرره وقرره .
3- أن علم الفرق حررت أغلب كتبه بطريقة وصفية محضة بعيدة عن النقد والتحليل وتأثير المذاهب الكلامية ؛ ولهذا كانت إرثا مشتركا بين العلماء ؛ يستفيد منه علماء السنة كما يستفيد غيرهم ، بل إن بعض علماء السنة رأى أن لدى بعض المتكلمين قدرة على التأليف في هذا العلم أكثر من غيرهم ؛ فقد كان ابن تيمية يستحسن كتاب المقالات للأشعري وبخاصة كلامه عن المعتزلة لأنه كان على مذهبهم فترة طويلة ، ولاشك أن التجربة ومعايشة المذهب تكون لدى العالم قدرة خاصة على وصفه أكثر من غيره .
4- أن علماء السنة وإن استفادوا من كتب المتكلمين في الفرق إلا أنهم حذروا مما فيها من خلل أوخطل ؛ فالأشعري مثلا وإن كانت معرفته تامة بالفرق إلا أن معرفته بمذهب أهل السنة لم تكن كذلك كما أشار لذلك ِشيخ الإسلام . والبغدادي كان فيه تحامل على خصومه ، والشهرستاني كان يمالئ الشيعة ، وهكذا كانو ينبهون ليأخذ الباحث الصالح ويذر الطالح !
5- لأهل السنة في العصر الحديث عناية غير مسبوقة في هذا العلم ؛ وهناك دراسات جادة ومفيدة في هذا العلم جمعت بين العرض والنقد خلافا لكثير من كتب الأولين ؛ فمن ذلك كتاب دراسة عن الفرق الدينية في تاريخ المسلمين لأحمد جلى وهو من أنفع مارأيت ، وهناك أصول مذهب الشيعة للقفاري ، وهي رسالة حافلة موثقة من كتب الشيعة ، وفيها فوائد كثيرة ، وهناك كتاب أصول الإسماعيلية للسلومي ، وهناك الكثير سوى ماذكر من الدراسات الجادة والبحوث المتميزة .
 
عودة
أعلى