الأخ الكريم حمد
هناك من المفسرين من نص على أنهما مَلَكين. والكثير من المفسرين لم يذكر خبر الملكين. ويبدو أنه لم يصح في خبر الملكين أثر.
القرآن الكريم ينص على أنهم جماعة:"إذا تسوروا.." "..إذ دخلوا..." قالوا...بغى بعضنا على بعض" وهذا يُضعف القول بأنهما مَلَكين.
وإن تعجب فاعجب لفحل المفسرين المعاصرين ينص في التحرير والتنوير على أن صيغ الجمع هنا يقصد بها التثنية، ويستدل على ذلك بقوله تعالى:" إن تتوبا فقد صغت قلوبكما" بدل:" قلباكما". والصحيح أن العلم الآن يتحدث عن وجود أكثر من قلبٍ واعٍ في الفرد الواحد.
اعتراضك هذا يدل على أنهما خصمان من البشر. والأصل أن نقول إنهما يطرحان مشكلة حقيقية يريدان لها حلاً. وعلى أية حال أنصحك بالرجوع إلى مقال إذ تسوّروا المحراب، في كتاب (نظرات في كتاب الله الحكيم) للشيخ بسام جرار ، على صفحة مركز نون الالكترونية.
منقول من تفسير الإمام ناصر محمد اليماني
--------------
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمُرسلين وآله التوابين المُتطهرين والتابعين للحق إلى يوم الدين)
قال الله تعالى))
((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)صدق الله العظيم
وهذه قصة رجلين اخوه كان أحدهم غني لديه أغنام كثير ومزرعة وأما الأخر فهو فقير ولديه قليل من الغنم لا تساوي إلا بنسبة (1/100) إلى غنم أخيه ولهُ أولاد كثير وغنمه القليل هي مصدر عيشهم هو وأولاده وهو جار أخيه قربا وجُنباً ودخلت غُنيماته مزرعة أخيه الغني ونفشت فيها ولذلك قال الله تعالى))
(( الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ))صدق الله العظيم
وذلك لأنها مصدر رزق القوم وهو الرجل الفقير وأولاده
ومن ثم أخذ الغنم صاحب المزرعة الغني وهو يعلم أن ليس لدى أخيه مال ليقوم بتعويضة وقال له لقد ضميت غنمك إلى غنمي لأنها أكلت بضعف ثمنها ولكن أخيه فقير وليس لديه إلا هذه الغنم القليل وهي مصدر قوته الوحيد هو وأولاده ولكن أخيه ضم غُنيماتهم إلى غنمة بحجة إتلاف الحرث ويُطالب أخيه أن يفيه عليها مالاً لأنه يقول أنها أتلفت ضعف ثمنها ومن ثم أختصموا إلى داوود عليه الصلاة والسلام حتى يحكم بينهم بالحق كما يرجو الفقير وكان الغني فصيح اللسان بليغ الكلام تكلم بين يدي الحاكم داوود وعز أخيه الفقير بالخطاب بين يدي الحاكم داوود عليه الصلاة والسلام وهو يرفع الدعوى على أخيه أن يفيه مالاً فوق غنمه لأن الغنم يقول أنها أكلت بضعف ثمنها وأما أخيه فهو ليس مُنكر أن غنمه نفشت في حرث أخيه ولذلك كان مُنصتاً فظن داوود أن إنصاته يُعتبر إعتراف منه بما قاله المُدعي ولم يُنكر أي شئ من دعوى أخيه فلما رأى داوود أن صاحب الغنم مُنصت ولم يرد على الإدعاء بشئ من الإنكار فظن داوود أن ذلك إعتراف من صاحب الأغنام أن الغنم حقاً نفشت بالمزرعة وأنها حقاً أكلت ضعف أثمانها وإنما عزه بالكلام بين يدي الحاكم ومن ثم حكم داوود بغنم الفقير للغني وهي بما أكلت دونما يزيده مالاً فهو جاره قُربا وجُنباً وكان سُليمان عليه الصلاة والسلام إلى جانب أبيه فنظر من بعد الحُكم إلى وجه الفقير فرأه مُنخنق يكاد أن يبكي من ظلم أخيه له فليس لديه هو وأولاده غير تلك الغُنيمات وهي مصدر عيشه الوحيد هو وأولاده وأما أخيه فهو غني فلديه أغنام كثير ومزرعة ولكن المظلوم أناب إلى الله في نفسه يشكوا إليه ظُلم أخيه له فكيف يريد أن يضم غنمه القليل إلى أغنامة وهي لا تساوي إلى غنم أخيه الكثير إلا بنسبة واحد في المئة فلا يزال يحسده عليها نظراً لأنه أحب إلى الناس منه ولكن المُتقين يجعل لهم الرحمن وداً وهو يعلمُ بحاله ويعلمُ أنها مصدر عيشه هو وأولاده فألهم الله سُليمان الحكم الحق بأن يطلع أبيه الحاكم بنفسه ومعه خبيرا بالحرث لكي يتم الإطلاع على ما أتلفت الغنم في الحرث ثم يتم تقديره بالحق من غير ظُلم ثم تبين لداوود عليه الصلاة والسلام من بعد الإطلاع أنه حكم على الرجل بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً وتبين له إنما أعز المظلوم أخاه بالكلام وليس قدر الإتلاف في المزرعة حسب دعوى أخيه وتبين لهُ إنما أعزه في الخطاب بلحن دعوى الغني ثم حكم لصاحب الحرث بقدر حقه بالحق يُتم دفعه على مكث من ذريات غنم الفقير ولبنها وسمنها ووبرها ولذلك قال الله تعالى))
((وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)صدق الله العظيم
ولذلك قال الله تعالى(وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا )صدق الله العظييم
ولكن داوود بادئ الأمر ظلم الفقير بسبب حُكمه بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً بسبب أن أخيه عزه بالكلام بين يدي داوود وظن داوود أن سكوت صاحب الغنم إعترافاً بكلام أخيه أنه حق فلم يرد على ما أدعاه أخيه بشئ من الإنكار ولذلك ظلم داوود الفقير بغير قصد منه ولكن الله ألهم سليمان الحكم الحق بوحي التفهيم وأتبع داوود حكم إبنه سليمان ثم حكم بالحق ولذلك قال الله تعالى)
(((وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا )صدق الله العظييم
وأراد الله أن لا يعود خليفته داوود إلى ذلك فلم يكن هين عند الله ولو لم يكون بغير قصد من داوود فلا يجوز له أن ينطق بحكمه عن الهوى بل لكُل دعوى بُرهان وبينه مؤكدة وإذا لا توجد فعلى من أنكر اليمين ولذلك أبتعث الله إثنين من الملائكة تسوروا المحراب ولم يدخلوا من الباب وكان داوود عليه الصلاة والسلام ساجدا ً في سجوده الأخير في صلاته فجلس من سجوده فإذا هم امامه واقفين فأوجس منهم خيفة فكيف دخلوا من الباب وهو مُغلق ولكنهم رأوا الخوف قد ظهر منهم في وجه نبي الله داوود عليه الصلاة والسلام ثم طمأنوه ))
(( قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ(22)صدق الله العظيم ثم ظن داوود أنهم من الرعية مُختصمين ولم يكن يعلمُ انهم ملائكه وقال ما خطبكم ومن ثم ألقى الملك الذي يُمثل صاحب الأغنام القليلة دعواه وقال))
((إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ(23)صدق الله العظيم
ويقصد أن أخيه غني وصاحب أغنام كثيرة بينما هو ليس لديه إلا بنسبة واحده في المئة ويقصد قلة أغنامة فضم غنمه القليل إلى غنمه الكثير وعزه بالكلام عند الحاكم بينما هم ملائكه وليس لديهم اغنام وإنما يريد الله من داوود أن يذكره بظلمه في حكمه للفقير من قبل لو لا أن فهمها الله سليمان عليه الصلاة والسلام المهم إن داوود حكم بحكم مُخالف لحكمه الأول في قصة الحرث والغنم وقال))
وبعد أن قضى بينهم داوود بحكمة بينهم بالحق(( وَقَلِيلٌ مَا هُمْ )) أي أختفوا من بين يديه ومن ثم علم وأيقن داوود عليه الصلاة والسلام أنهم ليس من البشر بل هم ملائكه ومن ثم علم أنهم يرمزون لصاحب الحرث وصاحب الغنم وإنما يريد الله أن يذكره بحكمه الأول أنه كان فيه ظلم على الفقير وكان داوود لا يزال جالس على السجاده ثم خر راكعاً وأناب إلى ربه ليييغفر ذنبه ))وقال الله تعالى)
وكلمة التشابه هو في قول الله تعالى((وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ))صدق الله العظيم
فظنوه الذين لا يعلمون أنهُ هوى فتنة النساء ومن ثم وضع المنافقون قصة تُشابه هذه الأية في ظاهرها (وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )صدق الله العظيم
وقالوا إن داوود أحب إمرأة أحد قواده فأرسله ليقاتل في سبيل الله لكي يتزوج بأمرأته ) قاتلهم الله أنى يؤفكون فكيف يفعل ذلك نبي الله يعلي كلمة الله وليس عبداً لشهوته حتى يبعث مُجاهداً في سبيل الله ليتزوج بإمرأته ولكن الإمام المهدي يُبطل إفتراءهم الباطل بالحق فيدمغه وننطق بالحق ونقول إن الهوى في هذا الموضع لا يقصد به هوى العشق بل ذلك من المُتشابهات بل يقصد الهوى الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً مثال قول الله تعالى))
(({وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}صدق الله العظيم
أي أنه لا يتبع الظن فيقول على الله مالم يعلم فيضل نفسه ومن معه عن سبيل الله ولذلك قال الله تعالى)
(( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ))صدق الله العظيم أي أنه ليس قولاً عن الهوى بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً بل هو وحي يُوحى علمه شديد القوى وذلك لإن الذين ينطقون عن الهوى بالحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون سواء في قضايا المُسلمين أو في إختلافهم في الدين فيحكمون بينهم عن الهوى الذي لا يُغني من الحق شيئاً من غير حُجة ولا بُرهان فحتما يظلمون أنفسهم ويضلون أمتهم عن سبيل الله الحق ولذلك قال الله تعالى لنبيه داوود))
ويا عُلماء الأمة إحذروا ظاهر المُتشابه من القرأن فظاهره يخالف للعقل والمنطق وتأويله غير ظاهره وإنما يغركم كلمات مُُتشابهات في الأيات فتجعلوا تأويل المُتشابه كالمحكم وإنكم لخاطؤن وذلك لإن المُتشابه ليس ظاهره كباطنه ولذلك لا يعلمُ بتأويله إلا الله وهو من يُعلم من يشاء بتأويله من عباده بوحي التفهيم وليس وسوسة شيطان رجيم ويأتيكم بتأويله باالسُلطان المبين من مُحكم الكتاب ليتذكر أولوا الألباب فإن كنتم تريدون الحق فإني الإمام المهدي حقيق لا أقول على الله إلا الحق فإذا وجدتموني أنطقُ عن الهوى بالظن الذي لا يُغني من الحق شيئاً من غير علم ولا سُلطان من الرحمن فلا تتبعوني مالم أهيمن عليكم بالعلم والسُلطان المُبين من مُحكم الكتاب المُبين وسلامُ على المُرسلين والحمدُ لله رب العالمين)
ذكر فضيلة الدكتور محمد الخضيرى الخلاف فى هذا الموضع فى كتابه ( الإجماع فى التفسير ) ، فنقل قول ابن عطية فى إجماع المفسرين على أن هؤلاء الخصم كانوا ملائكة ، ثم درسه الدكتور دراسة جيدة وخلص فى النهاية إلى عدم التسليم بقول ابن عطية فقال : ( يظهر لى أن ما ذكره ابن عطية من نفى الخلاف لا يسلم له ؛ لوقوع الخلاف ) .
السلام عليكم ورحمة الله:
تسوروا المحراب أي إنهم دخلوا مخترقين سور المحراب ولهذا فزع منهم داوود عليه السلام.
أعتقد بعض المفسرين بأنهم ملكين ضنّن منهم بأنهم أُرسلوا من الله سبحانه وتعالي لإمتحان داوود عليه السلام وهذا بعيد عن الصواب، فإن كانوا ملائكة فقد قالوا زوراً فالملائكة لا تملك نعاج ولا يبغي بعضهم علي بعض وحاش للملائكة من الكذب والله سبحانه لا يقول الا الحق ولايبعث الملائكة الا بالحق.الشياطين هي التي تفتن.
الأرجح أنهم كانوا شيطانان وعند التأمل في قضيتهم نري أنه لم يقع بينهم ظلم ولا بغي فأخاه سئلهُ الضم ولم يجبره فقال أكفلنيها ولم يقول أعطينيها، والجميع نعاج أي إناث فإذاً لن يحدث توالد بينهن. وتسرع سيدنا داوود عليه السلام في الحكم فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الي نعاجه وهو لم يظلمه فسوف يتكفل بالنعجة أي يطعمها ويرعاه له مقابل أن يشكر له أخاه ذالك فايمدح فضله ولن يقع أي بغي في الخلط لأنهُنَّ جميعهن نعاج فلن تلد نعجته بين النعاج. ولما ضنا سيدنا داوود عليه السلام أنه فتنه الله بشيطانان خرا راكعاً وستغفر الله فغفر الله له خطأه.
وأما قصة غنم القوم التي نفشت في الحرث فهيا قضية أخري ولم يقع فيها خطأ في الحكم فلقد فهّم الله سليمان عليه السلام منطق الغنم فعلم من الغنم الذي حدث، إذا كانت هيا التي نفشت في الحرث وإن كان من تلقائها أم أن مالكيها هم من أرسلوها عليه. والله أعلم.