ابو مريم الجزائري
New member
- إنضم
- 13/04/2007
- المشاركات
- 161
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
السلام عليكم و رحمة الله
هذه هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين؟؟؟
يشرفني أن أرسل لهذا المنتدى المبارك أول مقالة من دراسة تاريخية تحت عنوان " هذه هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين؟؟؟" جمعت فيها من بطون الكتب و من الوثائق- المتوفرة لدي- و معظمها مستقاة من كتاب " تاريخ الجزائر الثقافي " للدكتور ابو القاسم و هي شهادات على قامت به فرنسا من أعمال مخزية في محاربة القرآن الكريم و اللغة العربية و حرمان الشعب الجزائري من التعليم ، و اعتمدت على شهادات الفرنسيين خصوصا و الغربيين عموما و نادرا ما استشهد بكتابات الجزائريين أو المسلمين حتى ينطبق عليهم المثل : " من فمك أدينك " و قول رجال القانون: " الاعتراف سيد الأدلة ".
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحملة الفرنسية التي نزلت طلائعها الاستعمارية على الأرض الجزائرية بمنطقة سيدي فرج شرق الجزائر العاصمة ذات صباح من شهر جويلية سنة 1830 م قد أفصح قادتها عن الهدف الحقيقي من استعمارهم لهذه البلاد الاسلامية ، فها هو الجنرال دوبومرون يخاطب حنوده بعدما استولى على مدينة الجزائر قائلا: " لقد جددتم عهد الصليبين؟"
كتب بوجولا POUJOULAT و هو رحالة فرنسي وثيق الصلة بالماريشال بيجو أحد أشهر رجال الحرب الفرنسيين والحاكم العام للجزائر، و بأسقف الجزائر دوبوش MGR. DUPUCH ، قلت كتب يصف ما دار بينه و بين الماريشال بيجو من حديث في كتابه " سفر الى الجزائر VOYAGE EN ALGERIE ص 285 و 298 ما ترجمته : (( قال لي الماريشال بيجو يوم قابلته في منزله :" ماذا جئنا نعمل في إفريقيا ؟ " فأجبته : " لكي نواصل العمل الذي بدأه لويس السابع و سان لويس ، ....إن الحرب التي تخوضها سيدي [الماريشال] في إفريقيا انما هي حلقة من حلقات الحروب الصليبية " وكان يصغي إلي باهتمام ووافقني الرأي.. ))أ.هـ.
بعد مصادرة الأوقاف و نفي العديد من العلماء و ترهيب الباقين، ترك الفرنسيون التعليم يموت دون الإعلان عن ذلك رسميا: إشتغلوا بالإستيلاء على الأراضي و توطين أبنائهم فيها و محاربة المقاومين، و أهملوا كل ما يتعلق بتعليم الجزائريين. و بعد حوالي عشر سنوات أخذ بعض مسؤولي المكاتب العربية ( وهم عسكريون) يكتبون التقارير عن وضع التعليم عند المسلمين ( الجزائريين ) و موقفهم من المدرسة الفرنسية عموما. و من هذه الكتابات تقرير الجنرال بيدو، و تقرير فاليري، و تقرير الجنرال دوماس ، و تقرير ليبيشو، ثم تقرير ديهو تبول. ففي فترة الأربعينات من القرن الماضي، نصبت لجان رسمية، وزار الجزائر أمثال أليكسس دي طوكفيل، و خرجوا جميعا برأي عن تجربة التعليم في الجزائر ماضيا و حاضرا. و يتخلص هذا الرأي فيما يلي:
1 – الإستمرار في إهمال التعليم العربي الإسلامي و عدم رد الأوقاف إليه، رغم تشبت السكان به و مقاطعتهم المدرسة الفرنسية.
2 – إنشاء تعليم مزدوج خاص بالجزائريين تدرس فيه اللغة العربية على أن تكون فيه الفرنسية و علومها هي السيدة، إبتداء من سنة 1850.
3 – ترك التعليم في الزوايا الريفية و المعمرات على ما هو عليه مع مراقبة برنامجه و معلميه حتى لا تكون الزوايا مراكز لمعاداة الفرنسيين. و قد إعترفت جميع التقارير بأن التعليم العربي الإسلامي كان منتشرا بين الجزائريين بشكل ملفت للنظر قبل الإحتلال، و أنهم بقوا متشبثين به رغم مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء أو نفيهم.
يقول لويس رين في تقرير له حول التعليم في الجزائر : " كان القرآن [الكريم ] في الجزائر هو كل شيء، هو المعلم و التعليم.... لقد كان هدف فرنسا منذ 1830 هو الحط من التعليم القرآني و تعويضه تدريجيا بتعليم أكثر عقلنة و أكثرعلمية، و بالخصوص أكثر فرنسة (فرنسية). و قد نجحت فرنسا ( و هو يكتب سنة 1884) في الفصل بين الدين و التعليم وقد كانا في الماضي لا ينفصلان"أ.هـ.
و في الوثائق الفرنسية أن التعليم العربي الإسلامي كان على العموم مزدهرا سنة 1830 و هو يتألف من مستويات التعليم الثلاث المعروفة اليوم: الإبتدائي و الثانوي و العالي. و كان التعليم الثانوي و العالي مجانا، أما الإبتدائي فقد كان بأجر إختياري ضعيف، و في أغلب الأحيان يدفع الأجر عينا. و جميع أنواع التعليم لا تقدم إليها الدولة (الجزائرية ) أية مساعدة ، فكان تعليما حرا بمعنى الكلمة. و كانت المدارس تابعة للمساجد في أغلب الأحيان، و يشرف عليها وكلاء الشؤون الدينية ، و هي تتغذي من أملاك الأوقاف الخيرية. و لكن منذ الاحتلال دخلت أملاك الأوقاف في أملاك الدولة الفرنسية، فأهملت المدارس الإسلامية، و توقف التعليم الابتدائي و الثانوي، و لم تبق إلا بعض الزوايا البعيدة و المعزولة حيث الدروس العليا.
و يضيف تقرير أخر أن المعلمين كانوا أيضا أحرارا. فهم لا يخضعون إلى أية ترقية، و شهرتهم هي التي تدل عليهم، و هذه الشهرة تكتسب حسب العلم و الأخلاق الكريمة و السلوك الجيد، كما أنهم كانوا يحصلون على الشهادة (الإجازة) من أستاذ معروف. و كانت المدارس كثيرة، و رواتب المعلمين مضمونة من مداخيل المساجد (الوقف). و كان مشاهير الأساتذة يأتيهم المتعلمون من أماكن بعيدة – و قد أقيمت الزوايا المجاورة للمساجد لإيواء أمثال هؤلاء الغرباء. و كان عدد هذه الزوايا في مدينة الجزائر وحدها ستة (06)، إثنتان (02) لأهل الشرق و ثلاثة (03) لأهل الغرب وواحدة (01) لأهل المدينة (الجزائر)، و قد إختفت جميعها و لم تبق بعد سنة 1846 سوى واحدة كانت تقع في سوق الجمعة. و كل هذه الزوايا كانت تصونها و تتعهدها أموال الأوقاف قبل مصادرتها. و كذلك لم يبق من المدارس القديمة إلا عدد ضئيل، و أصبح التعليم في الباقي منها ناقصا. و إختفت كثيرا من المساجد أيضا بالهدم و التحويل عن الغرض الأصلي.
أما خارج مدينة الجزائر، فإن التقرير يذكر أن المدارس الشهيرة و الزوايا كانت متوفرة ثم إختفت نتيجة للإحتلال و الإهمال و مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء أو نفيهم. و من هذه المدارس مدرسة صالح باي [ الحاكم التركي و قائد حركة الجهاد ضد الفرنسيين في الشرق الجزائري ] بقسنطينة، و مدرسة قرومة الواقعة على وادي الزيتون شرقي العاصمة، و مدرسة (زاوية) سيدي محمد بن عبد الرحمن بجرجرة، و بسهل متيجة كانت زاوية مربوني بالأربعاء [ منطقة القبائل]، و زاوية سيدي خير الدين و زاوية النميلي ببني موسى [ غرب العاصمة ] .
و يضيف التقرير أن الزوايا التابعة للقبائل و الأعراش قد اختفت أيضا نتيجة الانتقام الاستعماري من المقاومة الباسلة و الخسائر التي تكبدتها السلطات في حروبها المريرة و حملاتها العسكرية لاحتلال هذه المناطق و التي قادها شيوخ و طلبة هذه الزوايا ، إذ قامت يهدم الزوايا و ما نتج عنها من تشتت للمعلمين و المتعلمين، و اختفاء للكتب والمخطوطات. كما أن المعلمين عموما تضاءل عددهم حتى في المدن لضعف الرواتب و عدم إنتظام الدروس و إستقرار الحياة العلمية.
كان برنامج التعليم يكمل بعضه بعضا. ففي الإبتدائي يحفظ الطفل كل أو أجزاء من القرأن الكريم، و يتقن الكتابة و القراءة، و يتعلم مبادئ الدين، و يحفظ المتون و النصوص الضرورية. و في الثانوي يواصل المطالعة و الفقه و التوحيد و دراسة النحو و الصرف و أوليات التفسير و مصطلح الحديث و السيرة النبوية.
و أما الدراسات العليا فتشمل الفقه أيضا و أصول الدين و التوحيد و التاريخ الإسلامي و بعض الحساب و الفلك و الجغرافية و الطب و التاريخ الطبيعي. و قد لا حظت التقارير أن التعليم الأول كان يحصل عليه أبناء الطبقة الغنية و كذلك التعليم العالي الذي لا يواصله عادة إلا الطبقة التي كرست حياتها للعلم حتى أصبح فيها وراثة. و المقصود هنا هو علم الدين. و قد أضاف بعضهم إلى مواد التعليم العالي الهندسة، و علم الرسم و الزخرفة و الخطاطة و كتابة الوثائق.
و المدارس لم تندثر دفعة واحدة. ففي العاصمة كانت حوالي مائة مدرسة سنة 1830 لم يبق منها سنة 1840 سوى حوالي 24 مدرسة (مسيد باللهجة الجزائرية ) يتردد عليها 600 تلميذ.
و في سنة 1846 إنخفض عدد هذه المدارس إلى 14 فقط يتردد عليها بين 320 و 400 تلميذ. و مع ذلك فإن الأولياء كانوا يفضلون هذا النوع من المدارس لأولادهم على المدرسة الفرنسية.
لقد كانت المدارس تحت إشراف " الطُلْبَة " الذين يعلمون التلاميذ اللغة العربية و القرآن الكريم و مبادئ الدين و هي منتشرة بكثرة خارج العاصمة، سيما قسنطينة و منطقة زواوة [ القبائل ] . و يقول التقرير أن هذه المدارس بقيت حتى الآن (1846) خارج مراقبة السلطات الفرنسية. و قد أوصى التقرير بضرورة وضع كل أنواع التعليم تحت الرقابة، لأن " الوجود الفرنسي لا يمكن أن يتأسس نهائيا ... إلا إذا تولت السلطة المديرة تعليم كل الأجيال الجديدة في البلاد و أمسكته بيدها)
و في تقرير أوغيست ليبيشو عن التعليم وصف حي للتجربة الإسلامية فيه و مدى معاناته بعد الإحتلال و كان السيد ليبيشو نفسه مسؤولا عن التعليم في الجزائر.
و قد شهد أن التعليم العربي- الإسلامي كان منتشرا في المدن و الأرياف و حتى في الخيام. و كانت المدارس و الزوايا تضم الكتب والمخطوطات أيضا. و لكن كل ذلك تغير، حسب رأيه، فالحملات العسكرية بعثرت كل تجمعات الطلبة و العلماء. و لم يبق إلا بعض المدارس التي لا تقدم سوى تعليم غير كامل على الإطلاق. ذلك أن دراسة الدين قد أهملت، بينما لا يمكن فهم الدين إلا بالرجوع إلى الشروح التي يجب لفهمها إتقان اللغة العربية. و أصبح المتعلمون نادرين تدريجيا. و بذلك كثر أعداء فرنسا، حسب قوله. أما عن المخطوطات فقد قال أنها أيضا تبعثرت و أتلفت في معظمها، و كانت هي أساس التعليم. و قد جاء في تقرير الجنرال دوماس أنه بعد عشرين سنة من الإحتلال لم يعد في إمكان السلطات الفرنسية أن تجد من توظفه في القضاء إلا بصعوبة. و تمثل ذلك في الشؤون الدينية و التعليمية الأخرى. أما عن الأدب و الثقافة و الفن فلم يبقى من يحسن هذا الفن حسب قوله.
و تؤكد مختلف الكتابات الفرنسية على هذا التحول الذي أصاب التعليم الإسلامي العربي –نتيجة الاحتلال. و قد جاء في إحداها أن التعليم التقليدي (و هو ما نسميه الأصلي) قد توقف عن أداء مهمته، لظروف الحرب من جهة ، و الإستيلاء على الأوقاف من جهة أخرى، و هجرة المعلمين أو نفيهم من جهة ثالثة. فقد خربت المدارس الثانوية ( وهي التي كان منها يتخرج العلماء)، و غادر المتعلمون الزوايا القريبة من مراكز الإحتلال. و الأساتذة أما اكتفوا بأداء الشعائر الدينية دون التعليم و أما انتقلوا إلى أماكن غير محتلة.
و أمتنع " الأهالي " عن إرسال أولادهم إلى المدرسة الفرنسية، لأن المدرسة في نظرهم هي التي يتعلم فيها الطفل القرآن [ الكريم ] و كيفية أداء الصلوات و قواعد الدين، بينما المدرسة الفرنسية تعلمهم مبادئ دين أخر [ المسيحية].
و من ثمة إقترح صاحب التقرير ( و هو غير مذكور) : العودة إلى النظام القديم في التعليم الإبتدائي و الثانوي (بعد خمسة عشر عاما من الإهمال، لأن التقرير مكتوب حوالي 1845). مع الرقابة التامة و الدقيقة للفرنسيين على هذا التعليم حتى في إختيار المؤدبين في الابتدائي و المدرسين في الثانوي، و اقترح كذلك جلب المعلمين من تونس و مصر، لخلو الجزائر منهم عندئذ أو لعداوتهم للفرنسيين.
أما بالنسبة للتعليم العالي فقد أقترح التقرير تركه إلى وقت أخر، أي عندما يصل الجيل الذي سيتكون تحت الإدارة الفرنسية إلى المرحلة العالية. و معنى ذلك توقيف دورة الحياة العلمية. و ما دام القرآن[ الكريم ] نفسه قد مجد العلم فقد إقترح صاحب التقرير أن يبقى التعليم التقليدي على ما هو عليه في المدارس الصناعية و الزراعية (الفرنسية) لأن المسلمين سيقبلون عليه باعتباره واجبا دينيا. و من الطبيعي أن يوصي التقرير بأن الهدف من كل هذه المحاولات هو خدمة الوجود الفرنسي في الجزائر.
و بعد إحتلال قسنطينة كتب الجنرال بيدو تقريرا عن التعليم فيها، و قدمه إلى وزير الحرب. و قد جاء فيه أن تعليم في قسنطينة كان منتشرا بصورة غير متوقعة للفرنسيين، فقد كان فيها مدارس من مختلف المستويات الإقليمية.
فمدارسها الثانوية و العالية تضم بين 600 و 700 تلميذا يدرسون علوم التفسير (القرآن[ الكريم ]) و علوم الحديث، و محاضرات في الحساب و الفلك و البلاغة و الفلسفة. كما يوجد بها 90 مدرسة إبتدائية (مكتب) يتردد عليها بين 1.300 و 1.400 طفل و كانت دروس المساجد ( وعددها 35 مسجدا) و المدارس الثانوية ( و عددها سبع) غاصة بالمستمعين، و الأساتذة لهم شهرة تجلب إليهم الطلبة من بعيد. و المدارس الإبتدائية تابعة للمسجد أو الزاوية. و النفقات جميعا كانت من الأوقات المخصصة للمسجد أو الزاوية. و كان المؤدب يعينه ناظر الأوقاف بتوصية من العائلات الكبيرة ، و هو ( المؤدب) يقوم بدور الإمام و الحزاب أيضا. و له منزل خاص به، و له أجر من أولياء التلاميذ يقدر بحوالي 14 فرنك قديم بالإضافة إلى الهدايا التي يتلقاها بمناسبة الأعياد و عددها أحد عشر عيدا، و يتلقى أيضا تبرعات مختلفة سيما عندما يحفظ التلميذ أجزاء من القرآن[ الكريم ]. و بذلك قدر دخل المعلم (المؤدب) بحوالي ثلاثين فرنكا سنويا، زيادة على عطاءات أهل الخير و الإحسان.
و لكن منذ الإحتلال تدهور كل ذلك. ففي عشر سنوات (1847)، كاد يختفي التعليم في هذه المدينة ( قسنطينة ) العريقة في خدمة العلم و العلماء. و لم يتبقى من 600 أو 700 تلميذ في الثانوية سوى 60 فقط.
و المدارس الإبتدائية التي كان عددها تسعين(90) لم يبق منها سوى ثلاثين(30)، و لا يتجاوز الأطفال فيها 350 بعد أن كانوا بين 1.300 و 1.400 .
[هذه إذن هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين].
و قد كان صاحب التقرير (الجنرال بيدو) و المعلق عليه (دي طوكفيل) صريحين جدا في ذلك. فقد قال بيدو أننا أهملنا التعليم في عاصمة الإقليم (قسنطينة) مما سيعطي لرجال الزوايا أهمية كبيرة و يزيد من نفوذهم و قوتهم بين السكان. وواضح من تقرير الجنرال أن خوفه ليس على الجزائريين من الجهل، و لكن على مصير الوجود الفرنسي من نفوذ الزوايا. ذلك أن اختفاء المعلمين قد حول أنظار الناس إلى شيوخ الزوايا في الأرياف. أما دي طوكفيل فهو صاحب الصيحة الشهيرة: ((إننا جئنا لإضاءة الشموع فأطفأنا الموجود منها)) ، و هو يقصد هنا بالشموع المدارس. و لكن دي طوكفيل كان أيضا في صالح الرسالة الحضارية الفرنسية و تثبيت الإستعمار في الجزائر.
لقد نقصت المدارس و المساجد بعد أن حولت مداخيل أملاكها (الأوقاف) إلى أملاك الدولة كما ذكرنا، و توقفت الدولة الفرنسية المحتلة عن صيانة المساجد، كما أنها لم تصن مساكن الطلبة و العلماء التي كانت مجانية.
و نقصت قيمة العملة المتداولة، فلم تعد الوظيفة التي أصبح عليها رجال الدين يكفي دخلها، و لذلك لم تعد أمرا ممتازا يتنافسون عليه. و قد زاد أولياء التلاميذ في أجور المعلمين (المؤدبين) و لكن غلاء المعيشة أدى بالعائلات إلى توجيه الأبناء إلى أعمال أخرى أكثر ربحا، كما توقفوا عن استقبال الأقارب و أبناء الأعراش من خارج قسنطينة. بينما تدهور حال المدرسين و العلماء و افتقروا و أصبحوا متذمرين. و أدى كل ذلك إلى انخفاض مستوى التعليم و نقص مدته و المواظبة عليه. و كانت نتيجة هذا الوضع في مدينة قسنطينة هي رحيل التلاميذ القادرين إلى زوايا المناطق غير المحتلة بعد، مثل منطقة زواوة و مناطق الجنوب، طلبا للعلم.
هذه الصورة السوداء التي رسمها تقرير الجنرال بيدو عن التعليم في قسنطينة و تدهوره و بعثرة أهله يتفق معه فيها زائر إنكليزي زار هذه المدينة في نفس الفترة تقريبا. يقول الرحالة بلاكسلي: كانت الأوقاف كثيرة، و هي مورد التعليم المجاني. و كانت تزيد أحيانا عن حاجة المدرسة و المسجد فيخصص منها جانب للفقراء أيضا. و قد حضر بلاكسلي مع المستشرق شيربونو درسا كان يلقيه بعض المدرسين فقال أنه مدرس يمتاز بالذكاء و الجاه، و كان الدرس في تفسير القرآن الكريم. أما في وقت الزيارة فقد أصبحت المدارس و المساجد و الزوايا (( مهجورة و خرابا في كل مكان بالجزائر)) كما أن فقر السكان الذي جاء في أعقاب مصادرة أموال الأوقاف كان بدون شك السبب الرئيسي في هذا الخراب، رغم أن الحرب كانت سببا أخر أيضا.
و نفهم من ذلك أنه بعد الاستيلاء على المدن و مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء، قصد المتعلمون الراغبون المناطق البعيدة عن الفرنسيين لمواصلة تعلمهم العربي و الإسلامي، و منه ذلك التعليم الذي كان منتشرا في مدارس و زوايا منطقة زواوة. و يقول تقرير كتب عن بجاية و ما حولها سنة 1840 أن كل دشرة (قرية) كان لها طالب يحسن اللغة العربية، و هو يقوم في نفس الوقت بوظيفة إمام المسجد، و يعلم الأطفال الكتابة و القرءة و حفظ القرأن ، و له أجر يشترك فيه الجميع، و كان بعض هؤلاء الطلبة قد حصلوا على مبادئ الفقه في الزوايا، و هم يحكمون بالصلح بين الناس أيضا. و في كل قبيلة أماكن مخصصة للتعليم و تكوين التلاميذ في المواد التي ذكرناها ، في أماكن عادة تكون قريبة من الزاوية التي فيها أو كان فيها مرابط أشتهر بين الناس بالورع و التقى. و الدراسة مجانية و مدتها غير محددة، و الجميع، و كان بعض هؤلاء الطلبة قد حصلوا على مبادئ الفقه في الزوايا، وهم يحكمون بالصلح بين الناس أيضا. و في كل قبيلة أماكن مخصصة للتعليم و تكوين التلاميذ في المواد التي ذكرناها، في أماكن عادة تكون قريبة من الزاوية التي فيها أو كان فيها مرابط إشتهر بين الناس بالورع و التقى. و الدراسة مجانية و مدتها غير محددة، و الجميع، المعلمون و التلاميذ، يعيشون من تبرعات و إحسان القبائل المجاورة، و أحيانا من مداخيل مخصصة لهم بمقتضى الأوقاف التابعة للزاوية منذ عهود سالفة.
و الزاوية مكان مقدس لدى الجميع و لا أحد يجروء على إنتهاك حرمتها.
و أبرز هذه الزوايا في المنطقة هي زاوية شلاطة التي كانت تبعد مسافة يومين عن سوق بجاية، و هي تقع على الضفة اليسرى لوادي أقبو. و تسمى أيضا زاوية إبن علي الشريف. و لها سمعة علمية تجاوزت حدود الجزائر إذ كانت الهدايا من فاس و تونس و أسطنبول.
و في دراسة هانوتو ولوتورنو عن منطقة القبائل ما يؤكد هذه الظاهرة كما سنرى، فقد قالا إن كل فرد في المنطقة يعرف القراءة و الكتابة، و للسكان مدارس عامة، و إعتزاز قوي بدعم هذه المدارس إذ يرون في ذلك واجبا دينيا و نخوة خاصة. و لغة التدريس هي اللغة العربية و المواد كلها إسلامية، و هي تتبع المنهج الإسلامي. و التعليم في هذه المؤسسات على مرحلتين: إبتدائي و ثانوي. و هناك بعض المدارس الخاصة تحت إشراف المرابطين، و هم يقومون عليها بحماس ديني قوي، فهم يستقبلون العديد من الشباب و يوفرون لهم المسكن و المأكل، و يعلمونهم مجانا، و كان التعليم نفسه عموميا.
و هذه الظاهرة كانت عامة، كما لاحظها مختلف الكتاب، و نعني ظاهرة إنتشار الكتابة و القراءة و حفظ القرأن في المدن و الأرياف على السواء، حسب برنامج موحد يقوم على دراسة العلوم الإسلامية باللغة العربية. و لاحظ أحد الضباط الفرنسيين أن منطقة ميزاب كانت تتبع نفس المنهج و بحماس كبير حتى أنه لا يوجد إلا عدد قيليل جدا هناك لا يعرف القراءة و الكتابة. و قال أن أعمال الحساب عندهم منتشرة حتى أن تجارتهم في مدن التل يقومون بالحساب في سجلاتهم دون وسائط. و التعليم عندهم يجري في المساجد على يد " الطلبة " أيضا. و كل مدينة لها جامع خاص بذلك. لكن السكنى للطلبة كانت في أماكن مخصصة لهم خارج المسجد، و الطلبة (المعلمون) لا يأخذون أجرا من أولياء التلاميذ، و كل أجورهم يأخذونها من الأوقاف.
و توزع مداخيل الوقف نوعا لا نقدا. هذا عن التعليم الإبتدائي، أما الثانوي فيحصلون عليه في المساجد الكبيرة بالدروس العامة المتطورة أو بالهجرة في سبيل العلم إلى مناطق أو بلدان أخرى.
فإذا كان حال العلم غداة الاحتلال هو الازدهار و الانتشار و الاحترام، فاين هو بعد ربع قرن من ذلك؟ لقد أهمل الفرنسيون التعليم في المدن و الأرياف، على السواء، لأسباب مختلفة منها إغتصاب موارده، و كثرة الحروب، و مشاركة الطلبة في واجب الجهاد. و بعد ضعف التعليم بل نكاد نقول إنهياره في المدن على إثر الإحتلال، بقي التعليم في الزوايا و المعمرات، فخرج إليها التلاميذ وإغتربوا فيها طلبا للعلم و المقاومة الثقافية. و بعد نجاح الإستعمار في التوغل في الريف أيضا و مراقبة المعلمين.
و التلاميذ ضعف التعليم هناك أيضا و حوصر إداريا بالقوانين و لغويا بالفرنسية، سيما منذ الستينات، و في هذه الأثناء نشأت زوايا جديدة مثل زوايا الهامل و أولاد جلال و قصر البخاري، و فتحت زواية نفطةأبوابها للجزائريين، و ظلت زوايا زواوة مستمرة في التعليم إلى ثورة 1871. و كل هذه الزوايا ترجع إلى الطريقة الرحمانية عدا زاوية قصر البخاري التي كانت شاذلية. و مع ضغط الإستعمار في عهد الجمهورية الثالثة كادت حركة التعليم العربي- الإسلامي تختفي، و هكذا إرتمى الناس في أحضان الطرق الصوفية و الغموض و الدروشة، و إعتقدوا أن الخلاص لم يعد بالسلاح و لا بالتعليم و لكن ببركة الشيخ الصوفي و المرابط. و سنعرف التطور الذي حدث منذ العشرية الأخيرة من هذا القرن، سواء في ميدان التعليم العربي الإسلامي أو في الميدان السياسي و الفكري أو في الميدان الصوفي.
أما في الناحية الغربية فقد أصيبت حركة التعليم بالشلل، نتيجة الحروب القاسية أثناء المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر. فقد تعرضت المدن الرئيسية إلى تبادل الأيدي عدة مرات. فهذه تلمسان و معسكر، و مستغانم ووهران، تعرضت جميعا إلى خروج أهلها منها عدة مرات، و منهم بالطبع المعلمون و التلاميذ. و توقفت مدرسة مازونة عن وظيفتها مدة طويلة، و تعرضت المكتبات و المساجد و الزوايا و المدارس إلى النهب و الهدم، و الهجران. و قد إعتمد الأمير عبد القادر على فئة العلماء و المثقفين في إدارته، فجعل منهم القضاة و الخلفاء و الكتاب. و رغم إهتمامكه بالتعليم في الخيام و في المدن التي كانت تحت يده، فإن حركة التعليم قد تأثرت بشدة، و نفس الشيئ يقال عن مليانة و المدية اللتين كانتا تابعتين لحكم الأمير إلى سنة 1840.
يتبع ان شاء الله
هذه هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين؟؟؟
يشرفني أن أرسل لهذا المنتدى المبارك أول مقالة من دراسة تاريخية تحت عنوان " هذه هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين؟؟؟" جمعت فيها من بطون الكتب و من الوثائق- المتوفرة لدي- و معظمها مستقاة من كتاب " تاريخ الجزائر الثقافي " للدكتور ابو القاسم و هي شهادات على قامت به فرنسا من أعمال مخزية في محاربة القرآن الكريم و اللغة العربية و حرمان الشعب الجزائري من التعليم ، و اعتمدت على شهادات الفرنسيين خصوصا و الغربيين عموما و نادرا ما استشهد بكتابات الجزائريين أو المسلمين حتى ينطبق عليهم المثل : " من فمك أدينك " و قول رجال القانون: " الاعتراف سيد الأدلة ".
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحملة الفرنسية التي نزلت طلائعها الاستعمارية على الأرض الجزائرية بمنطقة سيدي فرج شرق الجزائر العاصمة ذات صباح من شهر جويلية سنة 1830 م قد أفصح قادتها عن الهدف الحقيقي من استعمارهم لهذه البلاد الاسلامية ، فها هو الجنرال دوبومرون يخاطب حنوده بعدما استولى على مدينة الجزائر قائلا: " لقد جددتم عهد الصليبين؟"
كتب بوجولا POUJOULAT و هو رحالة فرنسي وثيق الصلة بالماريشال بيجو أحد أشهر رجال الحرب الفرنسيين والحاكم العام للجزائر، و بأسقف الجزائر دوبوش MGR. DUPUCH ، قلت كتب يصف ما دار بينه و بين الماريشال بيجو من حديث في كتابه " سفر الى الجزائر VOYAGE EN ALGERIE ص 285 و 298 ما ترجمته : (( قال لي الماريشال بيجو يوم قابلته في منزله :" ماذا جئنا نعمل في إفريقيا ؟ " فأجبته : " لكي نواصل العمل الذي بدأه لويس السابع و سان لويس ، ....إن الحرب التي تخوضها سيدي [الماريشال] في إفريقيا انما هي حلقة من حلقات الحروب الصليبية " وكان يصغي إلي باهتمام ووافقني الرأي.. ))أ.هـ.
بعد مصادرة الأوقاف و نفي العديد من العلماء و ترهيب الباقين، ترك الفرنسيون التعليم يموت دون الإعلان عن ذلك رسميا: إشتغلوا بالإستيلاء على الأراضي و توطين أبنائهم فيها و محاربة المقاومين، و أهملوا كل ما يتعلق بتعليم الجزائريين. و بعد حوالي عشر سنوات أخذ بعض مسؤولي المكاتب العربية ( وهم عسكريون) يكتبون التقارير عن وضع التعليم عند المسلمين ( الجزائريين ) و موقفهم من المدرسة الفرنسية عموما. و من هذه الكتابات تقرير الجنرال بيدو، و تقرير فاليري، و تقرير الجنرال دوماس ، و تقرير ليبيشو، ثم تقرير ديهو تبول. ففي فترة الأربعينات من القرن الماضي، نصبت لجان رسمية، وزار الجزائر أمثال أليكسس دي طوكفيل، و خرجوا جميعا برأي عن تجربة التعليم في الجزائر ماضيا و حاضرا. و يتخلص هذا الرأي فيما يلي:
1 – الإستمرار في إهمال التعليم العربي الإسلامي و عدم رد الأوقاف إليه، رغم تشبت السكان به و مقاطعتهم المدرسة الفرنسية.
2 – إنشاء تعليم مزدوج خاص بالجزائريين تدرس فيه اللغة العربية على أن تكون فيه الفرنسية و علومها هي السيدة، إبتداء من سنة 1850.
3 – ترك التعليم في الزوايا الريفية و المعمرات على ما هو عليه مع مراقبة برنامجه و معلميه حتى لا تكون الزوايا مراكز لمعاداة الفرنسيين. و قد إعترفت جميع التقارير بأن التعليم العربي الإسلامي كان منتشرا بين الجزائريين بشكل ملفت للنظر قبل الإحتلال، و أنهم بقوا متشبثين به رغم مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء أو نفيهم.
يقول لويس رين في تقرير له حول التعليم في الجزائر : " كان القرآن [الكريم ] في الجزائر هو كل شيء، هو المعلم و التعليم.... لقد كان هدف فرنسا منذ 1830 هو الحط من التعليم القرآني و تعويضه تدريجيا بتعليم أكثر عقلنة و أكثرعلمية، و بالخصوص أكثر فرنسة (فرنسية). و قد نجحت فرنسا ( و هو يكتب سنة 1884) في الفصل بين الدين و التعليم وقد كانا في الماضي لا ينفصلان"أ.هـ.
و في الوثائق الفرنسية أن التعليم العربي الإسلامي كان على العموم مزدهرا سنة 1830 و هو يتألف من مستويات التعليم الثلاث المعروفة اليوم: الإبتدائي و الثانوي و العالي. و كان التعليم الثانوي و العالي مجانا، أما الإبتدائي فقد كان بأجر إختياري ضعيف، و في أغلب الأحيان يدفع الأجر عينا. و جميع أنواع التعليم لا تقدم إليها الدولة (الجزائرية ) أية مساعدة ، فكان تعليما حرا بمعنى الكلمة. و كانت المدارس تابعة للمساجد في أغلب الأحيان، و يشرف عليها وكلاء الشؤون الدينية ، و هي تتغذي من أملاك الأوقاف الخيرية. و لكن منذ الاحتلال دخلت أملاك الأوقاف في أملاك الدولة الفرنسية، فأهملت المدارس الإسلامية، و توقف التعليم الابتدائي و الثانوي، و لم تبق إلا بعض الزوايا البعيدة و المعزولة حيث الدروس العليا.
و يضيف تقرير أخر أن المعلمين كانوا أيضا أحرارا. فهم لا يخضعون إلى أية ترقية، و شهرتهم هي التي تدل عليهم، و هذه الشهرة تكتسب حسب العلم و الأخلاق الكريمة و السلوك الجيد، كما أنهم كانوا يحصلون على الشهادة (الإجازة) من أستاذ معروف. و كانت المدارس كثيرة، و رواتب المعلمين مضمونة من مداخيل المساجد (الوقف). و كان مشاهير الأساتذة يأتيهم المتعلمون من أماكن بعيدة – و قد أقيمت الزوايا المجاورة للمساجد لإيواء أمثال هؤلاء الغرباء. و كان عدد هذه الزوايا في مدينة الجزائر وحدها ستة (06)، إثنتان (02) لأهل الشرق و ثلاثة (03) لأهل الغرب وواحدة (01) لأهل المدينة (الجزائر)، و قد إختفت جميعها و لم تبق بعد سنة 1846 سوى واحدة كانت تقع في سوق الجمعة. و كل هذه الزوايا كانت تصونها و تتعهدها أموال الأوقاف قبل مصادرتها. و كذلك لم يبق من المدارس القديمة إلا عدد ضئيل، و أصبح التعليم في الباقي منها ناقصا. و إختفت كثيرا من المساجد أيضا بالهدم و التحويل عن الغرض الأصلي.
أما خارج مدينة الجزائر، فإن التقرير يذكر أن المدارس الشهيرة و الزوايا كانت متوفرة ثم إختفت نتيجة للإحتلال و الإهمال و مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء أو نفيهم. و من هذه المدارس مدرسة صالح باي [ الحاكم التركي و قائد حركة الجهاد ضد الفرنسيين في الشرق الجزائري ] بقسنطينة، و مدرسة قرومة الواقعة على وادي الزيتون شرقي العاصمة، و مدرسة (زاوية) سيدي محمد بن عبد الرحمن بجرجرة، و بسهل متيجة كانت زاوية مربوني بالأربعاء [ منطقة القبائل]، و زاوية سيدي خير الدين و زاوية النميلي ببني موسى [ غرب العاصمة ] .
و يضيف التقرير أن الزوايا التابعة للقبائل و الأعراش قد اختفت أيضا نتيجة الانتقام الاستعماري من المقاومة الباسلة و الخسائر التي تكبدتها السلطات في حروبها المريرة و حملاتها العسكرية لاحتلال هذه المناطق و التي قادها شيوخ و طلبة هذه الزوايا ، إذ قامت يهدم الزوايا و ما نتج عنها من تشتت للمعلمين و المتعلمين، و اختفاء للكتب والمخطوطات. كما أن المعلمين عموما تضاءل عددهم حتى في المدن لضعف الرواتب و عدم إنتظام الدروس و إستقرار الحياة العلمية.
كان برنامج التعليم يكمل بعضه بعضا. ففي الإبتدائي يحفظ الطفل كل أو أجزاء من القرأن الكريم، و يتقن الكتابة و القراءة، و يتعلم مبادئ الدين، و يحفظ المتون و النصوص الضرورية. و في الثانوي يواصل المطالعة و الفقه و التوحيد و دراسة النحو و الصرف و أوليات التفسير و مصطلح الحديث و السيرة النبوية.
و أما الدراسات العليا فتشمل الفقه أيضا و أصول الدين و التوحيد و التاريخ الإسلامي و بعض الحساب و الفلك و الجغرافية و الطب و التاريخ الطبيعي. و قد لا حظت التقارير أن التعليم الأول كان يحصل عليه أبناء الطبقة الغنية و كذلك التعليم العالي الذي لا يواصله عادة إلا الطبقة التي كرست حياتها للعلم حتى أصبح فيها وراثة. و المقصود هنا هو علم الدين. و قد أضاف بعضهم إلى مواد التعليم العالي الهندسة، و علم الرسم و الزخرفة و الخطاطة و كتابة الوثائق.
و المدارس لم تندثر دفعة واحدة. ففي العاصمة كانت حوالي مائة مدرسة سنة 1830 لم يبق منها سنة 1840 سوى حوالي 24 مدرسة (مسيد باللهجة الجزائرية ) يتردد عليها 600 تلميذ.
و في سنة 1846 إنخفض عدد هذه المدارس إلى 14 فقط يتردد عليها بين 320 و 400 تلميذ. و مع ذلك فإن الأولياء كانوا يفضلون هذا النوع من المدارس لأولادهم على المدرسة الفرنسية.
لقد كانت المدارس تحت إشراف " الطُلْبَة " الذين يعلمون التلاميذ اللغة العربية و القرآن الكريم و مبادئ الدين و هي منتشرة بكثرة خارج العاصمة، سيما قسنطينة و منطقة زواوة [ القبائل ] . و يقول التقرير أن هذه المدارس بقيت حتى الآن (1846) خارج مراقبة السلطات الفرنسية. و قد أوصى التقرير بضرورة وضع كل أنواع التعليم تحت الرقابة، لأن " الوجود الفرنسي لا يمكن أن يتأسس نهائيا ... إلا إذا تولت السلطة المديرة تعليم كل الأجيال الجديدة في البلاد و أمسكته بيدها)
و في تقرير أوغيست ليبيشو عن التعليم وصف حي للتجربة الإسلامية فيه و مدى معاناته بعد الإحتلال و كان السيد ليبيشو نفسه مسؤولا عن التعليم في الجزائر.
و قد شهد أن التعليم العربي- الإسلامي كان منتشرا في المدن و الأرياف و حتى في الخيام. و كانت المدارس و الزوايا تضم الكتب والمخطوطات أيضا. و لكن كل ذلك تغير، حسب رأيه، فالحملات العسكرية بعثرت كل تجمعات الطلبة و العلماء. و لم يبق إلا بعض المدارس التي لا تقدم سوى تعليم غير كامل على الإطلاق. ذلك أن دراسة الدين قد أهملت، بينما لا يمكن فهم الدين إلا بالرجوع إلى الشروح التي يجب لفهمها إتقان اللغة العربية. و أصبح المتعلمون نادرين تدريجيا. و بذلك كثر أعداء فرنسا، حسب قوله. أما عن المخطوطات فقد قال أنها أيضا تبعثرت و أتلفت في معظمها، و كانت هي أساس التعليم. و قد جاء في تقرير الجنرال دوماس أنه بعد عشرين سنة من الإحتلال لم يعد في إمكان السلطات الفرنسية أن تجد من توظفه في القضاء إلا بصعوبة. و تمثل ذلك في الشؤون الدينية و التعليمية الأخرى. أما عن الأدب و الثقافة و الفن فلم يبقى من يحسن هذا الفن حسب قوله.
و تؤكد مختلف الكتابات الفرنسية على هذا التحول الذي أصاب التعليم الإسلامي العربي –نتيجة الاحتلال. و قد جاء في إحداها أن التعليم التقليدي (و هو ما نسميه الأصلي) قد توقف عن أداء مهمته، لظروف الحرب من جهة ، و الإستيلاء على الأوقاف من جهة أخرى، و هجرة المعلمين أو نفيهم من جهة ثالثة. فقد خربت المدارس الثانوية ( وهي التي كان منها يتخرج العلماء)، و غادر المتعلمون الزوايا القريبة من مراكز الإحتلال. و الأساتذة أما اكتفوا بأداء الشعائر الدينية دون التعليم و أما انتقلوا إلى أماكن غير محتلة.
و أمتنع " الأهالي " عن إرسال أولادهم إلى المدرسة الفرنسية، لأن المدرسة في نظرهم هي التي يتعلم فيها الطفل القرآن [ الكريم ] و كيفية أداء الصلوات و قواعد الدين، بينما المدرسة الفرنسية تعلمهم مبادئ دين أخر [ المسيحية].
و من ثمة إقترح صاحب التقرير ( و هو غير مذكور) : العودة إلى النظام القديم في التعليم الإبتدائي و الثانوي (بعد خمسة عشر عاما من الإهمال، لأن التقرير مكتوب حوالي 1845). مع الرقابة التامة و الدقيقة للفرنسيين على هذا التعليم حتى في إختيار المؤدبين في الابتدائي و المدرسين في الثانوي، و اقترح كذلك جلب المعلمين من تونس و مصر، لخلو الجزائر منهم عندئذ أو لعداوتهم للفرنسيين.
أما بالنسبة للتعليم العالي فقد أقترح التقرير تركه إلى وقت أخر، أي عندما يصل الجيل الذي سيتكون تحت الإدارة الفرنسية إلى المرحلة العالية. و معنى ذلك توقيف دورة الحياة العلمية. و ما دام القرآن[ الكريم ] نفسه قد مجد العلم فقد إقترح صاحب التقرير أن يبقى التعليم التقليدي على ما هو عليه في المدارس الصناعية و الزراعية (الفرنسية) لأن المسلمين سيقبلون عليه باعتباره واجبا دينيا. و من الطبيعي أن يوصي التقرير بأن الهدف من كل هذه المحاولات هو خدمة الوجود الفرنسي في الجزائر.
و بعد إحتلال قسنطينة كتب الجنرال بيدو تقريرا عن التعليم فيها، و قدمه إلى وزير الحرب. و قد جاء فيه أن تعليم في قسنطينة كان منتشرا بصورة غير متوقعة للفرنسيين، فقد كان فيها مدارس من مختلف المستويات الإقليمية.
فمدارسها الثانوية و العالية تضم بين 600 و 700 تلميذا يدرسون علوم التفسير (القرآن[ الكريم ]) و علوم الحديث، و محاضرات في الحساب و الفلك و البلاغة و الفلسفة. كما يوجد بها 90 مدرسة إبتدائية (مكتب) يتردد عليها بين 1.300 و 1.400 طفل و كانت دروس المساجد ( وعددها 35 مسجدا) و المدارس الثانوية ( و عددها سبع) غاصة بالمستمعين، و الأساتذة لهم شهرة تجلب إليهم الطلبة من بعيد. و المدارس الإبتدائية تابعة للمسجد أو الزاوية. و النفقات جميعا كانت من الأوقات المخصصة للمسجد أو الزاوية. و كان المؤدب يعينه ناظر الأوقاف بتوصية من العائلات الكبيرة ، و هو ( المؤدب) يقوم بدور الإمام و الحزاب أيضا. و له منزل خاص به، و له أجر من أولياء التلاميذ يقدر بحوالي 14 فرنك قديم بالإضافة إلى الهدايا التي يتلقاها بمناسبة الأعياد و عددها أحد عشر عيدا، و يتلقى أيضا تبرعات مختلفة سيما عندما يحفظ التلميذ أجزاء من القرآن[ الكريم ]. و بذلك قدر دخل المعلم (المؤدب) بحوالي ثلاثين فرنكا سنويا، زيادة على عطاءات أهل الخير و الإحسان.
و لكن منذ الإحتلال تدهور كل ذلك. ففي عشر سنوات (1847)، كاد يختفي التعليم في هذه المدينة ( قسنطينة ) العريقة في خدمة العلم و العلماء. و لم يتبقى من 600 أو 700 تلميذ في الثانوية سوى 60 فقط.
و المدارس الإبتدائية التي كان عددها تسعين(90) لم يبق منها سوى ثلاثين(30)، و لا يتجاوز الأطفال فيها 350 بعد أن كانوا بين 1.300 و 1.400 .
[هذه إذن هي رسالة فرنسا الحضارية للجزائريين].
و قد كان صاحب التقرير (الجنرال بيدو) و المعلق عليه (دي طوكفيل) صريحين جدا في ذلك. فقد قال بيدو أننا أهملنا التعليم في عاصمة الإقليم (قسنطينة) مما سيعطي لرجال الزوايا أهمية كبيرة و يزيد من نفوذهم و قوتهم بين السكان. وواضح من تقرير الجنرال أن خوفه ليس على الجزائريين من الجهل، و لكن على مصير الوجود الفرنسي من نفوذ الزوايا. ذلك أن اختفاء المعلمين قد حول أنظار الناس إلى شيوخ الزوايا في الأرياف. أما دي طوكفيل فهو صاحب الصيحة الشهيرة: ((إننا جئنا لإضاءة الشموع فأطفأنا الموجود منها)) ، و هو يقصد هنا بالشموع المدارس. و لكن دي طوكفيل كان أيضا في صالح الرسالة الحضارية الفرنسية و تثبيت الإستعمار في الجزائر.
لقد نقصت المدارس و المساجد بعد أن حولت مداخيل أملاكها (الأوقاف) إلى أملاك الدولة كما ذكرنا، و توقفت الدولة الفرنسية المحتلة عن صيانة المساجد، كما أنها لم تصن مساكن الطلبة و العلماء التي كانت مجانية.
و نقصت قيمة العملة المتداولة، فلم تعد الوظيفة التي أصبح عليها رجال الدين يكفي دخلها، و لذلك لم تعد أمرا ممتازا يتنافسون عليه. و قد زاد أولياء التلاميذ في أجور المعلمين (المؤدبين) و لكن غلاء المعيشة أدى بالعائلات إلى توجيه الأبناء إلى أعمال أخرى أكثر ربحا، كما توقفوا عن استقبال الأقارب و أبناء الأعراش من خارج قسنطينة. بينما تدهور حال المدرسين و العلماء و افتقروا و أصبحوا متذمرين. و أدى كل ذلك إلى انخفاض مستوى التعليم و نقص مدته و المواظبة عليه. و كانت نتيجة هذا الوضع في مدينة قسنطينة هي رحيل التلاميذ القادرين إلى زوايا المناطق غير المحتلة بعد، مثل منطقة زواوة و مناطق الجنوب، طلبا للعلم.
هذه الصورة السوداء التي رسمها تقرير الجنرال بيدو عن التعليم في قسنطينة و تدهوره و بعثرة أهله يتفق معه فيها زائر إنكليزي زار هذه المدينة في نفس الفترة تقريبا. يقول الرحالة بلاكسلي: كانت الأوقاف كثيرة، و هي مورد التعليم المجاني. و كانت تزيد أحيانا عن حاجة المدرسة و المسجد فيخصص منها جانب للفقراء أيضا. و قد حضر بلاكسلي مع المستشرق شيربونو درسا كان يلقيه بعض المدرسين فقال أنه مدرس يمتاز بالذكاء و الجاه، و كان الدرس في تفسير القرآن الكريم. أما في وقت الزيارة فقد أصبحت المدارس و المساجد و الزوايا (( مهجورة و خرابا في كل مكان بالجزائر)) كما أن فقر السكان الذي جاء في أعقاب مصادرة أموال الأوقاف كان بدون شك السبب الرئيسي في هذا الخراب، رغم أن الحرب كانت سببا أخر أيضا.
و نفهم من ذلك أنه بعد الاستيلاء على المدن و مصادرة الأوقاف و هجرة العلماء، قصد المتعلمون الراغبون المناطق البعيدة عن الفرنسيين لمواصلة تعلمهم العربي و الإسلامي، و منه ذلك التعليم الذي كان منتشرا في مدارس و زوايا منطقة زواوة. و يقول تقرير كتب عن بجاية و ما حولها سنة 1840 أن كل دشرة (قرية) كان لها طالب يحسن اللغة العربية، و هو يقوم في نفس الوقت بوظيفة إمام المسجد، و يعلم الأطفال الكتابة و القرءة و حفظ القرأن ، و له أجر يشترك فيه الجميع، و كان بعض هؤلاء الطلبة قد حصلوا على مبادئ الفقه في الزوايا، و هم يحكمون بالصلح بين الناس أيضا. و في كل قبيلة أماكن مخصصة للتعليم و تكوين التلاميذ في المواد التي ذكرناها ، في أماكن عادة تكون قريبة من الزاوية التي فيها أو كان فيها مرابط أشتهر بين الناس بالورع و التقى. و الدراسة مجانية و مدتها غير محددة، و الجميع، و كان بعض هؤلاء الطلبة قد حصلوا على مبادئ الفقه في الزوايا، وهم يحكمون بالصلح بين الناس أيضا. و في كل قبيلة أماكن مخصصة للتعليم و تكوين التلاميذ في المواد التي ذكرناها، في أماكن عادة تكون قريبة من الزاوية التي فيها أو كان فيها مرابط إشتهر بين الناس بالورع و التقى. و الدراسة مجانية و مدتها غير محددة، و الجميع، المعلمون و التلاميذ، يعيشون من تبرعات و إحسان القبائل المجاورة، و أحيانا من مداخيل مخصصة لهم بمقتضى الأوقاف التابعة للزاوية منذ عهود سالفة.
و الزاوية مكان مقدس لدى الجميع و لا أحد يجروء على إنتهاك حرمتها.
و أبرز هذه الزوايا في المنطقة هي زاوية شلاطة التي كانت تبعد مسافة يومين عن سوق بجاية، و هي تقع على الضفة اليسرى لوادي أقبو. و تسمى أيضا زاوية إبن علي الشريف. و لها سمعة علمية تجاوزت حدود الجزائر إذ كانت الهدايا من فاس و تونس و أسطنبول.
و في دراسة هانوتو ولوتورنو عن منطقة القبائل ما يؤكد هذه الظاهرة كما سنرى، فقد قالا إن كل فرد في المنطقة يعرف القراءة و الكتابة، و للسكان مدارس عامة، و إعتزاز قوي بدعم هذه المدارس إذ يرون في ذلك واجبا دينيا و نخوة خاصة. و لغة التدريس هي اللغة العربية و المواد كلها إسلامية، و هي تتبع المنهج الإسلامي. و التعليم في هذه المؤسسات على مرحلتين: إبتدائي و ثانوي. و هناك بعض المدارس الخاصة تحت إشراف المرابطين، و هم يقومون عليها بحماس ديني قوي، فهم يستقبلون العديد من الشباب و يوفرون لهم المسكن و المأكل، و يعلمونهم مجانا، و كان التعليم نفسه عموميا.
و هذه الظاهرة كانت عامة، كما لاحظها مختلف الكتاب، و نعني ظاهرة إنتشار الكتابة و القراءة و حفظ القرأن في المدن و الأرياف على السواء، حسب برنامج موحد يقوم على دراسة العلوم الإسلامية باللغة العربية. و لاحظ أحد الضباط الفرنسيين أن منطقة ميزاب كانت تتبع نفس المنهج و بحماس كبير حتى أنه لا يوجد إلا عدد قيليل جدا هناك لا يعرف القراءة و الكتابة. و قال أن أعمال الحساب عندهم منتشرة حتى أن تجارتهم في مدن التل يقومون بالحساب في سجلاتهم دون وسائط. و التعليم عندهم يجري في المساجد على يد " الطلبة " أيضا. و كل مدينة لها جامع خاص بذلك. لكن السكنى للطلبة كانت في أماكن مخصصة لهم خارج المسجد، و الطلبة (المعلمون) لا يأخذون أجرا من أولياء التلاميذ، و كل أجورهم يأخذونها من الأوقاف.
و توزع مداخيل الوقف نوعا لا نقدا. هذا عن التعليم الإبتدائي، أما الثانوي فيحصلون عليه في المساجد الكبيرة بالدروس العامة المتطورة أو بالهجرة في سبيل العلم إلى مناطق أو بلدان أخرى.
فإذا كان حال العلم غداة الاحتلال هو الازدهار و الانتشار و الاحترام، فاين هو بعد ربع قرن من ذلك؟ لقد أهمل الفرنسيون التعليم في المدن و الأرياف، على السواء، لأسباب مختلفة منها إغتصاب موارده، و كثرة الحروب، و مشاركة الطلبة في واجب الجهاد. و بعد ضعف التعليم بل نكاد نقول إنهياره في المدن على إثر الإحتلال، بقي التعليم في الزوايا و المعمرات، فخرج إليها التلاميذ وإغتربوا فيها طلبا للعلم و المقاومة الثقافية. و بعد نجاح الإستعمار في التوغل في الريف أيضا و مراقبة المعلمين.
و التلاميذ ضعف التعليم هناك أيضا و حوصر إداريا بالقوانين و لغويا بالفرنسية، سيما منذ الستينات، و في هذه الأثناء نشأت زوايا جديدة مثل زوايا الهامل و أولاد جلال و قصر البخاري، و فتحت زواية نفطةأبوابها للجزائريين، و ظلت زوايا زواوة مستمرة في التعليم إلى ثورة 1871. و كل هذه الزوايا ترجع إلى الطريقة الرحمانية عدا زاوية قصر البخاري التي كانت شاذلية. و مع ضغط الإستعمار في عهد الجمهورية الثالثة كادت حركة التعليم العربي- الإسلامي تختفي، و هكذا إرتمى الناس في أحضان الطرق الصوفية و الغموض و الدروشة، و إعتقدوا أن الخلاص لم يعد بالسلاح و لا بالتعليم و لكن ببركة الشيخ الصوفي و المرابط. و سنعرف التطور الذي حدث منذ العشرية الأخيرة من هذا القرن، سواء في ميدان التعليم العربي الإسلامي أو في الميدان السياسي و الفكري أو في الميدان الصوفي.
أما في الناحية الغربية فقد أصيبت حركة التعليم بالشلل، نتيجة الحروب القاسية أثناء المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر. فقد تعرضت المدن الرئيسية إلى تبادل الأيدي عدة مرات. فهذه تلمسان و معسكر، و مستغانم ووهران، تعرضت جميعا إلى خروج أهلها منها عدة مرات، و منهم بالطبع المعلمون و التلاميذ. و توقفت مدرسة مازونة عن وظيفتها مدة طويلة، و تعرضت المكتبات و المساجد و الزوايا و المدارس إلى النهب و الهدم، و الهجران. و قد إعتمد الأمير عبد القادر على فئة العلماء و المثقفين في إدارته، فجعل منهم القضاة و الخلفاء و الكتاب. و رغم إهتمامكه بالتعليم في الخيام و في المدن التي كانت تحت يده، فإن حركة التعليم قد تأثرت بشدة، و نفس الشيئ يقال عن مليانة و المدية اللتين كانتا تابعتين لحكم الأمير إلى سنة 1840.
يتبع ان شاء الله