هذه الآية تكليف أم تقدير: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية ....}؟

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
هذه الآية تكليف أم تقدير:
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور3)
إن اللفظ في الآية خَبَرِيٌّ، وهو يحتمل في تقديري طريقين:
الأول: أمر وتكليف بعدم نكاح المؤمنين للزُّناة والزواني.
الثاني: تقدير قَدَّرَه الله على الزاني والزانية.

بالنسبة للطريق الأول [أمر وتكليف]:
يكون باعتبار اللفظ خَبَرِيًّا لفظا، إنشائيا معنى، فيكون المقصود: لا تُنْكِحوا الزناة، ولا تَنْكِحُوا الزانيات.
ولو نظرنا سنجد أن فاصلة الآية قد بَيَّنَت الحكم: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أي لا يَـحِلُّ لمؤمن أن ينكح زانية، ولا يَـحِلُّ لمؤمنة أن تنكح زانيا.
وقد ذهب إلى الحكم بالتحريم جَمْعٌ غفير من العلماء، وقد اسْتَثْنَوْا من ذلك الزاني التائب الذي صَدَقَت توبته، والزانية التائبة التي انتهت وصَدَقَت توبتها.

بالنسبة للطريق الثاني [تقدير قَدَّرَه الله]:
يكون اللفظ على ظاهره الْخَبَرِيّ لفظا ومعنى، أي: قَدَّرَ الله ألا يتزوج الزاني إلا بزانية أو مشركة، وألا تتزوج الزانية إلا بِزَانٍ أو مشرك.
فالزاني يميل بطبعه الخبيث إلى زانية تشابهه في خُبْثِه، وكذا الزانية تميل إلى خبيث زان مثلها، وذهب إلى ذلك جَمْعٌ غفير من المفسرين، قال الزمخشري: "الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا، لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي على خلاف صفته، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة من شكله، أو في مشركة، والفاسقة الخبيثة الْمُسافِحَة كذلك لا يرغب في نكاحها الصُّلَحَاء مِنَ الرجال ويَنْفِرُونَ عنها، وإنما يرغب فيها مَنْ هو مِنْ شكلها مِنَ الْفَسَقَة أو المشركين".

هل الْمُقَام هنا مُقَام تخيير بين الطريقين؟
أهو حكم وقضاء بالتحريم، أم أنه تقدير على الزناة والزانيات؟
في تقديري ليس بتخيير، بل إن الطريقين معا كليهما قائمان في الآية، فهو حكم من الله وقضاء على المؤمنين بعدم نكاح الزناة أو الزواني، وهو أيضا تقدير قَدَّرَه الله عز وجل على هؤلاء الخبثاء من الناس، بألا ينكحوا إلا أمثالهم، عَلِمَ ذلك مَنْ عَلِمَه ورآه، وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ وغاب عنه؛ فإن هناك بعض الفسقة يلبسون لباس الْعِفَّة ليخدعوا أهل الصلاح، وهناك بعض الذين غرقوا في الرذائل وسرائرهم تنفر من أفعالهم، وأنفسهم اللَّوَّامَةُ تَـجْلِدُ ظهورهم ليعودوا فيتوبوا، فإن الله له في كل شأن مع هؤلاء وأولئك تقدير وحكمة.
والله أعلم
د. محمد الجبالي
 
عودة
أعلى