هاتوا معاولكم هذا صنم نهاية العصر: "القراءة"

إنضم
20/04/2003
المشاركات
567
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
هاتوا معاولكم هذا صنم نهاية العصر: "القراءة"

[align=center]مدخل:[/align]
هدفنا من هذا المكتوب الكشف عن زيف فكري ومنهجي خطير...مداره على تهافت الطائفة التي تسمي نفسها " الطائفةالحداثية " ورفعها لصنم جديد يعبدونه ويلهجون بذكره ألا وهو مفهوم "القراءة".وقد نشأ هذا المفهوم في غيابات الحضارة الغربية واستورده القوم منهم...ولعبوا به في النقد الأدبي وتخطفوه فيما بينهم.....وهاهم تسول لهم أنفسهم التسور على حرم القرآن .....فوجب التنبيه ووجب عمل المعول.

[align=center]مقدمة ترفيهية قبل استجماع الهمة.[/align]

إي والله , لقد آن الأوان لنقول " لملوك" الحداثة إنكم عراة كما ولدتكم أمهاتكم !
ولملك الحداثة-الذي أمسى الآن في جحر الضب بجسمه كاملا–أن يقول:
- في كلامك "تناص " كما شرحه سيدنا ومولانا "ميشال ريفاتير".
فأقول :
-هو ذاك .والنص الغائب تلك الأسطورة التي تعرفها ....ليس من دأبنا أن نتهافت على الأساطير كدأبكم , لكن ميزة أسطورتنا هذه أنها فاضحة لأساطيركم: ما تبدون منها وما تخفون.
-وكيف كان ذلك؟
حسنا.....

" كان في قديم الزمان خياط أصابت حرفته الكساد , ولأن في السفر سبع فوائد فقد عزم على الضرب في أرض الله..وحط عصا ترحاله في مدينة من مدن الناس.ولأنه كان ألمعيا أوعز إلى ابنه -الذي كان يرافقه-أن يشيع في المدينة أنه يخيط ما لا قبل للناس به...فتناهت الأصداء إلى حاكم المدينة .ولأن الحاكم لا يحب أن يسبقه غيره إلى شيء نادر أو تحفة طريفة فقد أرسل بسرعة في طلب الخياط...فكان هذا الحوار:
-من أنت؟
-خياط.
-ما هذا الذي يقوله الناس عنك؟
-هو صحيح يا مولاي...فأنا أخيط ما لا يحسنه غيري.
-......
-أستطيع يا مولاي أن أخيط كسوة لا يراها إلا الأذكياء! والبلداء هم عنها عمون.
- إن لم تصنعها لي ,أو صنعتها لأحد قبلي ,قطعت رأسك.
وانصرف الخياط إلى أجل مسمى بينهم.وقد انقلب بحسنيين: جناح في القصر وأمر لخازن المال ألا يعصي له أمرا.
مضى الأجل ولم يحضر الخياط....وطافت الشكوك.فأرسل الحاكم حاجبه ليستطلع الخبر.فلما مثل الحاجب بين يدي الخياط وجده منكبا على ثوب" لايراه هو".ويتعجب من الزر " غير المرئي" الذي يناوله الخياط إلى ابنه .ويشتد عجبه أكثر من هذا الصبي الصغير الذي يقلب الزر في يده ويثبته في صدر الثوب " غير المرئي" دائما.أيكون الصبي يبصر الزر والثوب لأنه ذكي ويكون الحاجب (......)؟
وفي الطريق استقر رأي الحاجب على ما لا بد له منه...
-هل رأيت الثوب بعينك؟
-نعم يا سيدي...وما رأيت في الدنيا أحسن منه .لله دره من خياط!
(وماذا تريدون : هل تريدون أن يشهد الحاجب على نفسه بالبلادة؟ لله دره من خياط فقد أحكم الكيد إحكاما !)
ثم يأتي دور الوزير بعد أموال وأموال اقتطعت للخياط.
وعند عودته من عند الخياط لم يكن في ذهن الوزير إلا سؤال واحد:
أفيكون الحاجب أذكى منه؟
ليكن ما يكون:
-................
-نعم يا سيدي...وما رأيت في الدنيا أحسن منه .لله دره من خياط!
ثم جاء دور الملكة....ولا يحسن بالملكة أن تكون أقل ذكاء من الحاجب والوزير وصبي الخياط...
ثم جاء دور الملك....
فلم يملك إلا أن "يبتهج" أكثر من غيره....لأنه يدعي أنه" رأى" من دقائق الكسوة ما لم يره أحد.كيف لا وهو أذكى واحد في مدينته.
وجاء الاحتفال....
وخرج الحاكم "في كامل زينته" التى لا يراها إلا الأذكياء.وتعالت صيحات الجمهور" الذكي "إستحسانا وإعجابا.....
إلا طفل صغير بدأ يضغط على كف أمه ويقول :"أنظري أماه إن الملك يسير عاريا".
ولو قدر للملك وسمع كلام الطفل لازداد افتخارا بكسوته وخياطه المقرب فله أن يقول:"...ولما كان الطفل قليل العقل فقد حرم من رؤية الكسوة!!!""
يتبع .....
 
وفقك الله ، وأعانك ، وسدد خطاك ، ونحن بانتظار ما شرعت به بعد هذه الطرفة الأدبية التي أشارت عما تريد بيانه .
وإني لأتمنى ممن كانت له في هذا المجال قدرة ان يشارك في هذا النقد لهذه القراءة المتهافتة التي تأتي بما لا زمام له ولا خطام .
والحق أن الجدال مع بعضهم يقوم مقام جدال الجاهل للعالم ، فليس للجاهل أرضية مشتركة مع العالم ، وليس لبعض هؤلاء أصول واضحة يعتمدون عليها ، فلا الشرع ولا الإجماع ، ولا اللغة العربية من أصولهم في طرحهم لقضاياهم ، فكيف تجادلهم ؟
لكن هذا لا يمنع إظهار عوار منهجهم وتهافته ، وبيان ما فيه من الخطأ والخطل ، والقول المجانب للعقل والصواب ، فضلا عن مجانبته للشرع .
تكرمًا : ارجع إلى هذا الرابط
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4331
 
[align=center]1-وشهد شاهد من أهلها[/align]
الغرب هم الآن في خريف "حضارتهم" ويأبى حداثيو قومنا إلا أن يشاركوهم هذا الخريف .صلى الله على محمد أبلغ البشر :عن أبي سعيد رضي الله عنه
: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ) . قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال ( فمن )
[ 6889 ] البخاري.
وليس من الصعب على المرء أن يتبين ألوان هذا الخريف المنذر بشتاء مظلم...ما عليه إلا أن يستبين اللون الفكري السائد عند القوم ..فإن شاع لون السفسطة فذلك نذير الانهيار.وقد عرف تاريخ الفكر الغربي أعراض هذا المرض مرات عديدة أعقبها الانهيار الحتمي ولم ينهضوا إلا عند دفنهم للسفسطة.مثلا:
- لم تتأسس الحضارة الهللينية إلا بعد القضاء على فلول السفسطائين علي يد بعض "حكمائهم العقلاء" كسقراط وأرسطو.
- وما انهارت "اثينا" إلا بعد أن استولى على عاصمة العالم الثقافية مذاهب السفسطة التي تترقب دائما خلود الناس إلى الترف والغرائز والبحث عن اللذة لتخرج من جحورها ....وقد خرجت هنا باسم "فلسفة الشك" و"البيرونية" و" المغالطات"......
وهكذا فأم الحضارة الغربية –أعني أثينا- ناطقة بالدرس البليغ:"لم تبرز إلى الوجود إلا بعد الانتصار على السفسطة المانعة من الحضارة . ولم تسقط إلا بعد هيمنة السفسطة الموجبة لسقوطها.
ولما كانت اللغة أعظم مظاهر حضارة الإنسان على الإطلاق لأنها الوجه الثاني لوجوده كما نبه على ذلك القرآن العظيم في مطلع السورتين الكريمتين : الرحمن والعلق,فإن السفسطة تفضل دائما أن تبدأ عملها التخريبي بنخر جسم اللغة....لأن الشك في اللغة أو إفسادها هو أسرع طريق للشك وإفساد كل المجالات الأخرى....
ومن تتبع مسار الفكر الغربي الحديث في قرنهم العشرين سيلاحظ أمرا عجبا:
- النصف الأول من القرن اتسم بتأليه اللغة والرفع من شأنها ومضى مفكروهم يرون أن كل شيء في الكون لغة ....ونشطت الحركات اللغوية على أكثر من صعيد: فرويد ولاكان وأشياعهما يرون اللاشعور لغة.....ويرون علاج الحالات المزمنة باللغة بدل العقاقير....ليفي شتراوس يرى أن العلاقات الاجتماعية ما هي في جوهرها إلا أنظمة من الدالات والمدلولات أي لغة..ونشط علم السميولوجيا ليرى مظاهر الحضارة لغة أو على شاكلتها....وازدهرت البنيوية فارتقت بعلوم اللغة إلى الصف الأول ضمن العلوم الانسانية ثم شاع بينهم أن كل علم إنساني يريد أن يتقدم لا بد أن يستلهم النموذج اللغوي....
- النصف الثاني من القرن شهد الاحتفال ب"أكل" إلههم...فكأنهم ما رفعوا اللغة إلا ليراها جميع الناس وبالتالي يكونون جميعا شهداء على خرابها وسقوطها.وكانت "التفكيكية"-الوجه العصري للسفسطة القديمة- حاملة لواء التخريب وصانعة المعول الذي يسمى "قراءة".....ومع أن هذه التفكيكية- مثلها مثل أي سفسطة أخرى- يستهجنها كل عاقل ولا يمكن قبولها إلا كما نقبل لعب الصبيان: أعني نبتسم لخيالهم لحظة ثم ننصرف إلى أعمالنا .أما أخذ لعبهم على محمل الجد والمشاركة معهم فهذا لا يخطر ببال الراشد أبدا.قلت هذه التفكيكية على سذاجتها يصعب دحضها لأمرين:
- "أثر الخياط"-راجع الأسطورة أعلاه-فالهالة التي أحيطت بالتفكيك والتهويل الذي صاحبه كل ذلك جعل الناس لا يتجرؤون على ما تجرأ عليه الطفل وإن كان رأيهم هو رأي الطفل فعلا .
- من المعلوم أن أي سفسطة لا يمكن دحضها بالمنطق...وإن كانت في نفس الأمر داحضة بالفطرة التي فطر الله الناس عليها....وما من فرد إلا اعترته حالة سفسطة لكن رحمة الله تتداركه بعد ذلك فيعود إلى فطرته... أما أن تتحول إلى مذهب فذلك الجنون بعينه.....وقديما ذكر علماؤنا أن السفسطي لا يناقش ولكن يلكم على وجهه فإن احتج أو طالب بالقصاص فهي الشهادة بانه يؤمن بالعالم الخارجي الذي ينكره.....أقول هذا الكلام لأن التفكيكي لا يعدم أجوبة للدفاع عن فلسفته ولو كان بطلانها ظاهرا للصبيان.....فبيرون الشاك الإغريقي –مثلا-كان لا يؤمن بالعقل كمصدر للمعرفة الحقة وعندما يناظر ويثبت له خصمه بالأدلة القطعية أن العقل يصلح للمعرفة يكون جواب بيرون الشاك:"هذه الأدلة من أين أتيت بها؟"فإن قال مناظره: " جئت بها من العقل" كان الرد:" أنا أشك في العقل فكيف يكون خصما وحكما"!!
الحمد لله الذي نجانا من هذا الوساوس.....
إذن شهد النصف الثاني من القرن العشرين استراتيجية إزاحة اللغة – ومعها إزاحة العقل والفكر-والتخلص من سلطتها لينتثر نظام المعرفة .....وإن كانت أعراض هذا المرض قد بدأت في الظهور من قبل....في شكل سفسطات من نوع "الادب السوريالي" و"الدادا".....ولكي يدرك العربي هذا الغثاء والعبث الصبياني يكفي أن نشير مثلا إلى ما يشاع عن سبب تسمية "الدادا" فقد فتح "تريستان تزارا"المعجم –عندما أراد تسمية مولوده الفكري- فكان أول كلمة وقعت عليها عينه هي كلمة "دادا" والتي تعني في لغة الاطفال "الحصان الخشبي" فكان مذهبه "الدادا".....وهذا الشاعر الحداثي هو صاحب الوصفة المشهورة لإبداع قصيدة سوريالية جميلة :يكفي أن تأخذ قبعتك وتضع فيها كلمات كثيرة مكتوبة على قصاصات صغيرة من الورق...ثم اخلط جيدا ...وبعد ذلك اسحب ورقة ورقة وانقل كلماتها على الورقة بحسب ترتيب خروجها.....ثم استمتع بالقصيدة هنيئا مريئا!!!
وهؤلاء هم أيضا مبدعو الشعر الحداثي المسمى بالشعر الآلي:وهو سهل جيدا ما عليك إلا أن تختار وقتا تكون فيه متعبا وقليل التركيز والوعي وخذ ورقة واكتب بسرعة فائقة ما يخطر ببالك بحيث تكتب الكلمة ولا تعرف الكلمة المقبلة...وكلما اسرعت كلما صدقت قصيدتك لأن اللاشعور –بزعمهم-هو المبدعى الحقيقي...فتغييب العقل يطلق يد اللاشعور في الابداع.....
هذا الاستطراد لا بد منه....ليعرف الناس حقيقة هذه الحداثة وحقيقة مبدعيها وأتباعها......
ثم جاءت فضيحة سوكال*...(انظر الهامش)
وأهمية هذه الفضيحة في نظري هي كونها صفعة مهينة للحداثيين وعلى رأسهم أذنابهم المسلمون والعرب......هذا الإهانة لا سبيل لهم للخلاص منها فليست صادرة من قطب أوسفر أو سلمان أو سليمان ليقولوا مسلمون رجعيون ظلاميون ولا عبرة بكلامهم.....بل هي صادرة من أعلى مستوى في الفكر الغربي...من بروفسور مختص في الفزياء وفي بلد هو قمة الحضارة الغربية.....ولا أعتقد أن من يدعي "تشريح النص" يجرأ على أن يتوهم أن عمله يضاهي تفجير النواة.فيقول لا عبرة بكلام سوكال.
يتبع......
---------------------------------------
هامش:رابط الفضيحة هو هذا http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=4320
مع ضرورة الرجوع إلى المصدرين لمن يتقن الفرنسية أو الانجليزية ليدرك حجم الرجة التي احدثها سوكال....
وقد لاحظت مع الأسف عدم تفاعل الإخوة مع الموضوع-باستثناء فاضلين فقط-
وكان أملي أن ينقل الموضوع لكل المنتديات على الاقل بمناسبة مرور عشرية على وقوع الفضيحة.....ويؤسفني أن أتذكر بهذا الصدد مقولة مالك بن نبي رحمه الله: ما فائدة أن تكتب جالسا ويقرؤك غيرك مستلقيا....
 
أحسن الله إليك أبا عبدالمعز على هذه النوادر التي تتحفنا بها ، ولكن عدم كتابة الرد أحياناً بسبب جودة الموضوع ، مما يجعلنا نرى أن مجرد الإعجاب لا يفي بحقها علينا معشر القراء ، فنبقى نتحفز لنكتب ما يمكن أن يسمى مداخلة حول الموضوع والوقت يمضي ، فيكون العتاب !
وقد قرأت ما كتبته مرات ، ورجعت بي الذاكرة إلى كتابات كثيرة أضعت الكثير من الوقت في محاولة فهمها ولكن دون جدوى ، مما جعلني أشعر - مع كثرة إعجاب النقاد الحداثيين بها ، وثنائهم عليها - بشعور الحاجب ومن بعده ، كيف أبدي عدم فهمي لما يكتبه هؤلاء فأفتضح ؟! والأمر في حقيقته لا يزيد على ما ذكرته في مقالتك ، فزدنا علماً حول هذا الأمر ، فهو في حاجة إلى كتابات طويلة مؤصلة على غرار ما كتبته وما تكتبته في غير هذه المشاركة في الملتقى العلمي للتفسير أعانك الله وسددك ، وثق أننا لا نقرأ ما تكتبته إلا ونحن متحفزين متمعنين فيما تكتبه.
 
[align=center]2-ورطة مدرس أدب حديث ولا تلميذ لها.[/align]
الحداثي طفل صغير تعجبه الفرقعات وتلؤلؤ الأشياء –حتى لو أحرقته!- خاصة الألفاظ والمصطلحات...وعنده شغف شديد بالكلمات التي تنتهي ب"لوجيا".....ولا يجد لذته إلا في لوك الكلمات ذات الرطانة الأجنبية.....فهو قلما يقول مثلا "من وجه نفسي واجتماعي وحضاري" بل يفضل أن يتفيهق على نحو :"على المستوى السايكولوجي والسوسيولوجي والانتربولوجي"ثم ينظر وقع الكلمات على مخاطبيه بزهو واضح كالطاووس....أما مخاطبوه فلا يملكون إلا أن يشهدوا له بالعلم والتعمق فيه بسبب تأثير "مكيدة الخياط".ولنا وقفة مع درس سوكال بعد حين.
المدرس المتورط الذي أريد أن أتحدث عنه هنا ليس أحدا غيري!!!
فمن المحاور التي ينبغي أن نلقنها للتلاميذ محور المناهج النقدية ومن ضمنها بطبيعة الحال آخر العنقود: التفكيك واستراتيجية القراءات.(تخيلوا وقع كلمة استراتيجية على التلميذ المغفل وهرولته إلى استعمالها في أقرب مناسبة!!)
ومن المفروض علي –باعتباري مدرسا-أن أتحدث عن التفكيك بتمجيد شديد (حسب ما خطوا في الكتاب المقرر) ومن المفروض أن أحدثهم عن النص المفتوح وتعدد القراءات وتكوثر المداخل....وعلي أن أشرح لهم إجمالا نظرية اليهودي الهالك "دريدا" التي تنص على أن كل قراءة لا تكون إلا خاطئة.....وأن النص لا وجود له إلا في القراءة..فأضرب لهم مثلا قائلا:هذه القصيدة واحدة وأنتم ثلاثون....وكل واحد منكم سيقرأ القصيدة ويؤولها كما يشاء....فتكون الحصيلة ثلاثين قراءة أي ثلاثين قصيدة...وفي الحصة القادمة سيصبح العدد ستين......وهلم جرا.
لكن خاطرا يؤرقني دائما فأحمد الله ان التلاميذ لا يخطر ببالهم-إلى حد الساعة على الأقل- ماذا لو قدمت للتلاميذ في الامتحان قصيدة للمتنبي في مدح صاحبه سيف الدولة ثم خطر للتلاميذ أن يكونوا "تفكيكيين" في إجاباتهم:
-ماذا لو كتب تلميذ : "هذا هجاء مقذع مؤولا كل كلام المتنبي على قاعدة الاستعارة التهكمية...."!! هذه قراءته.
-ماذا لو كتب زميله:"هذا غزل رقيق....فالمتنبي أسقط على سيف الدولة صورة الأنثى التي لم يجدها في الواقع!! هذه قراءته.
-ماذا لو كتب ثالث :"هذه قصيدة في الفخر .فالثنائية متوهمة فقط وليس "سيف الدولة "في القصيدة إلا الأنا الأخرى – alter-ego-للمتنبي...والحوار المتوهم ليس إلا مونولوجا داخليا.(لاحظوا إرهاب الكلمات) هذه قراءته.
-ماذا لو قدم الرابع الورقة بيضاء....هذه قراءته.
كيف يمكن للحداثي أن يصحح كل هذا دون أن يتورط تورطا قبيحا جدا:
-فإن وبخ التلاميذ وحاكمهم إلى معيار ما...فقد ناقض نفسه وكذبها وللتلاميذ أن يقولوا له....كيف توبخنا وأنت أمليت علينا بالأمس أن كل القراءات مشروعة ؟
-وإن سار مع منطق التفكيك فهي الفوضى لا محالة.....وحتى الورقة البيضاء ينبغي ان تعطى لها نقطة جيدة....لأن المدرس سيقرأها على النحو التالي:سكوت التلميذ تعبير استفزازي حداثي عن الثورة على كل نص تراثي ورفض لكل اسقاطات عصرية على شاعرية المتنبي".
الحداثة نسيج عنكبوت .....بوسع أي تلميذ أن يبطلها ويضع أستاذه الحداثي في حيص بيص.
يتبع.......
 
أبا عبد المعز : اتحفنا بفرائدك وفقك الله , وأنا عن نفسي آخذ نفساً عميقاً عند قراءة مقالاتك , بل بعضها أكررها لما تحمله من قوة , وكما قال أخي د . عبد الرحمن إن عدم الرد ليس دليلاً على عدم التفاعل , فسر وفقك الله في فضحهم , فما أحوجنا إلى ذلك .
 
لقد حاول هذا الكيد خلقٌ في القديم .. ثم تبعهم قوم في الحديث ..
فأما الصدر الأول منهم ، فنُكصوا على أعقابهم خائبين ، وكُبّوا لوجوههم خاسرين ..
وأما الجماعة الثانية الحديثة فقد أسررت الحَسْوَ في الارتغاء واستقت بلا دلو ولا رِشاء ، ودلّت على فسولة أصحابها وضعف منّتهم ..
والله لا يُغالَب ، بل هو غالب على أمره فعّال لِما يريد ..

وما هذه "القراءة" الحديثة إلا كالرسم الحديث ..
إذ هما عبدان للأسلوب ..
فذاك يحتال على الإحساس بالكلمة ..
وهذا يحتال عليه باللون ..
والأشدّ احتيالاً الإدعاء بالتجدّد ..

وبارك الله فيكم وجوزيتم كل خير ..
وبانتظار المزيد من هذه الطرف والنفائس ..
 
نحن ...وهم .... على مفترق المصطلحات

نحن ...وهم .... على مفترق المصطلحات

منذ أن ظهرت القوميات في البلاد الإسلامية وجدنا ظاهرة القراءة تتمطمط رافعة قدمها وباسطة يدها ،فأخذ يدلج فيها فسول القوميين وبثور العلمانيين ومندوبو المستشرقين وفي هذه الأثناء كانت تجارب اللسانيات ما زلت تطبخ في المعامل الغربية لتكون سفيرة لقراءة جديدة تبشر (بالمفهوم الغربي) بفهم حداثي باسم التجديد والتغييراقرأ هذا الرابط تكرما أخي أبا عبد المعز
http://www.tafsir.org/vb/showthread...C7%E1%DE%D1%C7%C1%C9+%C7%E1%E3%DA%C7%D5%D1%C9 وعنوانه محمد شحرور وجذور القراءة المعاصرة
ثم ينظر هذا الرابط وتاريخ كتابته
http://www.albayan.co.ae/albayan/culture/2002/issue130/afaque/2.htm لندرك مدى تقصيرنا في متابعة هذه المستجدات الخطيرة فالظاهر أنهم يصنعون المصطلحات وينمقونها ثم يقوم مندوبوهم في ساحاتنا الثقافية للترويج لها وتعظيمها وبيان مدلولاتها ومعانيها بالفهم الذي رسم لهم أن يقولونه للناس وأهم ما في هذه المصطلحات هو التعمية والإرهاب اللساني والدلالي وكل من لا يستخدم مصطلحاتهم الحداثية فهو لاحداثي ، والنتيجة فالتهم جاهزة ..........
 
التعديل الأخير:
[align=center]3-الجذور السفسطائية لمفهوم "القراءة"[/align]

ثبت أن كل منهج يستند إلى خلفية نظرية فلسفية ....
و "القراءة" ليس بدعا من المناهج , مرجعها النظري هي :السفسطة. فما السفسطة؟
السفسطة "مذهب" في نظرية المعرفة و"موقف" من الحقيقة يمكن أن تظهر باسمها الصريح كما يمكن أن تتقنع بأسماء أخرى براقة في غالبها يخطف بريقها البصر فلا تنتبه العين إلى معنى السفسطة الكامن تحتها.وإني لمرشد القاريء إلى ضابط عام ييسر رصد هذا المذهب:
-من قال أولزمه إنكار الحقيقة في الداخل والخارج فهو سفسطائي.
-من قال أو لزمه أن الحقيقة ليست في الخارج ولكنها داخل الانسان فهو سفسطائي.
-من قال أو لزمه أن الحقيقة في الخارج ولكنها تتعدد فهو سفسطائي.
و"القراءة" لا تحتاج إلى تمحيص شديد لكي نكتشف جذورها الضاربة في هذه البنود الثلاث.
البند الثاني مثلا هو ترجمة الشعار المعروف ل"جورجياس"السفسطائي الإغريقي المشهور:"الإنسان مقياس كل شيء" وفحواه أن الحقيقة ليست اكتشافا في الواقع ولكنها اختراع للوعي..فأنا الذي يقرر معنى الحقيقة وأنا الذي يضع معيارها .هذا المبدأ الذي كان بعض الناس قديما يخجلون من ذكره لشناعته أصبح عند الغرب اليوم أساس معظم فلسفاتهم...فالفلسفة البرغماتية –وهي العمود الفقري للفكر الأمريكي- تقوم على المبدأ ذاته.....فصواب الفكرة وخطؤها في هذا المذهب ليس ذاتيا في الفكرة بل هو فكرة في الذات لا غير: فهذه الفكرة صواب إن حملت لي "منفعة" وهي خطأ إن لم تحمل لي "منفعة"....وليس من المستغرب أن تكون "حقيقة" الأمس "باطل" اليوم"..لأن معيار الحق يدور مع المصلحة وجودا وعدما.وليس من المستغرب أن تكون الفكرة الواحدة صوابا وخطئا في وقت واحد إذ لا يشترط إلا وجود تقديرين أعني ذاتين...
هذا هو جوهر "التفكيكية" عندما رفعت شعار "لا وجود إلا للقراءة" متخطية بذلك ما تبقى من "عقل" عند البنيوية.
فالبنيويون من قبل أجهزوا على "المؤلف" وأعدموه....ويقصدون بذلك أن نية القائل ومراد المتكلم وقصد الكاتب لا أهمية لها إطلاقا.....ولتوضيح المسالة أضرب مثلا طريفا ما زال عالقا بذهني :
في ندوة انعقدت حول مناهج تحليل الرواية قام ناقد فرنسي يدعى "ريكاردو" بتحليل رواية من تيار "الرواية الجديدة " وكان صاحب الرواية موجودا فى الندوة.....وأثناء المناقشة اعترض المؤلف على الناقد وبين أن المعاني التي أشار إليها الناقد الفاضل لم تخطر بباله إطلاقا....وأنه من المجازفة أن ينسب إلى روايته ما لا يعرفه هو وهو كاتبها.
فما كان من الناقد الفاضل إلا أن قال:
"لكنك ياعزيزي أنت لست الآن إلا قارئا من القراء."
ولعل في هذه الحادثة أقصى ما يمكن تخيله:خضوع الكاتب لسلطة القاريء.بل انتفاء مفهوم "المؤلف" أصلا.لأنه ينتقل مباشرة -بعد خروج النص - من صف المبدع إلى صف القراء.....والقراء لا يتفاضلون!!
حسنا ......مات المؤلف فمن يتكلم في النص؟
يجيب البنيويون : المتكلم الحقيقي هي اللغة...فللغة نظامها وقوانينها ومستوياتها وهي مستقلة عن المتكلم وعن العالم (كان دو سوسير -أبو البنيوية -يرى أن الكلمة ليست علاقة بين اسم وشيء ولكن علاقة بين دال ومدلول ليعزل العالم عن اللغة وكان يميز بين اللغة والكلام ويرى أن موضوع علم اللغة هو الأول لا الثاني ليعزل الإنسان.....)
إن تمسك البنيويين بسلطة اللغة -أي النص- هو الأمر الوحيد الذي أنقذهم من السقوط في السفسطة.....لأنهم يعتقدون ب"شيء ما" خارج الانسان ثابت يمكن التحاكم والرجوع إليه.لكن التفكيكيين قوضوا هذا القلعة الأخيرة....فاعلنوا "موت النص" بعد "موت المؤلف" وأصبح القاريء هو الكيان الوحيد الموجود.....ولتقدير ما وقع بالفعل أخترع لكم هذا المشهد –على سبل التوضيح-:
قال المؤلف:أحب التفاح.
قال الناقد البنيوي:الجملة تتحدث عن رغبة الذات في موضوع ما .وهذا الموضوع ليس طبيعيا بقدر ما هو ثقافي فتكون الرغبة في تجاوز" المقدس " فالنص يحيل على قصة آدم وحواء .....والتفاحة مظهر ل "عصيان"ما.
قال المؤلف: ما أردت إلا أنني جائع....
قال البنيوي:هذا لا يهمني ف كلمة "التفاح " في اللغة لها هذه الإيحاءات المثيولوجية.
قال التفكيكي: أرى هنا تركيبة شعورية لها وجهان: ملل وقرف في وجه, وألم وتوجع في وجه آخر.
قال البنيوي:هذا لا يوجد في النص.
قال التفكيكي: بلى .....الدال "تفاح" ينفك إل عنصرين "تف" و" آح"....العنصر الأول فيه " أثر" الملل والضجر كما في "أف"....وفي الثاني فيه" ترسبات " الوجع.

للفقرة بقية.....
 
أما البند الثالث فهو لا يختلف كثيرا عن الثاني...وكلاهما يلزمهما البند الأول أي السقوط في الغنوصية المطلقة....فتعدد الحقائق هو المعبر عنه بالفكر النسبي الذي يلهج به الحداثيون ....ويوظفونه سياسيا في شعارهم :"التعددية" و"قبول الآخر".ويقولون لا أحد يملك الحقيقة المطلقة ...وهم يعرضون هنا بالإسلاميين....ويقصدون بالآخراللادينية والإلحاد والفجور ويرون الحق لكل هذا الخليط أن يوجد...بل لا بد من التعامل مع جميع المفاهيم على قدم المساواة ولا داعي للإنكار على فكر ما أو التشنيع على شذوذ ما لأن الحقيقة المطلقة غير موجودة فثبتت المساواة في الطابع النسبي.....قال نيتشه دهقان الفكر التفكيكي(وهو الذي صعد إلى الرتبة الأولى في تصنيف الحداثيين بعد أفول نجم ماركس):"هناك عيون من جميع الألوان, إذن هناك حقائق من جميع الألوان, إذن لا حقيقة البتة".وبمثل هذا القول قال لويس التوسيرالفرنسي الماركسي(الذي عجل بنهاية الماركسية عندما أدخل مفهوم القراءة في قلب الماركسية فنادى بضرورة قراءة " الرأسمال") قال التوسير :"ليس هناك خطاب بريء". فإن صدق الرجل فقوله هذا ليس بريئا أيضا...وقولي عن قوله إنه ليس بريئا هو بدوره غير بريء ومن خالفنا أو وافقنا فمخالفته أو موافقته ليست بريئة أيضا......اللهم ثبتنا على دينك.!!!!
(للعبرة فإن التوسير ذبح زوجته وسيق إلى مستشفى المجانين أما سلفه نيتشه فقد خرب داء الزهري مخه ومات في مستشفى المجانين أيضا... وميشال فوكو لوطي كان من أوائل ضحايا الأيدز .....فتبا لهؤلاء الحداثين من بني قومنا الذين لم ينتشلوا متبوعيهم إلا من ردهات المارستانات!!!)
هذا....
وقد تقرر عند أئمة أمتنا أن أية فكرة أو أي اجتهاد لم نستطع أن نكتشف فيها البطلان بسبب إحكام الشبهة أو بسبب الزخرفة والتزيين الشيطاني فإنه مع ذلك يمكن القطع ببطلانها ليس بتحليلها بل بمجرد النظر إلى مآلها ولوازمها : فلا يلزم عن الحق إلا حق , ولا يلزم عن الباطل إلا باطل .لذلك أقول لناشئة المسلمين ليس من الضروري أن نتتبع المنهج التفكيكي أو الفلسفة النسبية في كل المفردات واللبنات فالمشقة ستطول وإرهاب المصطلحات وارد...وإنما يكفي أن نقول :
[align=center]يلزم من تبني القراءات التفكيكية القول بأنه ليس في الوجود قرآن.[/align]نعم.
جرب أن تجادل أحدهم وتحتج عليه بآية من التنزيل....سيقول لك : هذا فهمك للآية ولا يلزمني....أو هذه قراءة ممكنة للقرآن من جملة قراءات كثيرة أخرى ممكنة...فإن قلت له ابن عباس قال....رد عليك بقوله : رأي ابن عباس قراءة أخرى ممكنة....
النتيجة: رفع القرآن الإلهي من الأرض ولم يبق إلا القراءات البشرية النسبية... هذا يلزم كل الحداثيين شاؤوا أم أبوا.....فلينظروا بعد ما بقي لهم من دين المسلمين.
قارنوا –رحمكم الله- بين هؤلاء "القراءتية" وبين سلف الأمة- ويقينا لم يسر على هذه الأرض أعقل من المسلمين- قالوا ضمن تعريفهم للتفسير :" الكشف عن مراد الله...."وبذلك سدوا باب السفسطة...فهناك "مراد الله " وهو الحق الوحيد..والإنسان يسعى بجهده وقواعده الموضوعية ليصل أو ليقترب من هذه الحقيقة....وسدا لباب السفسطة رمى الأصوليون مذهب" المصوبة" عن قوس واحدة....وقالوا لا يعقل أن يكون الحق عند المختلفين بنفس القدر....بل الحق عندفريق واحد ولهم أجران وللفريق الثاني أجر واحد هو أجر الجهد فقط....
يتبع..........
 
كلام موفق ، ويا حبذا المواصلة على هذا النحو ، لمزيد من كشف منهج هؤلاء.
وقد اطلعت على كتاب جيد بعنوان (تهافت القراءة المعاصرة) للدكتور محامي منير محمد طاهر الشواف يناقش فيه أحد من يدعو للقراءة المعاصرة للتراث وللقرآن ، وهو المهندس المدني السوري محمد ديب شحرور وخاصة في كتابه (الكتاب والقرآن قرأة معاصرة) . والكتاب مجلد في 627 صفحة ، جدير بالقراءة والتلخيص .
 
[align=center]4-عودة إلى سوكال[/align]

للتأكد من فهمي لمصطلح "الاختلاف" عزمت على الرجوع إلى معجم كما يفعل جميع عباد الله.....فلم أجد أفضل من "دليل" "يضيء" لأكثر من سبعين تيارا....فكان أن وقعت على هذه التحفة الحداثية .....أتركها لكم بدون تعليق إلا شيئين :
-تذكروا انكم تقرؤون في معجم .
-لو كان "سوكال" مسلما لترحمت عليه حيا وميتا.


د.ميجان الرويلي ............ د.سعد البازعي.

دليل الناقد الأدبي.
إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا.
المركز الثقافي العربي.
الطبعة الثالثة.
2002
عدد الصفحات464
القياس:17*24
جميع الحقوق محفوظة.
الناشر المركز الثقافي العربي.
الدار البيضاء-المغرب

..إن دريدا يشير إلى الأثر في تعريف للاخـ (ت)ـلاف ويزعم أنه يجعل حركة الدلالة ممكنة بشرط أن يرتبط كل "حاضر" أو ظاهر بشيء آخر غير نفسه ويحتفظ بعلامة عنصر ماض تميز "حضوره", كما يهيء نفسه "بتجويف"(أي أثر) محدد يكون علامة علاقته بعنصر المستقبل.إن هذا الأثر (التجويف) لا يرتبط بدرجة أقل بما يسمى المستقبل وبدرجة أكبر بما هو ماض , وإنما هو أثر يؤسس ما يسمى الحاضر في ذات هذه العلاقة , لا وجود للحاضر ولا للماضي ولا للمستقبل.فالأثر جزء لا يتجزأ من العلاقة , والعلاقة ذاتها أساس الماضي والحاضر والمستقبل , أساس الزمن ومفهومه.
ونتيجة لهذه العلاقة المنفصمة التي بدونها لا يمكن للحضور أن يتشكل , يكون الحضور دائما متأخرا عن نفسه ويأتي دائما كنتيجة للماضي المطلق الذي يؤسس إمكانية الحضور.و الاخـ (ت)ـلاف كحركة الزمانية هذه يقتضي أن تكون هذه الزمانية خارج مفهوم الزمن , لكنها أيضا هي أساس الزمن وبالتالي على علاقة معه , تحتفظ من خلال هذه العلاقة بعلامة العلاقة في داخلها.لكن كون هذا الماضي الزماني المطلق خارج الزمن فإن الاخـ (ت)ـلاف كزمانية يشير أيضا إلى مكانية أو فضائية , مساحة فاصلة, وكذلك يصبح الاخـ (ت)ـلاف هو أيضا أساس المكانية.
ثانيا:إن حركة الاخـ (ت)ـلاف (كمنتج لأشياء مختلفة تتصف بكونها حركة التمايز والتباين) هي الجذر المألوف لكل المفاهيم المتضادة التي تسم كل لغة. ودريدا هنا يعتمد على الفعل اللاتيني الذي يعنى (الاختلاف) وبذلك يكون الاخـ (ت)ـلاف هو نفسه سبب التمايز.لكن دريدا لا يقف هنا , بل يحيل أيضا إلى إيحاءات الاختلاف نفسه التي تنجم عن التضاد. بما أن إنتاج هذا التمايز والاختلاف ينجم عن "بينية" مكانية تقابلية بين المتضادات (بينية هي نفسها جاءت نتيجة مكانية المتضادات ورصفها جنبا لجنب) فلا بد من وجود صدع يفصل بينها اعتمادا على عدم التشابه أو النفور [الحساسية] بين الأقطاب والمصطلحات أو المفاهيم (إن احدى دلالات الاختلاف هي الجدل أو المنازعة أو اختلاف الرأي). ولهذا فإن الاخـ (ت)ـلاف هنا يتحدد على أنه توزيع مكاني , ولا بد له من إبراز المساحة والفسحة التي تفصل المتضادات.إن المكانية, مثلها مثل مفاهيم التقويض الأخرى (الأثر الأصل مثلا) , لا هي زمان ولا هي مكان, لكنها هي التي تعطي المكان إمكانية وجوده.فالاخـ (ت)ـلاف (كموجد للفراغ المكاني بين الضدين) هو افتراض مسبق, وعليه يعتمد وجود الفراغات بين المفاهيم والآراء والمصطلحات وما شابه ذلك. وهنا لا يختلف مفهوم الأثر الأصل عن مفهوم الاخـ (ت)ـلاف : فالمكانية من منظور الأثر الأصل هي الصدع الذي يحدد الخارجية عموما, الخارجية التي لا تسمح لأي وجود أن يحتفظ بمكان مفصول ومعزول عن غيره. وبما أن المكانية هي الإمكانية التي يقتضيها أي كائن فإن هذه المكانية لا بد أن تكون جوهرية فيه وجزءا من هويته.لكن المكانية تبقى ليست زمانا ولا مكانا , وإنما خارج مطلق يحدد هوية الوجود.ومن هنا يرى دريدا أن أي "خارج" لا بد أن يقطن ويحتل الداخلي حتى يتسنى لما هو داخل أن يكون(أو حتى أن يتسنى لأي شيء أن يوجد ويحل في موقع مكانى).
أما من منظور الاخـ (ت)ـلاف , فإن المكانية هي عنف الانفجار والانفصام التي من خلالها يتأتى للمفاهيم والمصطلحات ضمن البينية المتضادة أن تنفصل عن بعضها وتتقابل حتى يتسنى لعملية الدلالة أن تتم .ولذلك فإن هذه "المكانية" هي في آن إنتاجية أو محصلة (سلبية وايجابية معا) الفواصل والقواطع الفراغية التي بدونها لا يمكن أبدا للمفردات والمصطلحات أن تؤدي عملية الدلالة ووظيفتها .أما أهمية الفواصل والقواطع فتكمن في أنها تسمح للعناصر المتضادة الدخول في علاقة معينة دون أن تسمح لها بالتوافق أو التطابق التام.إن المكانية تهيء ظهور المفاهيم , لكن المفاهيم نفسها –وهي تعتمد في وجودها على المكانية—لا بد أن تكون قد وسمت مسبقا بعلاقتها مع آخرها في مشهد الدلالة الأصلي(الأولي). والمكانية من ثم ليست هي عزل المختلفات والفصل بينها فقط, وإنما هي أيضا عملية العزل ذاتها , هي هذا النشاط الإيجابي أو الفعل الذي يرسي الفواصل بالاضافة إلى الفواصل ذاتها.كما أن ما تفعله بهذه المفاهيم ينطبق أيضا على المكانية نفسها وعلى عمليتها الإيجابية والسلبية .ولذلك فهي مفهوم غير مستقر ولا يقبل التحديد أبدا.
ثالثا: إن الاخـ (ت)ـلاف هو منتج الاختلافات ومنتج عملية إنتاج الاختلافات,أي عملية توليد الاختلافات التي بها تتميز الاختلافات نفسها.ف الاخـ (ت)ـلاف هو مصدر الاختلافات اللغوية التي توصل إليها سوسير.وبهذا الربط يكون الاخـ (ت)ـلاف هو مبدأ السميوطيقا والادراك اللغوي.ولا يجب خلط الاختلافات البنيوية الأفقية مع الاختلافات المنتجة للمفاهيم , فالأولى هي خصائص الإشارات وأنظمة الإشارة التي تهيء العناصر الأولية للدلالة.وهذا النظام اللغوي يعتمد على انتاج اختلافات منتظمة , وبذلك فإن أساس هذه الاختلافات هو الاخـ (ت)ـلاف .وعليه فإن الدلالة ونظامها يعتمد أساسا على الاخـ (ت)ـلاف .ومن الواضح أن الاخـ (ت)ـلاف كمبدأ للمخالفة والتباين والتميز يتداخل مع معناه كمفهوم مكاني, بما أن المفاهيم بالضرورة لا بد أن تنطبع داخل الأنظمة والبنى حيث تتم عملية الإحالة والمرجعية إلى المفاهيم الأخرى (تنطبع , كما يقول سوسير,بشكل سلبي,أو بشكل غير متحيز, لأن اللغة تتكون من الاختلافات فقط)
رابعا: إن الاخـ (ت)ـلاف هو إمكانية تسمية وإدراك الاختلاف العيني "الطبيعي", والاختلاف هو دائما سابق على أي "وجود" طبيعي وخارج عنه حتى يتسنى "للوجود-الكينونة"إمكانية الإدراك والمعرفة , أي حتى يختلف الوجود عن الموجودات.ولهذا فإن الاخـ (ت)ـلاف أقدم وأسبق من الوجود.وهنا يكاد مفهوم الاخـ (ت)ـلاف يتطابق مع مفهوم الأثر والأصل.
..........
 
فى غمرة انتشائي بهذا النص الذي أضاء لي مصطلح "الاختلاف" نسيت أن أشير إلى الصفحات التي طلع منها قمر الدج(ى)(أرجوكم لا تصحفوا الوصف فتقرؤوه دجال مثلا).....فعذرا للدكتورين الفاضلين صاحبي هذا الدليل الأدبي......
الصفحات 117 -118-119
 
الفاضل أبو عبد المعز

بارك الله في قلمكم السيّال وزادكم علما وفهما

هل عدم وضعكم لكلمة "يتبع ..." يعني أن الموضوع قد انتهى من جانبكم ؟

أسألكم هذا لأني أقوم بتنسيق الموضوع في ملف وورد بنية نشره على بعض الأخوة، فإن انتهيتم منه نشرته، وإن كان مازال في جعبتكم ما تضيفونه، صبرت بانتظار إضافتكم ...

أخوكم المحب لكم في الله
أبو حسن
 
أخي عبد المعز

بارك الله فيك

أفضح زيف المشدوهين المتمعلمين المقلدين المتفلسفين الذين عندهم تفسيرا لكل ما يقوم به الغرب دون إمعان النظر والعقل في كلامهم أو أبحاثهم حتى وإن كانت زيف وكذب فلقد أعطوا للغرب حبال قيادهم فساروا خلفه كالبهائم لا تدري الي أين هم مساقون
 
ذكرني قول أخي الكريم الأستاذ أبي عبدالمعز :« الحَداثيُّ طفلٌ صغيرٌ ، تُعجبهُ الفرقعات وتلؤلؤُ الأشياء – حتى لو أحرقته ! - خاصةً الألفاظ والمصطلحات... وعنده شغف شديد بالكلمات التي تنتهي بـ(لوجيا)..... ، ولا يَجدُ لذتَه إلا في لَوكِ الكلمات ذات الرطانة الأجنبية.....فهو قلما يقول مثلا "من وجه نفسي واجتماعي وحضاري" بل يفضل أن يتفيهق على نحو :"على المستوى السايكولوجي والسوسيولوجي والانتربولوجي"ثم ينظر وقع الكلمات على مخاطبيه بزهو واضح كالطاووس».

أقول : ذَكَّرني هذا بكلامٍ قديمٍ مطابقٍ لهذا مَرَّ عليَّ في كلام الجاحظ(ت255هـ) وابن قتيبة(ت276هـ) ، وأبي سعيد السيرافي وابن فارس الرازي (ت395هـ) رحمهم الله ، فرجعت إليه مرة أخرى في مظانه.
فوجدت ابن قتيبة رحمه الله يقول في كتابه النفيس (أدب الكاتب) وهو يتكلم عن الثقافات الأجنبية ، وولع الناس بها ، وأنَّ مصطلحاتها تستهوي الغِمْرَ الحَدَثَ :«... فإذا سمع الغِمْرُ والحَدَثُ الغِرُّ قولَةَ : الكون والفساد ، وسمع الكيان والأسماء المفردة ، والكيفية والكمية ، والزمان والدليل ، والأخبار المؤلفة ، راعه ما سمع ، وظن أن تحت هذه الألقاب كل فائدة ، وكل لطيفة ، فإذا طالعها لم يحل منها بطائل ، إنما هو الجوهر يقوم بنفسه ، والعرض لا يقوم بنفسه ... ولو أن مؤلف حد المنطق بلغ زماننا هذا حتى يسمع دقائق الكلام في الدين والفقه لعد نفسه من البكم ، أو يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لأيقن أن للعرب الحكمة وفصل الخطاب». [أدب الكاتب 3-5]
وهذا الجاحظ يأتي على ذكر منطق أرسطو بسخرية خفية فيقول :«ألا ترى أن كتاب (المنطق) الذي وسم بهذا الاسم ، لو قرأته على جميع خطباء الأمصار وبلغاء العرب لما فهموا أكثره».[الحيوان 1/90]
وأبو سعيد السيرافي في مناظرته الشهيرة لمتى بن يونس ، في مجلس الوزير أبي الفضل بن جعفر بن الفرات سنة 326هـ يقول مخاطباً لِمَتَّى :«...ما وجدنا لكم إلا ما استعرتم من لغة العرب كالسبب والآلة والسلب والإيجاب ، والموضوع والمحمول ، والكون والفساد ، والمهمل والمحصور ، وأمثلة لا تنفع ولا تجدي ، وهي إلى العي أقرب ، وفي الفهاهة أذهب. ثم أنتم هؤلاء في منطقكم على نقص ظاهر ؛ لأنكم لا تفون بالكتب ولا هي مشروحة ، فتدعون الشعر ولا تعرفونه ، وتذكرون الخطابة وأنتم عنها في منقطع التراب ... وإنما بودكم أن تشغلوا جاهلاً ، وتستذلوا عزيزاً ! وغايتكم أن تهولوا بالجنس والنوع ، والخاصة والفصل ، والعرض والشخص ، وتقولوا : الهلية ، والأينية ، والماهية ، والكيفية ، والكمية ، والذاتية ، والعرضية ، والجوهرية ، والهيولية ، والصورية ، والأيسية ، والليسية ، والنفسية ؟ وهذه كلها خرافات وترهات ، ومغالق وشبكات ، ومن جاد عقله ، وحسن تمييزه ، ولطف نظره ، وثقب رأيه ، وأنارت نفسه ، استغنى عن هذا كله بعون الله». [الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي 1/122].
وهذا العلامة اللغوي أحمد بن فارس الرازي(ت395هـ) يقول :«وزعم ناس يُتوَّقَّفُ عن قبولِ أخبارهم أن أن الذين يسمون الفلاسفة قد كان لهم إعراب ومؤلفات نحو .
قال أحمد بن فارس: وهذا كلام لا يعرج على مثله ، وإنما تشبه القوم آنفاً بأهل الإسلام ، فأخذوا من كتب علمائنا ، وغيروا بعض ألفاظها ، ونسبوا ذلك إلى قوم ذوي أسماء منكرة ، بتراجم بشعة لا يكاد لسان ذي دين ينطق بها. وادعوا مع ذلك أن للقوم شعراً ، وقد قرأناه فوجدناه قليل الماء ، نزر الحلاوة ، غير مستقيم الوزن. بلى ، الشعر شعر العرب ، وحافظ مآثرهم ، ومقيد أحسابهم ، ثم للعرب العروض التي هي ميزان الشعر ، وبها يعرف صحيحه من سقيمه ، ومن عرف دقائقه وأسراره وخفاياه ، علم أنه يربي على جميع ما يبجح به هؤلاء الذين ينتحلون معرفة حقائق الأشياء ، من الأعداد والخطوط ، والنقط التي لا أعرف لها فائدة ، غير أنها مع قلة فائدتها ترق الدين ، وتنتج كل ما نعوذ بالله منه». [الصاحبي 76-77]
وهذه أمثلة فحسب أمكن الاهتداء إليها على عجل ، ولغيرهم من العلماء والأدباء كلامٌ مشابه لهذا في ازدراء الثقافات الأجنبية في عصرهم ، ولا سيما هذه العبارات الفضفاضة ، التي تغر السامع ، وتوهمه أن وراءها ما يستحق العناء ، وهي خاوية من ذلك.
بل أذكر أن ابن نباتة في كتابه الممتع (سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون) ذكر أن كتب الفلسفة التي نقلت للمأمون من جزيرة قبرص ، وأمر بترجمتها ، إنما أريد لها أن تفسد الثقافة العربية ، وأن توقع الخلاف بين علماء الإسلام.
وأرى هؤلاء المقلدين في زماننا يكررون الاسطوانة نفسها ، مع بعض التعديلات والله المستعان ، فقد انبهر بهم أقوامٌ ، واغتر بهم فئام من الناس ، فغدوا وهم يلوكون مصطلحاتهم ، وربما استمعت إلى أحدهم وهو يتكلم عن رأيه في الأدب العربي المعاصر ، فلا تكاد تهتدي إلى مراده ، ولا تفهم مقصده الذي يدعو إليه ، لغرابة ألفاظه ، ونبو السمع عنها.
 
كنت أقرأ في كتاب ( معجزات قلب القرآن ) لمؤلفه الشيخ هشام سعيد الدفتردار اللبناني فوجدت فيه واقعة حصلت بوجوده وهو طالب وهي واقعة أدبية طريفة مضحكة و لطيفة تصلح أن تكون مثالاً للقراءة المعاصرة ، يقول الشيخ في معرض كلامه عن التأويل الفاسد أنه كمثل (صاحبه ) الذي جعل القطاطيب جمع القطّاب في قول الشاعر :
ولولا المزعجات من الليالي لما مس القطا طيب المنام
ولما سئل صاحبه عن ( القطاب ) قال هو الكثيب من الرمل ، فقيل له : إن الرمل لا ينام ، فقال وهو يبتسم ابتسامة ماكرة : ألا ترون أن الرمل يكون عاصفاً ثم يسكن. انتهت القصة مع بعض التصرف لأني أكتبها حفظاً، وهكذا أصحاب القراءة المعاصرة يأتون بمثل هذه الدلالات العجيبة المضحكة التي تصلح أن تلحق بكتاب ( أخبار الحمقى والمغفلين ) لابن الجوزي رحمه الله ، فكم سيكون حجم كتاب ابن الجوزي لو كان حياً إلى الآن ؟!!! . يرحمكم الله
 
- فكرة للمناقشة :

قرأت لأحد الحداثيين أن فكرة "موت الكاتب"، والتي سماها روجيه غارودي "فلسفة موت الإنسان"، بدأت مع المتنبي حين سئل عن شيء من شعره فقال : "سلوا ابن جني عن شعري، فهو أعلم به مني" ... وحين قال في بيته الشهير :
أنام ملء جفوني عن شواردها * ويسهر الخلق جرّاها ويختصم

فما رأي الأخوة الأفاضل في هذا ؟
 
[align=center]5-قراءة في قراءة خبيثة[/align]
محمد عابد الجابري أستاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس بالرباط ...يعد من رموز القراءتيين وأشدهم كيدا للقرآن(وهذا سأبينه بالدليل الجلي) وله تاريخ عريق في الكيد لهذه الأمة منذ أن كتب مع رفيقين له كتابا مقررا في الفلسفة موجها لطلبة الباكالوريا وكان سببا فى ضلال وإلحاد كثير من المراهقين والشبان –أعرفهم شخصيا- كيف لا يلحدون والجابري في مفتتح كتابه يسوي الفكر الأسطوري والفكر الديني و"يثبت" أن فكرة الدين خلقها إنسان الكهوف لحاجة في نفسه نحو الأمن والأمان .....
ومحمد عابد الجابري عندي أذكى الحداثيين وأخبثهم لأنه قد أوتي أمران:
-حدس قوي شبيه بحدس الجرذان ...فلما حدس أن السفينة الماركسية غارقة لا محالة تخلى جزئيا عنها ومال إلى الفكر اللبرالي , حيث الريح طيبة , وزاوج بين خلفية عقيدته الماركسية وأدوات القراءة الغربية, ومضى يعبث بدين وتاريخ المسلمين..
كان في بداية أمره مناضلا سياسيا فحدس مرة أخرى أن السياسة ملطخة للأثواب فاستقال من حزبه السياسي الاشتراكي ولبس مسوح المفكر فيما غرق زملاؤه المثقفون في أوحال السياسة والتكالب على السلطة...وهكذا نفذ بجلده مرتين.
-أوتي الجابري مهارة كبرى في التقية (وهذا هو الأمر الثاني ) فهو شديد الطعن في الإسلام -من غير أن يثير الضجة - بل تجد من الإسلامين من يحسن الظن به ويعتبرونه أقرب العلمانيين إليهم مع أنه خبيث الطوية (وهذا سأبينه بالدليل الجلي).فمن نفاقه وتقيته أنه يتحدث عن مسمى الإسلام تحت تسمية العروبة....فالعقيدة الإسلامية يسميها "العقل العربي" وتاريخ الصحابة يسميه"العقل السياسي العربي" وهكذا يتمكن من هجو الإسلام هجاء مقذعا مع الإطمئنان إلى مخرج النافقاء إذا سمع حسيسا عند مدخل القاعصاء فيتسنى له الهروب في كل مرة مدعيا أنه يتحدث عن العروبة لا عن الإسلام....عكس صنيع صديقه "أركون" المتهور الذي لا يتقي شيئا ويعلن أنه ينقد العقل الإسلامي صراحة....وليس عند الرجلين إلا الخبث في وجهيه: المتقي والجريء.

تعالوا الآن لنقوم بقراءة لقراءة الجابري للقرآن....

وفي ظني ليس هناك شيء أصعب على الجابري وعلى كل الحداثين من مفهوم "قراءة القراءة" خاصة إذا كانت القراءة مسلطة عليهم وتتخذ من قراءاتهم مادة وموضوعا..وآية ذلك أنك عندما تقرأ الجابري –أو غيره- فقد جعلت نفسك في مأمن وبوسعك أن تطعن ما تشاء في جسم ضحيتك وليس له أن يحتج أو يتظلم لأنك "تقرأ " كما أنه "يقرأ " ومن الغباوة بمكان أن يمنعك من القراءة وهو من أشد المنافحين عن مفهوم التعدد في القراءات....ومن أشد المناوئين ل"ظلامية" الإسلاميين وأطروحتهم في وجوب القراءة الوحيدة المستندة إلى مبدأ" ما بعد الحق إلا الضلال" ...ولكم هنا أن تعتبروا بموقف نصر حامد أبو زيد الذي أراد أن "يقرأ" كما يشاء فلما" قرؤوه" غضب وثار واحتج وسافر بتظلمه بين الشرق و الغرب....ألم يكن الرجل يعي أن الذين كفروه وأخرجوه من الملة ما فعلوا أكثر من قراءة .....صحيح هي قراءة مستندة على الدين ولكن ليس له ان يمنع من شاء أن يستند على ما شاء, هذا هو "دستور القراءة" فلماذا تغضب يا أبا زيد؟ ثم أليس هو مختصا في قراءة النصوص الدينية ويعطي لنفسه الحق في تأويلها .....فما باله لا يعطي الحق لخصومه ليكفروه بناء على تأويل نصوصه.....حقا إن الكيل بمكيالين لهو ديدن الحداثيين.

قال الجابري:في ثالث كتاب ضمن مشروعه نقد العقل العربي تحت عنوان فرعي هو العقل السياسي العربي محدداته وتجلياته-المركز الثقافي العربي1990الدار البيضاء-ص31-32:

[تبدأ السورة كما قلنا بتأكيد نبوة محمد (ص) فتقرر أن ما يأتي به وحي من الله ينقله إليه ملك قوي شديد هو جبريل:"والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى , علمه شديد القوى , ذو مرة"."ثم ترسم السورة مشهدا للقاء محمد مع جبريل أثناء نزول الوحي عليه:"...ذو مرة فاستوى (جبريل) , وهو بالأفق الأعلى , ثم دنا فتدلى(جبريل) فكان قاب قوسين أو أدنى (لاتفصله عن محمد سوى مسافة قصيرة), فأوحى(الله) إلى عبده (محمد بواسطة جبريل ما أوحى".لقد رأى محمد (ص)جبريل يملأ الأفق كله فملك عليه ذلك جماع نفسه ولم يعد هناك مجال لتطرق الشك إليه فيما رأى ,فكيف تجادلونه وتشككون في أن يكون جبريل يأتيه بالفعل:"فأوحى إلى عبده ما أوحى ,ما كذب الفؤاد ما رأى , أفتمارونه على ما يرى ",كيف؟ وقد رآه مرة أخرى وقت" الإسراء والمعراج"في أعلى عليين حيث الجنة والملائكة بأعداد كثيرة تسبح لله في "سدرة المنتهى"وكأنها طيور تتزاحم على شجرة.لقد رأى هناك من عجائب الملكوت ما رأى فما انحرف بصره وما زاغ]
صاغ اليهودي الهالك دريدا نحتا بالفرنسية differance حيث استبدل « a »ب « e »فاصبحت الكلمة الجديدة المبتكرة تعنى الاختلاف والارجاء معا.وما دمنا نخاطب الحداثيين فلنصنع مثل صنيع كبيرهم دريدا وها أنا أقترح مصطلح "قراءة" لكن مكتوبة بشكل حداثي بحيث تكتب "القاف" قريبة من حرف "الخاء" في الرسم الخطي وتؤذن في الناس أنهم أحرار في اختيار الحرف الذي يعشقون....

ما صنع الجابري بالقرآن هنا يناسبه "الخائية " وليس "القافية".

وقبل تحليلنا الأسلوبي نشير أولا إلى مقصد الجابري :

تجاوز الجابري نهج" الطعن النظري" في القرآن الكريم( فهو لا يريد أن يلفت إليه أنظار الغاضبين تمسكا بخطة التقية) لكنه يحاول في المقابل "الطعن العملي" فيضع القاريء أمام سياقات محكمة بدهاء وخبث بخرج منها القاريء عمليا بنتيجة دبر لها بليل وهي أن القرآن كلام عادي جدا بل أقل من العادي ولسان حال الجابري الخبيث:القرآن ما تقرأ لا ما يقال عنه.

-( وحي من الله ينقله إليه ملك قوي شديد هو جبريل:"والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم.....")
فلو أزلت علامات التنصيص - التي لا علاقة لها بالقراءة – لوجدت أن الجابري قد مكر بك لقد أرغمك على قراءة جزء من كلامه وجزء من الآية على تنغيم ووتيرة واحدة....فكأن الأمر يتعلق بفقرة واحدة منسجمة....ولهذه الخطة تنويعات أخرى سنبينها فيما بعد والقصد واحد.

- علمه شديد القوى , ذو مرة"."ثم ترسم السورة مشهدا للقاء محمد مع جبريل أثناء نزول الوحي عليه:"...ذو مرة فاستوى (جبريل).
لاحظوا التقطيع المونتاجي للآية والوقوف عند تعبير" ذو مرة" ثم يحشر كلامه كأنه يقاطع القاريء ويستأنف مع تكرار" ذو مرة" فيسقط النص القرآني في تكرار يشوه النسج ويصبح قريبا من الهذيان.
- فاستوى (جبريل).
لماذا أقحم الخبيث جبريل بين قوسين.....مع أن الضمير لا إشكال في مرجعه....الجواب: ليحرف القاريء القرآن رغم أنفه......
مرة كتب الجابري رادا على من يأخذ عليه قلة الاستشهاد بكلام غيره.....قالـ: لا أحب أن أزين كلامي بكلام غيري....لكن لا بأس على الجابري من أن يزين كلام الله بكلامه !!!
-والآن اقرؤوا آيات سورة النجم بعد قراءة الجابري –بالخاء شرف الله قدركم-:

ذو مرة فاستوى (جبريل) , وهو بالأفق الأعلى , ثم دنا فتدلى(جبريل) فكان قاب قوسين أو أدنى (لاتفصله عن محمد سوى مسافة قصيرة), فأوحى(الله) إلى عبده (محمد بواسطة جبريل ما أوحى".
مونتاج غريب من أي القرآن وإضافات قرائية-بالخاء دائما- من الجابري فتكون الحصيلة كلاما قريبا من العي ولسان حال الخبيث: أبهذا تحدى الله الانس والجن!

-"فأوحى إلى عبده ما أوحى ,ما كذب الفؤاد ما رأى , أفتمارونه على ما يرى ",كيف؟
لاحظوا كيف ذيل الخبيث الآية- وقد انتهت – باداة الاستفهام المقحمة"كيف" لتقرأها مع الآية على نغمة الاستفهام.....ولسان حاله: أنك قد تزيد كلاما بشريا في ما تعتقده كلاما إلهيا فتكون الحصيلة كلاما واحدا......
- وقد رآه مرة أخرى وقت" الإسراء والمعراج"في أعلى عليين حيث الجنة والملائكة بأعداد كثيرة تسبح لله في "سدرة المنتهى"وكأنها طيور تتزاحم على شجرة.
هل تحتاجون إلى تعليق على هذه السخرية بالملائكة ؟
المعروف عن أسلوب الجابري أنه أسلوب أكاديمي عقلاني لكن لا باس من التعبير الشعري المجازي إذا احتاجه للسخرية برموز المسلمين :" وكأنها طيور تتزاحم على شجرة."هكذا قال فض فوه.

- فكيف تجادلونه وتشككون في أن يكون جبريل يأتيه بالفعل:"فأوحى إلى عبده ما أوحى ,ما كذب الفؤاد ما رأى , أفتمارونه على ما يرى ",كيف؟
الجابري العقلاني هنا يتبنى الاسلوب الانشائي على غير عادته –عادة الابستمولوجي البارد الذي ينحت في صخر-
هاهوالجابري من عصرنا يخاطب المشركين من وراء القرون ويبكتهم " فكيف تجادلونه وتشككون" هل تحول الابستملوجي البشلاردي إلى عاطفي بقدرة قادر؟
لكن الخبيث على أصله القرائي- لا أذكركم بالخاء- وجد في الآية استفهاما انكاريا هو" أفتمارونه على ما يرى" فأراد أن يفتح الكلام باستفهام إنكاري لتقرأ الفقرة كلها على نغمة الإنكار......والمقصود واضح لذي أذنين.
يتبع ......مع نصوص أخرى للجابري.
 
كم يطيب للجابري أن يلغو في القرآن وأعني هنا ب"في" دلالتها الحقيقية على الظرفية ...فمن باب الإصرار وسبق الترصد يعمد إلى تقطيع الآيات وأجزاء الآيات ويدرج بينها كلامه مع أنه عندما ينقل كلام غيره من المؤرخين والمفسرين "يحترم" المنقول عنهم فيأتي به كاملا ويعلق بعد تمام الكلام أو في الحاشية....لكن العبث لا يحلو له إلا بلغة القرآن وتكون الحصيلة تحريفا وتزويرا للقرآن على هذا النحو الذي ستقرؤه لسورة الضحى برواية الجابري الضعيفة وسبب الضعف "الإدراج" وهو هنا من الصورة القبيحة جدا فقد وقع أول المتن ووسطه وآخره:
ومنهم زوجة عمه أبي لهب واسمها أم جميل وهي أخت أبي سفيان وكانت من المستهزئين به فقالت له:"إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك " ولكن رجاءها سيخيب.لقد جاءه جبريل بسورة الضحى تحمل إليه القسم بان الله ما ودعه وما قلاه:"والضحي, والليل إذا سجى , ما ودعك ربك وما قلى , وللآخرة خير لك من الأولى , ولسوف يعطيك ربك فترضى , ألم يجدك يتيما فآوى (مات أبوه وهو جنين في بطن أمه وماتت أمه وهو ابن ثماني سنين فكفله عمه أبو طالب), ووجدك ضالا فهدى , ووجدك عائلا فأغنى (أغناه بمال خديجة زوجته,وكانت غنية تستأجر الرجال في مالها,وقد بلغها حسن سلوكه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا ففعل, ثم تطور الأمر إلى أن عرضت عليه الزواج فقبل,وكان ذلك قبل نزول الوحي عليه وعمره خمسة وعشرون عاما وعمرها هي أربعون سنة), فأما اليتيم فلا تقهر(وقد كنت يتيما), وأما السائل فلا تنهر(وقد كنت فقيرا), وأما بنعمة ربك فحدث "(نعمة النبوة)(10 الضحى93/1-11)

هذا التذييل المرجعي (10 الضحى93/1-11) مزور كما هو ملحوظ...فقد أصبحت" الضحى" في كتاب الجابري خليطا من القرآن والسيرة والاخبار والجميع مرصع بكلام الجابري ...وعلى القاريء اللبيب أن يتتبع حيث يضع الجابري علامة الفاصلة فهو لا يضعها بعد نهاية الجملة القرآنية بل بعد أن يذيلها بكلامه إمعانا في دمج كلام في كلام : ألم يجدك يتيما فآوى (مات أبوه وهو جنين في بطن أمه وماتت أمه وهو ابن ثماني سنين فكفله عمه أبو طالب), ووجدك عائلا فأغنى (أغناه بمال خديجة زوجته, بيد أنه يذهب إلى أبعد من ذلك في الضلال ....فاقرأ إن شئت(بعد اختزال القوسين):
فأما اليتيم فلا تقهروقد كنت يتيما, وأما السائل فلا تنهروقد كنت فقيرا.
فيا أيها الفصحاء ما معنى هذا؟
-هل يريد الخبيث أن يقول إن الآيتين بعد التعديل أحسن جرسا وإيقاعا؟
-أم يريد أن يقول : أقحمنا كلامنا في القرآن فجاءت النتيجة كما تسمعون فصيحة بليغة .
–أو يريد أن يقول : كيف يكون الإعجاز في( فأما اليتيم فلا تقهر, وأما السائل فلا تنهر.) ولا يكون في: فأما اليتيم فلا تقهروقد كنت يتيما, وأما السائل فلا تنهروقد كنت فقيرا.؟
هذا ما عبرت عنه بقولي : الطعن العملي في القرآن.
للكلام بقية........
 
(..يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان وليا.قال (أبوه) أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ,لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا.قال (إبراهيم) سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا,) ص 35.

لماذا أقحم الجابري الكلمتين بين القوسين....[ قال (أبوه), قال (إبراهيم)].لا أعتقد أن الجابري سيقول إن مرجع الضمير في "قال" الأولى مشكل فيحتاج إلى التصريح به فالسياق متعلق بحوار بين إبراهيم وأبيه وكل غبي في الدنيا يعلم أن القائل لا بد أن يكون هوالأب بقرينة "يا إبراهيم".ولا بد أن يكون المجيب هو غير المتكلم الأول.....ثم إن المصنف لا يوجه كتابه للإسكيمو أو لسكان جزر الواق واق فقد قال في صفحة 21:
(هدفنا من هذا الفصل ليس عرض العقيدة الإسلامية فهي معروفة والكتاب موجه إلى العرب والمسلمين وهم جميعا يعرفونها على الأقل في أصولها العامة....)
إذن [ قال (أبوه), قال (إبراهيم)] ليس لهما وظيفة توجيهية أو تفسيرية وليس تحتهما إلا خبث صبياني كما في مقالب الصبيان بعضهم لبعض فالهدف واضح هو اللعب بالقرآن والمكر بالقاريء الضحية الذي يجد نفسه قد حرف القرآن وهو غافل مسترسل في قراءته.....فما صنيع الجابري - المفكر الكبير -إلا كمن يلقي النجاسة في الماء الصافي فيأخذه الزهو الصبياني عندما يتصور أنه أفسد وضوء المتطهر......هذا مبلغ علمهم ومبلغ أخلاقهم.
ومما يؤكد صبيانية الجابري أنه كرر هذه اللعبة في أماكن كثيرة من كتابه ذاك ....والفرنسيون يقولون بلسانهم- الذي لا يتقنه الجابري جيدا- "أن أفضل دعابة ما كان يسيرا..." فحرم الجابري من خفة الدم بعدما حرم من ثقل الحلم في الدنيا وحسابه عند ربه في الآخرة..وهذه أمثلة وتنويعات على مقلب واحد:

والرجز فاهجر(الأصنام), ولا تمنن تستكثر (لا تعط شيئا من عبادة أو صبر على الأذى لتطلب أكثر منه", ولربك فاصبر , فإذا نقر في الناقور ,فذلك يومئذ يوم عسير ,على الكافرين غير يسير"

لم يغلق الجابري القوس الثاني عمدا...لتذويب كل حاجز بين كلامه وكلام ربه....قلت (عمدا) وأستبعد السهو المطبعي لأن الجابري في كتابه هذا يعول على الدلالات السميولوجية لعلامات التنصيص....مع سبق الإصرار والترصد.

- والمؤتفكة أهوى(=قرى قوم لوط أسقطها في الهاوية) فغشاها ما غشى(=من الحجارة والتراب)فبأي آلاء ربك تتمارى(=وتشكك أيها الإنسان)؟ هذا نذير من النذر الأولى.....
لاحظ مثلا أن علامة الاستفهام تعمد أن يضعها ليس في ختام الاستفهام القرآني ولكن بعد الحشو الذي أضافه الجابري ,وقد جاء بواو العطف لتربط كلاما بكلام لتكوين كلام جديد متجانس: فبأي آلاء ربك تتمارى وتشكك أيها الإنسان؟

- ولولا أن يكون الناس أمة واحدة(=على الكفر) لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون, ولبيوتهم أبوابا وسررا( من فضة كذلك) عليها يتكئون,وزخرفا(=ذهبا).

لا يقال أن بعض المفسرين المسلمين يدمجون كلامهم اثناء تفسير الآية (كتفسير الجلالين مثلا)ويكون الجابري له سلف لأنا نقول شتان بين الفريقين فالجابري يستشهد بالنص ولا يفسره ويتعمد إغراق النص القرآني في كلام استطرادي مشرقا ومغربا ثم يعود إلى تتمة الآية ويتعمد لشرحه أن يكون متعلقا نحويا وأسلوبيا بجزء من الآية ليوهم الناس أن كلام الله وكلام البشر لا يختلفان.

- أفرأيت الذي تولى,(=رجع عن الإنفاق)وأعطى قليلا وأكدى,(أمسك),أعنده علم الغيب فهو يرى=(أن ما قاله أخوه ممكن وحق) أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى,(=وفى بأن هم بذبح ولده عطاء وتضحية)
يوظف الجابري علامات الترقيم لتحقيق مقصده.....فمثلا قوله( رجع عن الإنفاق) مفصول عن تولى -التي يفترض أنه يشرحها –بفاصلة, ليلحقه بما بعد الآية لتكوين كلام واحد: رجع عن الإنفاق وأعطى قليلا وأكدى. وقوله( أن ما قاله أخوه ممكن وحق) يقرأ وكأنه في محل نصب ل "يرى" .....
 
عودة
أعلى