نُتْفَةٌ عَن مَنهجِ سِفْرَيْن عَظيمَيْن

إنضم
30/04/2011
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
المدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم​
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
إن التآليف في فن القراءات مختلفة الألوان، متباينة الأنواع؛ فمن دراية إلى رواية، وإن من الكتب التي أُلفت أيضاً في هذا الفن كتبَ التراجم والطبقات التي عنيت بالترجمة للقراء الأعلام، وقد اعتلى هذا النوعَ من التأليف كتابان؛ وهما: كتاب معرفة القراء الكبار للإمام لذهبي -رحمه الله-، وكتاب غاية النهاية لابن الجزري –رحمه الله-، وقد كتبت في هذه الوريقات شيئاً عن منهج الإمامين في كتابيهما.
واللهَ أسأل العلم النافع، والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كتاب معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار للإمام الذهبي
إن الإمام الذهبي من العلماء الأعلام، الجهابذة العظام؛ ويتبين ذلك من خلال تركته الواسعة التي خلّفها للأمة على مر العصور، ومجرى الدهور؛ فهذه التركة كفى بها فخراً من أنها لا يخلو منها بيت طالب علم أبداً، ومن كتبه المفيدة الممتعة كتاب معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار؛ وقد اختص هذا الكتاب بتراجم القراء؛ فأجاد فيه -رحمه الله- وزينه بفوائد وتعقيبات، وفرائد ونكات؛ تدل على شخصية علمية، وعقل متوقّد، وناقد بصير قلّ نظيره، ونده.
وقد كتبت في هذه القصاصة شيئاً من منهجه -رحمه الله- في كتابه معرفة القراء الكبار، ورتبتها على شكل نقاط فإليكها:
- قد ترجم -رحمه الله- لكثير من القراء الأفاضل، والمشايخ الأعادل، ونلاحظ الترتيب الواضح، والإبداع الناجح في كتابه؛ حيث رتب الكتاب حسب الطبقات؛ فقد بلغت ثماني عشرة طبقة رتبها حسب اللقيا بين القراء الكبار، وقد بدأ بالصحابة -رضوان الله عليهم-، وانتهى بقراء عصره ،فقد عنون في الطبقة الأولى؛ فقال: "الذين عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وعنون في الثانية فقال: "الذين عرضوا من الصحابة على بعض المذكورين قبلهم"
- نلاحظ أنه بعد أن انتهى من الطبقة السادسة عشرة عنون بعنوان فقال: "طبقة بين طبقتين"، ثم ذكر الطبقة الثامنة عشرة؛ فكأنه يقصد بهذا العنوان الطبقة السابعة عشرة ،وهذا تجوّز منه -رحمه الله-.
- يذكر في الترجمة غالباً اسم القارىء، ويذكر صفاته، وشيوخه، وتلاميذه، وغير ذلك، وقد بلغت التراجم في كتابه734 ترجمة.
- قد نص في مقدمة كتابه أن هذا الكتاب خاص بالقراء الكبار فقال: "فهذا كتاب فيه معرفة المشهورين من القراء الأعيان أولي الإسناد والإتقان والتقدم في البلدان..."؛ إلا أنه خرم هذا المنهج في بعض الأحيان، وذكر تراجم لبعض صغار القراء، بل إنه ذكر تراجم لبعض غير المعروفين.
- نلاحظ أن الذهبي اقتصر في ذكره الترجمة للقارىء على جانب وفن القراءة، واستوعب ذلك، وأفاد وأجاد، وأخذ يصول ويجول، ولم يذكر الجوانب الأخرى، ولم يستوف أخبارهم بأكملها؛ فقال -رحمه الله- في نهاية الطبقة الأولى: "واختصرت أخبارهم فلو سقتها كلها لبلغت خمسين كراساً".
- نلاحظ أنه كرر بعض التراجم، ولا بد من أن نعذره في ذلك؛ لكثرة تصنيفه، وغزارة علمه، وشدة سيلان قلمه في هذا الفن!
- حشى كتابه بفوائد جليلة؛ ومن طريقته أنه يعقب؛ فيقول: قلت، ثم يأتي بالفرائد والنكات.

كتاب غاية النهاية لابن الجزري
لا شك ولا ريب أن محقق المحققين، وشيخ المقرئين هو الإمام ابن الجزري؛ فقد بلغ الغاية في هذا الفن؛ بعلمه النبيل، وقلمه السيال، وقد أخرج تراثاً لا تقدر جامعة على إخراجه؛ وما التوفيق إلا من عند الله!
ومن تراثه كتاب لامع شهير؛ وهو كتاب غاية النهاية، وقد كتبت في هذه القصاصة شيئاً من منهجه -رحمه الله- في كتابه غاية النهاية، ورتبتها على شكل نقاط فإليكها:
- قد بين -رحمه الله- في مقدمة كتابه أن كتابه الغاية هو اختصار لكتاب له كبير في التراجم، وقد وسمه بنهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات.
- وذكر -رحمه الله- أنه جمع في كتابه جميع ما ذكره الإمامان الكبيران الداني والذهبي في كتابيهما، وذكر أنه زاد نحو الضعف عليهما؛ وقد بلغت التراجم في كتابه الغاية 3955 ترجمة.
- قد رتب كتابه على حروف المعجم؛ فذكر مثلا حرف الألف، ثم ذكر القراء المبتدأة أسماؤهم بالألف، ثم يقول الكنى من الألف، ويذكر القراء في ذلك، ثم يقول الأنساب والألقاب والأبناء من الألف، وهكذا في بقية الأحرف.
- ولاحظت أنه بالنسبة للأنساب والألقاب والأبناء غالباً ما يكتفي بذكر القارىء دون الترجمة له.
- ذكر –رحمه الله- أن ما كان في كتاب الذهبي كتبه بالحمرة، وما زاد عليه كتب اسمه واسم أبيه بالحمرة جميعاً.
- قد ذكر في كتابه رموزاً لبعض الكتب المشهورة في القراءات؛ وهي كالتالي:
(ن) رمز لكتاب النشر.
(ت) رمز للتيسير.
(ج) رمز لجامع البيان.
(ك) رمز للكامل للهذلي.
(مب) رمز للمبهج.
(س) رمز للمستنير.
(ف) رمز للكفاية الكبرى للقلانسي.
(غا) رمز لغاية أبي العلاء.
(ع) رمز لهؤلاء الجماعة.
قلت: انظر إلى براعة هذا الإمام، وإلى هذا الإبداع والابتكار في طريقة التأليف وأسلوبه؛ فإن هذه الأساليب المبتكرة تشجع القارىء على القراءة، وتحفزه؛ فليُنظرْ.

هذا والله أعلم وصلى الله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
 
عودة
أعلى