عبدالعزيز الضامر
New member
سبق الكلام في هذا المُلتقى المبارك مناقشة ما إن كان العرض في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ...} (الأحزاب:72) على سبيل الحقيقة أم غير ذلك, وقد حال بيني وبين المشاركة عطل أصاب الجهاز أقعده مريضاً فترةً من الزمن, لذا أحببت ألا أحرمكم هذه الفائدة..
فَسَّر الإمام البيضاوي رحمه الله العرض والإباء والإشفاق في الآية الكريمة على ضربٍ من التأويل, فلا ثَمَّ عرضٌ ولا اختبار ولا إباء ولا إشفاق على الحقيقة, ولا عرضٌ على الإنسان وقبول منه على تلك الطريقة, وإنما هي من باب التصوير والتمثيل, والله سبحانه وتعالى خلق الجمادات على صفةٍ لا تصلح للتكليف, وعلمَ منها ذلك, وخلق الإنسان على صفةٍ تصلح للتكليف, وعلمَ منه ذلك, فكلَّفه, وأنَّ هذا هو مُقتضى حِكمته في في الكُل.
وبيَّن أنَّ المراد بالأمانة: العقل والتكليف, وبعرضها على السموات والأرض والجبال, اعتبار ما بالإضافة إلى استعدادهن, وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد, وبحمل الإنسان قابليته واستعداده.
فاعترض على ذلك المولى سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل, (أبو الربيع), من سلاطين دولة الأشراف العلويين في مراكش (المغرب الأقصى), ووجَّه الآية على ظاهرها, وكتب بذلك إلى شيخه ابن كيران[1], فتلقف خطابه, وشرحه برسالةٍ انتصر فيها لمذهب الجمهور, مسترشداً بما في الدر المنثور من أنَّ العرض والإباء حقيقيان, وأنَّ العرض عرض تخيير, لا عرض عزيمةٍ وتحتيم, فكان الإباءُ إباءَ خوفٍ وإيثار, لا إباءَ مُخالفةٍ وعصيان.
وقد دَرَسَ هذه الرسالة وحققها الدكتور: شافع ذيـبَان الحريري أستاذ التفسير وأُصوله المُساعد في كلية الشريعة واللغة العربية بجامعة الإمام (فرع رأس الخيمة), وتَمَّ نشرها في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الصادرة عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت, عدد(57), ربيع الآخر1425هـ-يونيو2004م.
[1] / هو: محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام بن كيران, أبو عبد الله, عالمٌ محقق نَقَّادٌ, وحافظٌ متقنٌ تفَّرد في وقته بالجمع بين علمي المعقول والمنقول والفروع والأصول, يَعرفُ أكثر الفنون, وهو ممن حصَّل رُتبة الاجتهاد في زمنه, ولد بفاس سنة (1172هـ). الفكر السامي للحجوي (2/295).
فَسَّر الإمام البيضاوي رحمه الله العرض والإباء والإشفاق في الآية الكريمة على ضربٍ من التأويل, فلا ثَمَّ عرضٌ ولا اختبار ولا إباء ولا إشفاق على الحقيقة, ولا عرضٌ على الإنسان وقبول منه على تلك الطريقة, وإنما هي من باب التصوير والتمثيل, والله سبحانه وتعالى خلق الجمادات على صفةٍ لا تصلح للتكليف, وعلمَ منها ذلك, وخلق الإنسان على صفةٍ تصلح للتكليف, وعلمَ منه ذلك, فكلَّفه, وأنَّ هذا هو مُقتضى حِكمته في في الكُل.
وبيَّن أنَّ المراد بالأمانة: العقل والتكليف, وبعرضها على السموات والأرض والجبال, اعتبار ما بالإضافة إلى استعدادهن, وبإبائهن الإباء الطبيعي الذي هو عدم اللياقة والاستعداد, وبحمل الإنسان قابليته واستعداده.
فاعترض على ذلك المولى سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل, (أبو الربيع), من سلاطين دولة الأشراف العلويين في مراكش (المغرب الأقصى), ووجَّه الآية على ظاهرها, وكتب بذلك إلى شيخه ابن كيران[1], فتلقف خطابه, وشرحه برسالةٍ انتصر فيها لمذهب الجمهور, مسترشداً بما في الدر المنثور من أنَّ العرض والإباء حقيقيان, وأنَّ العرض عرض تخيير, لا عرض عزيمةٍ وتحتيم, فكان الإباءُ إباءَ خوفٍ وإيثار, لا إباءَ مُخالفةٍ وعصيان.
وقد دَرَسَ هذه الرسالة وحققها الدكتور: شافع ذيـبَان الحريري أستاذ التفسير وأُصوله المُساعد في كلية الشريعة واللغة العربية بجامعة الإمام (فرع رأس الخيمة), وتَمَّ نشرها في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الصادرة عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت, عدد(57), ربيع الآخر1425هـ-يونيو2004م.
حُرر: عصر السبت في العاشر من شهر الله المحرم لعام 1426هـ
[1] / هو: محمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام بن كيران, أبو عبد الله, عالمٌ محقق نَقَّادٌ, وحافظٌ متقنٌ تفَّرد في وقته بالجمع بين علمي المعقول والمنقول والفروع والأصول, يَعرفُ أكثر الفنون, وهو ممن حصَّل رُتبة الاجتهاد في زمنه, ولد بفاس سنة (1172هـ). الفكر السامي للحجوي (2/295).