نور المقباس في فوائد حديث ابن عباس

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
نور المقباس في فوائد حديث ابن عباس
هذه كلمات موجزة في شرح حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ ... " الحديث ، اقتصرت فيه على تخريج الحديث ، وبيان معاني غريب الألفاظ ، والمعنى الإجمالي ، ثم ما يستفاد من الحديث .
والله الكريم أسأل أن ينفع به .. آمين .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ ، لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ ؛ لَكِنَّ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ " .

التخريج
رواه البيهقي في السنن الكبرى : 10 / 252 بهذا اللفظ ؛ ولفظه في صحيح مسلم : " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ ؛ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " ؛ ولفظ البخاري : عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي الْحُجْرَةِ ، فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفَى [ المثقب ] فِي كَفِّهَا ، فَادَّعَتْ عَلَى الْأُخْرَى ، فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ " ذَكِّرُوهَا بِاللَّهِ ، وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا : ] إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [ ، فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ النَّبِيُّ e : " الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " ؛ قال ابن حجر في ( الفتح ) : وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن إِدْرِيس عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ وَعُثْمَان بْن الْأَسْوَد عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : كُنْت قَاضِيًا لِابْنِ الزُّبَيْر عَلَى الطَّائِف - فَذَكَرَ قِصَّة الْمَرْأَتَيْنِ - فَكَتَبْت إِلَى اِبْن عَبَّاس ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : أَنَّ رَسُول اللَّه e قَالَ : " لَوْ يُعْطَى النَّاس بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَال أَمْوَال قَوْم وَدِمَاءَهُمْ ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَة عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِين عَلَى مِنْ أَنْكَرَ " وَهَذِهِ الزِّيَادَة لَيْسَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَإِسْنَادهَا حَسَن ( [1] ) .
وروى الترمذي والدارقطني عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ e : " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " .
وروى والدارقطني : 3 / 110 ، 4 / 217 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ e قَالَ : " الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ، إِلاَّ فِي الْقَسَامَةِ " ؛ ورواه البيهقي في الكبرى : 8 / 123 ، والدارقطني : 3 / 111 بهذا اللفظ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ .



المعنى الإجمالي
هذا الحديث قاعدة في القضاء ؛ قال ابن دقيق العيد - رحمه الله : وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام ، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام ، ويقتضي أن لا يُحكم لأحد بدعواه ( [2] ) ، وقال ابنُ المنذر - رحمه الله : أجمع أهلُ العلم على أن البيِّنَةَ على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ، قال : ومعنى قوله : " البيِّنة عَلَى المدَّعِي " يعني : يستحقُّ بها ما ادَّعى ، لأنَّها واجبةٌ عليه يؤخذ بها ، ومعنى قوله : " وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " أي : يبرأُ بها ، لأنَّها واجبةٌ عليه ، يؤخَذُ بها على كلِّ حالٍ ( [3] ) .
وقد بين النبي e في هذا الحديث أنَّه لو أجيب كلُّ مدَّع على غيره شيئًا بلا بينة ، لأدَّى ذلك إلى ادِّعاء أموال الناس ودمائهم ، ولشاع الفساد ، ولم يأمن الناس على دمائهم ولا أموالهم ؛ قال الشيخ السعدي - رحمه الله : هذا الحديث عظيم القدر ، وهو أصل من أصول القضايا والأحكام ، فإن القضاء بين الناس إنما يكون عند التنازع ، هذا يدعي على هذا حقًّا من الحقوق ، فينكره ، وهذا يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتًا عليه ؛ فبين e أصلاً بفض نزاعهم ، ويتضح به المحق من المبطل ، فمن ادعى عينًا من الأعيان ، أو دَيْنًا ، أو حقًّا من الحقوق وتوابعها على غيره ، وأنكره ذلك الغير ، فالأصل مع المنكر ؛ فهذا المدعي إن أتى ببينة تثبت ذلك الحق ، ثبت له ، وحُكمَ له به ؛ وإن لم يأت ببينة ، فليس له على الآخر إلا اليمين .ا.هـ . وقوله e : " وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ " يدلُّ على أنَّ كلَّ مَنِ ادَّعى عليه دعوى ، فأنكر ، فإنَّ عليه اليمينَ ؛ فإن حلف المدعى عليه برئت ساحتُه ، وإن نكل عن اليمين قُضي عليه بالنُّكول ، وأُلزم بما ادَّعاه عليه خصمُه .
والحكمة في كون البينة على المدعي لأنه يدعي أمرًا خفيًّا بحاجة إلى إظهار ، والبينة دليل قوي لإظهار ذلك ؛ وقال النووي - رحمه الله : إنَّما كانت البيِّنة على المدَّعي ؛ لأنَّه يدَّعي خلاف الظاهر ، والأصل براءة الذِّمَّة ؛ وإنما كان اليمين في جانب المدعى عليه ، لأنه يدعي ما وافق الأصل ، وهو براءة الذمة ( [4] ) .
ما يستفاد من الحديث
1 - حرص الإسلام على حفظ أموال الناس ودماءهم ، لقوله e : " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ ، لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ " .
2 - من أصناف الناس من لا رادع عنده ولا تقوى ، فيدَّعي دماء أناس وأموالهم إذا سنحت له الفرصة .
3 - أنه لا يحكم لأحد بمجرد دعواه ، فلا تقبل دعوى أحد على أحد دون بينة .
4 - أنه يُبدأ بالمدعي عند التنازع .
5 - إذا لم يُقرِّ المدَّعى عليه ، فإنَّ على المدَّعي إقامة البيِّنة على دعواه .
6 - أن المدعي إذا أقام بينة على دعواه حكم له بما ادعاه ، لقوله e : " لَكِنَّ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي " والبينة كل ما بان به الحق واتضح .
7 - أنه لا يجوز الحكم إلا بما رتبه الشرع ، وإن غلب على الظن صدق المدعي .
8 - أن الأصل براءة المسلم من كل تهمة ونقيصة حتى تثبت ببينة .
9 - يوازن الشرع بين الحفاظ على حرمات المسلمين ولذلك حرم مجرد إطلاق التهم ، وبين إيصال الحقوق لهم ولذلك أوجب البينة ، وهذا هو العدل الذي أمر الله به .
10 - أن اليمين على من أنكر دعوى المدعي ؛ فإذا لم يجد المدعي بينة ولا شهودًا ، فإن القاضي يطلب من المدعَى عليه أن يحلف أن ما ادعاه عليه المدعي غير صحيح ، ويكون الحكم له بيمينه .
11 - أن لو أنكر المدعى عليه وأبى أن يحلف ، فإنه يُقضى عليه بالنكول ؛ ووجه ذلك أنه إذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجب عليه ، فيحكم عليه به .
12 - تعظيم اليمين ، إذ به يقبل رد الدعوى إذا لم يكن بينة ؛ ولذلك وردت السنة بالتحذير من اليمين الغموس ؛ وهي اليمين الكاذبة التي يستقطع بها حق مسلم ، فهي تغمس صاحبها في الإثم ، وتغمسه في النار - عياذا بالله تعالى .
13 - يجب على القاضي أن يحكم بالعدل .
هذا ؛ والعلم عند اَللَّه تعالى .

[1] - انظر فتح الباري : 5 / 282 ، 283 .

[2] - انظر شرح الأربعين لابن دقيق العيد ، الحديث الثالث والثلاثون .

[3] - الإجماع ص 75 .

[4] - انظر شرح الأربعين للنووي ، الحديث الثالث والثلاثون .
 
عودة
أعلى