البَسمَلَةُ لَيَستْ مِن الفَاتحَة
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:2]
لَمْ نَحْتَجْ إِلَى الْإِبَانَةِ عَنْ وَجْهِ تَكْرِيرِ ذَلِكَ فِي هَذَا المَوْضِعِ، إِذْ كُنَّا لَا
نَرَى أَنَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آيَةٌ، فَيَكُونَ عَلَيْنَا لِسَائِلٍ مَسْأَلَةٌ بِأَنْ يَقُولَ: مَا وَجْهُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ فِي هَذَا المَوْضِعِ، وَقَدْ مَضَى وَصْفُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، مَعَ قُرْبِ مَكَانِ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرَى، وَمُجَاوَرَتِهَا صَاحِبَتَهَا؟ بَلْ ذَلِكَ لَنَا حُجَّةٌ عَلَى خَطَأِ دَعْوَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آيَةٌ؛ إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَكَانَ ذَلِكَ إِعَادَةَ آيَةٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَفْظٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا..
فَإِنْ قَالَ قائلٌ: فَإِنَّ
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فَاصِلٌ مِنْ ذَلِكَ.. قِيلَ: قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَقَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ المُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَإِنَّمَا هُوَ: الْحَمْدُ للهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، فَقَالُوا: إِنَّ قَوْلَهُ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) تَعْلِيمٌ مِنَ اللهِ عَبْدَهُ أَنْ يَصِفَهُ بِالمُلْكِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ مَلِكِ، وَبِالمِلْكِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قَالُوا: فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُجَاوِرَ وَصْفِهِ بِالمُلْكِ أَوِ المِلْكِ، مَا كَانَ نَظِيرَ ذَلِكَ مِنَ الْوَصْفِ، وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ:
{مالِكِ}، الَّذِي هُوَ خَبَرٌ عَنْ مِلْكِهِ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْخَلْقِ، وَأَنْ يَكُونَ مُجَاوِرَ وَصْفِهِ بِالْعَظَمَةِ وَالْأُلُوهَةِ مَا كَانَ لَهُ نَظِيرًا فِي المَعْنَى مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وَقَالُوا: نَظَائِرُ ذَلِكَ - مِنَ التَّقْدِيمِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ، وَالمُؤَخَّرِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّقْدِيمِ - فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَفْشَى وَفِي مَنْطِقِهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، ومِنْ ذَلِكَ قوله جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي كِتَابِهِ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا} [الْكَهْفِ: 1-2] بِمَعْنَى: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ شَاهِدٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آيَةً.