عبدالكريم عزيز
New member
يقول الله تعالى :
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }البقرة114
سأسوق هنا نموذجا من الترجيح لدى ابن كثير مخالفا فيه الإمام الطبري :
يقول ابن كثير :
[اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها، على قولين:
(أحدهما) ما رواه العوفي في تفسيره عن ابن عباس، في قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } قال: هم النصارى. وقال مجاهد: هم النصارى، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: { وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ }. قال: هو بختنصر وأصحابه، خرب بيت المقدس، وأعانه على ذلك النصارى. وقال سعيد عن قتادة، قال: أولئك أعداء الله النصارى، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس. وقال السدي: كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس، حتى خربه، وأمر أن تطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه، من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا، وروي نحوه عن الحسن البصري،
(القول الثاني)، ما رواه ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ } ، قال: هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وبين أن يدخل مكة، حتى نحر هديه بذي طوى، وهادنهم، وقال لهم: " ما كان أحد يصد عن هذا البيت، وقد كان الرجل، يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده " فقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر، وفينا باق.
وفي قوله: { وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ } قال: إذ قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحج والعمرة. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن سلمة قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } ]
و قد علق ابن كثير على ذلك بقوله :
[ ثم اختار ابن جرير القول الأول، واحتج بأن قريشاً لم تسعَ في خراب الكعبة، وأما الروم، فسعوا في تخريب بيت المقدس]
ترجيح ابن كثير والرد على الإمام الطبري :
[ (قلت): والذي يظهر، والله أعلم، القول الثاني كما قاله ابن زيد. وروي عن ابن عباس.]
ساق ابن كثير ثلاثة أدلة لتعزيز ترجيحه للقول الثاني :
1-[لأن النصارى إذا منعت اليهود الصلاة في البيت المقدس، كان دينهم أقوم من دين اليهود، وكانوا أقرب منهم، ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولاً إذ ذاك، لأنهم لعنوا من قبل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
2- [ وأيضاً فإنه تعالى، لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى، شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام.
3- [ وأما اعتماده على أن قريشاً لم تسعَ في خراب الكعبة، فأي خراب أعظم مما فعلوا؟ أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم، كما قال تعالى:
{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأنفال: 34]،
وقال تعالى:
{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَـٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ وَفِى ٱلنَّارِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } [التوبة: 17 ـ 18]
وقال تعالى:
{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح:25]
فقال تعالى:
{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } [التوبة: 18]،
فإذا كان من هو كذلك مطروداً منها، مصدوداً عنها، فأي خراب لها أعظم من ذلك؟ وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر الله فيها، وإقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك.]
ملاحظة :
هناك عامل إضافي داعم للقول الثاني وذلك من تفسيرالإمام الطبري للآية 2 من سورة الحشر حيث يقول :
[وقوله: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ } يعني جلّ ثناؤه بقوله: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ } بني النضير من اليهود، وأنهم يخربون مساكنهم، وذلك أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة فيما ذُكر في منازلهم مما يستحسنونه، أو العمود أو الباب، فينزعون ذلك منها بأيديهم وأيدي المؤمنين.]
[واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق سوى أبي عمرو: { يُخْرِبُونَ } بتخفيف الراء، بمعنى يخرجون منها ويتركونها معطلة خراباً، وكان أبو عمرو يقرأ ذلك «يخرّبون» بالتشديد في الراء بمعنى يهدّمون بيوتهم. وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك نحو قراءة أبي عمرو. وكان أبو عمرو فيما ذكر عنه يزعم أنه إنما اختار التشديد في الراء لما ذكرت من أن الإخراب: إنما هو ترك ذلك خراباً بغير ساكن، وإن بني النضير لم يتركوا منازلهم، فيرتحلواعنها، ولكنهم خربوها بالنقض والهدم، وذلك لا يكون فيما قال إلا بالتشديد.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه بالتخفيف لإجماع الحجة من القراء عليه وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يقول التخريب والإخراب بمعنى واحد وانما ذلك في اختلاف اللفظ لا اختلاف في المعنى]
مجمل القول : إن هناك قراءتين : الأولى بالتخفيف والثانية بالتشديد ، وأن الجمع بينهما يعطينا : معنيين :
الأول : الإخراب : وهو المنازل خرابا بغير ساكن
الثاني : التخريب : وهو النقض والهدم
زيادة على ذلك أن لا ترادف في القرآن الكريم ، فالزيادة في المبنى تؤدي إلى الزيادة في المعنى .
مما سبق يتبين أن الإخراب ليس هو التخريب وهذا يدعم القول السابق : { وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ } قال: إذ قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحج والعمرة. وليس تخريب بيت المقدس كما جاء في القول الأول .
والله أعلم
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }البقرة114
سأسوق هنا نموذجا من الترجيح لدى ابن كثير مخالفا فيه الإمام الطبري :
يقول ابن كثير :
[اختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها، على قولين:
(أحدهما) ما رواه العوفي في تفسيره عن ابن عباس، في قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } قال: هم النصارى. وقال مجاهد: هم النصارى، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: { وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ }. قال: هو بختنصر وأصحابه، خرب بيت المقدس، وأعانه على ذلك النصارى. وقال سعيد عن قتادة، قال: أولئك أعداء الله النصارى، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس. وقال السدي: كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس، حتى خربه، وأمر أن تطرح فيه الجيف، وإنما أعانه الروم على خرابه، من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا، وروي نحوه عن الحسن البصري،
(القول الثاني)، ما رواه ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ } ، قال: هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وبين أن يدخل مكة، حتى نحر هديه بذي طوى، وهادنهم، وقال لهم: " ما كان أحد يصد عن هذا البيت، وقد كان الرجل، يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده " فقالوا: لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر، وفينا باق.
وفي قوله: { وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ } قال: إذ قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحج والعمرة. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن سلمة قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } ]
و قد علق ابن كثير على ذلك بقوله :
[ ثم اختار ابن جرير القول الأول، واحتج بأن قريشاً لم تسعَ في خراب الكعبة، وأما الروم، فسعوا في تخريب بيت المقدس]
ترجيح ابن كثير والرد على الإمام الطبري :
[ (قلت): والذي يظهر، والله أعلم، القول الثاني كما قاله ابن زيد. وروي عن ابن عباس.]
ساق ابن كثير ثلاثة أدلة لتعزيز ترجيحه للقول الثاني :
1-[لأن النصارى إذا منعت اليهود الصلاة في البيت المقدس، كان دينهم أقوم من دين اليهود، وكانوا أقرب منهم، ولم يكن ذكر الله من اليهود مقبولاً إذ ذاك، لأنهم لعنوا من قبل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
2- [ وأيضاً فإنه تعالى، لما وجه الذم في حق اليهود والنصارى، شرع في ذم المشركين الذين أخرجوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة، ومنعوهم من الصلاة في المسجد الحرام.
3- [ وأما اعتماده على أن قريشاً لم تسعَ في خراب الكعبة، فأي خراب أعظم مما فعلوا؟ أخرجوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستحوذوا عليها بأصنامهم وأندادهم وشركهم، كما قال تعالى:
{ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأنفال: 34]،
وقال تعالى:
{ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَـٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ وَفِى ٱلنَّارِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } [التوبة: 17 ـ 18]
وقال تعالى:
{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح:25]
فقال تعالى:
{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَىٰ ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } [التوبة: 18]،
فإذا كان من هو كذلك مطروداً منها، مصدوداً عنها، فأي خراب لها أعظم من ذلك؟ وليس المراد من عمارتها زخرفتها وإقامة صورتها فقط، إنما عمارتها بذكر الله فيها، وإقامة شرعه فيها، ورفعها عن الدنس والشرك.]
ملاحظة :
هناك عامل إضافي داعم للقول الثاني وذلك من تفسيرالإمام الطبري للآية 2 من سورة الحشر حيث يقول :
[وقوله: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُؤْمِنِينَ } يعني جلّ ثناؤه بقوله: { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ } بني النضير من اليهود، وأنهم يخربون مساكنهم، وذلك أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة فيما ذُكر في منازلهم مما يستحسنونه، أو العمود أو الباب، فينزعون ذلك منها بأيديهم وأيدي المؤمنين.]
[واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق سوى أبي عمرو: { يُخْرِبُونَ } بتخفيف الراء، بمعنى يخرجون منها ويتركونها معطلة خراباً، وكان أبو عمرو يقرأ ذلك «يخرّبون» بالتشديد في الراء بمعنى يهدّمون بيوتهم. وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك نحو قراءة أبي عمرو. وكان أبو عمرو فيما ذكر عنه يزعم أنه إنما اختار التشديد في الراء لما ذكرت من أن الإخراب: إنما هو ترك ذلك خراباً بغير ساكن، وإن بني النضير لم يتركوا منازلهم، فيرتحلواعنها، ولكنهم خربوها بالنقض والهدم، وذلك لا يكون فيما قال إلا بالتشديد.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه بالتخفيف لإجماع الحجة من القراء عليه وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يقول التخريب والإخراب بمعنى واحد وانما ذلك في اختلاف اللفظ لا اختلاف في المعنى]
مجمل القول : إن هناك قراءتين : الأولى بالتخفيف والثانية بالتشديد ، وأن الجمع بينهما يعطينا : معنيين :
الأول : الإخراب : وهو المنازل خرابا بغير ساكن
الثاني : التخريب : وهو النقض والهدم
زيادة على ذلك أن لا ترادف في القرآن الكريم ، فالزيادة في المبنى تؤدي إلى الزيادة في المعنى .
مما سبق يتبين أن الإخراب ليس هو التخريب وهذا يدعم القول السابق : { وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ } قال: إذ قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحج والعمرة. وليس تخريب بيت المقدس كما جاء في القول الأول .
والله أعلم