نكتة بلاغية في قوله سبحانه: {ولما سكت عن موسى الغضب}

إنضم
04/06/2007
المشاركات
6
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
قال سبحانه في سورة الأعراف: {ولما سكت عن موسى الغضب}154 قد يسأل القارئ عن التعبير بهذا الأسلوب: لم اختيرت هذه الصيغة دون غيرها؟ لِمَ لَمْ تقل الآية: ولما سكت غضب موسى؟ أو: ولما هدأ غضب موسى؟
ولعل السر في هذا التعبير القرآني البديع _ والله أعلم_ الاعتذار عن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام حيث اعتُبِر الغضبُ شيئاً منفصلاً عن كيان النبي موسى عليه الصلاة والسلام, فلما هجم عليه الغضب ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه, فلما سكت الغضب عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام واستقلَّ إذا بالغضب هو الذي فعل ما حصل, والله أعلم.
 
حياك الله وبياك يا شيخ إبراهيم أخا عزيزا ومشاركا مفيداً بين إخوتك ومحبيك في هذا المنتدى المبارك, وبارك الله فيك على ما أوردته من نكتة.
واسمح لي أن ازيد على ما أوردتموه كلاماً لابن عاشور عليه رحمة الله إذ يقول: {والسكوت مستعار لذهاب الغضب عنه شبه ثوران الغضب في نفس موسى المنشئ خواطر العقوبة لأخيه ولقومه وإلقاء الألواح حتى انكسرت بكلام شخص يغريه بذلك وحسن هذا التشبيه أن الغضبان يجيش في نفسه حديث للنفس يدفعه إلى أفعال يطفئ بها ثوران غضبه فإذا سكن غضبه وهدأت نفسه كان ذلك بمنزلة سكوت المغري فلذلك أطلق عليه السكوت وهذا يستلزم تشبيه الغضب بالناطق المغري على طريقة المكنية فاجتمع استعارتان أو هو استعارة تمثيلية مكنية لأنه لم تذكر الهيئة المشبه بها ورمز إليها بذكر شيء من روادفها وهو السكوت وفي هذا ما يؤيد أن إلقاء الألواح كان اثر للغضب}
 
حقاً إن الغضب إذا تسلط على الانسان فكأنه مخلوق قد تسلط عليه يأمره و ينهاه ، قال الله تعالى :
ولما سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ. وصف القرآن الكريم الغضب في صورة كائن يقود تصرفات موسى عليه السلام، ابتداء من إلقائه لألواح التوراة، وشده للحية أخيه ورأسه، وانتهاء بنسف العجل في البحر، وحكمه بالقتل على من اتخذوه ربا ، ولكن لما سكت عن موسى الغضب، زايله غضبه في الله، وذلك أرفع أنواع الغضب وأجدرها بالاحترام والتوقير، التفت موسى إلى مهمته الأصلية حين زايله غضبه فتذكر أنه ألقى ألواح التوراة، وعاد موسى يأخذ الألواح ويعاود دعوته إلى الله سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ

عاد موسى إلى هدوئه، واستأنف جهاده في الله، وقرأ ألواح التوراة على قومه.

إذن ليس كل الغضب مذموماً على اطلاقه ، فالغضب لانتهاك حرمات الدين أمر مطلوب و مستحب و قد يكون واجباً فى بعض المواقف و الحالات، و لم يكن النبى – صلى الله عليه و سلم – يغضب لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله ، فإذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء.
 
أرحب بأخي العزيز الشيخ إبراهيم في هذا الملتقى المبارك ، وبارك الله في علمه

وأشكرك على هذه المشاركة والتي نرجو أن تكون باكورة لمشاركات قادمة متميزة على عادتك .
 
للإمام ابن القيم كلام لطيف حول الآية في كتابه إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الفضلاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله تعالى خيرا على تدارس كتاب الله عز وجل وأسأل الله تعالى أن ينفعنا جميعا بعلومه وأنواره وهداياته
قرأت للشيخ أبي زهرة رحمه الله تعالى في زهرة التفاسير 6/ 2957 قوله: "(وألقى الألواح) التي تلقاها عن ربه مكتوبة مفروضة جانبا، لا أنه رماها حتى تكسرت كما زعم بعض المفسرين، بل ألقاها جانبا ليفرغ لمناقشة الذين غيروا وبدلوا من بعده، ومن سكتوا عن تغييرهم". وهذا توجيه من الشيخ رحمه الله تعالى لمعنى الآية تفاديا لما قد يرد على الذهن من أن رمي الألواح التي تتضمن كلام الله تعالى لا يليق بمقام موسى عليه السلام. وأرى والله تعالى أعلم أن المسألة تحتاج إلى مزيد من التحرير والتفصيل، وخصوصا في أمور، منها:
1- مفهوم الإلقاء في القرآن الكريم عموما، وفي هذا السياق خصوصا. فإن الإلقاء له دلالات في القرآن الكريم.
2- مفهوم الألواح، وهل كانت من حجر أم من خشب أم من غير ذلك؟ وخصوصا إذا استحضرنا قوله تعالى في نفس السياق (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) ولاحِظْ معي أخي الكريم: عبارة (كل شيء) تكررت مرتين، ولاحظ أيضا كلمة (وتفصيلا)...
3- مفهوم الأخذ في قوله: (وأخذ الألواح) ولم يقل (وجمع الألواح) أو عبارة تفيد بوضوح كونها مرمية، وقد يساعد بيان مفهوم الأخذ هنا في بيان مفهوم الإلقاء والله تعالى أعلم.
 
تعقيب

تعقيب

أشكر من رحب بي وبمشاركتي الأولى, ومن علق وأضاف, وأحب أن أضيف: إن سياق الآيات لا يساعد على
تصور إلقاء الألواح أنه كان بصورة هادئة طبيعية ؛ ولا المدلول اللغوي لكلمة {ألقى} هنا, حتى إن النبي موسى عليه الصلاة والسلام أخذ برأس أخيه يجره إليه وأخوه نبي, وقال له أخوه عليه الصلاة والسلام: { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } ولا نتطرق لمسألة أصل الألواح هل كانت من خشب أو حجر؟ وهل تكسرت أو لم تتكسر؟ فليس عندنا مايسعفنا لأن نتحدث في هذه الأمور سوى روايات إسرائيلية بل إن الآيات الكريمة القاطعة تفيد خلاف ذلك, والله أعلم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية عطرة لك أخي الكريم إبراهيم الزهراني ولسائر الإخوة المشاركين في تدبر هذه الآية:
بالنسبة لإلقاء الألواح، من قال إنه كان بصورة هادئة طبيعية؟ ألا يتصور وضعها جانبا بصورة منفعلة شديدة؟ وهي صورة تختلف عن الرمي الذي ذكره عدد من المفسرين بحيث أدى إلى انكسار الألواح.
وأما المدلول اللغوي لألفاظ القرآن فإنه ليس كافيا في تبيّن دلالاتها بل لابد من ملاحظة السياق بنوعيه: سياق المقال وسياق المقام.
وأنا أخي الكريم حين أوردت كلام أبي زهرة رحمه الله تعالى إنما قصدت التنبيه على أن في المسألة رأيا آخر، ولم أختر إلى الآن أي رأي من الرأيين، بل أشرت إلى أن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والتأمل.
وأما عدم الخوض في حقائق بعض الأمور التي سكت عنها القرآن الكريم؛ فأنا أوافقك الرأي، غير أن قصدي من إيراد ذلك إنما هو التوقف عن القول بالانكسار، وقد أدى هذا القول بالبعض إلى ادعاء ضياع جزء كبير أو صغير من مضمون الألواح. وأنا لم أقل إن الألواح كانت من حجر أو من خشب، وإنما دعوت إلى البحث في مفهومها من خلال نصوص القرآن الكريم والصحيح من المنقول من غير التفات إلى ما ذكرته من الإسرائيليات، ثم أشرت إلى أن البحث في الآية: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) وفي غيرها من نصوص هذه الموضوع قد يساعد في استجماع سمات المفهوم وتقريب بعض ملامح تلك الألواح. وأما قيمة البحث في ذلك فإنها قد تفيد المهتمين بتاريخ الكتب المنزلة، وتاريخ الكتابة عموما. والله تعالى أعلم بالصواب.
 
عودة
أعلى