عبدالكريم عزيز
New member
يقول تعالى عن شجرة الزقوم : {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} [الصافات: 65]
يقول الشعراوي – رحمه الله – (ت:1418هـ) في تفسيره : من الإشكالات التي أثارتها هذه الآية في العصر الحديث قول المستشرقين الذين يريدون أن يتورّكوا على القرآن، ويعترضوا على أساليبه، مثل قوله تعالى عن شجرة الزقوم: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} [الصافات: 65]
ووَجْه اعتراضهم أن التشبيه إنما يأتي عادةً لِيُوضِّح أمراً مجهولاً من مخاطب بأمر معلوم له، أما في الآية فالمشبَّه مجهول لنا؛ لأنه غَيْب لا نعلم عنه شيئاً، وكذلك المشبَّه به لم نَرَهُ، ولم يعرف أحد مِنّا رأس الشيطان، فكيف يُشبِّه مجهولاً بمجهول؟ لأننا لم نَرَ شجرة الزقوم لنعرف طَلْعها، ولم نَرَ الشيطان لنعرف رأسه.
ثم يقولون: الذي جعل المسلمين يمرُّون على هذه الآية أنهم يُعطون للقرآن قداسة، هذه القداسة تُربّى فيهم التهيُّب أنْ يُقبلوا على القرآن بعقولهم ليفتشوا فيه، ولو أنهم تخلصوا من هذه المسألة وبدأوا البحث في أسلوب القرآن دون تهيُّب لاستطاعوا الخروج منه بمعطيات جديدة.
وللردِّ على قَوْل المستشرقين السابق نقول لهم: لقد تعلمتم العربية صناعة، وليس عندكم الملَكَة العربية أو التذوّق الكافي لفهم كتاب الله وتفسير أساليبه، وفَرْقٌ بين اللغة كملَكَة واللغة كصناعة فقط.
الملَكة اللغوية تفاعل واختمار للغة في الوجدان، فساعة أنْ يسمعَ التعبير العربي يفهم المقصود منه، أما اللغة المكتسبة خاصة على كِبَر فهي مجرد دراسة لإمكان التخاطب، فلو أن عندكم هذه الملكة لما حدث منكم هذا الاعتراض، ولعلمتم أن العربي قبل نزول القرآن قال:
يَغُطُّ غَطِيطَ البكْر شُدّ خِنَاقُه ... لِيقتُلَنِي والمرْءُ ليسَ بقتَّالِ
أَيقتُلِني وَالمشْرفيُّ مُضَاجِعِي ... وَمسْنُونَةٍ زُرْقٍ كأنْيَابِ أَغْوَالِ
فهل رأيتم الغول؟ وهل له وجود أصلاً؟ لكن الشاعر العربي استساغ أن يُشبّه سلاحه المسنون بأنياب الغول؛ لأن الغول يتصوَّره الناس في صورة بشعة مخيفة، فهذا التصوّر والتخيُّل للغول أجاز أنْ نُشبّه به.
وكذلك الشيطان، وإنْ لم يَرَهُ أحد أن الناس تتخيله في صورة بشعة وقبيحة ومخيفة، فلو كلّفنا جميع رسّامي الكاريكاتير في العالم برسم صورة مُتخيّلة للشيطان لرسم كل واحد منهم صورة تختلف عن الآخر؛ لأن كلاً منهم سيتصوره بصورة خاصة حَسْب تصوره للشيطان وجهة البشاعة فيه.
فلو أن الحق سبحانه شبَّه طَلْع شجرة الزقوم بشيء معلوم لنا لَتصوّرناه على وجه واحد، لكن الحق تبارك وتعالى أراد أنْ يُشيعَ بشاعته، وأنْ تذهب النفس في تصوُّر بشاعته كل مذهب، وهكذا يؤدي هذا التشبيه في الآية مَا لا يُؤديّه غيره، ويُحدث من الأثر المطلوب ما لا يُحدِثه تعبير آخر، فهو إبهام يكشف ويجليِّ. "
يقول الشعراوي – رحمه الله – (ت:1418هـ) في تفسيره : من الإشكالات التي أثارتها هذه الآية في العصر الحديث قول المستشرقين الذين يريدون أن يتورّكوا على القرآن، ويعترضوا على أساليبه، مثل قوله تعالى عن شجرة الزقوم: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} [الصافات: 65]
ووَجْه اعتراضهم أن التشبيه إنما يأتي عادةً لِيُوضِّح أمراً مجهولاً من مخاطب بأمر معلوم له، أما في الآية فالمشبَّه مجهول لنا؛ لأنه غَيْب لا نعلم عنه شيئاً، وكذلك المشبَّه به لم نَرَهُ، ولم يعرف أحد مِنّا رأس الشيطان، فكيف يُشبِّه مجهولاً بمجهول؟ لأننا لم نَرَ شجرة الزقوم لنعرف طَلْعها، ولم نَرَ الشيطان لنعرف رأسه.
ثم يقولون: الذي جعل المسلمين يمرُّون على هذه الآية أنهم يُعطون للقرآن قداسة، هذه القداسة تُربّى فيهم التهيُّب أنْ يُقبلوا على القرآن بعقولهم ليفتشوا فيه، ولو أنهم تخلصوا من هذه المسألة وبدأوا البحث في أسلوب القرآن دون تهيُّب لاستطاعوا الخروج منه بمعطيات جديدة.
وللردِّ على قَوْل المستشرقين السابق نقول لهم: لقد تعلمتم العربية صناعة، وليس عندكم الملَكَة العربية أو التذوّق الكافي لفهم كتاب الله وتفسير أساليبه، وفَرْقٌ بين اللغة كملَكَة واللغة كصناعة فقط.
الملَكة اللغوية تفاعل واختمار للغة في الوجدان، فساعة أنْ يسمعَ التعبير العربي يفهم المقصود منه، أما اللغة المكتسبة خاصة على كِبَر فهي مجرد دراسة لإمكان التخاطب، فلو أن عندكم هذه الملكة لما حدث منكم هذا الاعتراض، ولعلمتم أن العربي قبل نزول القرآن قال:
يَغُطُّ غَطِيطَ البكْر شُدّ خِنَاقُه ... لِيقتُلَنِي والمرْءُ ليسَ بقتَّالِ
أَيقتُلِني وَالمشْرفيُّ مُضَاجِعِي ... وَمسْنُونَةٍ زُرْقٍ كأنْيَابِ أَغْوَالِ
فهل رأيتم الغول؟ وهل له وجود أصلاً؟ لكن الشاعر العربي استساغ أن يُشبّه سلاحه المسنون بأنياب الغول؛ لأن الغول يتصوَّره الناس في صورة بشعة مخيفة، فهذا التصوّر والتخيُّل للغول أجاز أنْ نُشبّه به.
وكذلك الشيطان، وإنْ لم يَرَهُ أحد أن الناس تتخيله في صورة بشعة وقبيحة ومخيفة، فلو كلّفنا جميع رسّامي الكاريكاتير في العالم برسم صورة مُتخيّلة للشيطان لرسم كل واحد منهم صورة تختلف عن الآخر؛ لأن كلاً منهم سيتصوره بصورة خاصة حَسْب تصوره للشيطان وجهة البشاعة فيه.
فلو أن الحق سبحانه شبَّه طَلْع شجرة الزقوم بشيء معلوم لنا لَتصوّرناه على وجه واحد، لكن الحق تبارك وتعالى أراد أنْ يُشيعَ بشاعته، وأنْ تذهب النفس في تصوُّر بشاعته كل مذهب، وهكذا يؤدي هذا التشبيه في الآية مَا لا يُؤديّه غيره، ويُحدث من الأثر المطلوب ما لا يُحدِثه تعبير آخر، فهو إبهام يكشف ويجليِّ. "