نقض مزاعم من ادعى أن الأرامية لغة القرآن الكريم (الجزء الثاني الحروف المقطعة)

إنضم
10/09/2008
المشاركات
12
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
نقض مزاعم من ادّعى أن الأرامية السريانية هي لغة القرآن الكريم
الجزء الثاني (الحروف المقطعة)
سبق أن بيّنا مآخذ على دعوى من ادّعى أنّ السريانيّة الأراميّة هي أصل لغة القرآن الكريم، ونضيف هنا جانبا آخر يتعلّق بالموضوع نفسه، وسيكون حديثنا هنا على قسمين:
القسم الأوّل:
ثلاث مقدّمات وتلخيص لما فيهنّ ينبغي لمن تعرّض لدراسة لغة القرآن الكريم أن يتبيّنها قبل الخوض في أيّ مسألة من هذا النوع، فإنّها كالأساس لها والأصل.
المقدّمة الأولى: أنّه لا يتصدّى لبيان القرآن وتأويله وتفسيره إلّا من استكمل آلته في علم اللسان العربيّ، وخصائص أساليبه، ووجوه خطابه، ومختلف طرقه، وتنوّع فنونه. وتضلّع في علوم القرآن وأحكامه، وتفقّه في وجوه محكمه ومتشابهة، وأتقن موارده ومقاصده، وأدرك مسالك آياته، ومختلف سياقاته. فأمّا من كانت بضاعته في علوم العربيّة قليلة فإنّه ليس مؤهّلا للحديث عن اللسان العربيّ، فضلا عن أن يتعرّض للقرآن، وقد تحاماه علماء لا يشقّ لهم غبار، ولا يباح لهم ذمار، وليس هذا ورعاً منهم فحسب بل لأنّهم يعلمون أنّ للقرآن خصائص في تفسيره وتأويله وبيانه لا تتيّسر لكلّ من رغب في ذلك.
المقدمة الثانية: أنّ هذا الكتاب الكريم ليس كغيره من الكتب السماويّة التي بأيدي الأمم الكتابيّة ، فكلّ أمّة من أهل الكتاب لها نسخة من كتابها بلغتها_على ما فيه من تحريف_ أمّا القرآن الكريم فلا يتلى إلا بلغته التي نزل بها ، وأمّا ترجمات معانية فليست تلاوة بل هي تفسير لمعانيه،وتلاوته لا تصحّ إلّا بلسانه، لأنّ الله يقول : (فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ثمّ إنّ علينا بيانه) فقد وثّق الله الصلة بين تلاوته وبيانه، فلا يصحّ أن يكون بيانه على غير تلاوته، فالحروف المقطّعة لا يصحّ أن تفسّر على غير تلاوتها، ولذلك حين فسّر ابن عباس (طه)_كما روي عنه_ بأنّه رجل أي: "يارجل"لم يغيّر في صوت الحروف، ولم يبدّل بل فسّرها كما هي، وهذا هو الحقّ في التعامل مع كتاب الله، وهو أيضا من مقتضيات الحفظ الذي وعد الله به في قوله تعالى: (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)، ولو عمد أحدٌ إلى القرآن فغير في لفظه الذي يُتلى به ليستخرج منه معنى في لغة العرب فإنّ ذلك عمل مردود لا وجه له، فكيف إذا كان هذا التغيير والتبديل إنّما يراد به أن يوافق لفظا في لغة غير لغة القرآن التي نزل بها؟!، إنّ هذا من الخطأ المركب.
المقدّمة الثالثة: أنّه ينبغي لمن اعتنى بلغة القرآن أن ينظر في آياته التي أخبرت عن عربّيته، وعن بيانه، وهي كثيرة ، ومنها قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربيّ مبين) والإبانة التي تفيدها الآية هي إبانة تشمل ألفاظ القرآن الكريم ومعانيها، وما من أحد له معرفة بعلوم اللسان إلّا وهو يدرك أنّ الإبانة يقصد بها اللفظ والمعنى، فأمّا أن يكون اللفظ عربيّا ومدلوله غير عربيّ_سواء كان أراميّا أو غيره_فهذا مخالف لنصّ الآية ، ثم إنّ هذه الآية تنصّ على أنّ البيان صفة للسان العربيّ، ولو احتاج القرآن للغة أخرى غير العربيّة لتبيّنه لكانت هذه الآية باطلة. وفي القرآن آيات كثيرة نصّت على أنّ الله يبيّن للناس آياته ليتفكّروا وليتذكّروا وليعقلوا وليعلموا وليهتدوا وليؤمنوا وليشكروا، فكيف تتحقق هذه المقاصد التعبديّة والقرآن لم يبيّن للناس ما يجعلها تتحقق؟! . ولهذا قال تعالى: (إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلكم تعقلون) وفي معناها خمس آيات أخر، فقد بيّن الله تعالى أنّ علّة إنزاله بالعربيّة هي وصول الناس إلى فهمه وإدراكه وعقله، ولا يتحقّق ذلك الفهم والإدراك والعقل إلّا لمن كان القرآن بلغتهم يتكلمون بلفظه، ويفهمون معناه ،ويدركون مغزاه، ويعقلون مراده، ولو لم يكن ذلك في لغتهم التي يتكلّمونها لكانت الآية باطلة، ولكان إنزاله بلغة عربيّة قولا غير صحيح، وهذا لا يغفل عن مثله في فهم الآية إلّا من ليس له حظّ في علم اللسان.
كما تقتضي الآية أن يكون القرآن بلسانه العربّي ظاهراً بيّناُ لا غموض فيه، ولا يجهله من خوطبوا به وهم العرب ، لأنّ وصفه بأنّه مبين ينفي عنه أيّ صلة بما ليس من العربيّة في بيانه. والبيان هو ما تؤدّيه معاني الألفاظ والتراكيب من دلالات بها تعرف أحكام الدين التي استُعبدوا بها. ولو كان بغير اللسان العربيّ لكانت رسالة محمّد صلّى الله علّيه وسلم ناقصة مختلّة لأنّ القرآن نفسه يقول"( وكذلك أنزلناه حكما عربيا) ولو كان شيء من أحكامه غير عربيّ، أو شيء من ألفاظه غير عربيّ الدلالة لكان ذلك أقوى حجّة لقريش للطعن في القرآن وتكذيب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وردّ نبوّته، وقد كانوا يتحرّون كلّ صغيرة وكبيرة للطعن في القرآن وللتلبيس على الناس في نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فقد اصطنعوا له فرية فقالوا: إنّه أساطير الأولين، وقالوا: إنّه سحر. وعلى الرغم من تلك الافتراءات لم يقولوا: إنّ معانيه وأحكامه لا نفهمها، ولم يقولوا: جئتنا يامحمّد بكتاب لفظه عربيّ ومعناه غير عربيّ، ولم يعترض عربيّ قطّ على لفظ في القرآن، وهم الفصحاء والبلغاء والخطباء والأدباء الذين عُرف عنهم بيانهم وبلوغهم الغاية بين الناس في هذا. ثم إنّ شرط النبوّة والرسالة أن تكون الرسالة التي جاء بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بلسان قومه ، لا يشوبها شيء من لسان غيرهم وذلك ليبيّن لهم أمور دينهم، لقوله تعالى: "(وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم) وهذا البيان لا يصحّ عقلا أن يصدر من النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرف دلالات اللغة التي يخاطبهم بها، أو يكون بينه وبينهم خلل في الخطاب والتواصل، أو يغيب عنه دلالة ما يفهمون به ما استعبدهم الله به، وجعله سبيلا لهم إلى النجاة، والله تعالى يقول: (يا أيّها النبي بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته) فهل يصحّ عقلا أن يكون قد أُنزل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شيء من القرآن معناه في لغة أخرى ولم يبلّغ أمته بذلك، ثم بعد ذلك يشهد القرآن أنّه صلّى الله عليه وسلّم أتمّ رسالته وذلك في قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) لأنّ الدين الذي أكمله الله لنا إنما جاءنا من طريق نبيه محمّد صلّى الله عليه وسلّم ورسالته التي أوجبها الله عليه وأجب عليه تبليغنا بها تامّة غير ناقصة. ثم هل يصحّ أن يقول الله (فإنّما يسّرناه بلسانك) ويشهد له أنّه ميسّر لهم باللسان العربيّ ثمّ يظهر أنّ فيه شيئا غير يسير يحتاج لمعرفة اللسان الأراميّ أو السريانيّ؟!
ونخلص ممّا سبق إلى ما يلي:
1- أنّه نزل بلسان عربي مبين والبيان خاصيّة في العربيّة جعلتها صالحة لنقل مضامين القرآن وأحكامه، ولو كانت العربيّة غير وافية بهذه المهمة لما صحّ وصفها بالبيان الذي يظهر المعنى والمراد بلا خفاء ولا نقص.
2- أنّ هناك حقيقة في تنزيل القرآن وهو أنّه نزل بلسان محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولسان قومه، وهو اللسان العربيّ، لكيلا يكون لهم حجّة بأنّ الرسالة غير معلومة لهم.
3- أنّ إنزاله بلسان محمّد صلى الله عليه وسلم تيسير للناس ولو كان فيه شيء بغير لسانهم لوجب أن ينطق محمّد صلّى الله عليه وسلّم بما فيه سواء كان ذلك من السريانيّة أو الأراميّة أو غيرهما ويبيّنه لكي يصحّ التيسير.
4- أنّ قريشا حينما أردات أن تردّ نبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم طعنت في القرآن بأنّه سحر وأنّه شعر، ولو كان فيه شيء غير عربّي في لفظه أو معناه لكان حجة لها لتطعن فيه بأنّ محمّدا يأتي بقرآن لا تفهم العرب معناه.
5- أنّه لو كان فيه شيء ليس معناه في لسان العرب لبطل التحدّي به لأنّ التحدّي لا يصحّ إلا بلسانهم الذي يتخاطبون به، ويفهمونه ويدركون مراده.
6- أنّه لو كان فيه شيء ليس من لسانهم لوجب على النبيّ صلّى الله علّيه وسلّم أن يفصّل ويبيّن لهم أنّ هذا عربيّ، وهذا أعجميّ ليس بلساني ولا بلسانكم, لأنّه لو أخفى عنهم شيئا من ذلك لما بلّغ ما يكمل لهم دينهم.
7- أنه لو كان فيه شيء ليس من لسانهم ولم يبيّنه الله لنبيه، ثم لم يبيّنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأمته لكان ذلك من التفريط، والقرآن نفى هذا فقال: (ما فرّطنا في الكتاب من شيء)
القسم الثاني: الردّ على ما ورد في مزاعم الأخ لؤيّ الشريف من أنّ الحروف المقطّعة في أوائل سور القرآن الكريم أريد بها معاني أراميّة أو سريانيّة، ويشتمل الردّ على وجوه عدة الوجه الأول: بيان خصائص هذه الأحرف:
1-أنّها حروف عربيّة النطق مخارجها لا تتوفّر عليها لغة أخرى، ويجب أن يُلتزم في تلاوتها بما هي عليه دون زيادة أو نقص في لفظها ،أو تغيير في ترتيبها.
2-أنّ هذه الحروف جاءت على هيئة لا يراد بها معاني ظاهرة كما أريد بسائر ألفاظ القرآن الكريم، فإنّ كلّ كلمة في القرآن لها معنى ودلالة حسب النظم الشريف حيثما وقعت. أمّا الحروف المقطّعة فهي حروف هجاء غير معربة، فكلّ حرف منها ينطق باسمه العربيّ وليس بلفظه الصوتيّ التركيبيّ، والإعراب في لغة العرب يجعل الحروف في الكلمة تنطق بأصواتها منتهية في درج الكلام بعلامة تؤثّر في معنى تلك الكلمة، ، ثمّ إنها حين تنطق بأسمائها تكون ساكنة الآخر متّصلا بعضها ببعض عند التلاوة، وهذا يجعلها مختلفة عن غيرها ممّا في القرآن، وهو أنّ أواخر الكلم إذا وصل بعضها ببعض وجب إعرابه، أمّا هذه الحروف فإنّ أواخرها ساكنة، وهذا يقتضي بل يوجب وجوبا قطعيّا أن تبقى أسماءً للحروف بلا تفسير لمعانيها، خاطب الله بها قريشا والعرب ليتحدّاهم أن يأتوا بمثل القرآن الذي هو بلغتهم وحروفه كحروف لغتهم التي هم أهل بيانها وفصاحتها.
3-أنّها جاءت ليفتتح بها بعض سور القرآن الكريم وذلك أنّ الله تحدّى العرب بهذا القرآن ، وبيّن أنّ التحدّي بالقرآن إنّما هو بهذه الأحرف التي تنطقونها ومنها يتركب كلامكم.
الوجه الثاني: الأخطاء المنهجيّة في كلام الأخ لؤيّ الشريف:
أوّلا: التحريف والتبديل، وتقلّب المعايير:
وهذه الطريقة من أكثر ما يخلّ بمنهجيّة البحث العلميّ، حيث يقوم الباحث أو الدارس بتحريف الكلام الذي يتناوله ليناسب ما يريد أن يقوله، ويغيّر معياريّة ما تقوم عليه دراسته، فيعمل بمعيار ثم يتركه وينقلب لمعيار آخر، ويتأرجح بين المعايير المتباينة ليصل لغرضه. وقد ظهر هذا جلياّ في كلام الأخ لؤيّ وذلك أنّه حين تناول هذه الأحرف قرأ الألف أليف، وهذا تحريف وتبديل، ثم فسّره بأنّه بمعنى (بقوّة) وقد تجاوز في هذا مرتين أولاهما نقل الألف إلى أليف، ثم عاد فقرأه همزة فقط، ، ثم فسّره بمعنى القوة، فكيف ترك اللفظ العربيّ (ا) (الذي يُنطق "ألفْ" بالتلاوة الواجبة التي لا يصحّ تبديلها ولا تأويلها)؟!. ثم جمع إلى تحريفه هذا اللام والراء، فيترك صريح التنزيل ويغيّره ليصبح هكذا: ( أليف لير)، ثم يحرّفه مرة أخرى ليصبح ألير، أهكذا هو القرآن الذي أمرنا الله أن نعبده بتلاوته كما أنزل؟!. فتأمّل كيف بدأ بنقله من ألف إلى أليف ثم ترك معياريته هذا واستبدل أليف بالهمزة، لأنّه لن يستقيم له أن يقول إنّ ألف تفسّر بالهمزة، ثم حوّل الر إلى ألير، وهو باطل لأنّه أضاف حرفا من عنده حين أدخل الياء بين اللام والراء، فهل يصحّ أن نُدخل في كلام الله ما ليس منه. فلو أدخلت مثل هذه الياء على كلمة في القرآن مثل: (إنّ الله ربكم) وحوّلناها إلى (إنّ الله ريــبكم) ثم فسّرناها بعد إدخالنا لهذا الحرف؟ هل يستقيم المعنى حينئذ؟ أم هل يستقيم القرآن؟!
أمّا كلام الأخّ لؤيّ عن قوله تعالى: (طه) فقد حرّف الطاء إلى الحرف "تيت، أو طيت"، وهو حرف عبريّ كما يقول هو ، فقابل الطاء القرآنيّة بهذا الحرف السريانيّ العبريّ، وهذا هو التحريف بعينه، ثم فسّره بمعنى رجل أي أنّ لفظ "ط" من طه يعني رجل ، أمّا "الهاء" فهو في القرآن على ما نزل به جبريل "هَ" بفتحة ممدودة مدّا يسيرا فحرّفها الأستاذ لؤيّ بأن جعلها "هاء" مكسوة كسرا يشبه الياء"هَيْ"، وفسّرها بصوت النداء في الإنجليزيّة وبعض اللغات اللاتينيّة ، وفي هذا خطأ مركّب حيث حرّف اللفظ القرآنيّ في صوته، وأدائه، وشكله إلى حرف آخر، وهذا التحريف اللفظيّ في الحرفين يكفي وحده لإبطال فكرته. ثمّ احتج بأنّ كسر الهاء قراءة وليس له في هذا حجة، فإن الإمالة ليست خاصة بحرف الهاء من "طه"بل هي في كلّ رؤوس الآي في السورة نفسها، كما ذكر أصحاب القراءات بل إنّ الطاء نفسه ممال، فالإمالة تغيير في صوت الحرف مع بقاء حقيقته ولم يتغيّر في المفردات الممالة معنى ولادلالة.
ثمّ إنّه بعد هذا التحريف نقل الهاء الذي هو الحرف الثاني من "طه" وجعله هو الحرف الأول وجعل الأول ثانيا فأصبح هكذا "ه ط" لكي يرتّب فكرته على حساب حقيقة اللفظ القرآني، ثم فسرها بأنّها تعني "يا رجل" وهذا التفسير أي: "يارجل" لم يحتج إليه العلماء حين قالوا إنّها بمعنى "يارجل" في عدة لغات ساميّة قديمة. وبعد هذا كلّه فلفظ "طه" معناه رجل في بعض لغات العرب كما في لغة قبيلة عكّ، بلا تحريف ولا تقديم ولا تأخير، فكيف تحتاج لتحريفها وتقديم الهاء على الطاء، وتبدل لفظ القرآن ومعناه لتوافق به اللغة الآراميّة، أليس هذا خللا في المنهجيّة العمليّة إن وجدت؟!
ثانيا: الخطأ في القياس والتعليل:
1-كلمة ( ألير) التي جاء بها الأخ لؤيّ من لسان سريانيّ أو عبريّ، وحرّف بها (الر) التي افتتح الله بها عددا من سور القرآن ، وغرض الأخ لؤيّ إثبات أنّه يأتي بعد (ألير) ذكر الكتاب الكريم، فاستدلّ بأنّه لا يصلح (الر والقلم) وهذا لاحجة له فيه ، وذلك أنّ القرآن لا يصحّ أن يبدّل لفظ منه بلفظ من غيره ، بل لا يصحّ أن تُنزع منه كلمة فتوضع في موضع كلمة أخرى من القرآن نفسه، ولو طبّقت هذا على كلّ آية في القرآن، بل على أيّ آية لكان باطلا، فكيف ينزع لفظ "الر" ويوضع مكانه (ألير) ؟! فإذا استساغ لؤيّ إبدال "الر" بألير، وإبدال "طه" "بطيت أو طيط", وذلك أنّه قاس (الر والقلم) ليبين أنّها لا تستقيم وليستشهد أنّ الذي يستقيم هو (ألير كتاب أنزلناه) فهل يصحّ أن نزيل لفظا نزل من اللوح المحفوظ عربيا وتلاه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عربيّا، ونضع مكانه لفظا سريانيّا أو أراميّا أو عبريّا سواء كان اللفظ حرفا أو كلمة أو أكثر؟
2- تعليله بأنّ التبصّر إنما جاء في مقدمة السور التي فيها ذكر لآيات الكتاب، وليس التبصّر في الكتاب خاصّاً بهذه السور ومقدّماتها، فإنّ في القرآن كلّه آيات وعظات وسور فيها دعوة للتبصّر، فهل الآيات والسور التي لم تفتح بـ(الر) ليس فيها تبصّر؟!. ثمّ إنّ في القرآن آيات عدّة فيها (كتاب أنزلناه) ولم يأت قبله (الر) فهل هذه الآيات ليست للتبصّر؟!
ثم إن زعمه أنّهن بمعنى تبصّر فيه إخلال بنظم القرآن ذلك أن فعل "تبصّر" يقتضي أن يكون مادخل عليه مفعولا به منصوبا، ليستقيم معنى التبصّر، ولكن الذي في القرآن أنّ جميع هذه الحروف دخلت على أسماء مرفوعة ، فكيف يقع المفعول به مرفوعا؟ وقد عرف طلاب المراحلة الابتدائية أن المفعول به منصوب.
3-قياسه الحروف العربيّة على الحروف العبريّة والسريانيّة حيث يزعم الأستاذ لؤيّ أنّ الحروف العربيّة ليست ثمانية وعشرين حرفا بل هي 22 حرفا، وجزم بأنّ كلّ حرفين متشابهين في الصورة أصلهما حرف واحد: وألغى ستة أحرف هي (ث، خ، ش، ض، ق،غ) لأنّ أصلها: (ت، ح، س، ص، ف،ع) قياسا على ما نطق به. وهذا فيه عدد من الأخطاء العلميّة والتاريخية: أحدها:أنّه في تاريخ العربيّة لم يثبت أنّ هذه الحروف الستّة لم تكن في لسان العرب، و من غير المعقول ولا شبه المعقول أن يكون الذي وضع النقط على الحرف العربيّ هو الذي زاد هذه الأحرف من عنده، وأنّها كانت في لغة العرب وفي القرآن تنطق هي وشبيهاتها بصورة واحدة قبل أن يتبرع لهم نصر الكنانيّ أو غيره بستة أحرف.
الثاني:أن هذا القول قسر للغة العربيّة لتصبح كالسريانيّة أو العبريّة بقوّة التحكّم الشخصيّ، وهذا يعني أنّ الكلمات التي تشتمل على هذه الحروف التي زيدت في العربيّة هي كلمات ليست عربيّة، أو أنّ كلّا منها يرجع للفظ عربيّ آخر، فمثلا كلمة : الشاهد، أصلها الساهد، وكلمة الثعبان، هي التعبان، وكلمة: القرآن هي الفرآن، وكلمة الضيف أصلها الصيف. وهكذا! فهل هذا ممّا يعقله العالمون، أو من لهم أدنى علم!.
الثالث: أنّه يلزم من زعمه هذا أنّ القرآن حين لم يكن منقوطا كان يُقرأ فيه الحرف مثل شبيهه فهل كان قوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) يُقرأُ : (إن السرك لطلم عطيم)؟!.
الرابع: قوله تعالى: (كهيعص) قسمه الأخّ لؤيّ إلى قسمين أحدهما قرأه أحرفا صوتيّة، والآخر استبدل بحروفه كلمة لتناسب ما ذهب إليه، فقد جعل الكاف للتشبيه ثم حرف الهاء لتصبح هذا فقرأ الحرف كلمة، ثم عاد إلى الحرفيّة الصوتيّة في القراءة فقرأ الثلاثة الحروف الأخيرة كلمة واحدة محرّفة، فجعلها "يعص" ، ثم فسّرها يعض (يقصد: يعظ) وعلّل ذلك بأن الضاد من يعض أصلها صاد، وهنا سقطة من لؤيّ واضحة لأنّ الموعظة بالظاء وليس بالضاد، ولكن زعمه أنّ الضاد أصلها صاد، جعله يخلط بين اللفظين، فإذا ورد في القرآن "ص" فمعناه في العبريّة أو الأراميّة أوالسريانيّة "ض"، فهذه التحولات المعياريّة من تقسيم (كهيعص) وفي هذا القول من الخلل العلمي وجوه منها:
1- الاختلاف في طريقة قراءة الكلمة الوحدة حيث قسّمها تحكّما منه إلى ماهو حرف بحرف، وحرف بكلمة، وثلاثة أحرف بكلمة.
2- قوله: "كهذا يعض" لا يستقيم وسياق الآية فأيّ معنى كريم؟ وأي نظم شريف حصل حين صار التركيب (كهذا يعص أي يعض ذكر رحمة ربك عبده زكريا)؟.
3-أنّ الصاد التي في الآية لا بد من تحويلها لضاد في المعنى، مع محافظتها على صوتها في اللغة الآرامية، فهذا من الأخذ بالشيء ونقيضه في موضع واحد.
4- أنّ المعنى لا يتفق مع القراءة، وكل ما لا يتفق مع القراءة فهو باطل.
وهذا كلّه إنّما هو من التقلّب في المعياريّة، فضلا عن كونها تبديلا للقراءة وتحريفا لها، فلو قال لنا أحد إنّ: (نقصّ عليك أحسن القصص) هي(نقضّ عليك أحسن القضض) لكان كلاما مردودا، فكيف يستساغ في آية في القرآن شيء ثم ننفيه عن آية أخرى؟. وهذه المعيارية المتقلبة مردودة في المنهج العلمي.
وبعد هذا كلّه فسيواجهه تعارضا في قراءة "المص" هل يقلب "الصاد" "ضادا"، أم "ظاء" وفي قوله تعالى: (ص والقرآن) أيبقى عند الأخ لويّ "صادا" أم سيقلبه "ضادا" أو "ظاء"؟! هنا منهجيّة مخلخلة.
رابعا: تسمية القرآن بغير ما سماه الله به
حيث تكرر في حديث الأخّ لويّ تسمية القرآن "بالقرآن القديم" وهذه التسمية ليست من أسماء القرآن الكريم، فالقرآن يوصف بالكريم، والعظيم، والحكيم ، والمجيد، وذي الذكر، وأنّه قرآن مبين. ولم يثبت في القرآن ولا في السنّة أنّه سمّي بالقرآن القديم، بل هي تسمية خاطئة، والقديم والجديد تسميتان للتوراة والإنجيل. وشيخ الإسلام ابن تيمية يوضّح ما وقع فيه بعض من سمّوا القرآن باسم "القرآن القديم"، وقد جهل كثير منهم أنّ وراء هذه التسمية رؤى غريبة على التفكير الإسلاميّ، يقول رحمه الله: (هؤلاء اعتقدوا أنّ القرآن وسائر كلام الله قديم العين، وأنّ الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته. ثم اختلفوا: فمنهم من قال: القديم هو معنى واحد، هو جميع معاني التوراة والإنجيل والقرآن، وأنّ التوراة إذا عبّر عنها بالعربيّة صارت قرآنا، والقرآن إذا عبّر عنه بالعبرية صار توراة)أهـ. وهذا الذي قالوه في عهد ابن تيميّة له امتدادات معاصرة عند بعض من يخلط في الكتب السماويّة، ويوازي القرآن بغيره، وله امتدادات فيمن أراد أن يجعل من دراسة التوراة مدخلا لدراسة القرآن الكريم كما فعل بعض المستشرقين، وأثّر في دراسة تاريخ العرب قبل الإسلام عند بعض المعاصرين وهو جهل مطبق.
ومن هنا يظهر سؤال يوجّه للأستاذ لؤيّ الشريف، وهو: لماذا عدلت عن تسمية القرآن بأسمائه التي سمّاه الله بها إلى تسميته بالقديم وهي تسمية ما أنزل الله بها من سلطان؟، وهذا السؤال نطرحه بعيدا عن اتّهام النوايا، وبعيدا عن الشكّ بأنّ هذه التسمية جاء بها الأستاذ لؤي من تعلّمه للغة العهد القديم، أوممّا حذّر منه شيخ الإسلام.. وندع الجواب له .
خامسا: زعمه أن العلم بالسريانيّة شرط لتفسير شيء من القرآن:
وهذا لا يصح في معيار البحث العلمي فإن كلّ لغة تفسّر نفسها مادامت محتفظة بأصولها كما احتفظت اللغة العربية بأصولها التي نزل بها القرآن، أمّا أن يُفسّر القرآن العربيّ بلغة غيره فهو قول بعيد غريب لا يسنده دليل، ولم يقل به لا عربيّ ولا عجميّ من قبل، ولا يقبله منطق ولا عقل. وهل من المنطق والعلم أن يكون تفسير القرآن وبيانه صالحا ممّن يعرف السريانيّة ، وليس له باع ولا معرفة في العربيّة التي هي لغة القرآن نفسه؟! وليس من علم عرفته البشريّة إلّا وقد اشترطوا لمن أراد خوضه أن يُلمّ بلغته ومصطلحاته وخصائصه. وإلا فهو مدّع لذلك العلم وليس من أهله، والذي يمارسه الأخ لؤي هو تفسير للقرآن، فلا بضاعته السريانيّة أو العبريّة صالحة لتفسير القرآن ، وليس له في العربيّة وعلوم القرآن معرفة حتى يستقيم له قول ويؤخذ عنه رأي.
سابعا زعمه أن السريانية أصل للعربية:
ونقف وقفة أخيرة تتعلّق بمحاولة الأخ لؤيّ ربطه بين الأراميّة السريانيّة وبين القرآن الكريم، وذلك أن النتائج الموثّقة للبحث اللغويّ المقارن في العصر الحديث، وللنقوش تؤكّدان أنّ العربيّة الفصحى التي هي لغة إسماعيل هي أقرب اللغات الساميّة للغة الأمّ، وليس في نتائج تلك البحوث نتيجة واحدة تقول إن الأراميّة أصل للعربيّة، أو إنّ أيّ لغة ساميّة أصل للعربيّة، فأمّا أن تكون العربيّة التي تكلم بها إسماعيل فرعاً من السريانيّة، وتكون العربيّة الجنوبية التي جاءت بها قبيلة جرهم من اليمن ليس لها علاقة بلغة إسماعيل فهذا تحكّم ومخالفة للعقل، إذ لو كانت السريانية أصلا للغة إسماعيل لما صحّ بوجه أن تسمى لغته لغة عربيّة، ولولا أنّ خصائص لغته العربيّة ونظامها هي خصائص العربيّة الجرهميّة ونظامها لما سمّيت لغته بالعربيّة. فإذا أجمع هؤلاء العلماء المعاصرون بأدلّة البحث العلميّ الموثّق على أنّ العربيّة الفصحى(التي هي لغة أسماعيل) هي أقرب اللغات السامية للغة الأم، فإنّ هذا يعني أنّ خصائص لغة أسماعيل هي خصائص اللغة العربيّة التي هي أقدم اللغات الساميّة، وهو دليل دامغ على أنّ العربيّة الفصحى أقدم اللغات الساميّة، وأنّ الذي تعلّمه إسماعيل من جرهم هو العربيّة الفصحى التي هي لغة القرآن ونتخاطب بها الآن، ولا دليل على أنّ لغة جرهم هي لغة حمير وإن اتّصلوا بهم نسبا، بدليل أنّ إسماعيل خالفت لغتُه لغةَ أبيه وإخوته، بل الأصحّ هو أنّ لغة جرهم كانت أرقى من لغة حمير، ولذلك تعلّمها إسماعيل لأنّه ورد في الحديث الذي رواه البخاريّ (وشب الغلامُ وتعلّم العربيّة منهم) أي: من جرهم، ولا زيادة على هذا القول، فلو كانت العربية التي تعلّمها غير عربية جرهم لكان الحديث على غير هذا اللفظ الصريح، وكان ينبغي أن يرد في لفظ الحديث ما يفهم منه أنّه تعلّم منهم بعض اللسان العربيّ، أو أفاد من لسانهم، وأمّا مارواه الحاكم في المستدرك وصححّه الألبانيّ، من حديث (أوّل من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة) فهو على معنى أوّل من فتق الله لسانه بالعربيّة المبينة من ولد إبراهيم عليه السلام، كما قال بذلك فريق من أهل العلم الذين اعتنوا بمعاني الحديث، وهذا يجعل كل معطيات الموضوع متّفقة متناسبة.
أمّا قول ابن حزم إنّ السريانيّة أصلٌ للعربيّة فهو اجتهاد لا دليل عليه، وليس في المنقول من القرآن والسنّة عن قصّة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ما يؤيّد قوله، فضلا عن الدراسات الحديثة التي لم تّثبت شيئا مما قاله رحمه الله. بل جزمتْ البحوثُ المعاصرة بأنّ العرب أقدم أمة عاشتْ في مواطنها الأصليّة فالعربيّة معهم في جزيرة العرب، وخصائص العربيّة التي تكلّم بها إسماعيل موجودة في النقوش العربية القديمة.
والله أعلم، وصلّى الله على نبيّه محمّد وسلّم.
الدكتور ظافر العمري
مكة المكرمة 19-1-1437هـ
@DrDHAFIRAMRI
 
نقض مزاعم من ادعى أن الأرامية لغة القرآن الكريم (الجزء الثاني الحروف المقطعة)

أشكر الأخ الدكتور ظافر على جهوده ولي على مقاله ملاحظات لا يلزمه الأخذ بها:
١. ما دام ردا على غيره فقد وددت أنه أورد القول المردود عليه في البداية مع حججه ثم ينقض الحجج واحدة واحدة
٢. الحجج التي أوردها الأخ ظافر حجج منطقية لا يمكنها نقض المسائل اللغوية لأن الحجج المنطقية إنما هي تعميمات جاءت من استقراء ناقص
٣. تضمن مقاله جملا كأنها اعتراضية لا يسلم لها وعبارات تحتاج توثيقا فمثلا:
أين قال ابن حزم إن السريانية أصل العربية؟
إذا كان الشخص المردود عليه (لؤي) قد قال ذلك فلا يسوغ أخذ قوله بالتسليم ثم الرد على ابن حزم من خلال ادعائه! بل ينبغي الرجوع إلى عبارة ابن حزم نفسها
ففكرة ابن حزم متقدمة جدا توصل اليها علم اللغة بعده بمئات السنين وهي أن اللغات السامية إنما هي لهجات تفرعت عن لغة أم وكذلك اللغات اللاتينية التي سماها ابن حزم باللطينية
٤. المقال ينطلق من قراءة حفص فقط فهو يعترض على من قرأ الحروف بإمالة مثلا، ويعترض على القول إن أصل أسماء الحروف آرامية
٥. رأيي الذي لا ألزم به الأخ ظافر به ولا يغض من جهوده المشكورة هو أن المقال ينخرط في أدبيات الدفاع التي تضع الفكرة ثم تشرع تحشد "الأدلة" لها وهذا خلاف المنهج العلمي الذي يستنبط الفكرة من خلال ضرب الأفكار ببعضها ونقد التعابير اللغوية عن الوقائع الصوتية والفيزيائية، فلا هم للبحث العلمي أن يثبت أصالة لغة ما على أخرى لأن الأصالة مبنية على توهم توقف الزمن عند مرحلة تاريخية وهو لم يتوقف قط منذ خلق الله تعالى الفلك متحركا

لا مانع من البحث في اللغات السامية ولا في الثقافات الدينية في المنطقة التي كان فيها نزول القرآن العظيم لتوضيح دلالة كدلالة الحروف المتقطعة ولا أتفق مع من يذهب إلى منع ذلك بحجج منطقية أو أيديولوجية

والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية

والله الموفق
 
أستاذي الدكتور عبدالرحمن الصالح
حبذا لو أنك أبنت لنا رأيك في أصل الدعوى الإستشراقية ! وما بعض شبابنا إلا متلقف لها من غير إدراك لعل يتبعه استدراك منهم ..
أم إنها اعتراضات على المنهجية ، لا تعدو ذلك ؟
 
عودة
أعلى