علي الصالحي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
فقد ترددت في كتابة هذا الموضوع كثيرا، حتى استشرت بعض طلبة العلم فأشاروا عليّ بالمضي فيه قدمًا.
لا يخفى على طالب علم القيمة العلمية لكتاب (التسهيل لعلوم التنزيل) لابن جزي الكلبي (ت741هـ)، وكنت منذ فترة أبحث عن تحقيق جيد لهذا الكتاب؛ إذ الطبعات الموجودة في السوق رديئة ومليئة بالأخطاء، فأُخبرت بأن هناك تحقيقًا جديدا لهذا الكتاب نزل في السوق، وهو بتحقيق أ. د. محمد بن سيدي محمد مولاي، من دار الضياء لنشر والتوزيع، في ثلاثة مجلدات، وكان سعر الكتاب مرتفعًا (150 ريال)، اشتريته على مضض، وما حيلة المضطر إلا ذلك.
في مقدمة التحقيق يُشعرك المحقق بأنه قد تجاوز الأخطاء الشنيعة التي كانت في النسخ السابقة لهذا التحقيق، وأنه قد لبى رغبة قرّاء التسهيل في أن يروا هذا الكتاب خاليًا من الأخطاء، وأنه قد اعتمد على نسخ خطية في تحقيقه.
حيث يقول في مقدمة كتابه (ص:6): «ولهذا صرفت الهمة في الحصول على نسخ خطية من هذا الكتاب؛ للاعتماد عليها في تصحيحه حسب الإمكان، وإخراجه على الحالة اللائقة به، فيسّر الله لي بمنه وكرمه ما أملته فله الحمد والشكر».
ويقول في عمله في التحقيق (ص: 11): «سادسًا: صححت الكتاب على نسخ خطيّة معتمدة».
كل هذا يجعلك تطمئن إلى عمل المحقق.
بدأت في دراسة هذا الكتاب بهذا التحقيق، ففوجئت بأن واقع الكتاب يخالف ما ذُكر في المقدمة، فهناك تحريفات في بعض المواطن تخلُّ بالمعنى، وهناك سقط في مواطن أخرى يحيل المعنى ويخرجه عن قصد المؤلف.
أزعجتني هذه الأخطاء (الشنيعة) فأخذت أبحث عن مخطوطات لهذا الكتاب، وتيسر لي الحصول على خمس مخطوطات.
فصرت في دراستي أُوَازن بين ما كتب في التحقيق وبين هذه المخطوطات، فلا أبالغ إن قلت: إنه لا تكاد تخلو صفحة من صفحات التحقيق من خطإ أو سقط.
بل أكاد أجزم بأن المحقق لم يأت بشيء جديد على ما مضى من نسخ الكتاب من ناحية تصحيح المتن وضبطه، سوى أنه أخرج الآيات مرسومةً بالرسم العثماني.
والشاهد على ما أقول: أني جئت عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتًا من أنفسهم كمثل جنة..).
فنص التفسير في هذا التحقيق (1/341): «(كمثل جنة): تقديره: كمثل صاحب حبة أو يقدر ولا مثل نفقة الذي ينفقون».
كلام غير مفهوم، فرجعت إلى نسخ الكتاب السابقة التي استطعت الوصول إليها فوجدت نفس هذه العبارة!!
ثم رجعت إلى المخطوطات فوجدت العبارة هكذا: «(كمثل جنة): تقديره: كمثل صاحب جنة، أو يقدر أوّلًا: مثل نفقة الذين ينفقون».
ونظير هذا كثير؛ مما يجعلك تشك أن المحقق قد أخذ النص الكترونيا لأحد النسخ السابقة، ثم رسم الآيات بالرسم العثماني، وأخرجه للناس (محققا)!!.
وكذلك يوجد في التحقيق سقط في غير ما موطن:
ومن أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم).
فنص التفسير في هذا التحقيق (1/200): «(ذهب الله بنورهم): أي: أذهبه وهذه الجملة جواب لما محذوف تقديره طفيت النار (ذهب الله بنورهم) جملة مستأنفة»
فهذا النص مقلق، وغير مفهوم، فرجعت إلى المخطوطات فوجدت النص هكذا:
«(ذهب الله بنورهم): أي: أذهبه وهذه الجملة جواب لما، [فالضمير في (بنورهم) عائد على (الذي)، وهو على هذا بمعنى: الذين، وحذْف النون منه لغة. وقيل: جواب لما] محذوف تقديره: طفيت النار، [و](ذهب الله بنورهم) جملة مستأنفة».
فما بين المعقوفتين لم يرد في التحقيق.
فهذا شيء يسير من الأخطاء التي وقفت عليها في هذا التحقيق.
وقد قصدت بهذا الموضوع نصحَ إخواني طلبة العلم؛ لأن رأيت البعض قد طار بهذا التحقيق ولم يعلم حقيقته، وكذلك نصح من يشتغلون بالتحقيق أن يتقوا الله تعالى في عملهم، وأن لا يخدعوا الناس بعمل رديء يسمونه تحقيقًا، وكذلك حثّ همة من يعمل في تحقيق كتاب التسهيل أو يروم ذلك أن يمضي في عمله، فهذا الكتاب لم يخرج إلى الآن للناس بالصورة المرتضاة.
ولا يعجَلِ القارئ عليّ، أو يظن أني حكمت على هذا التحقيق بمجرد النظر إلى موضع أو موضعين، بل عندي الدليل على ما أقول، وقد دونت التصحيحات التي أخذتها من المخطوطات على هامش نسختي من هذا التحقيق، ولكن آثرت عدمَ سردها والاكتفاءَ بذكر مثال أو مثالين؛ حتى لا أطيل على القارئ.
ومن أراد مني ذكرها فأنا على أتم الاستعداد.
أسأل الله تعالى أن يكون عملي هذا نصحًا، لا لقصد التشهير، أو إظهار ما لديّ، وأن يكون ما ذكرته خالصًا لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
فقد ترددت في كتابة هذا الموضوع كثيرا، حتى استشرت بعض طلبة العلم فأشاروا عليّ بالمضي فيه قدمًا.
لا يخفى على طالب علم القيمة العلمية لكتاب (التسهيل لعلوم التنزيل) لابن جزي الكلبي (ت741هـ)، وكنت منذ فترة أبحث عن تحقيق جيد لهذا الكتاب؛ إذ الطبعات الموجودة في السوق رديئة ومليئة بالأخطاء، فأُخبرت بأن هناك تحقيقًا جديدا لهذا الكتاب نزل في السوق، وهو بتحقيق أ. د. محمد بن سيدي محمد مولاي، من دار الضياء لنشر والتوزيع، في ثلاثة مجلدات، وكان سعر الكتاب مرتفعًا (150 ريال)، اشتريته على مضض، وما حيلة المضطر إلا ذلك.
في مقدمة التحقيق يُشعرك المحقق بأنه قد تجاوز الأخطاء الشنيعة التي كانت في النسخ السابقة لهذا التحقيق، وأنه قد لبى رغبة قرّاء التسهيل في أن يروا هذا الكتاب خاليًا من الأخطاء، وأنه قد اعتمد على نسخ خطية في تحقيقه.
حيث يقول في مقدمة كتابه (ص:6): «ولهذا صرفت الهمة في الحصول على نسخ خطية من هذا الكتاب؛ للاعتماد عليها في تصحيحه حسب الإمكان، وإخراجه على الحالة اللائقة به، فيسّر الله لي بمنه وكرمه ما أملته فله الحمد والشكر».
ويقول في عمله في التحقيق (ص: 11): «سادسًا: صححت الكتاب على نسخ خطيّة معتمدة».
كل هذا يجعلك تطمئن إلى عمل المحقق.
بدأت في دراسة هذا الكتاب بهذا التحقيق، ففوجئت بأن واقع الكتاب يخالف ما ذُكر في المقدمة، فهناك تحريفات في بعض المواطن تخلُّ بالمعنى، وهناك سقط في مواطن أخرى يحيل المعنى ويخرجه عن قصد المؤلف.
أزعجتني هذه الأخطاء (الشنيعة) فأخذت أبحث عن مخطوطات لهذا الكتاب، وتيسر لي الحصول على خمس مخطوطات.
فصرت في دراستي أُوَازن بين ما كتب في التحقيق وبين هذه المخطوطات، فلا أبالغ إن قلت: إنه لا تكاد تخلو صفحة من صفحات التحقيق من خطإ أو سقط.
بل أكاد أجزم بأن المحقق لم يأت بشيء جديد على ما مضى من نسخ الكتاب من ناحية تصحيح المتن وضبطه، سوى أنه أخرج الآيات مرسومةً بالرسم العثماني.
والشاهد على ما أقول: أني جئت عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتًا من أنفسهم كمثل جنة..).
فنص التفسير في هذا التحقيق (1/341): «(كمثل جنة): تقديره: كمثل صاحب حبة أو يقدر ولا مثل نفقة الذي ينفقون».
كلام غير مفهوم، فرجعت إلى نسخ الكتاب السابقة التي استطعت الوصول إليها فوجدت نفس هذه العبارة!!
ثم رجعت إلى المخطوطات فوجدت العبارة هكذا: «(كمثل جنة): تقديره: كمثل صاحب جنة، أو يقدر أوّلًا: مثل نفقة الذين ينفقون».
ونظير هذا كثير؛ مما يجعلك تشك أن المحقق قد أخذ النص الكترونيا لأحد النسخ السابقة، ثم رسم الآيات بالرسم العثماني، وأخرجه للناس (محققا)!!.
وكذلك يوجد في التحقيق سقط في غير ما موطن:
ومن أمثلة ذلك: عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم).
فنص التفسير في هذا التحقيق (1/200): «(ذهب الله بنورهم): أي: أذهبه وهذه الجملة جواب لما محذوف تقديره طفيت النار (ذهب الله بنورهم) جملة مستأنفة»
فهذا النص مقلق، وغير مفهوم، فرجعت إلى المخطوطات فوجدت النص هكذا:
«(ذهب الله بنورهم): أي: أذهبه وهذه الجملة جواب لما، [فالضمير في (بنورهم) عائد على (الذي)، وهو على هذا بمعنى: الذين، وحذْف النون منه لغة. وقيل: جواب لما] محذوف تقديره: طفيت النار، [و](ذهب الله بنورهم) جملة مستأنفة».
فما بين المعقوفتين لم يرد في التحقيق.
فهذا شيء يسير من الأخطاء التي وقفت عليها في هذا التحقيق.
وقد قصدت بهذا الموضوع نصحَ إخواني طلبة العلم؛ لأن رأيت البعض قد طار بهذا التحقيق ولم يعلم حقيقته، وكذلك نصح من يشتغلون بالتحقيق أن يتقوا الله تعالى في عملهم، وأن لا يخدعوا الناس بعمل رديء يسمونه تحقيقًا، وكذلك حثّ همة من يعمل في تحقيق كتاب التسهيل أو يروم ذلك أن يمضي في عمله، فهذا الكتاب لم يخرج إلى الآن للناس بالصورة المرتضاة.
ولا يعجَلِ القارئ عليّ، أو يظن أني حكمت على هذا التحقيق بمجرد النظر إلى موضع أو موضعين، بل عندي الدليل على ما أقول، وقد دونت التصحيحات التي أخذتها من المخطوطات على هامش نسختي من هذا التحقيق، ولكن آثرت عدمَ سردها والاكتفاءَ بذكر مثال أو مثالين؛ حتى لا أطيل على القارئ.
ومن أراد مني ذكرها فأنا على أتم الاستعداد.
أسأل الله تعالى أن يكون عملي هذا نصحًا، لا لقصد التشهير، أو إظهار ما لديّ، وأن يكون ما ذكرته خالصًا لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.