الحسن محمد ماديك
New member
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد ك
فلقد اطلعت على تساؤل الأخ أبي الحسن الدمشقي "هل في القرآن العظيم ما لا يعلم أحد معناه؟
وأقول نعم إن الفواتح من القرآن ولا يعلم أحد اليوم معناها وكما بينته في "من بيان القرآن كلية الكتاب" ومنه هذه الفقرات :
إن القرآن ليعظم أمام الباحثين ، وليجدن كل باحث نفسه قليل العلم كلما تبين من القرآن أكثر وكلما تدبر وتذكر أن الله وصّل القول للناس لعلهم يتذكرون وليؤمنوا بالكتاب كله فيصلون الإنجيل بالتوراة ويصلون القرآن بالإنجيل .
وإن فواتح السور المعلومة في الكتاب المنزل على خاتم النبيين لمن القرآن .
ومن أنكر فاتحة من إحدى السور المعلومة أو حرفا منها فقد كفر كفرا صريحا ولن ينفعه إقراره بسائر الكتاب المنزل .
وإنها لمن الغيب الذي يسمى الإقرار به إيمانا معدى بالباء .
وقد كلف الله البشر بتدبر القرآن كما في قوله أفلايتدبرون القرآن النساء 82 والقتال 24 وهي منه ، وكلفهم بتدبر آيات الكتاب كما في قوله كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب سورة ص 29.
ولنا أن نتساءل عن الفرق بين التكليف بتدبر القرآن والتكليف بتدبر آيات الكتاب .
إن قوله :
• الـم تلك آيات الكتاب الحكيم فاتحة لقمان
• الـمر تلك آيات الكتاب فاتحة الرعد
• الـر تلك آيات الكتاب الحكيم فاتحة يونس
• الـر تلك آيات الكتاب المبين فاتحة يوسف
• الـر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين فاتحة الحجر
• طـس تلك آيات القرآن وكتاب مبين فاتحة النمل
• طـسـم تلك آيات الكتاب المبين فاتحة الشعراء والنمل
ليعني أن الله وصف الحروف المقطعة أي فواتح سور لقمان والرعد ويونس ويوسف والشعراء والقصص بأنها آيات الكتاب .
ووصف فاتحة سورة الحجر بأنها آيات الكتاب وقرآن مبين .
ووصف فاتحة النمل بأنها آيات القرآن وكتاب مبين .
إن قوله :
• هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتعاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب عمران 7
• كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب سورة ص 2
• ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد فصلت 44
• حـم تنزيل من الرحمان الرحيم متاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون فاتحة فصلت
ويعني حرف عمران أن الكتاب المنزل على خاتم النبيين ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أولها قرآن عربي مبين
وثانيها آيات محكمات وهي بعض الفواتح وهي أم الكتاب كما في قوله منه آيات محكمات هن أم الكتاب
وثالثها آيات متشابهات أي آيات أخر من الكتاب .
إن الفواتح التي أضيفت إلى الكتاب والقرآن كالفواتح في سور لقمان والرعد ويونس ويوسف والحجر والنمل والشعراء والقصص هي آيات الكتاب أي دلائله كا بينت مفصلا في من بيان القرآن كلية الكتاب .
ولعل الفواتح التي تجردت من الإضافة إلى الكتاب والقرآن هي آيات الكتاب المتشابهات كما في فاتحة مريم وطـه والشورى والله أعلم .
ولم تستغرق الآيات المحكمات والآيات المتشابهات الكتاب المنزل على النبي الأمي مما يعني أن ما سواهما هو القرآن العربي المبين وهو القسم الأول .
إن أم الكتاب كما في حرف عمران وكما في قوله وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم الزخرف 4 وكما في قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت وهنده أم الكتاب الرعد 39 لهو كتاب غير القرآن الموجود بين دفتي المصحف ولهو الموصوف بقوله في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة عبس 13ـ16 ولهو الموصوف بقوله إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين الواقعة 77ـ80 أما المصحف الذي بأيدينا فقد والله فعل به القرامطة الملعونون فعلتهم بعد فعلتهم بحج 317هـ إذ أمرهم عدو الله ذكيرة الأصفهاني خليفة أبي طاهر القرمطي بطرح نسخ القرآن في الحشيش فكان الناس يستنجون بها طيلة شهرين ، ولقد علم الناس في عصرنا الحاضر كيف مسّ المصاحف أعداء الله ووطئوه بأرجلهم وألقوا به في القاذورات والكنف وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وإن قوله فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ليعني والله أعلم أن الذين في قلوبهم زيغ وضلال عن الاهتداء بالقرآن هم الذين يتبعون ما تشابه من القسم الأول أي من القرآن العربي المبين من الكتاب المنزل على النبي الأمي ابتغاء الفتنة أي صد الناس عن تدبر آيات الكتاب المحكمات وآيات الكتاب المتشابهات وابتغاء تأويل ما تشابه منه مع زيغهم كما سيأتي بيانه .
ويعني حرف ص أن الله قد كلف العباد بتدبر آيات الكتاب وهي الفواتح ليهتدي من تدبرها إلى أنها آيات أي دلائل وقرائن تدل على غيب عريض تشيب له رؤوس الولدان والناس اليوم في غفلة عنه معرضون رغم وصفه في القرآن أنه من الغيب الذي كلفوا بالإيمان به .
ويعني ثاني فصلت أن القرآن لو كان أعجميا كله أي من نوع الفواتح لتمنى المشركون من قريش أن تفصل وتبين آياته كلها لتصبح قرأنا عربيا مبينا غير ذي عوج كما في قوله لولا فصلت آياته من قول مشركي قريش ، ويعني قوله أأعجمي وعربي من قول مشركي قريش كذلك أنهم عجبوا من قرآن بعضه عربي مبين وبعضه أعجمي وهو الفواتح منه ويكلفون بالإيمان به كله ويستنكرون تكليفهم بالإيمان بغيب لا يدرون ما هو أهو لهم أم عليهم ، والاستنكار بالاستفهام في قولهم أأعجمي وعربي مفسر لطلبهم لولا فصلت آياته أي بينت فواتحه وفصلت لتكون قرآنا عربيا مبينا .
وإن قولهم أأعجمي وعربي متفق عليهما بالرفع والاستئناف والقطع عما قبلهما وهو قولهم لولا فصلت آياته وإلا لكان المعنى يا ليت آياته أي فواتحه فصلت قرآنا أعجميا وعربيا بترك الاستفهام مع النصب فيهما ، ولم يتمنّ كفار قريش ذلك إذ يعني أن يظل القرآن كما هو بعضه قرآن عربي مبين وبعضه أعجمي وهو الفواتح منه .
وإن تفصيل الأعجمي منه أي الفواتح لوعد من الله كما في أول السورة في قوله كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون وهم الذين سيعلمون رأي العين ـ في ظل خلافة على منهاج النبوة موعودة في القرآن ـ غيب القرآن وموعوداته شهادة بعد أن كانت غيبا .
إن قوله :
• بل كذبوا لما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله يونس 40
• وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا عمران 7
ليعني أن للكتاب المنزل على النبي الأمي تأويلا سيقع في الدنيا وأنكر حرف يونس على المشركين الذين عاصروا تنزله أن يكذبوا به ولما يأتهم تأويله وهو تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أي أن تأويل القرآن سيتم في الدنيا ويومئذ فمن الناس من سيؤمن به ومنهم من لن يؤمن به وهم الظالمون الذين سيعذبون في الدنيا بمثل ما عذب به الذين كذبوا من قبل .
ويعني حرف عمران أن تأويل الفواتح وهي الآيات المحكمات من الكتاب والآيات المتشابهات منه سيتم في الدنيا وسيؤمن به الراسخون في العلم وهم أولوا الأباب الموصوفون في قوله إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل الرعد 19ـ21 .
وإن قوله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا عمران 7 لمن المثاني مع قوله ومنهم من يؤمن به في حرف يونس ويعني أن التأويل الموعود إنما هو في الدنيا محل الإيمان والتكليف وأما في الآخرة فجميع الكفار والمنافقين والمشركين مؤمنون مذعنون ، وليس تأويل القرآن في حرف عمران ويونس هو تأويل الكتاب كما في قوله ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل الأعراف 52 ـ 53 إذ يعني تأويل الكتاب نفاذ موعوداته ومنها البعث والحساب والجزاء في الآخرة ، وسيتمنى الذين نسوا البعث والحساب من قبل في الدنيا حين يبعثون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا صالحا ، فذلكم الفرق بين تأويل الكتاب ذي التشريع والموعودات في الآخرة وبين تأويل القرآن ذي الذكر والموعودات في الدنيا التي سيتذكر بها مثلها في قصص القرآن ، وإنه لمما اهتديت به إلى الفرق بين مدلول لفظ الكتاب ولفظ القرآن .
وتعجل كفار قريش تأويل القرآن في الدنيا كما في قوله وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة الفرقان 32 ويعني أنهم تطلعوا إلى تفصيل الفواتح ليعلموا ما وراءها من العلم والغيب ليؤمنوا به أو لا يؤمنون ، ولو كان النظم لولا نزل عليه الكتاب جملة واحدة لتغير المعنى ولأصبح طلبهم أن ينزل عليه مرة واحدة بدلا من تنزيله مفرقا ولو ظلت فواتحه كما هي قرآنا أعجميا ولم يتمنه المشركون من قريش .
ولعلي قريبا إن شاء الله أنشر البحث
طالب العلم
الحسن محمد ماديك
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد ك
فلقد اطلعت على تساؤل الأخ أبي الحسن الدمشقي "هل في القرآن العظيم ما لا يعلم أحد معناه؟
وأقول نعم إن الفواتح من القرآن ولا يعلم أحد اليوم معناها وكما بينته في "من بيان القرآن كلية الكتاب" ومنه هذه الفقرات :
إن القرآن ليعظم أمام الباحثين ، وليجدن كل باحث نفسه قليل العلم كلما تبين من القرآن أكثر وكلما تدبر وتذكر أن الله وصّل القول للناس لعلهم يتذكرون وليؤمنوا بالكتاب كله فيصلون الإنجيل بالتوراة ويصلون القرآن بالإنجيل .
وإن فواتح السور المعلومة في الكتاب المنزل على خاتم النبيين لمن القرآن .
ومن أنكر فاتحة من إحدى السور المعلومة أو حرفا منها فقد كفر كفرا صريحا ولن ينفعه إقراره بسائر الكتاب المنزل .
وإنها لمن الغيب الذي يسمى الإقرار به إيمانا معدى بالباء .
وقد كلف الله البشر بتدبر القرآن كما في قوله أفلايتدبرون القرآن النساء 82 والقتال 24 وهي منه ، وكلفهم بتدبر آيات الكتاب كما في قوله كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب سورة ص 29.
ولنا أن نتساءل عن الفرق بين التكليف بتدبر القرآن والتكليف بتدبر آيات الكتاب .
إن قوله :
• الـم تلك آيات الكتاب الحكيم فاتحة لقمان
• الـمر تلك آيات الكتاب فاتحة الرعد
• الـر تلك آيات الكتاب الحكيم فاتحة يونس
• الـر تلك آيات الكتاب المبين فاتحة يوسف
• الـر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين فاتحة الحجر
• طـس تلك آيات القرآن وكتاب مبين فاتحة النمل
• طـسـم تلك آيات الكتاب المبين فاتحة الشعراء والنمل
ليعني أن الله وصف الحروف المقطعة أي فواتح سور لقمان والرعد ويونس ويوسف والشعراء والقصص بأنها آيات الكتاب .
ووصف فاتحة سورة الحجر بأنها آيات الكتاب وقرآن مبين .
ووصف فاتحة النمل بأنها آيات القرآن وكتاب مبين .
إن قوله :
• هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتعاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب عمران 7
• كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب سورة ص 2
• ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد فصلت 44
• حـم تنزيل من الرحمان الرحيم متاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون فاتحة فصلت
ويعني حرف عمران أن الكتاب المنزل على خاتم النبيين ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أولها قرآن عربي مبين
وثانيها آيات محكمات وهي بعض الفواتح وهي أم الكتاب كما في قوله منه آيات محكمات هن أم الكتاب
وثالثها آيات متشابهات أي آيات أخر من الكتاب .
إن الفواتح التي أضيفت إلى الكتاب والقرآن كالفواتح في سور لقمان والرعد ويونس ويوسف والحجر والنمل والشعراء والقصص هي آيات الكتاب أي دلائله كا بينت مفصلا في من بيان القرآن كلية الكتاب .
ولعل الفواتح التي تجردت من الإضافة إلى الكتاب والقرآن هي آيات الكتاب المتشابهات كما في فاتحة مريم وطـه والشورى والله أعلم .
ولم تستغرق الآيات المحكمات والآيات المتشابهات الكتاب المنزل على النبي الأمي مما يعني أن ما سواهما هو القرآن العربي المبين وهو القسم الأول .
إن أم الكتاب كما في حرف عمران وكما في قوله وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم الزخرف 4 وكما في قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت وهنده أم الكتاب الرعد 39 لهو كتاب غير القرآن الموجود بين دفتي المصحف ولهو الموصوف بقوله في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة عبس 13ـ16 ولهو الموصوف بقوله إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين الواقعة 77ـ80 أما المصحف الذي بأيدينا فقد والله فعل به القرامطة الملعونون فعلتهم بعد فعلتهم بحج 317هـ إذ أمرهم عدو الله ذكيرة الأصفهاني خليفة أبي طاهر القرمطي بطرح نسخ القرآن في الحشيش فكان الناس يستنجون بها طيلة شهرين ، ولقد علم الناس في عصرنا الحاضر كيف مسّ المصاحف أعداء الله ووطئوه بأرجلهم وألقوا به في القاذورات والكنف وإنا لله وإنا إليه راجعون .
وإن قوله فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ليعني والله أعلم أن الذين في قلوبهم زيغ وضلال عن الاهتداء بالقرآن هم الذين يتبعون ما تشابه من القسم الأول أي من القرآن العربي المبين من الكتاب المنزل على النبي الأمي ابتغاء الفتنة أي صد الناس عن تدبر آيات الكتاب المحكمات وآيات الكتاب المتشابهات وابتغاء تأويل ما تشابه منه مع زيغهم كما سيأتي بيانه .
ويعني حرف ص أن الله قد كلف العباد بتدبر آيات الكتاب وهي الفواتح ليهتدي من تدبرها إلى أنها آيات أي دلائل وقرائن تدل على غيب عريض تشيب له رؤوس الولدان والناس اليوم في غفلة عنه معرضون رغم وصفه في القرآن أنه من الغيب الذي كلفوا بالإيمان به .
ويعني ثاني فصلت أن القرآن لو كان أعجميا كله أي من نوع الفواتح لتمنى المشركون من قريش أن تفصل وتبين آياته كلها لتصبح قرأنا عربيا مبينا غير ذي عوج كما في قوله لولا فصلت آياته من قول مشركي قريش ، ويعني قوله أأعجمي وعربي من قول مشركي قريش كذلك أنهم عجبوا من قرآن بعضه عربي مبين وبعضه أعجمي وهو الفواتح منه ويكلفون بالإيمان به كله ويستنكرون تكليفهم بالإيمان بغيب لا يدرون ما هو أهو لهم أم عليهم ، والاستنكار بالاستفهام في قولهم أأعجمي وعربي مفسر لطلبهم لولا فصلت آياته أي بينت فواتحه وفصلت لتكون قرآنا عربيا مبينا .
وإن قولهم أأعجمي وعربي متفق عليهما بالرفع والاستئناف والقطع عما قبلهما وهو قولهم لولا فصلت آياته وإلا لكان المعنى يا ليت آياته أي فواتحه فصلت قرآنا أعجميا وعربيا بترك الاستفهام مع النصب فيهما ، ولم يتمنّ كفار قريش ذلك إذ يعني أن يظل القرآن كما هو بعضه قرآن عربي مبين وبعضه أعجمي وهو الفواتح منه .
وإن تفصيل الأعجمي منه أي الفواتح لوعد من الله كما في أول السورة في قوله كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون وهم الذين سيعلمون رأي العين ـ في ظل خلافة على منهاج النبوة موعودة في القرآن ـ غيب القرآن وموعوداته شهادة بعد أن كانت غيبا .
إن قوله :
• بل كذبوا لما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله يونس 40
• وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا عمران 7
ليعني أن للكتاب المنزل على النبي الأمي تأويلا سيقع في الدنيا وأنكر حرف يونس على المشركين الذين عاصروا تنزله أن يكذبوا به ولما يأتهم تأويله وهو تفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أي أن تأويل القرآن سيتم في الدنيا ويومئذ فمن الناس من سيؤمن به ومنهم من لن يؤمن به وهم الظالمون الذين سيعذبون في الدنيا بمثل ما عذب به الذين كذبوا من قبل .
ويعني حرف عمران أن تأويل الفواتح وهي الآيات المحكمات من الكتاب والآيات المتشابهات منه سيتم في الدنيا وسيؤمن به الراسخون في العلم وهم أولوا الأباب الموصوفون في قوله إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل الرعد 19ـ21 .
وإن قوله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا عمران 7 لمن المثاني مع قوله ومنهم من يؤمن به في حرف يونس ويعني أن التأويل الموعود إنما هو في الدنيا محل الإيمان والتكليف وأما في الآخرة فجميع الكفار والمنافقين والمشركين مؤمنون مذعنون ، وليس تأويل القرآن في حرف عمران ويونس هو تأويل الكتاب كما في قوله ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل الأعراف 52 ـ 53 إذ يعني تأويل الكتاب نفاذ موعوداته ومنها البعث والحساب والجزاء في الآخرة ، وسيتمنى الذين نسوا البعث والحساب من قبل في الدنيا حين يبعثون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا صالحا ، فذلكم الفرق بين تأويل الكتاب ذي التشريع والموعودات في الآخرة وبين تأويل القرآن ذي الذكر والموعودات في الدنيا التي سيتذكر بها مثلها في قصص القرآن ، وإنه لمما اهتديت به إلى الفرق بين مدلول لفظ الكتاب ولفظ القرآن .
وتعجل كفار قريش تأويل القرآن في الدنيا كما في قوله وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة الفرقان 32 ويعني أنهم تطلعوا إلى تفصيل الفواتح ليعلموا ما وراءها من العلم والغيب ليؤمنوا به أو لا يؤمنون ، ولو كان النظم لولا نزل عليه الكتاب جملة واحدة لتغير المعنى ولأصبح طلبهم أن ينزل عليه مرة واحدة بدلا من تنزيله مفرقا ولو ظلت فواتحه كما هي قرآنا أعجميا ولم يتمنه المشركون من قريش .
ولعلي قريبا إن شاء الله أنشر البحث
طالب العلم
الحسن محمد ماديك