نظرية عصمة الرواية

إنضم
04/02/2006
المشاركات
389
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
57
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
www.aldahereyah.net
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم وآله
يكثر الكلام أحياناً من بعض العقلانيين وأشباههم عن حديث الآحاد وهل هو يفيد العلم أم يفيد غلبة الظن وهل يفيد العلم والاعتقاد والعمل أو يوجب العمل فقط .
والردود على هؤلاء كثيرة وأحسن من كتب فيها هو الإمام ابن حزم رحمه الله وأثبت بما لا يدع مكاناً للشك أن الرواية متى رواها العدل الضابط عن مثله إلى منتهى السند بالشروط المعتبرة عند أصحاب الحديث فهذا الخبر يوجب العلم والاعتقاد والعمل بصرف النظر عن كونه آحاد أو متواتر... ويمكن أن نصلح على هذا الأمر باصطلاح ((عصمة الرواية الثابتة))
فالمؤمن يجب عليه أن يؤمن إيماناً جازماً لا يعتريه أي شك بكل ما أخبر به الله جل جلاله ، وبكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إذا ثبتت صحته إليه صلى الله عليه وسلم ، ؤويجب عليه أن يقبله جملة وتفصيلاً سواء فهمه أو لم يفهمه ، أو استغربه أم لم يستغربه ؛ لأن عدم استيعابه للأمر الصادق المجزوم بصحته وثبوته لا يعني عدم ثبوت هذا الأمر ، ولكن القضية أن عقله لم يستطع أن يستوعب ذلك الأمر ويفهمه ، أو أن علمه القاصر لم يدرك الحقيقة العلمية (كمثال حديث الذباب الذى ثبت صحته بالطرق العلمية في قرننا الحالى) والمولى سبحانه وتعالى أمرنا أن نؤمن بكل ما أخبر عنه سبحانه أو أخبر عنه نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) الحجرات / 15 .
قال ابن حزم رحمه الله في الإحكام (1-117)
فإن قالوا: فإنه صفة كل مخبر وطبيعته أن خبره يجوز فيه الصدق والكذب والخطأ، وقولكم بأن خبر الواحد العدل في الشريعة موجب للعلم إحالة لطبيعة الخبر وطبيعة المخبرين، وخرق لصفات كل ذلك وللعادة فيه.
قلنا لهم: لا ينكر من الله تعالى إحالة ما شاء من الطبائع إذا صح البرهان بأنه فعل الله تعالى، والعجب من إنكاركم هذا مع
قولكم به بعينه في إيجابكم عصمة النبي (ص) من الكذب والوهم في تبليغه الشريعة، وهذا هو الذي أنكرتم بعينه، بل لم تقنعوا بالتناقض إذا أصبتم في ذلك وأخطأتم في منعكم من ذلك في خبر الواحد العدل، حتى أتيتم بالباطل المحض إذ جوزتم على جميع الامم موافقة الخطأ في إجماعها في رأيها، وذلك طبيعة في الكل وصفة لهم، ومنعتم من جواز الخطأ والوهم على ما ادعيتموه من إجماع الامة من المسلمين خاصة في اجتهادها في القياس، وحاشا لله أن تجمع الامة على الباطل - والقياس عين الباطل - فخرقتم بذلك العادة وأحلتم الطبائع بلا برهان لا سيما إن كان المخالف لنا من المرجئة القاطعين بأنه لا يمكن أن يكون يهودي ولا نصراني يعرف بقلبه أن الله تعالى حق.
فإن هؤلاء أحالوا الطبائع بلا برهان ومنعوا من إحالتها إذا قام البرهان بإحالتها.
فإن قالوا: فإنه يلزمكم أن تقولوا إن نقلة الاخبار الشرعية التي قالها رسول الله (ص) معصومون في نقلها، وإن كل واحد منهم معصوم في نقله من تعمد الكذب ووقوع الوهم منه.قلنا لهم: نعم هكذا نقول، وبهذا نقطع ونبت.
وكل عدل روى خبرا عن رسول الله (ص) في الدين أو فعله عليه السلام، فذلك الراوي معصوم من تعمد الكذب - مقطوع بذلك عند الله تعالى - ومن جواز الوهم فيه عليه إلا ببيان وارد - ولا بد - من الله تعالى ببيان ما وهم فيه، كما فعل تعالى بنبيه عليه السلام، إذ سلم من ركعتين ومن ثلاث واهما، لقيام البراهين التي قدمنا من حفظ جميع الشريعة وبيانها مما ليس منها، وقد علمنا ضرورة أن كل من صدق في خبر ما فإنه معصوم في ذلك الخبر من الكذب والوهم بلا شك فأي نكرة في هذا ؟.
فإن قالوا: تعبدنا الله تعالى بحسن الظن به، وقال رسول الله (ص) إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي قلنا: ليس هذا من الحكم في الدين بالظن في شئ بل كله باب واحد لانه تعالى حرم علينا أن نقول عليه ما لا نعلم ونحن لا نعلم أيغفر لنا أم يعذبنا فوجب علينا الوقوف في ذلك والرجاء والخوف، وحرم علينا أن نقول عليه في الدين والتحريم والاباحة والايجاب ما لا نعلم، وبين لنا كل ما ألزمنا من ذلك فوجب القطع بكل ذلك كما وجب القطع بتخليد الكفار في النار أو تخليد المؤمنين في الجنة، ولا فرق ولم يجز القول بالظن في شئ من ذلك كله.
فإن قالوا: أنتم تقولون: إن الله تعالى أمرنا بالحكم بما شهد به العدل مع يمين الطالب وبما شهد به العدلان فصاعدا، وبما حلف عليه المدعى عليه، إذا لم يقم المدعي بينة في إباحة الدماء المحرمة، والفروج المحرمة، والابشار المحرمة،
والاموال المحرمة، وكل ذلك بإقراركم ممكن أن يكون في باطن الامر بخلاف ما شهد به الشاهد، وما حلف عليه الحالف، وهذا هو الحكم بالظن الذي أنكرتم علينا في قولنا في خبر الواحد ولا فرق.
قلنا لهم وبالله التوفيق: بين الامرين فروق واضحة كوضوح الشمس.
أحدهما: أن الله تعالى قد تكفل بحفظ الدين وإكماله، وتبينه من الغي ومما ليس منه.
ولم يتكفل تعالى قط بحفظ دمائنا، ولا بحفظ فروجنا، ولا بحفظ أبشارنا ولا بحفظ أموالنا في الدنيا.
بل قدر تعالى بأن كثيرا من كل ذلك يؤخذ بغير حق في الدنيا.
وقد نص على ذلك رسول الله (ص) إذ يقول: إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار وبقوله عليه السلام للمتلاعنين: الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب أو كما قال عليه السلام في كل ذلك.
والفرق الثاني: أن حكمنا بشهادة الشاهد وبيمين الحالف، ليس حكما بالظن كما زعموا، بل نحن نقطع ونبت بأن الله عز وجل افترض علينا الحكم بيمين الطالب مع شهادة العدل، وبيمين المدعى عليه إذا لم يقم بينة، وبشهادة العدل والعدلين والعدول عندنا، وإن كانوا في باطن أمرهم كذابين أو واهمين والحكم بكل ذلك حق عند الله تعالى، وعندنا مقطوع على غيبه، برهان ذلك: أن حاكما لو تحاكم إليه اثنان ولا بينة للمدعي، فلم يحكم للمدعى عليه باليمين، أو شهد عنده عدلان فلم يحكم بشهادتهما.
فإن ذلك الحاكم فاسق عاص لله عز وجل، مجرح الشهادة ظالم، سواء كان المدعى عليه مبطلا في إنكاره أو محقا، أو كان الشهود كذبة أو واهمين أو صادقين، إذا لم يعلم باطن أمرهم.
ونحن مأمورون يقينا بأمر الله عز وجل لنا بأن نقتل هذا البرئ المشهود عليه بالباطل، وأن نبيح هذ البشرة المحرمة، وهذا المال الحرام المشهود فيه بالباطل، وحرم على المبطل أن يأخذ شيئا من ذلك.
وقضى ربنا بأننا إن لم نحكم بذلك فإننا في الدين فساق عصاة له تعالى ظلمه متوعدون بالنار على ذلك وما أمرنا تعالى قط بأن نحكم في الدين بخبر وضعه فاسق أو وهم فيه واهم.
وقال تعالى: فهذا فرق في غاية البيان.
وفرق ثالث، وهو أن نقول: إن الله تعالى افترض علينا أن نقول في جميع الشريعة: قال رسول الله (ص).
وأمرنا الله تعالى بكذا، لانه تعالى يقول: * وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وما آتاكم الرسول فخذوه وما نها كم عنه فانتهوا ففرض علينا أن نقول: نهانا الله تعالى ورسول (ص) عن كذا، وأمرنا بكذا، ولم يأمرنا تعالى قط أن نقول: شهد هذا بحق، ولا حلف هذا الجانب على حق، ولا أن هذا الذي قضينا به لهذا حق له يقينا، ولا قال تعالى ما قال هذا الشاهد، لكن الله تعالى قال لنا: احكموا بشهادة العدول، وبيمين المدعى عليه إذا لم يقم عليه بينة، وهذا فرق لا خفاء به فلم نحكم بالظن في شئ من كل ذلك أصلا ولله الحمد، بل بعلم قاطع، ويقين ثابت أن كل ما حكمنا به مما نقله العدل عن العدل إلى رسول الله (ص) فحق من عند الله تعالى أوحى به ربنا تعالى، مضاف إلى رسول الله (ص) محكي عنه أنه قال وكل ما حكمنا فيه بشهادة العدول عندنا فحق مقطوع به من عند الله تعالى لانه أمرنا بالحكم به، ولم يأمرنا بأن نقول فيما شهدوا به، وما حلف به الحالف أنه من عند الله تعالى، ولا أنه حق مقطوع به، فإن قالوا: إنما قال تعالى: إن بعض الظن إثم ولم ولم يقل كل الظن إثم.
قلنا: قد بين الله تعالى الاثم من البر وهو أن القول عليه تعالى بما لا نعلم حرام، فهذا من الظن الذي هو إثم بلا شك.
قال علي: فلجأت المعتزلة إلى الامتناع من الحكم بخبر الواحد، للدلائل التي ذكرنا، وظنوا أنهم تخلصوا بذلك ولم يتخلصوا، بل كل ما لزم غيرهم مما ذكرنا هو ملازم لهم، وذلك أننا نقول لهم أخبرونا عن الاخبار التي رواها الآحاد أهي كلها حق إذا كانت من روا ية الثقات خاصة ؟ أم كلها باطل ؟ أم فيها حق وباطل ؟ فإن قالوا: فيها حق وباطل وهو قولهم.
قلنا لهم: هل يجوز أن تبطل شريعة أوحى الله تعالى بها إلى نبيه (ص) ليبينها لعباده حتى يختلط بكذب وضعه فاسق ونسبه إلى النبي (ص)، أو وهم فيها واهم فيختلط الحق المأمور به مع الباطل المختلق اختلاطا لا يتميز به الحق من الباطل أبدا لاحد من الناس، وهل الشرائع الاسلامية كلها محفوظة لازمة لنا أو هي غير محفوظة، ولا كلها لازم لنا، بل قد سقط منها بعد رسول الله (ص) كثير، وهل قامت الحجة علينا لله تعالى فيما افترض من الشرائع بأنها بينة لنا متميزة مما لم يأمرنا به، أو لم تقم لله تعالى علينا حجة في الدين لان كثيرا منه مختلط بالكذب غير متميز منها أبدا ؟.
فإن أجازوا اختلاط شرائع الدين التي أوحى الله تعالى إلى نبيه (ص) بما ليس في الدين، وقالوا: لم تقم لله تعالى علينا حجة فيما أمرنا به.
دخل عليهم في القول بفساد الشريعة، وذهاب الاسلام، وبطلان ضمان الله تعالى بحفظ الذكر كالذي دخل على غيرهم حرفا بحرف، سواء بسواء، ولزمهم أنهم تركوا كثيرا من الدين الصحيح كما لزم غيرهم سواء بسواء، أنهم يعملون بما ليس من الدين، وأن النبي (ص) قد بطل بيانه، وأنه حجة الله تعالى بذلك لم تقم علينا سواء بسواء، وفي هذا ما فيه.
فإن لجأوا إلى الاقتصار على خبر التواتر، لم ينفكوا بذلك من أن كثيرا من الدين قد بطل لاختلاطه بالكذب الموضوع، وبالموهوم فيه، ومن جواز أن يكون كثير من شرائع الاسلام لم ينقل إلينا، إذ قد بطل ضمان حفظ الله تعالى فيها، وأيضا فإنه لا يعجز أحد أن يدعي في أي خبر شاء أنه منقول نقل التواتر، بل أصحاب الاسناد أصح دعوى في ذلك، لشهادة كثرة الرواة وتغير الاسانيد لهم بصحة قولهم في نقل التواتر وبالله تعالى التوفيق.
فإن لجأ لاجئ إلى أن يقول بأن كل خبر جاء من طريق الآحاد الثقات، فإنه كذب موضوع ليس منه شئ قاله قط رسول الله (ص)، وقلنا وبالله تعالى التوفيق: هذه مجاهرة ظاهرة، ومدافعة لما نعلم بالضرورة خلافه، وتكذيب لجميع الصحابة أولهم عن آخرهم، ولجميع فضلاء التابعين، ولكل إنسان من العلماء جيلا بعد جيل، لان كل ما ذكرنا رووا الاخبار عن النبي (ص) بلا شك من أحد، واحتج بها بعضهم على بعض، وعملوا بها، وأفتوا بها في دين الله تعالى وهذا اطراح للاجماع المتيقن، وباطل لا تختلف النفوس فيه أصلا، لانا بالضرورة ندري أنه لا يمكن البتة في البنية أن يكون كل من ذكرنا لم يصدق قط في كلمة رواها، بل كلهم وضعوا كل ما رووا.
وأيضا ففيه إبطال الشرائع التي لا يشك مسلم ولا غير مسلم في أنها ليست في القرآن مبينة كالصلاة، والزكاة، والحج، وغير ذلك، وأنه إنما أخذ بيانها من كلام رسول الله (ص)، وفي هذا القطع بأن كل صاحب من الصحابة، روى عن رسول الله (ص) فإنه هو الواضع، والمخترع للكذب عن رسول الله (ص) فيه، ولا يشك أحد على وجه الارض في أن كل صاحب من الصحابة قد حدث عن النبي (ص) أهله وجيرانه، وفي هذا إثبات وضع الشرائع على جميعهم، أولهم عن آخرهم، وما بلغت الروافض والخوارج قط هذا المبلغ، مع أنها دعوى بلا برهان،
وما كان كذلك فهو باطل بيقين، في ثلاثة أقوال كما ترى لا رابع لها.
إما أن يكون كل خبر نقله العدل عن العدل مبلغا إلى رسول الله (ص) كذبا كلها أولها عن آخرها موضوعة بأسرها، وهذا باطل بيقين كما بينا، وإيجاب أن كل صاحب وتابع وعالم - لا نحاشي أحدا - قد اتفقوا على وضع الشرائع والكذب فيها على رسول الله (ص)، وهذا انسلاخ عن الاسلام، أو يكون فيها حق وفيها باطل إلا أنه لا سبيل إلى تمييز الحق منها من الباطل لاحد أبدا، وهذا تكذيب لله تعالى في إخباره بحفظ الذكر المنزل، وبإكماله الدين لنا، وبأنه لا يقبل منا إلا دين الاسلام لا شيئا سواه.
وفيه أيضا فساد الدين واختلاطه بما لم يأمر به تعالى قط به، وأنه لا سبيل لاحد في العالم إلى أن يعرف ما أمره الله تعالى به في دينه مما لم يأمره به أبدا، وأن حقيقة الاسلام وشرائعه قد بطلت بيقين، وهذا انسلاخ عن الاسلام.
أو أنها كلها حق مقطوع على غيبها عند الله تعالى، موجبة كلها للعلم، لاخبار الله تعالى بأنه حافظ لما أنزل من الذكر، ولتحريمه تعالى الحكم في الدين بالظن والقول عليه بما لا علم لنا به، ولاخباره تعالى بأنه قد بين الرشد من الغي، وليس الرشد إلا ما أنزله الله تعالى على لسان نبيه (ص)، وفي فعله، وليس الغي إلا ما لم ينزله الله تعالى على لسان نبيه (ص)، وهذا قولنا والحمد لله رب العالمين
 
قال الامام الحافظ الفقيه ابن حزم الاندلسي رحمه الله تعالى في كتاب الأحكام في اصول الاحكام ج 1 ص 136- 137
قد امنا و لله الحمد ان تكون شريعة امر بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم او ندب اليها او فعلها صلى الله تعالى عليه و سلم فتضيع و لم تبلغ الى احد من امته صلى الله تعالى عليه و سلم اما بتواتر او بنقل الثقة عن الثقة حتى تبلغ اليه صلى الله تعالى عليه و سلم .
و امنا ايضا قطعا ان يكون الله تعالى يفرد بنقلها من لا تقوم الحجة بنقله من العدول
و امنا ايضا قطعا ان تكون شريعة يخطيء فيها راويها الثقة و لا يأتي بيان جلي واضح بصحة خطئه فيه .
و امنا ايضا قطعا ان يطلق الله عز و جل من قد وجبت الحجة علينا بنقله على وضع حديث فيه شرع يسنده الى من تجب الحجة بنقله حتى يبلغ الى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم .
و كذلك نقطع و نبت بأن كل خبر لم يأت قط الا مرسلا او لم يروه قط الا مجهول او مجرح ثابت الجرحة فأنه خبر باطل بلا شك موضوع لم يقله رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم اذ لو جاز ان يكون حقا لكان ذلك شرعا صحيحا غير لازم لنا لعدم قيام الحجة علينا فيها .
و هذا الحكم الذي قدمنا انما هو فيما نقله من اتفق على عدالته كالصحابة وثقات التابعين ثم كشعبة و سفيان
و سفيان و مالك و غيرهم من الأئمة في عصرهم و بعدهم الينا و الى يوم القيامة و في كل من ثبت جرحته كالحسن بن عمارة و جابر الجعفي و سائر المجرحين الثابتة جرحتهم و اما من اختلف فيه فعدله قوم و جرحه آخرون فأن ثبتت عندنا عدالته قطعنا على صحة خبره و ان ثبتت عندنا جرحته قطعنا على بطلان خبره و ان لم يثبت عندنا شيء من ذلك وقفنا في ذلك و قطعنا و لا بد حتما على ان غيرنا لا بد ان يثبت عنده احد الأمرين فيه و ليس خطؤنا نحن ان اخطئنا و جهلنا ان جهلنا حجة على وجوب ضياع دين الله تعالى بل الحق ثابت معروف عند طائفة و ان جهلته اخرى و الباطل كذلك ايضا كما يجهل قوم ما نعلمه نحن ايضا و الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء
 
الأخوة الكرام
كنت قد نشرت هذا الموضوع في منتدى آخر فاعترض البعض على الكلام قائلاً:
شريف شلبي قال:
أريد ان أعرف هل من سلفٍ لابن حزم رحمه الله تعالى - قال باعتبار المرويات عن النبي صلى الله عليه وسلم ، داخلة تحت " الذكر " في قول الله عز وجل " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ..... فإني أدَعي أنه أول من قال ذلك ، والمفسرون من سلف الأمة قبله قالوا أنه القرآن لا غير .
فمن كان يعلم غير ذلك فليعلمنا ، وجزى الله الجميع خيراً
وكذلك :
عبدالله الشهري قال:
أرى أن لفظ "الذكر" محتمل ، ولاتقرر الأدلة القطعية و البراهين الصريحة بواسطة العبارات المحتملة : أي التي يجوز أن يدخل فيها معنى من المعاني بالاحتمال. وهذه قاعدة نافعة فيما أحسب سأتوسع بإذن الله في تفصيلها وضرب الأمثلة عليها وبيان كيف يمكن أن يستدل بها على ثبوت السنة أصلاً.​
وهذا هو ردى:
الأخ الفاضل شريف
الذكر هو القرآن والحديث
وهناك العديد من الأدلة القاطعة
وبما أنك تريد سلفاً لابن حزم فهناك الصحابة وأذكر منهم ابن مسعود :
اقرأ صحيح البخاري
5595 - حدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال
: لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقالت أم يعقوب ما هذا ؟ قال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله وفي كتاب الله ؟ قالت والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته قال والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }
إذن ما يأمر به النبي وينهى عنه هو من الذكر وكأنه مكتوب بين اللوحين
** أما عن الأدلة التى لا تكفى البعض ويريدون سلفاً في فهمها رغم وضوحها كالشمس:
راجع الإحكام (1-109) وسأنقلها لك :
قال الله عز وجل عن نبيه (ص): * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * وقال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * وقال تعالى: لتبين للناس ما نزل إليهم فصح أن كلام رسول الله (ص) كله في الدين وحي من عند الله عز وجل، لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يحرف منه شئ أبدا تحريفا لا يأتي البيان ببطلانه، إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذبا وضمانه خائسا، وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الدين الذي أتانا به محمد (ص) محفوظ بتولي الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبدا إلى انقضاء الدنيا قال تعالى ومن بلغ فإذ ذلك كذلك فبا لضروري ندري أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شئ قاله رسول الله (ص) في الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطا لا يتميز عن أحد من الناس بيقين، إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * كذبا ووعدا مخلفا وهذا لا يقوله مسلم.
فإن قال قائل: إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده، فهو الذي ضمن تعالى حفظه
لسائر الوحي الذي ليس قرآنا.
قلنا له وبالله تعالى التوفيق:
هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * فصح أن لا برهان له على دعواه، فليس بصادق فيها، والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه (ص) من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن، وأيضا فإن الله تعالى يقول: * (بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) * فصح أنه عليه السلام مأمور ببيان القرآن للناس.
وفي القرآن مجمل كثير كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه، لكن بيان رسول الله (ص) فإذا كان بيانه عليه السلام لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه، فقد بطل الانتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، فإذا لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها، فما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه الكذب الكاذب، ومعاذ الله من هذا، وأيضا نقول لمن قال: إن خبر الواحد العدل عن مثله مبلغا إلى النبي (ص) لا يوجب العلم، وإنما يجوز فيه الكذب والوهم، وأنه غير مضمون الحفظ: أخبرونا هل يمكن عندكم أن تكون شريعة فرض أو تحريم أتى بها رسول الله (ص) ومات وهي باقية لازمة للمسلمين غير منسوخة، فجهلت حتى لا يعملها علم يقين أحد من أهل الاسلام في العالم أبدا، وهل يمكن عندكم أن يكون حكم موضوع بالكذب أو بخطأ بالوهم قد جاز ومضى واختلط بأحكام الشريعة اختلاطا لا يجوز أن يميزه أحد من أهل الاسلام في العالم أبدا، أم لا يمكن عندكم شئ من هذين الوجهين ؟.
فإن قالوا: لا يمكنان أبدا، بل قد أمنا ذلك، صاروا إلى قولنا وقطعوا أن كل خبر رواه الثقة عن الثقة مسندا إلى رسول الله (ص) في الديانة، فإنه حق قد قاله عليه السلام كما هو، وأنه يوجب العلم ونقطع بصحته، ولا يجوز أن
يختلط به خبر موضوع أو موهوم فيه لم يقله رسول الله (ص) قط اختلاطا لا يتميز فيه الباطل من الحق أبدا وإن قالوا: بل كل ذلك ممكن كانوا قد حكموا بأن الدين دين الاسلام قد فسد وبطل أكثره، واختلط ما أمر الله تعالى به مع ما لم يأمر به اختلاطا لا يميزه أحد أبدا، وأنهم لا يدرون أبدا ما أمرهم به الله تعالى مما لم يأمرهم به، ولا ما وضعه الكاذبون والمستخفون مما جاء به رسول الله (ص) إلا بالظن الذي هو أكذب الحديث، والذي لا يغني من الحق شيئا وهذا انسلاخ من الاسلام، وهدم للدين، وتشكيك في الشرائع.
ثم نقول لهم: أخبرونا إن كان ذلك كله ممكنا عندكم، فهل أمركم الله تعالى بالعمل بما رواه الثقات مسندا إلى رسول الله (ص) أو لم يأمركم بالعمل به ؟ ولا بد من أحدهما.
فإن قالوا: لم يأمرنا الله تعالى بذلك لحقوا بالمعتزلة، وسيأتي جوابهم على هذا القول إن شاء الله تعالى، وإن قالوا: بل أمرنا الله تعالى بالعمل بذلك قلنا لهم: فقد قلتم إن الله تعالى أمركم بالعمل في دينه بما لم يأمركم به مما وضعه الكذابون، وأخطأ فيه الواهمون، وأمركم بأن تنسبوا إليه تعالى وإلى نبيه (ص) ما لم يأتكم به قط، وما لم يقله الله تعالى قط ولا رسوله (ص).
وهذا قطع بأنه عز وجل أمر بالكذب عليه، وافترض العمل بالباطل، وبما ليس من الدين، وبما شرع الكذابون مما لم يأذن به الله تعالى وهذا عظيم جدا لا يستجيز القول به مسلم.
ثم نسألهم عما قالوا: إنه ممكن من سقوط بعض ما قاله رسول الله (ص) من الحكم في الدين بإيجاب أو تحريم حتى لا يوجد عند أحد، هل بقي علينا العمل به أم سقط عنا ؟ ولا بد من أحدهما، فإن قالوا: بل هو باق علينا.
قلنا لهم: كيف يلزمنا العمل بما لا ندري وبما لم يبلغنا ولا يبلغنا أبدا.
وهذا هو تحميل الاصر والحرج والعسر الذي قد آمننا الله تعالى منه.
وإن قالوا: بل سقط عنا العمل به، قلنا لهم: فقد أجزتم نسخ شرائع من شرائع الاسلام مات رسول الله (ص) وهي محكمة ثابتة لازمة، فأخبرونا من الذي نسخها وأبطلها، وقد مات (ص) وهي لازمة لنا غير منسوخة ؟ وهذا خلاف الاسلام والخروج منه جملة.
فإن قالوا: لا يجوز أن يسقط حكم شريعة مات رسول الله (ص) وهو لازم لنا ولم ينسخ.
قلنا لهم: فمن أين أجزتم هذا النوع من الحفظ في الشريعة ؟ ولم تجيزوا تمام الحفظ للشريعة في ألا يختلط بها باطل لم يأمر الله تعالى به قط، اختلاطا لا يتميز معه الحق الذي أمر الله تعالى به من الباطل الذي لم يأمر به تعالى قط ؟ وهذا لا مخلص لهم منه، ولا فرق بين من منع من سقوط شريعة حق وأجاز اختلاطها بالباطل، وبين من منع من اختلاط الحق في الشريعة بالباطل، وأجاز سقوط شريعة حق، وكل هذا باطل لا يجوز البتة وممتنع قد أمنا كونه ولله الحمد، وإذا صح هذا فقد ثبت يقينا أن خبر الواحد العدل عن قد أمنا كونه ولله الحمد وإذا صح هذا فقد ثبت يقينا أن خبر الواحد العدل عن مثله مبلغا إلى رسول الله (ص) حق مقطوع به موجب للعمل والعلم معا.
وأيضا قال الله تعالى: لتبين للناس ما نزل إليهم) * وقد قال تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس نسألهم هل بين رسول الله (ص) ما أنزل الله إليه أو لم يبين ؟ وهل بلغ ما أنزل الله إليه أو لم يبلغ ؟ ولا بد من أحدهما، فمن قولهم إنه عليه السلام قد بلغ ما أنزل الله إليه وبينه للناس، وأقام به الحجة على من بلغه، فنسألهم عن ذلك التبليغ وذلك البيان: أهما باقيان عندنا وإلى يوم القيامة ؟ أم هما
غير باقيين ؟ فإن قالوا: بل هما باقيان وإلى يوم القيامة رجعوا إلى قولنا، وأقروا أن الحق من كل ما أنزل الله تعالى في الدين مبين مما لم ينزله، مبلغ إلينا وإلى يوم القيامة، وهذا هو نص قولنا في أن خبر الواحد العدل عن مثله مسندا إلى رسول الله (ص) حق مقطوع على مبينه موجب للعلم والعمل.
وإن قالوا: بل هما غير باقين، دخلوا في عظيمة وقطعوا بأن كثيرا من الدين قد بطل، وإن التبليغ قد سقط في كثير من الشرائع، وأن تبيين رسول الله (ص) لكثير من الدين قد ذهب ذهابا لا يوجد معه أبدا، وهذا هو قول الروافض بل شر منه، لان الروافض ادعت أن حقيقة الدين موجودة عند إنسان مضمون كونه في العالم، وهؤلاء أبطلوه من جميع العالم، ونعوذ بالله من كلا القولين.
وأيضا فإن الله تعالى قال: قل انما حرم ربى الفواحش ما طهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحقى وان تشر كوا بالله ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * وقال تعالى: إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاء هم من ربهم الهدى) * وقال تعالى: إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * وقال تعالى ذاما لقوم قا لوا إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) * وقال تعالى: قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنآ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) *.
وقد صح أن الله تعالى افترض علينا العمل بخبر الواحد الثقة عن مثله مبلغا إلى رسول الله (ص)، وأن نقول أمر رسول الله (ص) بكذا، وقال عليه السلام كذا، وفعل عليه السلام كذا، وحرم القول في دينه بالظن، وحرم تعالى أن نقول عليه إلا بعلم.
فلو كان الخبر المذكور يجوز فيه الكذب، أو الوهم لكنا قد أمرنا الله تعالى بأن نقول عليه ما لا نعلم، ولكان تعالى قد أوجب علينا الحكم في الدين بالظن الذي لا نتيقنه، والذي هو الباطل
الذي لا يغني من الحق شيئا، والذي هو غير الهدى الذي جاءنا من عند الله تعالى، وهذا هو الكذب والافك والباطل الذي لا يحل القول به، والذي حرم الله تعالى علينا أن نقول به، وبالتخرص المحرم فصح يقينا أن الخبر المذكور حق مقطوع على غيبه، موجب للعلم والعمل معا، وبالله تعالى التوفيق.
وصار كل من يقول بإيجاب العمل بخبر الواحد، وأنه مع ذلك ظن لا يقطع بصحة غيبه، ولا يوجب العلم - قائلا بأن الله تعالى تعبدنا أن نقول عليه تعالى ما ليس لنا به علم، وأن نحكم في ديننا بالظن الذي قد حرم تعالى علينا أن نحكم به في الدين، وهذا عظيم جدا.
وأيضا فإن الله تعالى يقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وقال تعالى ومن بينع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وقال تعالى ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الدين أو تو الكتاب الا من بعد ما جاء هم العلم بغيا بينهم وقال تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه قال أبو محمد فنقول لمن جوز ان يكون ما امر الله تعالى به نبيه عليه عليه السلام من بيان شريعة الاسلام لنا غير محفوظ، وإنه يجوز فيه التبديل، وأن يختلط بالكذب الموضوع اختلاطا لا يتميز أبدا: أخبرونا عن إكمال الله دينا ورضاه الاسلام لنا دينا، ومنعه تعالى من قبول كل دين حاشا الاسلام، أكل ذلك باق علينا ولنا إلى يوم القيامة ؟ أم إنما كان ذلك للصحابة رضي الله عنهم فقط ؟ أم لا للصحابة ولا لنا ؟ ولا بد من أحد هذه الوجوه.
فإن قالوا: لا للصحابة ولا لنا، كان قائل هذا القول كافرا لتكذيبه الله تعالى جهارا وهذا لا يقوله مسلم، وأن قالوا: بل كان كل ذلك باق لنا وعلينا إلى يوم القيامة صاروا إلى قولنا ضرورة، وصح أن شرائع الاسلام كلها كاملة، والنعمة بذلك علينا تامة، وأن دين الاسلام الذي ألزمنا الله تعالى اتباعه لانه هو الدين عنده عز وجل متميز عن غيره الذي لا يقبله الله تعالى من أحد، وأننا ولله الحمد قد هدانا الله تعالى له، وأننا على يقين من أنه الحق وما عداه هو الباطل، وهذا برهان ضروري قاطع على أنه كل ما قاله رسول الله (ص) في الدين، وفي بيان ما يلزمنا محفوظ لا يختلط به أبدا ما لم يكن منه وإن قالوا: بل كان ذلك للصحابة رضي الله عنهم، وليس ذلك لنا ولا علينا كانوا قد قالوا الباطل وخصصوا خطاب الله تعالى بدعوى كاذبة، إذ خطابه تعالى بالآيات التي ذكرنا عموم لكل مسلم في الابد، ولزمهم مع هذه العظيمة أن دين الاسلام غير كامل عندنا، وأنه تعالى رضي لنا منه ما لم ينبته علينا، وألزمنا ما لا ندري أين نجده، أو ألزمنا ما لم ينزله، وافترض علينا اتباع ما كذبه الزنادقة والمستخفون، ووضعوه على لسان رسوله (ص)، أو وهم فيه الواهمون مما لم يقله نبيه (ص) وهذا بيقين ليس هو دين الاسلام، بل هو إبطال الاسلام جهارا، ولو كان هذا - وقد أمنا ولله الحمد أن يكون - لكان ديننا كدين اليهود والنصارى الذي أخبرنا الله تعالى أنهم كتبوا الكتاب وقالوا هو من عند الله.
قال أبو محمد: حاشا لله من هذا، بل قد وثقنا بأن الله تعالى صدق في قوله فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وأنه تعالى قد هذا نا للحق فصح يقينا أن كل ما قاله عليه السلام فقد هدانا الله تعالى له وأنه الحق المقطوع عليه، والعلم المتيقن الذى لا يمكن امتزاجه بالباطل أبدا.
قال على: وقال بعضهم إذا انقطعت به الاسباب خبر الواحد يوجب علما ظاهرا قال أبو محمد: وهذا كلام لا يعقل، وما علمنا علما ظاهرا غير باطن، ولا علما باطنا، غير ظاهر، بل كل علم تيقن فهو ظاهر إلى من علمه وباطن في قلبه معا.
وكل ظن يتيقن فليس علما أصلا، لا ظاهرا ولا باطنا، بل هو ضلال وشك وظن محرم القول به في دين الله تعالى ونقول لهم: إذا جاز عندكم أن يكون كثير من دين الاسلام قد اختلط بالباطل، فما يؤمنكم إذ ليس محفوظا من أنه لعل كثيرا من الشرائع قد بطلت، لانها لم ينقلها أحد أصلا ؟ فإن منعوا من ذلك لزمهم المنع من اختلاطها بما ليس منها، لان ضمان حفظ الله تعالى يقتضي الامان من كل ذلك.
وأيضا فإنه لا يشك أحد من المسلمين قطعا في أن كل ما علمه رسول الله (ص) أمته من شرائع الدين واجبها وحرامها ومباحها، فإنها سنة الله تعالى، وقد قال عز وجل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا هذا نص كلامه تعالى.
وقد قال تعالى لا تبديل لكلمات الله فلو جاز أن يكون ما نقله الثقات الذين افترض الله تعالى علينا قبول نقلهم والعمل به القول بأنه سنة الله تعالى وبيان نبيه عليه السلام يمكن في شئ منه التحويل أو التبديل، لكان إخبار الله تعالى بأنه لا يوجد لهما تبديل ولا تحويل كذبا، ولكانت كلماته كذبا، وهذا ما لا يجيزه مسلم أصلا، فصح يقينا لا شك فيه أن كل سنة سنها الله تعالى من الدين لرسوله (ص).
وسنها رسوله عليه السلام لامته، فإنها لا يمكن في شئ منها تبديل ولا تحويل أبدا وهذا يوجب أن نقل الثقات في الدين يوجب العلم بأنه حق كما هو عند الله تعالى، وقولنا ولله الحمد.
وأيضا: فإنهم مجمعون معنا على أن رسول الله (ص) معصوم من الله تعالى في البلاغ في الشريعة، وعلى تكفير من قال ليس معصوما في تبليغه الشريعة إلينا.
فنقول لهم: اخبرونا عن الفضيلة بالعصمة التي جعلها الله تعالى لرسوله (ص) في تبليغه الشريعة التي بعث بها ؟ أهي له عليه السلام في إخباره الصحابة بذلك فقط ؟ أم هي باقية لما أتى به عليه السلام في بلوغه إلينا وإلى يوم القيامة ؟ فإن قالوا: بل هي له عليه السلام مع من شاهده خاصة لا في بلوغ الدين إلى من بعدهم.
قلنا لهم: إذا جوزتم بطلان العصمة في تبليغ الدين بعد موته عليه السلام، وجوزتم وجود الداخلة والفساد والبطلان والزيادة والنقصان والتحريف في الدين، فمن أين وقع لكم الفرق بين ما جوزتم من ذلك بعده عليه السلام ؟ وبين ما منعتم من ذلك في حياته منه عليه السلام ؟ فإن قالوا: لانه كان يكون عليه السلام غير مبلغ ما أمر به، ولا معصوم، والله تعالى يقول: * (يأيها الرسول بلغ مآ أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) * قيل لهم: نعم وهذا التبليغ المعترض عليه - والذي هو فيه عليه السلام معصوم بإجماعكم معنا من الكذب والوهم - هو إلينا كما هو إلى الصحابة رضي الله عنهم ولا فرق، والدين لازم لنا كما هو لازم لهم سواء بسواء فالعصمة واجبة في التبليغ للديانة باقية مضمونة ولابد إلى يوم القيامة كما كانت قائمة عن الصحابة رضي الله عنهم سواء بسواء.
ومن أنكر هذا فقد قطع بأن الحجة علينا في الدين غير قائمة والحجة لا تقوم بما لا يدرى أحق هو أم باطل كذب ؟.
ثم نقول لهم وكذلك قال تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن يقبل منه قد تبين الرشد
من الغى فإن اعوا إجماعا قلنا لهم من الكرامية من يقول انه عليه السلام غير معصوم في تبليغ الشريعة.
فإن قالوا: ليس هؤلاء ممن يعد في الاجماع، قلنا: صدقتم، ولا يعد في الاجماع من قال: إن الدين غير محفوظ، وإن كثيرا من الشرائع ا لتي أنزل الله تعالى قد بطلت واختلطت بالباطل الموضوع والموهوم فيه اختلاطا لا يتميز معه الرشد من الغي ولا الحق من الباطل ولا دين الله تعالى من دين إبليس أبدا.
 
الأخ الكريم (أبو محمد الظاهري)،

الكلام جميل ونوافقه في منهجيته في التفكير، ولكن لنا ملاحظات بين يدي الكلام:
أولاً: نقر بأن خبر الآحاد يوجب العمل، وإذا كان يوجب العلم أيضاً، فما المقصود بالعلم؟! إذا كان المقصود العلم الجازم 100% فما الفرق إذن بين ما ثبت بحسن أو صحيح أو متواتر؟! وهل من أنكر ما علم من الدين بالضرورة كالذي أنكر حديثاً حسناً؟!
ثانياً: العقيدة عندنا تثبت بالقطعي والظني، والعبرة بالاعتقاد الذي يورث العمل. ولكن لا نكفر من أنكر ظنياً، وإن كنا نفسّقه إن أنكر عن غير دليل وهو يعلم.
ثالثاً:إذا كان النص يحتمل أكثر من معنى فهو ظني الدلالة، فهل مراد الخالق معنى بعينه أم مراده أن تتعدد المعاني؟ واختلاف الأمة واقع لا ينكره أحد. توضيح: نزول الدم يبطل الوضوء وعند آخرين لا يبطل. فما الذي بلغه الرسول عليه السلام؟ أم أن الله تعالى يريد كل ذلك، ولكن المهم أن تتبع غلبة الظن عندك.
رابعاً: يقول سبحانه وتعالى في سورة النور:"لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون": لنفرض أن الذي رأى حادثة الزنا واستيقن من حدوثها لم يكن معه غيره يشهد، فتكلم بما رأى، هل هو صادق أم كاذب؟! الآية الكريمة تقول إنه كاذب. وهذا يعني أن الكذب ليس مجرد القول المنافي للواقع، بل هو أيضاً القول المنافي لمتطلبات الإثبات. فهو كذب في عالم الشهادة. ولو جاء بشاهدين معه لم يكف اجتماع الثلاثة لنفي صفة الكذب عنهم. أما لو شهد اثنان فقط على حادثة قتل لصدقناهم. هذا كله يعني أنه علينا أن نلتزم بالضوابط الشرعية في الحكم على الأمور. بما فيه طرق الإثبات ودرجته والمسئولية تجاه مستويات الثبوت.
خامساً: استناداً لما مضى لا يعد عدم تصديق الراوي الواحد في مستوى عدم تصديق راويين، وعدم تصديق راويين لا يعد كعدم تصديق أربعة رواة.
سادساً: فالله تعالى هو الذي أذن أن تتفاوت الروايات قوة، رحمة بعباده، ولم يكلفنا إلا بما يطاق، ويقبل منا أن نجتهد صادقين مخلصين، وعندما نعجز عن تحصيل اليقين يقبل منا الظن الغالب ولا يقبل الظن المغلوب. ومع وجود اليقين لا يقبل مِنّا الظن، لأن الظن لا يغني من الحق شيئاً.
 
عودة
أعلى