نظرة في مفهوم الصراط في القرآن الكريم

د.حسن خطاف

New member
إنضم
03/04/2006
المشاركات
46
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
ذكرت لفظة الصراط في القرآن الكريم خمسة وأربعين مرة ، ولم تذكر إلا مصدرا ، وهذا المصدر جاء في القرآن الكريم تعبيرا عن منهج فكري سلوكي محدد مغاير للمناهج الأخرى، وهذا المنهج هو الإسلام‹ › المتمثل بعبادة الله تعالى وحده  إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(51)[آل عمران] وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)[الأنعام] قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(161)[الأنعام].
وقد تعبدنا الله أن ندعوه في كل ركعة من الصلاة أن يهدينا لهذا المنهج القويم  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)[الفاتحة]،ووصف الصراط مقترنا بالاستقامة في أربعة وثلاثين موضعا‹ › من أصل خمسة وأربعين وفي ذلك دعوة إلى التمسك بهذا المنهج الخالي من الانحراف ،كما أن في ذلك تبيانا على أن ثمة مناهج/سبل أخرى معوجة،منها منهج المغضوب عليهم ،وهم اليهود ،ومنهج الضالين وهم النصارى‹ ›، ولم تأت كلمة الصراط بغير هذا المعنى إلا في آيتين كان المراد بهما المعنى المادي أي معنى السبيل/الطريق وذلك في قوله تعالى: وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(86)[الأعراف]،وهو خطاب موجه من النبي شعيب-عليه السلام-إلى قومه والآية الثانية قوله تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ(66)[يس].
نستنتج مما سبق أن لفظة الصراط في القرآن الكريم جاء ت بمعنى المنهج الفكري والسلوكي ولم ترد بالمعنى المادي إلا في آيتين،وعليه فليس في القرآن ما يدل بصريح العبارة على وجود جسر منصوب على متن جهنم يُكلف الناس بالمرور عليه،ويبقى الاحتمال واردا في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا(71)[مريم]،فهل يُفهم من هذا النص وجود جسر على ظهر جهنم؟
من المفيد أن نعرض هذه الآية ضمن سياقها التركيبي العام من سباق ولحاق حتى تتضح الرؤية أكثر،لأن السياق يعطي دلالة مالا تعطيها الكلمة أو الجملة في حالة انفرادها، السياق الفضائي المحيط بالنص المعروض للدرس هو الآيات التالية فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا(68)ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيًّا(69)ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا(70)وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا(71)ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا(72)[مريم].
عند التمعن في هذه الآيات نجد كلمات محورية ، زيادة على الدلالة العامة للسياق، والتي تتحدث عن حدث زمني معين مرتبط بيوم الآخرة ، وهذه الكلمات المركزية/المحورية هي:
"منكم" فمن المخاطب؟
"واردها"،ما معنى الورود؟
"حتما:فالمسألة لا بد من حصولها فهي منزَّلة منزِلة القسم.
"نُنَجِّي،وَنَذَر"أفعال تدل على التحول
"فيها" الضمير عائد إلى جهنم
يمكن أن نسجل -انطلاقا من هذا النص كبنية تركيبية لها دلالاتها الذاتية بمعزل عن التأثر بأي نص آخر أو بأي مذهب كلامي- النتيجة التالية:
يخاطب الله في هذا النص البشرية جمعاء،فقوله "منكم" خطاب فيه استمرارية الزمن، مع شمولية المخاطب ،بصرف النظر عن معتقده ‹ › ثم يقع بعد ذلك تنجية المتقين من "جهنم "ننجي" وإبقاء الظالمين فيها" ونذر" وهذا يشير إلى شيئين:أن الورود هنا على النار[واردها] وأن معنى الورود هو الدخول إلى النار،ولولا الدخول لما كان هناك معنى للتنجية والإبقاء،فالفعلان يدلان على المقابلة بينهما، فمعنى الفعل"نذر "هو نترك"، كما أن معنى الظرف الموجود في حرف الجر"فيها" يدل على ذلك .
وعند تتبع دلالة هذا الفعل "نذر" في القرآن الكريم ، نجده بمعنى الترك ، ومنه قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ..234)[البقرة]،وقوله: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(110)]الأنعام]، فليس في الفعل أي تحريك لهؤلاء ، وهذا يدل على إبقائهم في النار ، بينما معنى فعل"ننجي" ننقذ" أي نخلص"وهو فعل يوحي بوجود خطر يهدد المخاطب ، ويكون الإنجاء بعملية حركة، إما بنقل المنجي من مكان إلى مكان، كدلالة هذا الفعل في الآية السابقة ، وهو نقل المتقين من النار،ويدل على هذا النقل الفعل المقابل نذر،أو بإهلاك الطرف الآخر الذي يصدر منه الخطر،وبذلك يحصل الإنجاء كقوله تعالى: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَاب(49) ِ[البقرة]،والتنجية كانت بإغراق فرعون وأشياعه كما قال في الآية التي تلتها: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ(50)[البقرة].
إذاً لايفهم من الآية السابقة انطلاقا من بنيتها اللغوية وسياقها ، أي دلالة على وجود جسر منصوب على متن جهنم يسمى الصراط ،ويدل على عدم وجود هذه الرابطة بين الآية وبين الصراط أن الأحاديث التي ذكرت الصراط لم تشر- فيما تبين لي- إلى هذه الآية ، وإنما جاء الربط بينهما عند بعض العلماء من مفسرين وغيرهم لفهم هذه الآية على ضوء أحاديث الصراط‹ › ،فالآية تشير إلى حتمية وجوب ورود الجميع على النار،وأحاديث الصراط تشير إلى حتمية وجوب عبور الجميع من فوق النار على جسر يسمى الصراط ، ومن هنا جاء الربط .
إذا نخلص في الختام إلى تقرير هذه النتيجة وهي أن الصراط في القرآن تعبير عن منهج فكري سلوكي محدد مغاير للمناهج الأخرى، وهذا المنهج هو الإسلام.
جعلنا الله ممن يتبع هذا المنهج حق اتباعه
والله أعلم
د. حسن الخطاف ، جامعة دمشق
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الدكتور حسن بارك الله فيك وجزاك خيراً على جهودك وأرجو أن تسمح لي بهذه الملاحظات :
موضوعكم هو الصراط في القرآن الكريم ... وكما هو واضح فإن القضية هي قضية تفسيرية ومن أهم مراحل التفسير هما مرحلتان أساسيتان هما : تفسير القرآن بالقرآن ثم تفسير القرآن بالسنة ولذلك لا أظن أنه لا يمكن الوصول إلى نتيجة في موضوع الصراط إلا إذا وضعنا التفسير النبوي لموضوع الصراط وفيه أحاديث كثيرة صحيحة فيها بيان للنص القرآني :

وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باب ( الصراط جسر جهنم ) ذكر فيه حديث أبي هريرة الطويل وفيه : « " ويُضرب جسر جهنم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأكون أول من يُجيز ، ودعاء الرسول يومئذ : اللهم سلم سلم ، وبه كلاليب مثل شوك السعدان » (1) الحديث ، وأنكره بعض المعتزلة . [ ينظر : شرح الأصول الخمسة ( 737 ، 378 ) ، والإرشاد للجويني ص 370 ، 380 ) ] .وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - « أن ناسا قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : " ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، ودعوى الرسل يومئذ : اللهم سلِّم سلِّم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان " (1) .
هل رأيتم السعدان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم » .
- ولكن هل يتنافى ذلك مع ما قلتم " إذا نخلص في الختام إلى تقرير هذه النتيجة وهي أن الصراط في القرآن تعبير عن منهج فكري سلوكي محدد مغاير للمناهج الأخرى، وهذا المنهج هو الإسلام.
جعلنا الله ممن يتبع هذا المنهج حق اتباعه "
ليس هناك تنافي بين الأمرين فالصراط هو كما ذكرتم منهج فكري سلوكي وهو كذلك جسر على النار يمر الناس من فوقه وهذا هو معنى الورود وليس معناه حصراً كما ذكرتم " وإبقاء الظالمين فيها" ونذر" وهذا يشير إلى شيئين:أن الورود هنا على النار[واردها] وأن معنى الورود هو الدخول إلى النار،ولولا الدخول لما كان هناك معنى للتنجية والإبقاء،فالفعلان يدلان على المقابلة بينهما، فمعنى الفعل"نذر "هو نترك"، كما أن معنى الظرف الموجود في حرف الجر"فيها" يدل على ذلك ." فالمرور من فوق النار أيضاً ورود والباري عز وجل ينجي عباده من السقوط والهوي فيها وهذا معنى قوله عز وجل : ثم ننجي ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
بارك الله بك يا دكتور أحمد على ما ذكرت من ملاحظات لكن الذي أردت ذكره في واقع الأمر هو أننا عندما ننطلق من النص القرآني لا نجد رابطا بين الصراط الذي ورد في الأحاديث النبوية وبين مفهوم الصراط الذي ذكر في القرآن الكريم ، ومن المؤكد أن هذا ليس له دلالة متصلة بالموقف من السنة ، إنما الذي أردت أن أذكره أنه لا يوجد دليل نابع من النص القرآني على مفهوم الصراط المذكور في السنة ، وكلمة المرور ليست دليلا كافيا على وجود صراط ، ولكنها في نفس الوقت كما ذكرتم لا تنفي وجود صراط ، فالورود المذكور في آية الصراط الوصول والبلوغ يقول الشيخ ابن عاشور والورود : حقيقته الوصول إلى الماء للاستقاء . ويطلق على الوصول مطلقاً مجازاً شائعاً ، وأما إطلاق الورود على الدخول فلا يُعرف إلا أن يكون مجازاً غير مشهور فلا بد له من قرينة . التحرير والتنوير - (ج 9 / ص 3)
وإذا اعتبرنا القرائن الموجودة في النص بمعنى دخول النار ، فالدخول قد يكون على صراط وقد يكون من غير صراط ، ومجيء الورود بمعنى الدخول موجود في القرآن الكريم بل ذهب الكثير من المفسرين إلى أن الورود المذكور في سورة مريم بمعنى الدخول يقول النسفي والورود : الدخول عند علي وابن عباس رضي الله عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى : { فأوردهم النار } [ هود : 98 ] ولقوله تعالى { لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها } [ الأنبياء : 99 ] تفسير النسفي - (ج 2 / ص 280)

فالورود المذكور في النص هو البلوغ والوصول وهذا على غرار قوله تعالى" وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ" [سورة القصص]يقول الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير "والورود هنا معناه الوصول والبلوغ كقوله تعالى { وإن منكم إلا واردها }" 10 / ص 374"
والورود أيضا بمعنى الدخول لكن الدخول قد يكون بصراط وقد يكون من غير صراط ولم يقع تحديد ذلك في القرآن الكريم فجاءت السنة النبوية وبينت وجود صراط منصوب على متن جهنم
مرة أخرى بوركت جهودكم على ما ذكرتم.
أما ما يقال عن إنكار المعتزلة للصراط فهي مسألة تحتاج إلى وقفة أطول وأقول باختصار هناك من رأى أن كل المعتزلة ينكرون الصراط وهذا ما يفهم من كلام الآمدي [غاية المرام : 305]،واليضاوي وقد نقل ذلك عنه الآلوسي،روح المعاني:17 / 6 ومن المعاصرين ممن قال بذلك عن المعتزلة غولد زيهر،في كتابه العقيدة والشريعة في الإسلام:91،ونقل محمد العبده وطارق عبد الحليم في كتابيهما المشترك المسمى"المعتزلة بين القديم والحديث":85 عن الأشعري أن المعتزلة ينكرون الصراط،والحق أن الأشعري لم يقل ذلك عن المعتزلة،وبالرجوع إلى كتابه"مقالات الإسلاميين "الذي نقلا عنه لانجد ذلك ،فقد ذكرا الصفحة [430]من مقالات الإسلاميين ،ولا يوجد في هذه الصفحة أي ذكر للصراط،كما ذكرا الصفحة[742]من نفس الكتاب ،ولم ينقل الأشعري في هذه الصفحة ما فهماه منه وهذا نص كلامه:» واختلفوا في الصراط فقال قائلون هو الطريق إلى الجنة والى النار، ووصفوه فقالوا هو أدق من الشعر، وأحد من السيف ،ينجي الله عليه من يشاء ، وقال قائلون هو الطريق وليس كما وصفوه بأنه أحد من السيف، وأدق من الشعر، ولو كان كذلك لاستحال المشى عليه« مقالات الإسلاميين:472، مع الإشارة إلى أن الضمير في قوله"اختلفوا" لايرجع إلى المعتزلة،وإنما إلى أهل الكلام عموما، ويفهم من هذا النص أن القول الثاني هو قول المعتزلة ،فهو يتفق مع ما يقوله المعتزلة عن الصراط.
وهناك من يحكم على أغلب المعتزلة بانهم ينكرون الصراط ممن قال ذلك عنهم الإيجي:» وأنكره أكثر المعتزلة، وتردد قول الجبائي فيه نفيا وإثباتا« المواقف:3
وقد تبين لي أن المعتزلة لاينكرون الصراط من حيث الأصل وإنما ينكرون بعض الأوصاف الملاصقة للصراط وذلك ككونه أدق من الشعر وأحد من السيف " وهذا الوصف لايصل من حيث الصحة إلى مستوى الأحاديث الأخرى الموجودة في صحيح البخاري وغيره والتي خلت من هذا الوصف .
وهذا ليس دفاعا عن المعتزلة بقدر ما هو إيضاح للحقيقة ، ولكن من المهم أن نعرف ان الأصل الفكري وراء إنكار هذا الوصف" أدق من الشعر وأحد من السيف" هو قياس الغائب على الشاهد ، ذلك لأن الأمر المشاهد أن لايكون الطريق أو الصراط بهذا الوصف فقاسوا عليه الغائب ، وهذا تعسف جرهم إليه هذا المنهج
مشكور يادكتور أحمد على مداخلتك
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا الكريم محمد، وبعد.
إن فكرة اعتقاد أن الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف فكرة مرفوضة!!
فهذه الفكرة لم ترد في كتاب الله تعالى، وإنما ذكر الصراط المستقيم على أنه طريق الحق والإسلام.
أما عن الأحاديث، فلم يصح حديث في مسألة الصراط بهذا المعنى.
أما رواية البخاري التي ذكرها أخونا أحمد الطعان فرواية شاذة غير مقبولة، لأن الرواية فيها إشكال، وذلك لأن رواية البخاري تتحدث في البداية عن رؤية الله تعالى، فمن هذه الإشكالات:
أن المنافقين يرون الله تعالى، وهذا خلاف ما عليه علماء أهل السنة والجماعة.
أن الحديث يثبت لله تعالى الصورة، وأجمع العلماء أن الله تعالى لا يوصف بالصورة، قال الإمام ابن الجوزي في كتابه دفع شبه التشبيه(ص/159): ((قلت: إعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف)).
كما أن الحديث يثبت الرؤية خارج الجنة، وأهل السنة متفقون على أن الرؤية في الجنة لا خارجها.
أما الروايات الأخرى في الصراط فقد ذكرها الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري(11/454)، وبين أنه لم يثبت منها شيء.
وهناك رواية ذكرها الحاكم في مستدركه(4/629)دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ونص الرواية كما يلي: ((حدثني محمد بن صالح بن هانئ ثنا المسيب بن زهير ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت فتقول الملائكة يا رب لمن يزن هذا فيقول الله تعالى لمن شئت من خلقي فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ويوضع الصراط مثل حد الموسى فتقول الملائكة من تجيز على هذا فيقول من شئت من خلقي فيقول سبحانك ما عبدناك حق عبادتك هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)).
قلت: ورواية الحاكم ليست صحيحة، لأن في سند الحديث رجلا مجهولا، وهو: المسيب بن زهير إذ لم يوثقه أحد، والله أعلى وأعلم.
وبناء على ذلك يتبين لنا أن مسألة الصراط بهذا المعنى مسألة تحتاج إلى نظر، فالقرآن الكريم لم يذكر الصراط بهذا المعنى، والأخبار في هذا المعنى ضعيفة، ولا يحتج بالضعيف في أمر عقائدي، والعلم عند الله تعالى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الاطهار وأصحابه الأبرار

أبو عبدالله
 
حسام حسن قال:
أن الحديث يثبت لله تعالى الصورة، وأجمع العلماء أن الله تعالى لا يوصف بالصورة، قال الإمام ابن الجوزي في كتابه دفع شبه التشبيه(ص/159): ((قلت: إعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف)).

أخي الكريم

لا شك أن هذا الحكم ليس بصحيح ، ومذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات الصورة لله تعالى كما يليق به ، من غير تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل.

قال الشيخ عبدالرحمن البراك في بيانه للمخالفات العقدية في فتح الباري :
( قوله: "قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره .. إلخ": ابن قتيبة يعرف بخطيب أهل السنة ، وله جهود في الرد على الزنادقة والمعتزلة كما في "تأويل مختلف الحديث" له.
وما ذهب إليه ابن قتيبة رحمه الله تعالى من إثبات الصورة لله عز وجل، وأنها ليست كصورة أحد من الخلق ـ فله سبحانه وتعالى صورة لا كالصور ـ هو مذهب جميع أهل السنة المثبتين لكل ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فكما يقولون: له وجه لا كوجوه المخلوقين، يقولون: له صورة لا كصور المخلوقين، وقد دل على إثبات الصورة لله عز وجل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: "وتبقى هذه الأمة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفونها"، وهو نص صريح لا يحتمل التأويل، فلهذا لم يخالف أحد من أهل السنة في دلالته.
وأما حديث: "فإن الله خلق آدم على صورته" فقد استدل به أكثر أهل السنة على إثبات الصورة أيضاً، وردوا الضمير إلى الله تعالى، وأيدوا ذلك برواية من رواياته بلفظ: "على صورة الرحمن". ومن رد الضمير إلى آدم عليه السلام أو إلى المقاتل - وقصده نفي الصورة عن الله تعالى - فهو جهمي كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
ونفي الصورة هو مذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية ، ومنشأ ذلك هو توهم التشبيه في صفات الله تعالى ، فزعموا أن إثبات الصورة أو الوجه أو اليدين ونحو ذلك يستلزم التشبيه بالمخلوقات ، وهي حجة داحضة ، وطردها يستلزم نفي وجود الله سبحانه وتعالى .
ومن رد من أهل السنة الضمير إلى آدم عليه السلام وضعَّف رواية " على صورة الرحمن " فليس مقصوده التوصل إلى نفي الصورة عن الله عز وجل، وليس من مذهبه ذلك ، بل رأى لفظ هذا الحديث " خلق الله آدم على صورته " محتملا ، فترجح عنده عود الضمير إلى آدم أو إلى المقاتل. وهو منازع في تضعيفه لتلك الرواية وفي هذا الترجيح .
وبهذا يتبين أن إثبات الصورة لله عز وجل لا يتوقف على دلالة حديث " خلق الله آدم على صورته " ، ونقول : بل غلط المازري عفا الله عنه ، ولم يغلط ابن قتيبة. ) انتهى كلام البراك .

ولعلك تراجع هذه الروابط للفائدة :

فوائد في إثبات الصورة لله
حديث الصورة رواية ودراية

وأما كتاب ابن الجوزي دفع شبه التشبيه فهو كتاب مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة ، فقد كان مؤلفه يميل إلى التأويل في بعض كلامه: يقول ابن رجب في الذيل: (اشتد إنكار العلماء عليه في ذلك، وكان مضطربا في قضية التأويل رغم سعة اطلاعه على الأحاديث في هذا الباب فلم يكن خبيرا بحل شبه المتكلمين، ويقول: كان أبو الفرج تابعا لشيخه أبي الوفاء ابن عقيل في ذلك، وكان ابن عقيل بارعا في علم الكلام ولكنه قليل الخبرة في الأحاديث والآثار لذا نراه مضطربا في هذا الباب)

قال الشيخ المحدث سليمان العلوان : ( وقد وقفتُ على كتاب لابن الجوزي اسمه: (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه).فلما نظرتُ فيه فإذا هو مشتمل على: التحريف ، والتأويل ، والتعطيل ، والتفويض. والكتاب جملة: ظلمـات بعضها فوق بعض ..)

ولعلك ترجع إلى كتاب العلوان على هذا الرابط :
الكشـاف عن ضلالات حسن السقـاف
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله الأطهار،وأصحابه الأبرار، وبعد.
أخي العبيدي المحترم
بالنّسبة لإثبات الصّورة، فالواضح من أدلّة التّنزيه الواضحة والبينة والمحكمة أنّ إثبات الصّورة لله تعالى تجسيم محض..
وقد ذكر الأستاذ عبد القاهر البغدادي في كتابه القيّم (الفَرْق بيْن الفِرََق)(ص/323): ((بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السّنّة: قد اتّفق جمهور أهل السّنّة والجماعة على أصول من أركان الدّين، كلّ ركن منها يجب على كلّ عاقل بالغ معرفة حقيقته، ولكلّ ركن منها شعب، وفي شعبها مسائل اتّفق أهل السّنّة فيها على قول واحد، وضلّلوا من خالفهم فيها)).
وقال في ص/332 : ((وأجمعوا على إحالة وصفه بالصورة والأعضاء))
أما عن كتاب الإمام ابن الجوزي فقد اطلعت عليه ورأيته كتابا في غاية الروعة والإتقان، ولقد أعجبني التحقيق الجميل للأستاذ السقاف.
كما أعلم أن الإمام ابن الجوزي من الحنابلة، وهو ذو شهرة واسعة في عدد من علوم الشرع، وكلام أخينا العلوان فيه تجن على الإمام ابن الجوزي.

ولكم بالغ الشكر
أبو عبد الله
 
أخي حسام أرحب بأدبك في عرض رأيك, وفي هذا الموضوع أمران بارزان:
الأول: مفهوم الصراط في القرآن الكريم (وهو الموضوع الأصلي للمشاركة), واتصاله ظاهر بعلم التفسير.
والثاني: إثبات الصورة لله تعالى أو نفيها (وهو متفرع عن بعض الأدلة المذكورة), واتصاله ظاهر بعلم العقيدة.
ففي أيهما تحب أن نتحاور (مع أن مراعاة تخصص الملتقى أولى)؛ ليأخذ بعضنا بأيدي بعض, حتى نصل منها على يقين ينشرح به صدر طالب الحق, ولا أراك إلا كذلك إن شاء الله.
ولي عليك قبل كل ذلك أن تتكرم بذكر مؤهلك العلمي, وتخصصك التعليمي, بارك الله فيك.
 
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وبعد.
تحية للأستاذ أبي بيان...
أمّا أصل الموضوع فهو الكلام عن الصّراط من حيثُ الكيفيةُ المشتهرةُ عند أهل السّنّة والجماعة(وهي أنّ الصّراط أدقّ من الشّعرة وأحدّ من السّيف).
وبالنّسبة لموضوع الصّورة فكان تعقيبا منّي على تعقيب الأستاذ العبيدي، فجاء الحديث عن الصّورة عارضا لا أصلا.
وأنتم تعلمون أنّ بين العلوم ارتباطا واضحا، إذ كلّ العلوم تنبع من القرآن والسّنّة المشرّفة..
وعن تخصّصي فأنا طالب علم تخرّج من كليّة الشّريعة..

أخوكم أبو عبد الله
 
الأخ المكرم د.حسن خطاف حفظه الله

1- من خلال آيتي سورة الأعرف وسورة يس أثبتَ في نفس بحثك إمكانية تفسير الصراط بالشيء المادي ، فقل بمثل تلك الإمكانية المادية في تفسير صراط الآخرة .

2- قلتَ بأن بعض العلماء ربط بين بعض آيات الصراط وبين أحاديث صراط الآخرة.
ولكن الصحيح ليس بعضهم بل إن كثيرا من أهل العلم ربطوا بينهما إما تصريحا وموافقة أو سكوتا وعدم إنكار للربط
فإذا ثبت أن الأكثر مع الربط فلن يشعر القارئ بشذوذ هذا الربط بل سيشعر أن الشذوذ في عدم الربط.

3- سواء صح الربط أم لم يصح فيجب على كل قارئ مؤمن أن يصدق بالأحاديث الصريحة الصحيحة التي وصفت صراط الآخرة.
ولعلك أشرت إلى ذلك بقولك:
( ... وأحاديث الصراط تشير إلى حتمية وجوب عبور الجميع من فوق النار على جسر يسمى الصراط)

4- أشكرك على بحثك وعلمك وأخلاقك وإنصافك وحيادتك ، وننتظر منك المزيد بارك الله فيك.
 
عودة
أعلى