نظرة في كتب التراجِم التي فيها تضعيف لبعض القراء - د. أحمد السَّلُّوم.

ضيف الله الشمراني

ملتقى القراءات والتجويد
إنضم
30/11/2007
المشاركات
1,508
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1​
السبت 8ذو القعدة 1434

نظرة في كتب التراجِم التي فيها تضعيفٌ لبعض القراء
د. أحمد بن فارس السَّلُّوم

[align=justify]
مما يلاحظه من ينظر في كتب تراجم القراء، أن بعض نقاد المحدثين يضعف رواية المقرئ، ويجهِّله في الحديث، فالقاعدة في التعامل مع هؤلاء: أنْ لا تُطرَد أقوالهم فيما سوى تخصصاتهم، فحين نرى تضعيف النقاد لقارئ ما فهذا يعني عدم قبول روايته في باب الحديث، أما في باب القراءة فهو ثقة حجة، يُرجَع في ذلك إلى أقوال نقاد المقرئين.

وقد يرد على هذا إشكال، فيقال: كيف يوثَّق في رواية القرآن العظيم وتُقبل إخباره في هذا الباب، ويُتْرك في باب رواية الحديث، والقرآن أعظم وأجل، وقد عُلم بالسبر والتقسيم أن الرجل لا يخرج أن يكون ثقة صادقاً أو غير ذلك، فإن كان ثقة قُبِلَ قوله في كل ما يرويه، وإن لم يكن كذلك لم يقبل قوله في شيء، أمَّا أن يقبل في القراءة ويرد في الحديث فهذا تحكم بلا دليل.

والجواب عن ذلك:
إن الأصل في العلوم أن لكل فن رجاله، فقد يعتني شخص ما بفن ويوليه اهتمامه فيضبطه، ويقصر فيما سواه، ليس لأنه غير مقبول القول، ولا جائز الشهادة، بل لأنه فقد في غير فنه الذي اهتم به شرطاً مهماً في قبول روايته وهو شرط الضبط، فإن الغالب على من اهتم بعلم أن ينصرف إليه كلياً ويترك ما سواه فيخف ضبطه له واعتناؤه به.

مثال ذلك: أن الإمام أبا حنيفة صرف جهده في ضبط الفقه وإتقانه، حتى غدا الناس عيالاً عليه في الفقه، ولكنه لم يول جانب الرواية من الحفظ والضبط والمعرفة ما أولاه للفقه، فلذلك تكلم في روايته بعض الحفاظ، وضعفوه فيها، لا لأنه مجروح العدالة، بل لأنه لم يضبط فن الحديث، ولا اختص له، ولم يمارس أسانيده، فقد يقع منه الخطأ في بعض ذلك، ويكون تضعيفه في باب الرواية لا يعني إهداره في ما سوى ذلك من أبواب العلوم.

وقد يوفق الله - تعالى - إنساناً فيجمع بين الفنين، كالإمام مالك وتلميذه الشافعي - رحمهما الله -، فقد كانا فقيهين محدثين، متقنين لعلوم الفقه والحديث والقراءة، فقد كان مالك ثقة في قراءة نافع، وكان الشافعي ثقة في قراءة ابن كثير، مع ما حباهما الله به من الفقه ورواية الحديث، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وكذلك القول في القراء، فبعضهم صرف جهده لضبط القراءة، فهو فيها ثقة حجة ولكنه في غير القراءة ليس بالقوي، لأنه لم يضبط غير فنه.

مثال ذلك: حفص بن سليمان الغاضري، الراوي عن عاصم فإنه ثقة في القراءة مجمع عليه، روايته مما تواترت عند القراء، ولكنه في الحديث دون ذلك، بل قال الحافظ ابن حجر: متروك الحديث مع إمامته في القراءة[1].

وعلى النقيض من ذلك، قد يوجد من هو ثقة في الحديث، إمام حجة فيه، ولكنه شاذ القراءة عند القراء، كالأعمش سليمان بن مهران الكاهلي، فإنهم ألحقوا قراءته بالشواذ، مع كونه إماماً في الحديث، مجمعاً على ثقته.

وقد وفق الله طائفة للجمع بين هذين العلمين فكانوا ثقات محتجاً بهم عند كلا الفريقين، كعاصم ونافع وأبي عمرو البصري وأبي بكر بن عياش، وابن عامر، وهشام بن عمار، وخلف البزار، شيخا الإمام البخاري، كل هؤلاء ثقات عند الطرفين.

لذلك كان من الخطأ أن نطبق قواعد المحدثين في نقد الأسانيد على أسانيد القراء، ولو فعلنا ذلك لما صفا لنا منها الكثير، فمثلاً: حين ينظر الباحث في إسناد قراءة عاصم، ويرى أنه يرويها حفص بن سليمان عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ثم ينظر في كتب تراجم المحدثين وما دونوا من الجرح والتعديل، ويحقق حال حفص فإنه سيرى من أقوالهم ما يفيد ضعفه، فإذا أخذ هذا الحكم ثم طبّقه على إسناد هذه القراءة، لتوصل إلى تضعيف القراءة، وبالتالي تبطل هذه القراءة التي يقرأ بها عامة أهل المشرق الإسلامي!

وليس هذا هو السبيل القويم في دراسة أسانيد القراء، بل الواجب على من رام ذلك أن ينظر في كتب القراء وما سطروه من جرح وتعديل في أحوال المقرئين، لأنه فنهم، وهؤلاء رجالهم.

وكذلك الحال أيضاً في قبول أقوال النقاد المحدثين في ما روي عنهم من نقد بعض القراءات، فإنه قد روي عن بعض نقاد الحديث الطعن في بعض القراءات، كما روي عن الإمام أحمد الطعن في قراءة حمزة بن حبيب الزيات، فهذا الإمام أحمد وإن كان من أئمة النقد عند المحدثين إلا أن قوله في تضعيف القراءة ليس بحجة بعد تلقي علماء القراءات لهذه القراءة بالقبول، لأن الإمام أحمد ليس من أهل هذا الفن ولا هو من نقاده، ...، وكذلك يكون المرجع في علوم الرسم والضبط والتجويد إلى القراء؛ لأنهم هم أهل الاختصاص وهم المباشرون لهذه العلوم، فهم أدرى بها.

وقد وجد بعض الفقهاء المعاصرين من أفتى بعدم لزوم التجويد في القراءة، بل بالغ بعضهم فزعم أنه محدث بدعة، وأن الأولين ما كانوا يعرفونه، فالقول في هؤلاء إنهم تكلموا في غير فنِّهم، وأتوا بما لا يجوز فيه تقليدهم، وخالفوا إجماع أهل العلم بالقراءة، فقد قال ابن الباذش: اعلم أن القراء مجتمعون على التزام التجويد أ.هـ[2].

وإجماع القراء على هذه المسألة حجة لا يجوز مخالفته، كما أن إجماع الفقهاء على مسألةٍ ما حجة لا تجوز مخالفته، والله أعلم.
[/align]
[1] بتصرف: تقريب التهذيب ترجمة رقم 1414.

[2] الإقناع ص354.
 
وقد يرد على هذا إشكال، فيقال: كيف يوثَّق في رواية القرآن العظيم وتُقبل إخباره في هذا الباب، ويُتْرك في باب رواية الحديث، والقرآن أعظم وأجل، وقد عُلم بالسبر والتقسيم أن الرجل لا يخرج أن يكون ثقة صادقاً أو غير ذلك، فإن كان ثقة قُبِلَ قوله في كل ما يرويه، وإن لم يكن كذلك لم يقبل قوله في شيء، أمَّا أن يقبل في القراءة ويرد في الحديث فهذا تحكم بلا دليل.

والجواب عن ذلك:
السلام عليكم
وأفضل ما يجاب عن هذه الشبهة ما قاله قال الذهبي في السير : قلت: كان عاصم ثبتا في القراءة، صدوقا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال الدارقطني: في حفظه شئ يعني: للحديث لا للحروف، وما زال في كل وقت يكون العالم إماما في فن مقصرا في فنون.
وكذلك كان صاحبه حفص بن سليمان ثبتا في القراءة، واهيا في الحديث، وكان الأعمش بخلافه كان ثبتا في الحديث، لينا في الحروف، فإن للأعمش قراءة منقولة في كتاب " المنهج " وغيره لا ترتقي إلى رتبة القراءات السبع، ولا إلى قراءة يعقوب وأبي جعفر.
والله أعلم.
قال النسائي: عاصم ليس بحافظ.))ا.هـ5/260

المصدر: http://vb.tafsir.net/forum20/thread8193-2.html#ixzz2eqhccRUV
السلام عليكم
 
جزى الله خيرًا كاتب الكلام وناقله، وأسأل الله أن ينفعهما وينفع بهما... آمين
وليسمح لي فضيلة الدكتور أحمد السلُّوم – حفظه الله - بهذه التعليقات...

(1) تضعيف نقَّاد المحدثين للقرَّاء معتبرٌ من جهة العدالة

قال الدكتور السلوم:
«فحين نرى تضعيف النقاد لقارئ ما فهذا يعني عدم قبول روايته في باب الحديث، أما في باب القراءة فهو ثقة حجة، يُرجَع في ذلك إلى أقوال نقاد المقرئين».
أقول: للتضعيف والتوثيق جناحانِ: العدالة والضبط، فإن كان تضعيف نُقَّاد الحديث للراوي (القارئ) من باب العدالة؛ فإنَّ هذا التضعيف يطَّرد وينسحب على الحديث والقراءة. وأمَّا إن كان التضعيف من باب الضبط فحينئذٍ يصحُّ أن نقول: لكلِّ فنٍّ رجالُه، وكلٌّ أعلمُ بفنِّه.
ومما يطَّرد عند نُقَّاد القرَّاء على قواعد نقد الحديث: ما يظهر من القرَّاء من عدم ضبطٍ للأسانيد، فيكون أمرهم دائرًا بين سقوط الضبط وسقوط العدالة؛ ذلك أنَّه إن كان يقع له الاضطراب والإغراب والتلفيق في الأسانيد عن جهل فهو غير ضابطٍ، أمَّا إن كان يقع هو في ذلك مُتعمِّدًا ليدَّعيَ ما ليس عنده من قراءاتٍ وطرقٍ = فهو كذَّاب مُدلِّسٌ لا يؤتمن على كتاب الله، فهو بين أمرين أحلاهما مرٌّ.
قال الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي أحمد عبد الله بن الحسين:
« لا أشكُّ في ضعف أبي أحمد وأعلى ما وقع لي إسناد القراءات من طريقه ولكن الحقَّ يقال فمن ضعفه أنَّه روى عن أبي العلاء الكوفيّ، وعبد الله بن المعتز ويموت بن الـمُزرع ومحمد بن محمد الباهلي، وذكر أنَّه قرأ على محمد بن يحيى الكسائيّ، ولم يلق أحدًا من هؤلاء، وزعم أنَّه قرأ على الأشنانيّ، وقد أدرك من عمره إحدى عشرة سنة، فالعهدة عليه، وقال: إنَّه قرأ على موسى بن جرير وعلى أبي عثمان النحوي، وعلى ابن الرَّقي، وأنهم قرؤوا على السوسيّ، فموسي بعيد أن يكون لقيه، فإنه كان بالرقة، والآخران لا يعرفان إلا من جهة أبي أحمد..
وكان عارفًا بالقراءات شديد العناية بها...
ثم قال: وقد ضعَّفه قبلُ جماعةٌ، قال محمد بن عليِّ الصوريِّ الحافظ: قال لي أبو القاسم العنابي البزاز: كنا يومًا عند أبي أحمد المقرئ، فحدثنا عن أبي العلاء محمد بن أحمد الوكيعي، فاجتمعتُ بالحافظ عبد الغني بن سعيد، فذكرتُ له ذلك، فاستعظمه، وقال: سله متى سمع من أبي العلاء فرجعتُ إليه فسألته، فقال: سمعت منه بمكة في الموسم سنة ثلاث مئة، فأتيتُ عبد الغني فأخبرته فقال: مات أبو العلاء عندنا في أول سنة ثلاث مئة، ثم عبرتُ مع عبد الغني بعد مدة، وأبو أحمد قاعدٌ يُقرئ، فقلتُ: ألا تُسلِّم عليه، فقال: لا أُسلِّم على من يكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم» [يُنظر: معرفة القراء 1/ 327-332].
فانظر إلى قول الذهبي: (ولا أشكُّ في ضعف أبي أحمد) بجوار قوله: ( وكان عارفًا بالقراءات شديد العناية بها)... ثم انظر إلى كلام الحافظ عبد الغنيّ بن سعيد - وهو من جهابذة الحديث - يتَّضح لك المقصود.
وقريبٌ من ذلك ما ذكره الذهبي في ترجمة يحيى بن إبراهيم الأندلسيّ [1 /449-450]، وفيها قول الذهبي رحمه الله: «وقد وقع لنا سنده بالقراءات عاليًا وفرحنا به وقتًا ثمَّ أوذينا فيه، وبان لنا ضعفه».
وانظر كذلك ترجمة محمد بن المفرج ابن إبراهيم البطليوسي [1 /454 -455].
ومن أوضح ما يدلُّك على اعتبار العدالة جنبًا إلى جنبٍ مع الضبط ما قاله الذهبيُّ في ترجمة إبراهيم بن أحمد ابن إسماعيل الإسكندراني [2/664]: «وكان آخر من قرأ على الكنديِّ، فقصده الطلبة، وتوقَّف بعضهم في الأخذ عنه تديُّنًا؛ لكونه مباشرًا بيتَ المال، ولتركه الفنَّ»
والخلاصة: أنَّ ما كان من تضعيف نقَّاد المحدثين للقرَّاء من جهة العدالة فهو مُعتبَر، فإن سقطت عدالته في رواية الحديث كان من باب أولى أن تسقط في باب القراءة. وأمَّا من ضُعِّفَ في الحديث بسبب ضبطه فهو محلُّ بحثٍ ونظرٍ من نُقَّاد القراءة، فمن كان ضابطًا وُثِّق، ولا يُلتفتُ إلى كلام الـمُحدثين فيه.
وقد تنبَّه إلى هذا الملمح الدقيق فضيلة الشيخ الدكتور العلَّامة غانم قدوري حين قال في بحث (حفص بن سليمان الأسدي بين الجرح والتعديل) :« ولو أن الأمر توقَّف عند وصف حفص بعدم إتقان الحديث لكان مقبولًا، لكنه تجاوز ذلك إلى الطعن في عدالته، واتهامه بالكذب عند بعض العلماء، وكيف يكون المرء مؤتمنًا على القرآن متَّهمًا في الحديث؟ إنَّه أمرٌ أشبه بالجمع بين النقيضين» [مطبوع ضمن: أبحاث في علوم القرآن ص 91]. وهو لعمر الله كلام نفيس لا مزيد عليه.
ولذلك أخذ فضيلة الدكتور – حفظه الله – على عاتقه أن يُحقِّق القول في مسألة تضعيف حفص وخرج من ذلك بنتائج طيِّبةٍ؛ جزاه الله خيرًا.
***
(2)
هل الإمام الأعمش ضعيفٌ في القراءة؟
قال فضيلة الدكتور السلوم: «وعلى النقيض من ذلك، قد يوجد من هو ثقة في الحديث، إمام حجة فيه، ولكنه شاذ القراءة عند القراء، كالأعمش سليمان بن مهران الكاهلي، فإنهم ألحقوا قراءته بالشواذ، مع كونه إماماً في الحديث، مجمعاً على ثقته».
أقول: وهذا القول قد يوحي بأنَّ الأعمش غير ضابطٍ للقراءةِ وإن كان عالـمًا فذًّا في الحديث. وهذا غير دقيق؛ لأنَّ سبب شذوذ قراءة الاعمش [القراءة المنسوبة إليه، أو لمزيد من الدقة لِنقُلْ: اختياره] ليس ضعفًا في ضبطه ولا في سقوطًا في عدالته، وإنَّما بسبب الشروط التي وضعها علماء القراءات للقراءة المتواترة.
فأمَّا ضبط الأعمش للقراءة مُطلقًا فليس محلَّ شكٍّ ولا اختلافٍ؛
قال ابن عيينة: «كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض» [تهذيب التهذيب 4/ 223، تاريخ بغداد 9 /3، معرفة القراء 1 /95 ]
وقال طلحة بن مصرف: «كنا نختلف إلى يحيى بن وثاب نقرأ عليه، والأعمش ساكتٌ ما يقرأ، فلما مات يحيى بن وثاب فتشنا فإذا الأعمش أقرأنا» [التاريخ: 9 /11].
وقال أبو هاشم زياد بن أيوب: «ما رأيت بالكوفة أحدًا أقرأ لكتاب الله من الأعمش، ولا أجود حديثًا ولا أفهم ولا أسرع إجابة لما يُسأل عنه» [تاريخ بغداد: 9 /7].
ولا يخفى أن الأعمش أحد مَن نَقل عنهم حمزة؛ قال الداني في تيسيره: باب ذكر الرجال:«ورجال حمزة جماعة منهم أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش .... وأخذ الأعمش عن يحيى بن وثاب وأخذ يحيى عن جماعة من أصحاب ابن مسعود....إلخ» [التيسير ص 37].
فهو في سند حمزة والكسائي وخلف العاشر.
وأمَّا عدالته فأشهر من أن يُدلَّل عليها.
وإنما سبب شذوذ قراءة الأعمش فهو فقدها واحدًا أو أكثر من الشروط الثلاثة المعروفة للقراءة المتواترة.
***
(3)
قواعد الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف بين القرَّاء والـُمحدثين
قال الدكتور السلوم: «لذلك كان من الخطأ أن نطبق قواعد المحدثين في نقد الأسانيد على أسانيد القراء، ولو فعلنا ذلك لما صفا لنا منها الكثير»
أقول: أمَّا أصول القواعد أو المنهج الـمُتَّبع في ذلك فواحدٌ، ولكنَّ الأدقَّ أن يقال: «من الخطإ أن نسلِّم بأحكام الـمُحدِّثين على أسانيد القرَّاء»، لذا لا يُسلَّم للإمام أحمد ردُّه لقراءة حمزة، فهو لم يردَّها على طريقة الـمُحدثين في الحكم على الأسانيد والمتون، وإنما هو شيءٌ يتعلَّق بالأداء، ولذلك نُقل عنه كراهة الإدغام الكبير لأبي عمرو... وهذا القدرُ من الأداء لا يوجدُ نظيرٌ له في روايةِ الحديث يُردُّ بها الحديث أو يُقبل... وعليه؛ فإنَّ الإمام أحمد حين كره قراءة حمزة والكسائي والإدغام الكبير لأبي عمروٍ لم يكن يُطبِّق قواعد الـمُحدثين.
ومما يُستأنس به لهذا؛ أنَّه قد نُقِلَ عن أبي بكر بن عيَّاش (الإمام شعبة) أنَّه قال: قراءة حمزة بدعة! قال الذهبيُّ: «يريد ما فيها من المد المفرط والسكت وتغيير الهمز في الوقف والإمالة وغير ذلك»، ومعلومٌ أنَّ الإمام شعبة يشترك مع الإمام حمزة في أغلب فرشه وأصوله.
وأما منهج الجرح والتعديل فواحدٌ بين القرَّاء والـمُحدثين، وهو مبنيٌّ أساسًا على الضبط والعدالة كما تقدَّم.
وأمَّا منهجهم في التصحيح والتضعيف فلا أرى فارقًا جوهريًّا أيضًا في القراءات المتواترة (من جهة الأسانيد)، فكما أنَّ الحديث المنقول بالتواتر لا يؤثر على الحكم بتواتره أن يكون بعض رواته في بعض طبقات السند ضعيفًا؛ نظرًا لتكاثر طرقه = فمن باب أولى أن يُقال ذلك في القراءة المتواترة، لأنَّ التواتر فيها أقوى من التواتر في أعلى الأحاديث تواترًا.
وأمَّا في القراءات الشاذة فالنظرُ فيها للسند على نفس قواعد التصحيح والتضعيف عند المحدثين، ومن هنا كان السندُ أحد بوَّابات العبور التي تُردُّ دونها بعض القراءات الشاذة.
والله تعالى أعلى وأعلم
***​
 
محمود بن عبد الجليل روزن;208184[SIZE=5 قال:
والخلاصة: أنَّ ما كان من تضعيف نقَّاد المحدثين للقرَّاء من جهة العدالة فهو مُعتبَر، فإن سقطت عدالته في رواية الحديث كان من باب أولى أن تسقط في باب القراءة. وأمَّا من ضُعِّفَ في الحديث بسبب ضبطه فهو محلُّ بحثٍ ونظرٍ من نُقَّاد القراءة، فمن كان ضابطًا وُثِّق، ولا يُلتفتُ إلى كلام الـمُحدثين فيه.

وأما منهج الجرح والتعديل فواحدٌ بين القرَّاء والـمُحدثين، وهو مبنيٌّ أساسًا على الضبط والعدالة كما تقدَّم.
وأمَّا منهجهم في التصحيح والتضعيف فلا أرى فارقًا جوهريًّا أيضًا في القراءات المتواترة (من جهة الأسانيد)، فكما أنَّ الحديث المنقول بالتواتر لا يؤثر على الحكم بتواتره أن يكون بعض رواته في بعض طبقات السند ضعيفًا؛ نظرًا لتكاثر طرقه = فمن باب أولى أن يُقال ذلك في القراءة المتواترة، لأنَّ التواتر فيها أقوى من التواتر في أعلى الأحاديث تواترًا.والله تعالى أعلى وأعلم[/SIZE]
السلام عليكم
شيخنا الحبيب هناك فرق كبير بين مصطلحات المحدثين والقراء ،وقد تم نقاشها في الرابط الذي نقلت منه قول الذهبي .
المحدثين والقراء لا توافق بينهما في الاصطلاح إلا الأسماء .
قال السيوطي في الإتقان : وسئل أيضا : عن رجل أجازه الشيخ بالإقراء ، ثم بان أنه لا دين له ، وخاف الشيخ من تفريطه ، فهل له النزول عن الإجازة ؟ فأجاب : لا تبطل الإجازة بكونه غير دين . وأما أخذ الأجرة على التعليم فجائز...)ا.هـ
فعدالة القارئ لا تؤثر في قبول قراءته ..قال الشاطبي : تخيرهم نقادهم كل بارعٍ*** و ليس على قرآنه متأكلا .
فالأساس براعة القارئ ،أما كونه ليس على قرآنه متأكلا فهى فضلة ولاشك ..فكم من قارئ ساءت أخلاقه وهو عمدة في القراءة ..أليس كذلك ؟
ويمكنكم متابعة الموضوع هنا :
المصدر: http://vb.tafsir.net/forum20/thread8...#ixzz2eqhccRUV
السلام عليكم​
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حيَّاكم الله شيخنا الحبيب وحفظكم وبارك فيكم... أوحشتمونا...
***​
الفرق بين مصطلحات القرَّاء والمحدثين موجودٌ ولا شكَّ، ولكنَّه ليس كبيرًا إلى هذه الدرجة؛ فالمشترك فيه – من وجهة نظري - أكثر من المفترق، ولا يعنينا بحث ذلك الآن .. الأهمُّ هو ما يترتَّب على الحكم بموجبه، يعني: ما الذي يترتب على حكمنا على قارئٍ ما بأنه غير عدلٍ، وإن كان ضابطًا؟
ذكرتُ ذلك في مداخلتي الأولى - ولعلَّكم أكدتم عليه ضمنًا في تعليقكم- أنَّ إسقاط عدالة القارئ – وخصوصًا فيما بعد عصر ابن الجزريِّ - لا تُؤثر على صحة القراءة؛ لأنَّ تواتر القراءة من غير طريقه وتلقيها بالقبول المستفيض لا يتاثَّر بإسقاط عدالة قارئٍ أو أكثر. فلا خلاف على هذا القدر.
ولكن هل يعني ذلك أن يُترك الحكم على القُرَّاء توثيقًا وتجريحًا لعدم جدوى ذلك؟
الجواب: أمَّا الحكم عليهم من حيثُ (الضبط)؛ فلعلَّنا متفقون على ضرورة أن يكون الـمقرئ ضابطًا؛ لأنَّ المقصود من قراءة القرآن هو كيفية الأداءِ. يقول السيوطي رحمه الله :«وأما القراءة على الشيخ فهي المستعملة سلفًا وخلفًا، وأما السماع من لفظ الشيخ فيحتمل أن يقال به هنا ، لأن الصحابة  إنما أخذوا القرءان من النبي  لكن لم يأخذ به أحد من القراء، والمنع فيه ظاهر؛ لأن المقصود هنا كيفية الأداء ، وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته، بخلاف الحديث، فإنَّ المقصود فيه معنى الحديث أو لفظه لا بالهيئات المعتبرة في أداء القرءان، وأما الصحابة فكانت فصاحتهم وطباعهم السليمة تقتضي قدرتهم على الأداء كما سمعوه من لفظ النبي  لأنه نزل بلغتهم» [الإتقان ص136].
وبسبب التساهل في التلقي على غير الضابطين الـمتقنين حَصَلَ خلافٌ حول بعضِ كيفيات الأداء لا يَخفى على فضيلتكم.
وعليه؛ يجب ألا يُجاز القارئ إلا بعد أن يتأكَّد ضبطُه روايةً ودرايةً. وهذا في نصوص الأئمة، وفي بدهيات العقل أشهر من أن يُذكر أو أن يفتقر إلى دليلٍ.
فإن كان القارئُ ضابطًا مُتقنًا؛ فهل يُنظرُ في عدالته، وهل يُفيد النظر في عدالته شيئًا؟ وهل إن كان غيرَ عدْلٍ سيؤثِّر في شيءٍ؟
والجواب الذي أعتقده وأتعبَّدُ لله بـمقتضاه: بالطبع نعم. وأزيدُ وجهة نظري إيضاحًا:
أولًا: بالنسبة لطالب الإجازةِ الذي يقصد المشايخ للقراءة عليهم، يجب عليه أن يتحرَّى مَن يقصدهم، يقول محمد بن سيرين رحمه الله: «إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم» [ مقدمة مسلم بشرح النووي: 1/ 80].
وها هو الإمام أبو عمرو الداني يُوصي الطلاب باختيار الشيخ ويذكر لهم صفات الشيوخ الذين يؤخذ عنهم العلم؛ يقول:
[poem=]فاقصدْ شُيوخَ العلم والرواية= ومَنْ سما بالفـهم والدراية
ممن روى وقيَّد الأخـبارا =وانتقدَ الطُـرُقَ والآثـارا
وفهِم اللـغاتِ والإعـرابَا =وعلِم الخـطأَ والصـوابا
وحفِظ الخلاف والحـروفا= وميَّز الواهيَ والمعـروفا
وجمع التفسير والأحـكاما = ولازَمَ الحُذّاق والأعـلاما
وصَاحَب النُسَّاك والأخيارا = وجَانَبَ الأرذال والأشرارا
واتبـع السنّـةَ والجماعة = وقام لله بحسن الطـاعة[/poem]
[ الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة، وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدلالات، تحقيق محمد بن مجقان الجزائري ( ص 168 )]
وأشار لذلك الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله:
[poem=]وقـارئه المـرضيُّ قرَّ مـثاله =كالاترُجِّ حاليه مـريحاً وموكلًا
هـو المرتضى أَمًّا إذا كان أُمَّة= ويمَّـمه ظـل الرزانة قنـقلًا
هو الحُرُّ إن كان الحرِيُّ حواريًا= لـه بتحـرِّيه إلـى أن تـنبلا[/poem]
أي: هو المقصود بالطلب بشرط أن يكون أُمةً جامعًا لأبواب الفضل والخير قبل أن يكون عالـمًا، وسماه حُراً لأنه لم تسترقه دنياه، ولم يستعبده هواه، وكيف يقع في ذلك من فَهِمَ مِن كتاب الله تعالى ما تبوأ به هذه المنزلةَ؟
وهو أيضًا مُضمَّنٌ في قوله رحمه الله:
[poem=]تخيَّرهم نقَّادهم كلَّ بارعٍ = وليس على قرآنه متأكلًا[/poem]
لأنَّه إن تورَّع عن هذه فمن باب أولى سيتورَّعُ عـمَّا هو أشدُّ منها وأفظع. ولا يُسلَّم بأنَّ ذلك فضلةٌ.
وعن أبي العالية رحمه الله قال: كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام، فأول ما أتفقد من أمره صلاتُه، فإن وجدتُه يُقيمها ويُــــتمُّها أقمتُ وسمعتُ منه، وإن وجدته يُضيعها رجعتُ ولم أسمع منه، وقلتُ: هو لغير الصلاة أضيع [رواه أبو نعيم في الحلية ( 2/220) ، وصفة الصفوة ( 3/212) ، وغيرهما]
ويقول ابن الجزري رحمه الله: «وشرط المقرئ أن يكون حرًّا عاقلًا مسلمًا مكلفًا ثقةً مأمونًا ضابطًا متنزهًا عن أسباب الفسق ومسقطات المروءة، أما إذا كان مستورًا - وهو أن يكون ظاهر العدالة ولم تعرف عدالته الباطنة = فيحتمل أنه يَضرُّه كالشهادة، والظاهر أنه لا يضره؛ لأن العدالة الباطنة تعسر معرفتها على غير الحكام، ففي اشتراطها حرج على الطلبة والعوام» [منجد المقرئين ص 15]
ويقول مكي رحمه الله «فإذا اجتمع للمقرئ النقلُ والفطنةُ والدرايةُ وجبت له الإمامة، وصحت عليه القراءة إنْ كانت له مع ذلك ديانة» [ الرعاية ص 90]. فانظر كيف شرط صحَّة القراءة عليه بأن تكون له ديانة.
وإليك وصية جامعة يوصيك بها الإمام بدر الدين ابن جماعة رحمه الله يقول :« ينبغي للطالب أن يقدم النظر، ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن - إن أمكن - ممن كملت أهليته، وتحققت شفقته، وظهرت مروءته، وعُرفت عفته، واشتُهرت صيانته، وكان أحسن تعليمًا وأجود تفهيمًا، ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.......وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبًا، والفلاح يدرك طالبًا إلا إذا كان للشيخ من التقوى نصيب وافر، وعلى شفقته ونصحه للطلبة دليل ظاهر...وليجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام اطلاع، وله مع من يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق، ولم يعرف بصحبة المشايخ الحُذاق [ تذكرة السامع والمتكلم ص 186 – 187 باختصار].
يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله «فيا أيها الطالب كن سلفيًّا على الجادة، واحذر المبتدعة أن يفتنوك؛ فإنهم يوظفون للاقتناص والمخاتلة سُبلًا ، ويفتعلون تعبيدها بالكلام المعسول – وهو عسل مقلوب – وهطول الدمعة، وحسن البزة، والإغراء بالخيالات، والإدهاش بالكرامات، ولحس الأيدي، وتقبيل الأكتاف، وما وراء ذلك إلا وحم البدعة ورهج الفتنة يغرسها في فؤادك ويعتملك في شراكه، فوالله لا يصلح الأعمى لقيادة العميان وإرشادهم، أما الأخذ عن علماء السنة فَالْعق العسل ولا تسل. وفقك الله لرشدك، لتنهل من ميراث النبوة صافيًا، وإلا فليبك على الدين من كان باكيًا» [ حلية طالب العلم ص 30 ].
وهذا في حال السَّعة والاختيار، أما في حال الحاجة والاضطرار :كأنْ يتعذر التلقي والأخذ إلا على من خفَّتْ عدالته، أو لم يوجد هذا العلم إلا معه؛ فحينئذ لا تُعطَّل مصلحة التعليم لعدم وجود من يقوم بها من أهل السنة والعدالة، بل يوكل التدريس في هذه الحال للقادر عليه من أهل البدع مع الحذر منه، وبشرط ألا يترتب على ذلك مفسدة أعظم من مفسدة ترك التعليم. [انظر: حلية طالب العلم ( ص 31 فما بعدها )، المبتدعة وموقف أهل السنة والجماعة منهم، د. محمد يسري ( ص 256 )، موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، إبراهيم الرحيلي ( 2/ 691) ]
قال ابن تيمية رحمه الله: «فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك الواجب؛ كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرًا من العكس» [مجموع الفتاوى ( 28/ 212)].
وذكر الذهبي رحمه الله في ترجمة محمد بن أحمد الأزدي: « قال ابن الأبار: لم آخذ عنه لتسمحه في الإقراء والإسماع، سمح الله له» [معرفة القراء: 2/ 613 ].
وذكر أيضًا في ترجمة إبراهيم بن أحمد التميمي: « وكان آخر من قرأ على الكندي، فقصده الطلبة، وتوقف بعضهم في الأخذ عنه تدينًا لكونه مباشراً بيت المال، ولتركه الفنَّ» [معرفة القراء: 2 / 664 ].
وسئل الإمام المقرئ أبو جعفر أحمد بن أحمد بن القاص: «هل قرأت على أبي العز القلانسي؟ فقال: لما قدم بغداد؛ أردتُ أن أقرأ عليه، فطلب مني ذهباً، فقلت له : والله إني قادر على ما طلبتَ مني، ولكن لا أعطيك على القرءان أجراً، ولم أقرأ عليه» [معرفة القراء: 1/ 475].
ولذلك وجب على العلماء النقَّاد الذين يبتغون بالعلم وجه الله، أن يُبيِّنوا لطلَّاب العلم المتعلِّمين على سبيل النجاة مَنْ هم المشايخُ المقرئون العدولُ حتى يقصدوهم ويأخذوا دينهم عنهم، فالعلم دينٌ، وعلم القرآن أشرفه.
كما يجب على وليِّ الأمر أن يُهيئَ لطلّاب العلم مُتصدِّرين للإفادةِ عدولًا مُتقنين ضابطين.

ثانيًا: القارئ ساقط العدالة لا يردعه شيءٌ عن الإخلال بموازين الرواية والدراية في سبيل ما يُحصِّله من مكاسبَ ماديَّة ومعنوية، وهذا على المدى البعيد له خطورته:
ولله درُّ مُقدَّم العلماء معاذ بن جبلٍ  إذ يقول: « إنَّ مِن ورائكم فتنًا؛ يكثُر فيها المال، ويُفتحُ فيها القرآن، حتَّى يأخذَهُ المؤمنُ والمنافقُ، والرجلُ والمرأةُ، والصغيرُ والكبيرُ، والعبدُ والحرُّ، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأتُ القرآن، ما هم بمتبعيَّ حتى أبتدع لهم غيره؛ فإياكم وما ابتدع؛ فإن ما ابتدع ضلالة » [رواه أبو داود، وصححه الألباني موقوفًا على معاذ رضي الله عنه]
وإنَّ الـمُجيلَ بَصَرَه في فئامٍ من القرَّاء لَيتبيَّنُ له دقَّة تعبير معاذ رضي الله عنه إذ ينطق عن بصيرةٍ.
وقد يقول قائل: إنَّ القرآن محفوظٌ عن ابتداع شَبَهِهِ أو غيرهِ أو عِدْلِه، ولم نسمع قائلًا يقول ذلك، ولا نظنُّ عاقلًا يطمع بمعشار هذا أو أقلَّ منه. ولكنَّ المعنى أنَّ الرياسة تحمل هذا الـمفتونَ على الابتداع لا في أصل نصِّ القرآن ووحيه، فذلك بابٌ قد أُغلق، فيأتيه الشيطان فيأخذه من أحدِ بابينِ: الأول: باب أدائه فهو يبتدع لهم من كيفيات الأداء من يُطربهم بما أدخل فيه من ألحانٍ ، وبما توصَّل إليهِ من طرائقَ غير مسلوكةٍ ودروبٍ غير معروفة، فيُخلِّص وجوههم وأسماعهم له عن مُناويشه ومُنافسيه، كما يأتي إلى صنفٍ آخر جعلوا همَّهم تتبُّع الغرائب، والأغلوطات، أو ادِّعاء أسانيدَ عاليةٍ، أو أسانيدَ بطرقٍ عزيزةٍ، أو بقراءاتٍ شواذَّ، وقد أغراهم إعجابُ الناس، واعتقادُهم فيمن يأتون بها، إذِ العالمُ عند العاميِّ مَن بزَّ غيره بغريب القول وعجيب التأويل، يقولون: لو لم يكن عالـمًا حقًّا لَمَا انفردَ عن غيره بعلمِ ما لم يَعلَموه، فهم ليسوا من طبقته وليس عندهم ما عنده!! هكذا يقيس كثيرٌ من العامَّة أقدار الرجال، وهكذا هيَ عندَهم موازينُ العلماء.
فلابُد لمحبِّ الرياسة هذا من الإحداث والابتداع والطغيان لتكثير أتباعه، ولابد له من رَسْمٍ يجمع الناس عليه، فلا يتوصَّل إلى ذلك إلا بالابتداع.
وما أصدق قول أبي العتاهية:
[poem=]أَأُخيَّ مَنْ عَشقَ الرياسةَ خِفتُ أنْ = يَطغى ويُحدثَ بِدعةً وضلالًا[/poem]
وعن وهب بن منبه قال:« كان في بني إسرائيل رجالٌ أحداثُ الأسنان قد قرءوا الكتب وعلموا علمًا، وإنهم طلبوا بقراءتهم وعلمهم الشَّرَفَ والمالَ، وإنهم ابتدعوا بها بِدعًا أدركوا بها المال والشرف, فَضَلُّوا وأَضلُّوا» [جامع بيان العلم وفضله (1/283].
وقوله: (ضلُّوا)؛ لأنَّهم بهذا الابتداع قد أخذوا في غير الطريق التي ارتضاها لهم الشرعُ، (وأضلُّوا) غيرهم؛ لأنَّ هؤلاء المفتونين بهم المغرورين بأعمالهم وجدوهم قد أدركوا الشرف الظاهر، والجاه الباهر، والمال الوافر؛ فقالوا لأنفسهم: إن أردتم حظَّهم فسيروا سَيْرَهم، وائْتمُّوا بهم. فضلُّوا بضلالهم.
ثالثًا: والحاصل من الأمرين الأول والثاني أنَّ التساهُل في التوثيق والتجريح بِحُجَّة أنَّ القرآنَ محفوظٌ ولا سبيل للطعن على رواياته = كلُّ ذلك وإن كان صحيحًا إلى حدٍّ كبيرٍ في باب حفظ الرواية والدراية؛ فإنَّه غير صحيح بالمرَّة في باب حفظ الرعايةِ، ولا يخفى على كلِّ من لديه علمٌ بمقاصد الشرع أنَّ حفظ الرعايةِ هو الغايةُ التي تتضاءلُ بجوارها كلُّ الغاياتِ. والله المستعان.
ولا يُفهمُ من كلامي أنِّي أفتح باب التوثيق والتجريح في القرَّاء والـمُقرئين لكلِّ مَنْ هبَّ ودبَّ، وإنَّما غاية ما أطالبُ به أن يتصدَّى لتأصيل هذا الأمر وتفريعه وترسيم معالمه العلماءُ المخلصون الجهابذةُ النقَّاد، ولعلَّ في هذا الـمُلتقى المبارك منهم ومن تلاميذهم كُثيرين؛ فيصلهم ندائي... واللهَ أسألُ أن يرزقنا من العلم أنفعه، ومن العمل أخلصه، ومن القول أصدقه. والحمد لله رب العالمين.
***​
 
السلام عليكم
لا أوحش الله منكم شيخنا الحبيب .
شيخنا لا يخالفك أحد في أن حسن الخلق والسمت الحسن مطلوب وضروري لإخراج جيل يكون ورعا ومتمسكا بدينه .
والنقولات التي نقلتموها وتحث على ورع المعلم نحن نؤيدكم في ذلك ؛ بل لو طلبت منك مدرس لغة إنجليزية سأطلب منك مدرسا حسن الخلق وورع ووو هذا لا يخالف فيه أحد .
وكذا قضية الضبط ، فالحديث ليس عن غير الضابطين ، فالحديث عن رجل ضابط غير ديِّنٍ ، أخذ عنه عشرة من الطلبة المتقنين ، هل نأخذ عن هؤلاء العشرة أو لا ؟
بالطبع يؤخذ عنهم وهو بيت القصيد ؛ فإن صح الأخذ عن هؤلاء الطلبة صح الأخذ عن شيخهم .
وأشد دليل على المغايرة بين العِلْمين أن القراء المطعون فيهم طعنهم في عدم قدرتهم على ضبط الحديث ، فكان القرآن من باب أولى ولا فكاك ؛ بل وأولية القرآن أن القرآن لابد من النقل بلفظه بخلاف الحديث .
فالخلاصة :
أن منهج القراء في نقل القرآن مخالف لنهج المحدثين في نقل الحديث ، والفرق بينهما مثل ما رُوِي عن ابن عباس: "ليس في الجنة شيءٌ يشبه ما في الدنيا إلا الأسماء" .
وللشيخ عبد الرزاق على موسى كلام نفيس في الفرق بين القراء والمحدثين لا أذكر الآن المصدر هل هو في الفتح الرحماني بتحقيقه أو في تدريب الطلبة لا أذكر .
والسلام عليكم
 
جزاكم الله خيرًا شيخنا، وبارك لنا فيكم...
منشأ الخلاف راجعٌ إلى جِهة النظرِ التي ينظر منها المختلفون إلى تحديد ثمرة إعمالِ منهج نقد والأسانيد على نَقَلَةِ القرآن.
كما أنَّنا – من وجهة نظري - إذا استطعنا أن نأخذ البعد الزمنيَّ في اعتبارنا؛ فسيكون تحرير المسألة أكثرَ سهولة بإذن الله.
والآن سنقوم بعملية تفكيك زمنيِّ، وهذا التفكيكُ اجتهادٌ شخصيٌّ مني للتيسير في بحث المسألة وتقريب وجهات النظر.
وسنفكِّك الزمن إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: من لَدُنْ النبي صلى الله عليه وسلَّم وحتى عصر ابن الجزريِّ رحمه الله (ت833).
المرحلة الثانية: من عصر ابن الجزري رحمه الله وحتى الآن.
المرحلة الثالثة: من الآن إلى ما يشاء الله مستقبلًا.
ولن ألتزم الترتيب المنطقيَّ في عرض هذه الفترات...
***
وسأبدأ الحديث بالمرحلة الثانية، وهي من عصر ابن الجزريِّ وحتى الآن.
ليستِ الثمرةُ من ذلك إثبات صحة ما يُروى من قرآن كريم فهذا أمرٌ قد فُرِغَ منه، بل وقد فُرِغَ منه في الحديث أيضًا، وهذه وجهٌ من أوجه الشَّبَه الواضحة التي ينفيها النافون.
قال النووي رحمه الله: «قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: اعلم أن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا، وكثير من الأعصار قبله؛ إثبات ما يُروى ؛ إذ لا يخلو إسنادٌ منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطًا يصلح لأن يعتمد عليه ثبوته، وإنما المقصود بها إبقاء سلسلة الإسناد التي خُصَّت بها هذه الأمة زادها الله كرامة» [مسلم بشرح النووي ، المقدمة ( 1/14)].
فلو أنَّ أحدَ الـمُحدِّثين الـمُسندين الضابطين تصدَّى لرواية صحيح البخاري على عشرة الطلَّاب الذين قرؤوا على الـمُقرئ الذي وَصفْتَه فضيلتكم، ثمَّ اتَّضح أنَّ هذا الـمُحدِّث – ويا للمصادفة – كان هو الآخر ساقط العدالة مثل الـمقرئ، فهل تأثَّرتْ صحَّة أحاديث البخاريِّ في شيء؟
أمَّا هل نروي عن هؤلاءِ الطلَّاب صحيح البخاري أم لا؟ نروي طبعًا - ولا شكَّ - ليس لإثبات صحة البخاري ولكن لإبقاء سلسلة الإسناد كما يقول الحافظ ابن الصَّلاح رحمه الله، كما أنَّنا لن نعدِمَ من هذا الضابط فائدة.
إذًا الحال هو هو كما ترى.
فلو نظرنا إلى النشر – مثلًا – كما ننظر إلى صحيح البخاريّ، وقلنا: هل يتأثَّر صحيح البخاري بعدالة الرواةِ في الطبقات التي تلي البخاريّ؟ بالطبع لا.
وكذلك النشر من باب أولى.
ثمَّ أضفْ إلى ما سبق قول السيوطيِّ رحمه الله في إتقانه: «الإجازة من الشيخ غير شرط في جواز التصدي للإقراء والإفادة فمن علم من نفسه الأهلية جاز له ذلك وإن لم يجزه أحد وعلى ذلك السلف الأولون والصدر الصالح وكذلك في كل علم وفي الإقراء والإفتاء خلافا لما يتوهمه الأغبياء من اعتقاد كونها شرطا. وإنما اصطلح الناس على الإجازة لأن أهلية الشخص لا يعلمها غالبا من يريد الأخذ عنه من المبتدئين ونحوهم لقصور مقامهم عن ذلك والبحث عن الأهلية قبل الأخذ شرط فجعلت الإجازة كالشهادة من الشيخ للمجاز بالأهلية».
ثم أسألك سؤالًا واضحًا مُحدَّدًا:
لو وَقَعتْ لك إحدى القراءات من طريقينِ، إلى الشيخِ الضبَّاع مثلًا، ثمَّ اتَّضح لك أنَّ أحدَ هذين الطريقينِ مَدَاره على قارئ ساقط العدالةِ، والطريق الأخرى مستقيمةٌ إلى الضباع رحمه الله، فبأيِّ هاتين الطريقين أنتَ أشدُّ فرحًا؟ وأيُّها تُقدِّمُ في إجازتكَ لطلَّابكَ؟
أمَّا الذهبي في ترجمة يحيى بن إبراهيم الأندلسيّ [1 /449 -450]، فيقول: «وقد وقع لنا سنده بالقراءات عاليًا وفرحنا به وقتًا ثمَّ أوذينا فيه، وبان لنا ضعفه».
ألنْ تؤذى بذلك كما أوذي الذهبيُّ رحمه الله؟
***
المرحلة الثالثة: من الآن إلى ما يشاء الله مستقبلًا
وهي التي ينبني عليها العمل الحقيقيُّ لا الجدل البيزنطيّ، والتي يجب على علمائنا ان يستشرفوا أدواتها، فهو أولى من نبش القبورِ.
وتتضح لك أهميتها من خلال مداخلتي السابقة، وأُجملها اختصارًا فأقول.
لابدَّ من تطبيق منهج نقد الرجال والأسانيد على من يتصدَّى للإقراءِ للأسباب التالية:
(1) أنَّ التسامُح في تصدير غير الضابطين المتقنين روايةً ودارية سوف ينتج عنه مزيدٌ من الإخلال بكيفيات الأداءِ... فكفانا ما قد كان.
(2) أنَّ العلم دينٌ، فساعدوا طالب العلم أن ينظر عمَّن يأخذُ دينه، وهذا واجب العلماء، فليقوموا به أو ليعلنوها صراحةً: لا تُثِرْ عشَّ الزنابير!
(3) أنَّ في هذا الأمر رعايةً للرعاية، التي هي أهمُّ من الرواية بل ومن الدراية، فالعلم شجرةٌ والعمل ثمرةٌ.
وهذا يأخذنا إلى الحديث عن كيفية تطبيق ذلك.
وتطبيقه ميسورٌ - بإذن الله – إذا وُجِدت النيَّةُ الصادقةُ والسعيُ والحثيث.
ولابدَّ فيه أن يُستفادَ من قواعد التعديل والتجريح التي وضعها المحدِّثون من حيثُ المنهج أما من حيث تفصيلاته؛ فلا شكَّ أنَّها ستختلفُ قليلًا وخصوصًا عند الحكم بالضبط.
ومن هنا نرى أنَّ هذه المرحلة تتطلَّب من العلماء القرآنيين الربانيين النُّقاد أن ينفتحوا على منهج المحدثين وأن يُطوِّروا فيه ويُجدِّدوا لا لتقليبِ التاريخِ، ولكن لحمايةِ مستقبله!
***
المرحلة الأولى: وهي من لَدُنْ النبي صلى الله عليه وسلَّم
وهي تلك المرحلة التي يُعدُّ الاقترابُ منها – عند البعضِ – انتهاكًا لحرماتِ الإسلام، أو على الأقلَّ( تخبيطًا في الحلل!) كما يقول المصريون، ولذلك نُريح أنفسنا حين نرى مطاعنَ بعضهم على بعض القراءات، ونكتفي بالقول: لهم منهجٌ ولنا منهجٌ! وكأنَّ جهيزةَ بذلك قد قطعت قول كلِّ خطيبٍ..
ولنأخذ مسألة توثيق الإمام حفص رحمه الله كمثال:
فنقول: الضبط النسبيُّ داخل العلم الواحد فذلك شيءٌ مشهور مستفيضٌ على منهج الـمحدثين، فقد يقال: فلانٌ أضبطُ الناس في فلان، وفلان أقعد الناس بحديث فلانٍ، وفلان أعلم بحديث الشاميين... ونحو ذلك.
وقد يكون الرواي ضعيفًا على وجه الإجمال، ولكنَّ روايته عن أحد شيوخه صحيحةٌ لا غبار عليها؛ لأنَّه كان كثيرَ الملازمة له.
بل إنَّ هذا الأمرَ نسبيٌّ أيضًا في القراءت، فقد يكون الراوي مُتمكِّنًا في قراءةٍ أو روايةٍ لا يعرف غيرها.
إذًا؛ من باب أولى أن نقول بالضبط النسبيِّ بين العلوم، فالمقرئ تنصرف همته إلى القراءات، والـمحدث إلى الحديث..وهكذا.
ومن هنا استقام لهم توثيقُ حفص في القراءات وتضعيفه في الحديث فهل هذا يخالف منهج المحدثين في شيء؟ وهل هذا شيءٌ استأثر به نَقَدةُ القراءات؟
نأتي الآن إلى العدالة:
أمَّا لو ثبت أنَّ حفصًا رحمه الله ساقط العدالةِ، أو أنَّه يكذب في الحديث كما نُقِلَ عن بعضهم [ وذلك بالطبع مردود عليه كما بيَّنه فضيلة الشيخ الدكتور غانم قدوري في البحث المشار إليه آنفًا] = أقول: لو ثبت جدلًا سقوط عدالة حفص وأنَّه كان كذَّابًا في الحديث، فما تقولون فضيلتكم في مُسلمٍ يقول: أنا لا أعتقدُ أن الحروف التي انفردَ بها حفصٌ قرآنٌ... هل يكفُر باعتقاده هذا؟
وساعتها قد يقول قائلٌ: إنَّ الأمة تلقَّت هذه الرواية بالإجماع والقبول، بما فيها من حروفٍ انفردَ بها حفص.. نقول لهم: بأيِّ منهج قلتم هذا؟ أليس ذلكَ أمرًا أصوليًّا ساريًا أيضًا على منهج الأصوليين والمحدِّثين الذين طبَّقوه مع الصحيحينِ فتلقَّوْهما بالقبول؟
فما هو المنهجُ الذي انفرد به القرَّاء في هذا الباب؟
***
يبقى أنَّ السند ليس هو بوابة المرور الوحيدة لإثبات صحة القراءة.
هناك أيضًا: موافقة العربية ولو بوجهٍ.... ألا ترى أنَّ هذه تُمثِّل نوعًا من نقد المتنِ الذي اعتبره المحدثون عند تصحيحهم وتضعيفهم؟
وهناك أيضًا: موافقة الرسم ولو احتمالًا... وهذا – في تقديري - نوعٌ من نقد السندِ استأثر به القرآن نظرًا لخصوصيته... إذ إنَّ القرآن – إضافة إلى حفظ الصدر – محفوظٌ في السطر، فحفظُ الصدر طريق وحفظ السطر طريقُ، فإن بلَّغ الصدرُ ما استُودع صُحِّحَ فعله، وكذلك السطرُ استودعَ فإن بلَّغ صُحِّحَ، وإلا رُدَّت القراءة من طريقه.
فهل بعد ذلك يمكن أن ننفي الشَّبَه بين المنهجين؟
إنَّ الردَّ بهذا المنهج – وحده – على ما يُثيره المستشرقون وأذنابهم من شبهات كافٍ بإذن الله لإقناع من يُريدُ الاقتناعَ ويبحث عن المنهجية العلمية، أمَّا من يريد المكابرة، فلن يؤمن ولو جاءته كلُّ آيةٍ...
***
بقيَ أمرٌ أخيرٌ، أهتبلُ الفرصةَ للتأكيد عليه مرةً أخرى... ألا وهو: واجبُ علماء القراءات فيما هو آتٍ، فهذا أهمُّ ألف مرَّة من شَغْل أنفسنا بإثبات الشبه أو نفيه بين منهج القرَّاء والـمُحدِّثين..
فَلْنُدِرْ رقابنا ، ولننظر إلى الأمام قليلًا... ولنأخذ على عاتقنا وضع قواعد صارمةٍ في للإقراءِ يُطبَّق فيها منهج الجرح والتعديل، فإن كان العلماء يقولون بالحَجْر على الذي يُفتي بغيرِ علمٍ، أفلا يقولون بالحجْر على الذي يُقرئ بغير تأهُّل!! إذًا ضعوا لنا قواعدَ ومعايير تبيِّن مَنْ هو المتأهل روايةً ودرايةً ورعايةً فيُقدَّم ومَن هو غير ذلك فيؤخَّر، ولتستخدموا ما شئتم من مناهجَ، ولتستحدثوا ما ترون من أساليبَ...
والله من وراء القصد، والله يقول الحقَّ، وهو يهدي السبيل...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
***
 

ولنأخذ مسألة توثيق الإمام حفص رحمه الله كمثال:
فنقول: الضبط النسبيُّ داخل العلم الواحد فذلك شيءٌ مشهور مستفيضٌ على منهج الـمحدثين.......
إذًا؛ من باب أولى أن نقول بالضبط النسبيِّ بين العلوم، فالمقرئ تنصرف همته إلى القراءات، والـمحدث إلى الحديث..وهكذا.
ومن هنا استقام لهم توثيقُ حفص في القراءات وتضعيفه في الحديث فهل هذا يخالف منهج المحدثين في شيء؟ وهل هذا شيءٌ استأثر به نَقَدةُ القراءات؟
نأتي الآن إلى العدالة:
أمَّا لو ثبت أنَّ حفصًا رحمه الله ساقط العدالةِ، أو أنَّه يكذب في الحديث كما نُقِلَ عن بعضهم [ وذلك بالطبع مردود عليه كما بيَّنه فضيلة الشيخ الدكتور غانم قدوري في البحث المشار إليه آنفًا] = أقول: لو ثبت جدلًا سقوط عدالة حفص وأنَّه كان كذَّابًا في الحديث، فما تقولون فضيلتكم في مُسلمٍ يقول: أنا لا أعتقدُ أن الحروف التي انفردَ بها حفصٌ قرآنٌ... هل يكفُر باعتقاده هذا؟
وساعتها قد يقول قائلٌ: إنَّ الأمة تلقَّت هذه الرواية بالإجماع والقبول، بما فيها من حروفٍ انفردَ بها حفص.. نقول لهم: بأيِّ منهج قلتم هذا؟ أليس ذلكَ أمرًا أصوليًّا ساريًا أيضًا على منهج الأصوليين والمحدِّثين الذين طبَّقوه مع الصحيحينِ فتلقَّوْهما بالقبول؟
فما هو المنهجُ الذي انفرد به القرَّاء في هذا الباب؟
السلام عليكم
جزاكم الله خيرًا شيخنا، وبارك لنا فيكم .
شيخنا الكريم
تحدثتم هنا عن "الضبط النسبي " وعن "العدالة " ولو تناولنا قارئا آخر سوى حفص بصرف النظر عن تبرئة د/ غانم قدوري وصحته من عدمه .
الإمام البزي تحدث عنه المحدثون وذكروه بأنه ضعيف ؛بل وهناك من وصف حديث التكبير الوارد عن البزي بأنه منكر

فقال عنه ابو حاتم : حديث منكر , وكذا قال الذهبي انظر السير (12/ 51).
ومع هذا وصفوه بأنه ثقة في القراءة .. ونأتي لسؤالكم :
ومن هنا استقام لهم توثيقُ حفص (البزي )في القراءات وتضعيفه في الحديث فهل هذا يخالف منهج المحدثين في شيء؟ وهل هذا شيءٌ استأثر به نَقَدةُ القراءات؟
أقول : علي أي شئ استندوا في توثيقه في القراءات ؟ الجواب : على ما ذكره القراء وتلقِي ما قرأه البزي من قِبل القراء بالقبول ، فالقراء هم من لهم المنتهى في توثيق القراء ، ومن ثَم تابعهم المحدثون .
وما دام البزي ثقة عند المحدثين وجب الأخذ بما ورد عنه مطلقا ـ وخاصة أنه لم يذكروا عنه وهما ولا خلطا في القراءة ـ بينما القراء لم يأخذوا بما جاء عن البزي مطلقا ؛ بل تركوا بعض القراءات مثل قول الشاطبي (وفي شركاي الخلف في الهمز هلهلا ) فقد ترك القراء هذا الوجه للبزي مع أنه ثقة في القراء ، وقد يجيبون عن هذا : بأن هذا لا يخالف منهج المحدثين ،وقد ينفرد الثقة ويخالف بقية الثقات فتشذ قراءته تحت قاعدة ( وما يخالف ثقة في الملا فالشاذ.. ) .
أقول : قد يكون ذلك ، إلا أن العبرة في قبول هذا وترك هذا مداره على القراء .
وكم من أحاديث صحيحة في البخاري وغيره ، ولم يلتف إليها القراء مثل قراءة ابن مسعودرضي الله عنه (والذكر والأنثى ) .
فلو سأل سائل فقال :
فما تقولون فضيلتكم في مُسلمٍ يقول: أنا لا أعتقدُ أن الحروف التي انفردَ بها حفصٌ قرآنٌ... هل يكفُر باعتقاده هذا؟
فالواجب إعلامه بأن الحكم على القارئ في القراءة ليس من شأن المحدثين ؛ بل هو شأن القراء ، فلا تبحث عن فن عند غير أهله .
وهذا الجواب صالح أيضا لقولكم :
قد يقول قائلٌ: إنَّ الأمة تلقَّت هذه الرواية بالإجماع والقبول، بما فيها من حروفٍ انفردَ بها حفص.. نقول لهم: بأيِّ منهج قلتم هذا؟
فسؤالكم مبنى على مذهب المحدثين ، والجواب مبنى على مذهب القراء ، فتضعيف أي محدث مهما بلغ شأنه رحمهم الله لا عبرة له عند القراء والأمثلة في ذلك كثيرة ، وكذا العكس فتصحيح أي محدث لقراءة لا يلزم هذا التصحيح القراء .
المحدثون يعتبرون من أكل في الطرقات من خوارم المروءة وقد يدفعون بسبب ذلك حديثه ، أما القراء فيأكلون ويشربون ويلعبون في الطرقات وقراءتهم مقبولة (وآخر حلاوة ) .
وأقول هذا الكلام لأن كثيرا من طلبة القراءات ممن انشغلوا بعلم الحديث يمنعون الأخذ عن الشيخ المتولي والضباع والقاضي وغيرهم بحجة أن لهم انتماءات صوفية .
فالمتولي يُعتبر (ابن الجزري الصغير في هذا العلم ).–رحمه الله- ينتمي للطريقة الخلوتية، وهي إحدى الطرق الصوفية في مصر، وكان الشيخ المتولي -رحمه الله- ممن يقول بأن ذات النبي صلى الله عليه وسلم كانت نورًا، أي أنه مخلوق من نور، معتمدًا في ذلك على أحاديث وآثار، منها ما أورده في كتابه «موارد البررة»، و«فتح المعطي»، وقال في «إتحاف الأنام»: "وقد ورد أن ذات النبي صلى الله عليه وسلم كانت نورًا". والشيخ الضباع كان كذلك تابع للطريقة الخلوتية ، والشيخ القاضي للطريقة الشاذلية ،والسيد العبيدي كان شاذلي الطريقة وهكذا،وهؤلاء لا ينكر علمهم ولا فضلهم ؛ بل هم من قامت علي أيديهم القراءات .
فأصحاب المعاصي أهون ممن يكون في بدعة ـ عفا الله عن الجميع ـ .
هذا باختصار ما أردت قوله .والله الموفق .
والسلام عليكم

 
هناك حقيقة لا يعلمها الكثير من الناس أو غفلوا عنها وهي :
أنّ أكثر طرق التي وصلت منها القراءات هي عن الصوفية ، سواء كانوا من مصر أو من دمشق أو من الهند وباكستان ، وحتّى مشايخ القرن العاشر والحادي عشر كالقسطلاني ومشايخ أزمير واستنبول وغيرهم كثير.
وهؤلاء ينبغي إنصافهم من هذه الناحية إذ القرءان وصلنا بالتسلسل عنهم ومن طريقهم ، فينبغي إنزالهم منازلهم.
ومع علم الجميع بموقف سماحة الإمام بن باز اتجاه الصوفية وغيرهم نجد أنّه استقدم إلى المملكة كبار الشيوخ من شتى الأقطار لتعليم القرءان والقراءات متغاضياً عن هذا الجانب لأنّه رأى المصلحة في ذلك ولم نسمع عنه وعن غيره من علماء من طعن في أسانيد أهل القرءات لكونهم من الصوفية أو غير ذلك اللهم إلاّ إذا كان الشيخ ينشر فكره وبدعته ففي هذه الحالة تقوم الهيئات الرسمية بتوقيفه. وقد بلغنا أنّ أحد الشيوخ المشهورين الباكستانيين قد أوقفته الهيئات الرسمية لأنّه كان يطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية ولا تزال أسانيده في القراءات تنتشر في المملكة وغيرها ولم نسمع بأنّ واحداً من العلماء طعن فيها.
هذا وللأسف نجد الآن من يجرّح القراء لكونهم ينتمون إلى الفكر الفلاني والعلاّني ومكتبته مملوءة بكتب القرءات التي ألّفها شوخ صوفية على غرار كتب الشيخ القاضي والمتولي وغيرهما.
رحم الله الجميع.
كما نقول نحن الجزائريون : ياكل الغلّة ويسبّ الملّة
 
صرح القاضي بأنه نقشبندي
السلام عليكم
أنا قرأت له في تقدمة للبدور الزاهرة وأعتقد طبعة المعهد بأنه شاذلي الطريقة شافعي المذهب ،وكذا قال حمد الله الصفتي في مداخلة قديمة ،ولعله رجع عن طريقته ، وأذكر أني سمعت من شيخنا العلامة الشيخ عبد الله الجوهري أن الشيخ عامر السيد عثمان كان نقشبنديا ، والشيخ السمنودي تضاربت الأقوال عندي بين النقشبندية والخلوتية .
عموما كلام الشيخ محمد يحيى شريف كلام نفيس في بابه ،وهو الحق الذي يجب أن يكون ، فأي علم لا يخلوا فيه ممن رمي بشئ ،أذكر أن الحاكم والنسائي رميا بالتشيع ، والزمخشري والجاحظ رميا بالاعتزال ، حتى ابن الجزري له كتاب (مناقب الاسد الغالب سيدنا على بن ابى طالب) فيه أنه تصوف ولبس الخرقة ، والكثير من الأئمة حاله قريب من ذلك ، وهذا لا يطعن في علمهم وخاصة مادام هذا العلم بعيدا عن معتقدهم .والله أعلم
والسلام عليكم
 
شيخنا عبد الحكيم
انظر كتاب النظم الجامع للشيخ القاضي ، فقد صرح فيه بأنّه نقشبندي طريقة.
 
الحمد لله أوَّلًا وآخرًا
وبعد،
أمَّا في مسألة البزي فقد أجاب فضيلة الشيخ عبد الحكيم عن نفسه، ولو تأمَّل ما كتبه قليلًا لعرف أنَّ أصول المنهج واحدٌ فعلًا، ولكنَّه في حالة القراءاتِ منوطٌ بالقرَّاء ليطبقوه، ولم يقل أحدٌ غير ذلك.
يعني من الذي يحكم على طرق القراءات... أليس القرّاء؟ من الذي يُحدِّد إن كان هذا القارئ ضابطًا أم لا؟ أليس القرَّاء؟ هل يظنُّ أحدٌ أننا نقول: سنذهب لنقَّاد الحديث ونقول لهم: تفضلوا علينا وتعالوا لتنظروا لنا هل هذا القارئ ضابطٌ أم لا؟
أمَّا في قضية التعديل؛ فما زال السؤال قائـمًا لمشايخنا الأجلاء :
لو ثبت أنَّ حفصًا رحمه الله ساقط العدالةِ، أو أنَّه يكذب في الحديث كما نُقِلَ عن بعضهم لو ثبت ذلك جدلًا، فما تقولون فضيلتكم في مُسلمٍ يقول: أنا لا أعتقدُ أن الحروف التي انفردَ بها حفصٌ قرآنٌ... هل يكفُر باعتقاده هذا؟
والاعتقاد منصبٌّ على الحروف التي انفرد بها حفصٌ فقط...
وطبعًا السؤال افتراضي لأنَّ حفصًا والحمد لله غير ساقط العدالة، وأقصى ما يمكن أن يثبت بشأنه أنَّه كان خفيف الضبط في الحديث...
وأرجو أن أسمع من بقية مشايخنا لأنني لم أقتنع بما قاله فضيلة الشيخ الحبيب عبد الحكيم حين قال:
«فالواجب إعلامه بأن الحكم على القارئ في القراءة ليس من شأن المحدثين؛ بل هو شأن القراء ، فلا تبحث عن فن عند غير أهله». مع احترامي الكامل لعلمه ولأدبه الجمِّ.
أمَّا القراءات الموجودة في كتب الحديث، كقراءة (والذكر والأنثى) فهي تفيدُ الظنَّ الراجح إذا صحَّ الحديث، ولكنَّها شاذَّةٌ عند القرَّاء لأنَّها فقدت شرط التواتر، وشرط موافقة الرسم لو احتمالًا.
ولو تواترت روايةُ الحديث تواترًا على طريقة المحدثين بإثبات حرفٍ غير مقروءٍ به في العشرة وهو في الوقت نفسه لا يخالف الرسمَ ولو احتمالًا ويستقيمُ على وجهٍ وجيهٍ من العربية، فما حكم المشايخ الأجلاء على هذا الحرف؟ وهل لو أقسمَ مسلمٌ أنَّ هذا الحرفَ من القرآن هل هو حانثٌ في قسمه أم صادقٌ؟... أرجو الإفادة...

***
أمَّا استفاضة المشايخ الأفاضل في الكلام عن معتقد المشايخ ومن كان منهم صوفيّا ومن كان غير ذلك، فما مدخله في البحث الآن إذا كنَّا متفقين على أنَّ سقوط عدالة ناقلٍ أو أكثر – بعد عصر ابن الجزري - لا تعني أنَّ المنقول من جهتهم غير صحيح؟
ثمَّ هنا تشعيبٌ على نقطتين لا تُهمانِنا كثيرًا ولكن أُثبتهما للفائدة؛ لتبيِّن أن البحث ما زال مستقيمًا على طريقة الـمُحدثين:
الأولى: أنَّ هناك فرقًا بين أصحاب البدع في تصحيح الأخذ عنهم على مذهب أهل الحديث، فهم لا يأخذون عن الرافضة لأنَّ الكذب دينهم، ولكَّنهم قد يأخذون عن الخارجيِّ، لأنَّه مع بدعته يتحفَّظُ في الكذب.
الثانية: أنَّ الداعي إلى مُعتقده أو طريقته البدعيّة يختلف عن غير الداعي.
وفي هذا الكلام لفضيلة الشيخ محمد يحيى شريف ما قد يثبت ذلك:
«وقد بلغنا أنّ أحد الشيوخ المشهورين الباكستانيين قد أوقفته الهيئات الرسمية لأنّه كان يطعن في شيخ الإسلام ابن تيمية... ولا تزال أسانيده في القراءات تنتشر في المملكة وغيرها ولم نسمع بأنّ واحداً من العلماء طعن فيها».
***​
والآن أنتقل مع مشايخي الأجلَّاء إلى حالة تخيُّلية، وأريد أن أنال شرف مشاركتهم لي في هذه الرحلة...
نحن الآن في عام 2500 هجريًّا أي بعد ما يزيد على ألف عام...
وعلماء القراءاتِ وطُلَّابها مختلفون اختلافًا ظاهرًا في إحدى مسائل الأداء التي لم يختلف فيها أسلافهم (ونحن منهم)، فماذا يصنعون؟
لجأوا إلى الأسانيدِ فإذا بعضهم قد قرأ بطريقةٍ والآخرون قد قرؤوا بطريقة أخرى، ولهؤلاء سندٌ ولهؤلاء سندٌ، والغريب أنَّ أسانيدهم جميعًا قد تلتقي بعد طبقتين أو ثلاث في الشيخ نفسه!
عندها لـمَّا عرفوا أنَّ الأسانيد لن تُسعفهم ولن تحسم خلافاتهم راحوا يُقلِّبون الأوراق التي تركها علماء السلف (ونحن منهم) ليبحثوا عن نصٍّ هنا ونصٍّ هناك يؤيد به هذا مذهبه فيردُّ عليه ذاك بنصٍّ آخر، وأخرجت المطابع مئات آلاف الأوراق، وصُنِّفت آلاف الكتب، ولم يصل أحدٌ إلى شيءٍ، وما زال الخلاف ساريًا وفي النهاية مُرِّرت المسألة على أنَّ فيها وجهينِ أو أنَّها مما عمَّت به البلوى.
تعالوا نحكي نفس القصة على وجهٍ آخر:
لـمَّا أراد هؤلاء المختلفون من علماء العام 2500 هجريًّا أن يبحثوا المسألة؛ فأوَّل شيءٍ فعلوه أنَّهم رجعوا إلى ما كتبه علماء القراءات النقَّاد الـمُحققون حيث إنَّهم – جزاهم الله خيرًا – وابتداءً من منتصف القرن الخامس عشر الهجري تقريبًا (عام 1434ه على وجه التحديد)، لم يتركوا أحدًا ممن عُرِف بطلب القراءات إلا بيَّنوا حاله توثيقًا وتضعيفًا، وحكموا عليه بما هو أهله، واستحدثوا طرقًا لنقد الأسانيد وتوثيقها، فلا يستطيعُ أحدٌ أن يدَّعي أسانيدَ وقراءاتٍ ليست عنده، ولا يستطيعُ أحدٌ أن يشتريَ إسنادًا، ولا يستطيعُ أحدٌ أن يدَّعيَ أنَّه لقيَ الشيخ (فلان) وهو لم يَلقْه....إلخ.
لـمَّا رجع المختلفون إلى الأسانيد استطاعوا بمنتهى السهولة أن يروا أنَّ مدار هذه الهيئة المخالفة على أحدِ القرَّاء الذي أجمعت كتب نقد القرَّاء على أنَّه غير ضابط أو أنَّه ممن لا تصحُّ لهم قراءة... في حين أنَّ الهيئة الأخرى ثابتة من طرقٍ عمَّن أجمعت تلك الكتب على توثيقهم وإمامتهم.
عندها أخذ العلماء يدعون لأسلافهم (ونحن منهم) بالرحمة والمغفرة ورفعة الدرجات، على هذا العمل الفذِّ الذي جعله الله سببًا في حسم هذه المسألة التي تتعلق بكتاب الله عز وجل.
ويذكر لنا التاريخُ أنَّ العلماء الغيورين على القراءاتِ في تلك الحقبِ (ابتداءً من 1434هـ) لـمَّا كانوا يُبيِّنون أمرَ غيرِ الحقيقين بالتأهُّل ولا يتهاونون في ذلك، فقد ظلَّ جناب هذا العلم الشريف مَصونًا، وصار مُسيَّجًا دون المفتئتين.
هذه صورة تخيُّليةٌ بالطبعِ؛ فلا يؤاخذني أحدٌ على أحلام اليقظةِ، وليعلب اللاعبون في الشوارع يأكلون من (الساندوتشات ما يحلو لهم، وليطلبوا البيتزا ديليفري ليأكلوها عند الختمة) وليظلَّ الأمر آخر حلاوةً، كما هو الآن آخر حلاوة.... (بسمة)
***​
والحمد لله رب العالمين...
 
ولو تواترت روايةُ الحديث تواترًا على طريقة المحدثين بإثبات حرفٍ غير مقروءٍ به في العشرة وهو في الوقت نفسه لا يخالف الرسمَ ولو احتمالًا ويستقيمُ على وجهٍ وجيهٍ من العربية، فما حكم المشايخ الأجلاء على هذا الحرف؟ وهل لو أقسمَ مسلمٌ أنَّ هذا الحرفَ من القرآن هل هو حانثٌ في قسمه أم صادقٌ؟... أرجو الإفادة...
عدم صحة القراءة لا يعني أنّها ليست قرءاناً ، فكم من قراءة صحّت عن الأئمّة ، وتوفرّت فيها شروط الصحة لكنّها لم تبلغ ابن الجزري ، أو بلغته لكنّها لم تكن على شرطه ، أو كانت على شرطه لكنّه لم يخترها لأسباب وبالتالي فلم تصل إلينا لأنّها ليست في كتابه النشر. فطريق روضة المعدل لحفص مثلاً لا شك فيه أنّه على شرط ابن الجزري لكنّه لم يدرجه ضمن طرق حفص في النشر. وذلك أنّ ابن الجزري اقتصر على العشر واستبعد ما فوقها واشترط الشهرة مع اتصال السند وعدالة الرواة واختار طرقاً في إطار شرطه الذي وضعه.
فهل يقال أنّ الروايات التي لم يخترها ليست قرءاناً ؟ هذا لا يقوله عاقل.
فما بال القراءات التي قرأ بها الصحابة في الحضرة النبوية وهي تخالف مصحف عثمان ، فهل يُقال أنّها ليست قرءاناً ؟
وما بال القراءات التي توفرت فيها الشروط لكنّها اندثرت لعدم اشتهارها ، فهل يقال أنّها ليست قرءاناً ؟
وما بال الروايات التي صحّت عن القراء العشرة لكنّها لم تصلنا :كرواية المسيّبي عن نافع ، فهل يقال أنّها ليست قرءاناً.
وما بال الروايات التي صحت عن ورش وقالون عن نافع لكنّها ليست على شرط ابن الجزري أو كانت على شرطه لكنّه لم يخترها في نشره ، هل يقال أنّها ليست قرءاناً.
فلذلك لا ينبغي الخلط بين صحّة القراءة وبين قرآنيّتها ، فالقراءة قد لا تصح لأنّ الشروط لم تتحقّق فيها لكن لا يعن ذلك أنّها ليست قرءاناً ، بدليل أنّ الكثير من القراءات والأحرف سقط العمل بها بعد ما استقرّ العمل على مصحف عثمان ، فهل يقال أنّها كانت قرءاناً قبل عهد عثمان ثم صارت غير ذلك بعد عهده.

أمّا مسألة تعارض الأداء والنصّ فقد طال الكلام في المسألة ولا أدري من أين أبدأ لعلّ شيخنا عبد الحكيم يمهّد لنا الطريق.



 
الحمد لله ربِّ العالمين
فضيلة الشيخ الـمبجلّ محمد يحيى شريف حفظه الله
هذا هو بالضبط ما أردتُ أن أسمعه .. وأزيدكَ من الشعر بيتًا حتى تكتمل النظرة من جميع أطرافها..
يقول ابن تيمية رحمه الله: وأما القراءات الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) كما قد ثبت ذلك في الصحيحين ومثل قراءة عبد الله: فصيام ثلاثة أيام متتابعاتٍ وكقراءته إن كانت إلا زقية واحدة ونحو ذلك فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ على قولين للعلماء هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد وروايتان عن مالك.
إحداهما: يجوز ذلك لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة.
والثانية: لا يجوز ذلك..وهو أكثر العلماء لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم، وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة....إلخ»..
وقال في موضوع آخر: «... ثمَّ من جوَّز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك، لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها ومن لم يجوزه فله ثلاثة مآخذ: تارة يقول: تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة وتارة يقول هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه، وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلًا يثبت بمثله القرآن، وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين.
ولهذا كان في المسألة قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات أنه إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة – وهي الفاتحة عند القدرة عليها – لم تصح صلاته لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته؛ لانه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها. وهذا القول ينبني على أصل: وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟ فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيًّا»
***​
وإذًا ؛ ففضيلة الشيخ محمد يحيى شريف ومن خلال ما يبدو لي من مشاركاته العديدة المنثورة في الملتقى يوقنُ أنَّ الاعتماد على المنهج الحالي لنقل القراءة – بغض النظر عن مدى اتفاقه أو اختلافه مع منهج المحدثين – هذا المنهج لا يكفي لحماية هيئة الأداء الصحيحة من أن يتطرق إليها ما ليس منها... وهذه هي الخلاصة.
والسؤال الآن لفضيلته ولغيره من الغيورين على القرآن الكريم:
ما الحلُّ؟
لديَّ مشروعٌ مقترحٌ للحلِّ ولكن لن أعرضه قبل أن أسمع من حضراتكم، ربَّما كان من الأفضل أن آخذ فيه رأي مشايخنا الأجلاء قبل أن أطرحه وعلى رأسهم: المشايخ محمد يحيى شريف وعبد الحكيم عبد الرازق ومحمد الحسن بوصو.
والله الموفق والمستعان..
***​
 

وأرجو أن أسمع من بقية مشايخنا لأنني لم أقتنع بما قاله فضيلة الشيخ الحبيب عبد الحكيم حين قال:
«فالواجب إعلامه بأن الحكم على القارئ في القراءة ليس من شأن المحدثين؛ بل هو شأن القراء ، فلا تبحث عن فن عند غير أهله». مع احترامي الكامل لعلمه ولأدبه الجمِّ.
السلام عليكم
شيخنا الحبيب د/ محمود لعلكم فهمتم عبارتي (فلا تبحث عن فن عند غير أهله) بخلاف مقصدي ، فأنا أقصد بهذه العبارة أن تقال لسائل السؤال ، وليس لفضيلتكم ، فلعلي اندمجت في الجواب وأنا أخاطب شخصا سألكم وسألني فأجبته بما كتبت ومنها (فلا تبحث عن فن عند غير أهله) ..والله لم أقصد شخصكم ولا خطر لي ببال . وأعتذر أن كنتُ أسأت .

شيخنا عبد الحكيم انظر كتاب النظم الجامع للشيخ القاضي ، فقد صرح فيه بأنّه نقشبندي طريقة.
سأنظر في البدورطبعة الأزهر ،أما حمد الله الصفتي فهذا رابط الكلام
هل تعلم الشيخ المتولى؟؟؟؟
والسلام عليكم
 
أستاذي الحبيب فضيلة الشيخ عبد الحكيم حفظه الله ورعاه وبارك لنا في علمه:
ولا أنا والله خطر على بالي هذا، ولم أعْنِهِ لا من قريب ولا بعيد....
حفظك الله يا شيخي ورفع قدركَ في الدارينِ وجمعنا وفضيلتكم على طاعته في الدنيا، ومع المصطفى صلى الله عليه وسَّلم في الآخرة..
 

أمّا مسألة تعارض الأداء والنصّ فقد طال الكلام في المسألة ولا أدري من أين أبدأ لعلّ شيخنا عبد الحكيم يمهّد لنا الطريق
السلام عليكم
الموضوع صعب جدا ..لماذا ؟
لأننا مختلفون في قاعدة جليلة وهي الفرق بين العدالة والضبط ،فالذي عليه القراء ـ كما نقلت سابقا ـ أن العدالة لا يبنى عليه عمل ؛ لأن العبرة بالضبط وليس بالعدالة ، وأعتقد أن هذا ينسف القول بتطابق المذهبين .
ولوقابلت شيوخا في غاية الإتقان وقوة الحفظ والاستحضار ، ومع هذا يدخنون ، ويتجاوزون في الكلام مع بعضهم البعض تجاوزا كبيرا ، والنكت الخادشة للحياء وغيرها ، قد لا تصدق أنهم يصلون أصلا ، فضلا عن أنهم حفظة للقرآن ، فضلا عن أنهم يحملون علما جيدا ، والقراءات بالنسبة إليهم سليقة .
أما قضية النص والأداء :
لو تحدثنا في تعارض النص والأداء لا شك أن الاختلاف سيقع أيضا .
فلابد أن يكون هناك أصل و فرع .
فالأصل المشافهة =الأداء
والفرع = النص
والخلاف في الأداء لابد أن يكون معتبرا ، فلا تكن انفرادة فنقول : بالخلاف ..وهكذا ..
فهمت حاجة يا شيخ محمد ؟ ابدأ يا شيخ محمد يحيى ..
والسلام عليكم
 
أؤيّد شيخنا عبد الحكيم ب 50 بالمائة في مسألة العدالة.

فالنصف الذي أوافقه فيه هو أنّ العدالة إنّما اشترطت لأنّ الناقل للأخبار ينبغي أن يكون عدلاً صادقاً ثقة لأنّه ينقل عن النبيّ عليه أحكامه وأخباره والتي بها تتجلّى الأحكام الشرعية ومسائل العقيدة. لذا كان أهل الحديث يتشددون لأنّ القضية عظيمة والتساهل فيها سيؤدّي إلى الأخلال في نقل الشريعة وبالتالي الإخلال بالشريعة نفسها.

وهذا يقال في رواة القرءان أيضاً عندما كانت الرواية غير مضبوطة ومشروطة مما يفتح المجال لإدخال فيه ما ليس منه ، فكان أهل الأداء النقاد يسيرون على منهج المحدثين لأنّ القرءان في الأزمان المتقدّمة كان يحتاج إلى توثيق وتثبّت فوضعت الشروط لأجل ذلك.

أما الآن فالأمر تغيّر ، لأنّ القرءان يُقرأ من الشاطبية والدرة والطيّبة ومن كتاب التعريف للداني (القراءات العشرية لنافع) أو من الدرر لابن بري. والقراءات الواردة في هذه الكتب واضحة محصورة أشبعت شرحاً ودراسة وتطبيقاً ، فهل نحتاج إلى العدالة أو الأمانة في النقل ؟ حتّى لو أراد أحد الشيوخ إضافة طريق أو وجه لن يستطيع لأنّه ملزم بما في هذه الكتب.

لذلك أقول : لاداعي الآن للتشدد في قضية العدالة لأنّ الأمر ليس متعلّقاً بنقل خبر أو حكم شرعيّ للأمة ، وإنّما تكفي المهارة والإتقان لتعلّق القضية بالمشافهة والعلم النظريّ للرواية المنقولة.

من جهة أخرى : أخالف شيخنا عبد الحكيم في النصف الثاني وهو لا بدّ للراوي أن يتحلّ بحدٍ أدنى من العدالة ، فالذي يقول الكلام الفاحش ويجلس في الأماكن الغير اللائقة ولا يتلزم بأدنى طبقات الأدب والحياء لا يليق أن يكون من ناقلي القرءان الكريم ، لأنّ إقراء القرءان هو من أعظم الأعمال لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام : "خيركم من تعلّم القرءان وعلّمه." وقوله تعالى
{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } ، فعظمة القرءان تجبر خادمه أن يكون عادلاً متأدبا ومتديّناً

والعلم عند الله تعالى.
 

من جهة أخرى : أخالف شيخنا عبد الحكيم في النصف الثاني وهو لا بدّ للراوي أن يتحلّ بحدٍ أدنى من العدالة ، فالذي يقول الكلام الفاحش ويجلس في الأماكن الغير اللائقة ولا يتلزم بأدنى طبقات الأدب والحياء لا يليق أن يكون من ناقلي القرءان الكريم ، لأنّ إقراء القرءان هو من أعظم الأعمال لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام : "خيركم من تعلّم القرءان وعلّمه." وقوله تعالى
{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } ، فعظمة القرءان تجبر خادمه أن يكون عادلاً متأدبا ومتديّناً
والعلم عند الله تعالى.
السلام عليكم
شيخنا الشيخ محمد ..ليس معنى أنني أذهب إلى عدم اشتراط الأمانة أنني أؤيد من يتحدث بالفحش وسوء القول .
والله أنا لا أعرف الشتم ولا السب بفضل الله تعالى ، قصارى ما أفعله مع الطالب الذي يستفزني (الترقية على قراءته ) ..(حاجة أفك بيها عن نفسي ) .
ولقد كان شيخي الشيخ عبد الله الجوهري يلح علىّ أن أقرأ في مقرأة الإمام الشافعي الذي كان يتولاها بعد الشيخ عامر السيد ، وكنتُ أرفض لأن المسجد فيه قبر ،ويقول لي : صلي في أي مسجد ثم تعالى ،فأقول له : يا شيخ قد يراني أحد معارفي في المسجد فيظن حلّ هذه المسألة ،ولقد ناقشته في مسألة الصلاة في المساجد التي بها قبور ، حتى ابنه د/ علي مال إلى كلامنا وقال : أنا أميل لقولكم مش عارف ليه .
والشاهد من قولي :إنني والحمد لله لست من أصحاب الطرق الصوفية ولست سبابا ولا شتاما مع طلبتي أو في المعهد التي أدرس فيه.
وكذا أبغض الأخلاق الذميمة ولا أقول هذا من باب التزكية في النفس ؛ بل من باب دفع الظن عن أخيكم ..ولكني أتحدث عن أمر واضح ..ما الذي يترتب على ضعف عدالة القارئ في قبول القراءة سواء قديما أو حديثا ؟
والسلام عليكم
 
احمد الله أنّ الفريق المصري لن يواجه الفريق الجزائري في اللقاء الفاصل للمونديال.
بسمة
 
ارى ان من واجب اهل القرآن ان لا يأخذوا اجازتهم من الحافظ الضابط المتقن، السيء السمعة والخلق مرتكب الكبائر المتجاهر بفسقه، حتى يقطعوا سنده لانه لا يؤمن منه التخليط والكذب والافتراء لانحرافه عن الجادة.
ارى في الاستجازة منه ترويجا لسوأته واعترافا بانحرافه ومدحا لخبث سريرته.
اما المباني العقدية المخالفة لطالب الاجازة فلا تضر لاني لا ارى مذهبا يجوز الكذب في نقل رواية القرآن او غيره(فالأمين لا يخون ولكن يؤتمن الخائن)، اما الاشتباه والنسيان وغيره فهذا يُتدارك ويُعرف بالمطالعة والمناقشة مع الآخرين.
 
عودة
أعلى