نظرات في مصطلح قواعد التفسير للدكتور مصفى فوضيل

أبو صفوت

فريق إشراف الملتقى العلمي
إنضم
24/04/2003
المشاركات
655
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
no
وجدت هذا المقال على هذا الرابط فأحببت نقله وهو لأحد الأعضاء الملتقى الكرام الدكتور مصطفى فوضيل
http://www.bayan-alquran.net/forums/showthread.php?t=177&highlight=%E3%D5%D8%E1%CD

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه


الكلام في هذا الموضوع عسير من وجوه:
1-كون العلم الذي ينتمي إليه ما يزال في طور التأسيس.
2- اضطراب المصطلح حتى على مستوى عنوان العلم. فهل هي "قواعد التفسير" أم "أصول التفسير" أم "علم التفسير" أم "علوم التفسير" أم "علوم القرآن" أم غيرها؟!.
3- قلة التأليف في هذا المجال، بغض النظر عن قيمة هذا القليل، إذ بعضه إن لم يكن كثير منه وقع فيه التداخل الشديد بين مباحثه وبين مباحث علوم القرآن(1)، ولم تعن بتحرير الأصول واستخلاص القواعد مصنفة مرتبة يفضي بعضها إلى بعض ويتكون بمجموعها نظام العلم.
4- توزع هذه القواعد بين بطون كتب التفسير وعلوم القرآن وأصول الفقه وسائر كتب التراث الإسلامي.
وهذا المقال محاولة لاستجماع تصور عام عن الأصول العلمية الجامعة لتلك القواعد؛ وذلك سعيا إلى منهج أقرب ما يكون إلى التكامل في تناول النص القرآني الكريم.

أولا: مفهوم القواعد:

القواعد جمع قاعدة، ومدار هذا اللفظ في اللغة على ما به يعتمد البناء ويثبت. قال في التوقيف: "القاعدة ما يقعد عليه الشيء أي يستقر ويثبت"( 2)، قال الله تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل (البقرة 127) قال الزجاج: "القواعد أساطين البناء الذي تعمده"( 3). والقواعد الإِساس بالكسر جمع أس(4 ).
وأما في الاصطلاح فقد عرفت بأنها أمر كلي منطبق على جميع جزئياته عند تعرف أحكامها منه.وترادف عند بعض العلماء الأصل والقانون والمسألة والضابطة والمقصد( 5).
ومن المعاصرين من اقترح تعريف القاعدة بأنها "حكم كلي يتعرف به على أحكام جزئياته"(6 ) ،قال: قولنا "يتعرف به" أدق من تعبير بعضهم بـ "ينطبق" لأن استخراج الحكم المندرج تحت القاعدة لا يكون أمرا بدهيا، بل يحتاج إلى إعمال ذهن وشيء من التفكير والتأمل. قال: "وقولنا "على أحكام جزئياته" ولم نقل "على جميع جزئياته" لأن كثيرا من القواعد أغلبية، وذلك لوجود مستثنيات خارجة عنها"(7 ).
وأيا كان ذلك فالذي يهمنا من التعريف الأول الذي أورده الأصوليون والمناطقة هو تنبيهه –بما أورده من مرادفات وبما عرَّف به القاعدة- على مأخذ المصطلح وهو الأساس في علاقته بما يبنى عليه. ومن هنا فإن القواعد تومئ إلى علاقة تربط جزئيات الموضوع أو العلم، بكليات جامعة ترجع إليها وتنتهي بها إلى نسق مشتمل مستقر، كحال جزئيات البناء في علاقتها بالقواعد.
على أن ضرورة تساند القواعد وانسجامها فيما بينها مما لا يحتاج إلى تأكيد؛ إذ على هذه العلاقة يقوم العلم ويتحقق شرطه الأساس وهو الوحدة والاجتماع.

ثانيا: مفهوم التفسير:

مدار لفظ التفسير على الإبانة والإيضاح(8 ). واختلف في دلالته الاصطلاحية على أقوال كثيرة. ومن أهمها وأجمعها ما قاله الشيخ الطاهر ابن عاشور من أنه "اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع"( 9).وهذا تعريف مقنع إن شاء الله تعالى لما يلي:
-كونه استعمل لفظ البيان وهو لفظ قرآني أصيل، قال الله تعالى: (ثم إن علينا بيانه) (القيامة 19).
-كونه نبه على أن ما يستفاد من خلال التدبر في الآيات هو من صميم التفسير لأنه ليس المقصود هو ترجمة المعاني فحسب، بل لابد –أيضا- من الاستثمار والاعتبار!
-كونه نبه على المدى الذي يتحرك فيه التفسير بحسب الغاية منه ومستوى المخاطب به ثم بحسب نفَس (بفتح الفاء) المفسِّر واستعداده المعرفي وامتلاكه للشروط والأدوات؛ إذ الباب مفتوح أمام توظيف كل ما يسهم في تحقيق البيان من الأدوات المتينة والعلوم النافعة الرصينة على اختلاف المجالات والتخصصات.
ومصطلح التفسير بالمعنى الذي ذكره ابن عاشور على حذف المضاف الذي هو "علم"، يكاد يصير مرادفا لمصطلح "قواعد التفسير" إذ مآل هذه القواعد بعد اجتماعها إلى اللفظ الجامع الذي هو العلم.

ثالثا: مفهوم قواعد التفسير:

بناء على ما سبق يمكن تعريف قواعد التفسير بأنها "ما يُستند إليه من الأدوات العلمية والمنهجية في تناول النص القرآني ويُتوصل بها إلى بيان معانيه واستخلاص فوائده".
وقد استعمل مصطلح القواعد في تسمية هذا العلم عند بعض العلماء، منهم الإمام ابن تيمية في مقدمته الشهيرة، وإن كان محققها الدكتور عدنان زرزور أخرجها تحت عنوان: "مقدمة في أصول التفسير"! ولست أدري هل كان ذلك أخذا منه بمبدأ الترادف أم كان توجيها منه ورجوعا بمصطلح القواعد إلى مصطلح الأصول، هذا المصطلح الذي له حضور تاريخي قوي، فقد نضج واستقر في تسمية علوم مكتملة كـ"أصول الدين" و"أصول الفقه" وبقدر لا بأس في "أصول الحديث"، و"أصول النحو".
وممن استعمل مصطلح "القواعد" من المعاصرين الدكتور خالد بن عثمان السبت: في كتابه " قواعد التفسير جمعا ودراسة".
وقد يَضُمُّون الأصول إلى القواعد في أسماء التآليف كما فعل خالد عبد الرحمن العك في "أصول التفسير وقواعده".
ومن المصطلحات الواردة في هذا المقام لكنها قليلة الاستعمال: "ضوابط التفسير" و"أسس التفسير".

رابعا: الحاجة إلى قواعد التفسير:

يدفعنا إلى الحديث عن هذه المسألة ما لها من أثر في التفسير كمّاً وكيفا، إذ الوسيلة تتحدد بمقدار تحديد الهدف. وليست الوسيلة هاهنا إلا القواعد، ولا الهدف إلا الكشف والبيان عن مضامين القرآن. لكن لما كان البيان يتراوح بين اختصار وتفصيل ، وبين إشارة وتدقيق، وكانت المضامين تتنوع إلى معان ومفاهيم تحملها الألفاظ والتراكيب، وحكم مستفادة( 10) ، وأحكام مستنبطة تُحَصَّلُ وتُستخلص من ثناياها، وقضايا ومسائل تجمع وتركب فتكشف عن رؤية القرآن المستوعبة للإنسان والكون والحياة، ومقاصد عامة تتحرك في أجواءها الكلمات(11 )…
لما كان كل ذلك كذلك كانت الوسيلة ولا شك مختلفة كذلك، وقد مر بنا تعريف الشيخ ابن عاشور منبها على هذه الأبعاد والآفاق، التي على الرغم من شساعتها لا تخرج عن حد التفسير. وهذا يدل على خطر هذا العلم؛ إذ ميدانه نص لا كسائر النصوص، فصار بذلك أحرى بالتزام القواعد وأدعى للوقوف عند الضوابط.
وقد أحسن من تحدث عن المقدمات قبل القواعد، وهي من أهم ما ينبغي العناية به قبل اقتحام هذا الميدان. والكلام عن المقدمات مبثوث في كتب التفسير وعلوم القرآن. ومن العلماء من أفرده بتأليف أو بحديث ومن ذلك رسالة الأستاذ أبي الأعلى المودودي: "مبادئ أساسية لفهم القرآن". والكلام في هذه المقدمات يدور حول ما ينبه على خصوصية هذا الخطاب من حيث طبيعته النابعة من الوحي الخالص، ومن حيث مصدره والمخاطِب به الذي هو الله جل جلاله: (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض) (الفرقان:6) ( 12)، ومن حيث لغة الخطاب التي هي العربية في صورتها النموذجية وطبقتها العليا، ومن حيث أسلوبه الذي –بكماله وجلاله وجماله- أعجز البلغاء، ومن حيث موضوعه والمخاطَب به الذي هو الإنسان أي إنسان، ذاك الذي انطوى فيه العالم الأكبر، وما يتعلق به تاريخا وحاضرا ومصيرا، ومن حيث العلاقة التي ينبغي أن تربط بين الإنسان وبين هذا الخطاب: وهي الإيمان فالاستماع فالتدبر فالفهم فالاهتداء فالاتباع، ومن حيث كلياته ومقاصده الكبرى التي اجتمعت فيها المصالح والمنافع كلها، ومن حيث ألفاظه واصطلاحاته التي اصطفاها واستعملها، وعاداتُه التي دأب عليها فصارت بذلك من خصائصه التعبيرية، ومن حيث منهجه في التأليف حيث خالف سائر المناهج قصدا من الحكيم جل وعز.
فهذه الاعتبارات وما في حكمها هي التي تنبه على خصوصية الخطاب مقالا ومقاما، وتشهد على الأثر البليغ الذي لها قبل غيرها في الكشف عن مضامين القرآن أي في التفسير. وفي ضوء تلك المقدمات المتينة ندرك السر في عبارة الصديق رضي الله عنه: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي"( 13) .
إن التأكيد على هذه المقدمات هو الذي يقطع الطريق -ابتداء- على كل من عدم أهلية الخوض في هذا الميدان، من صفاء في القصد وصحة في المنطلق ووضوح في التصور وسلامة في المنهج واكتمال في الأداة.

ثالثا: استمداد قواعد التفسير:

يقول الشيخ ابن عاشور:"استمداد العلم يراد به توقفه على معلومات سابق وجودُها على وجود ذلك العلم عند مدونيه لتكون عونا لهم على إتقان ذلك العلم، وسمي ذلك في الاصطلاح بالاستمداد عن تشبيه احتياج العلم لتلك المعلومات بطلب المدد، والمدد العون والغواث، فقرنوا الفعل بحرفي الطلب وهما السين والتاء، وليس كل ما يذكر في العلم معدودا من مدده، بل مدده ما يتوقف عليه تَقَوُّمُه"( 14) ،وكلام الشيخ هنا عن العلم كلامٌ عن قواعده وأصوله.
ويمكن تصنيف مصادر هذا الاستمداد إلى ما يلي:

1- القرآن الكريم:
"إذ للقرآن –كما يقول ابن القيم- عُرْفٌ خاص، ومعان معهودة، لا يناسبه تفسيره بغيرها، ولا يجوز تفسيره بغير عرفه والمعهود من معانيه، فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ، بل أعظم، وكما أن ألفاظه ملوك الألفاظ وأجلها وأوضحها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قُدَرُ العالمين، فكذلك معانيه أجل المعاني، وأعظمها وأفخمها، فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به"(15 ).
ومن هذا الباب ما يستخلصه العلماء من قواعد بالاستقراء من سائر نصوص القرآن الكريم، فيكون بمثابة قواعد قرآنية. والعلماء يستعملون في هذا المجال عبارة: "عادات القرآن"، فقد أشار جار الله الزمخشري إلى شيء من ذلك في تفسيره، وكذلك الراغب الأصفهاني في مفرداته. وإليك منه هذا المثال، قال: "وكل موضع ذكر في وصف الكتاب "آتينا" فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه "أوتوا"، لأن "أوتوا" قد يقال إذا أولي من لم يكن منه قبول، و"آتيناهم" يقال فيمن كان منه قبول"( 16). وقال الشيخ ابن عاشور: "وقد استقريت بجهدي عادات كثيرة في اصطلاح القرآن سأذكرها في مواضعها، ومنها أن كلمة "هؤلاء" إذا لم يَرِدْ بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم فإنها يراد بها المشركون من أهل مكة كقوله تعالى: (بل متعت هؤلاء وآباءهم) وقوله: (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين)، وقد استوعب أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات في أوائل أبوابه كليات مما ورد في القرآن من معاني الكلمات، وفي الإتقان للسيوطي شيء من ذلك. وقد استقريت أنا من أساليب القرآن أنه إذا حكى المحاورات حكاها بلفظ "قال" دون حروف عطف، إلا إذا انتقل من محاورة إلى أخرى، فانظر قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها" إلى قوله: أنبئهم بأسمائهم)( 17).
2-السنة الشريفة:
وهي بيان للقرآن، فلا شك أنها أهم مصدر بعد القرآن في التفسير.
3-أقوال الصحابة والتابعين. ومنزلتهم بيّنة جلية.
4- أصول الفقه:
ومادة التفسير فيه حاصلة من جهتين: "إحداهما: أن علم الأصول قد أودعت فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية مثل مسائل الفحوى ومفهوم المخالفة، وقد عد الغزالي علم الأصول من جملة العلوم التي تتعلق بالقرآن وبأحكامه فلا جرم أن يكون مادة للتفسير. الجهة الثانية: أن علم الأصول يضبط قواعد الاستدلال ويفصح عنها، فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها"( 18)
5-علوم اللسان المتضمنة لقواعد العربية: من متن لغوي ونحو وتصريف وبلاغة وغيرها، لكون التنزيل بلسان عربي مبين!

رابعا: واقع قواعد التفسير والتأليف فيها:

واقع هذه القواعد هو واقع هذا العلم، وهو -كما قال أستاذنا الدكتور الشاهد البوشيخي- "مازال ينتظر جهودا صادقة مخلصة لاستخلاصه من مصادره، وتخليصه مما التبس به، وتصنيفه وتكميل بنائه".( 19)
فالقواعد مبثوثة وموزعة في بطون كتب التفسير وعلوم القرآن وأصول الفقه وغيرها، وقد تصدى لتأليفها وجمعها عدد من الفضلاء كل على منهجه، لكنها في الواقع –وهذا ليس حطا من شأن أهلها- لم تعتمد خطة متكاملة تستوعب ما أمكن من المصادر الموجودة وتضم سائر الجهود المبذولة، وهو أمر أعظم من أن يقوم به فرد أو مجموعة أفراد! إنه تأسيس علم وأي علم؟!. وهذا يعني أن الأمر أكبر من أن يقوم به فرد أو مجموعة أفراد، بل لابد من تضافر الجهود بكافة أشكالها لإنجاز هذا المشروع.

خامسا: إحصاء قواعد التفسير وتصنيفها:

قد يصعب الحديث عن الإحصاء في هذه المرحلة من تاريخ هذا العلم، وقد بلغ بها الأستاذ خالد بن عثمان السبت(20 ) إلى ثمانين وثلاث مئة قاعدة أصلية وتبعية، كلية وجزئية، كبيرة وصغيرة، استمدها من خمسة وعشرين ومئتي كتاب. وصنفها على طريقة التبويب كالأبواب الفقهية. وهذا نوع من التصنيف. وقد بذل الباحث في هذا العمل النفيس جهودا مشكورة يستحق عليها التنويه، لما قدمه من خدمة جليلة للباحثين في هذا المجال. وهناك نوع أعم من ذلك التصنيف، حيث تصنف القواعد إلى:
قواعد لغوية فنقلية فعقلية. وممن نهج هذا النهج الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه:"درسات في أصول تفسير القرآن" وقد احتلت الأصول اللغوية ما يقرب من ثلثي الكتاب، ثم إنه أدخل ضمن الأصول العقلية ما يتعلق بالتفسير العلمي. ولعل مصطلح الأصول ينسجم مع هذا التصنيف العام أكثر من مصطلح القواعد. كما أنه ييسر إمكانية تصور التوحد والانسجام في هذا العلم. وفي ما يلي ملامح من هذه القواعد:

1-القواعد اللغوية:

ويكاد يكون مرجعها بالكلية إلى أصول الفقه وخاصة في مباحث دلالة الألفاظ. وهذا الأمر ظاهر في كتاب د. محسن عبد الحميد سواء على مستوى المصطلحات المستعملة أو المصادر المعتمدة. فوضع تحت فصل "وضع اللفظ للمعنى" مباحث العام والخاص، والأمر والنهي، والمطلق والمقيد، والمشترك، والمؤول، ثم تحت فصل "استعمال اللفظ في المعنى" مباحث الحقيقة والمجاز والصريح والكناية وحروف المعاني، ثم تحت فصل "في ظهور المعنى وخفائه" مباحث الظاهر والنص والمحكم غيرها ثم تحت فصل "في كيفية دلالة اللفظ على المعنى" مباحث عبارة النص وإشارة النص… والموافقة والمخالفة وغيرها.
والواقع أن نقل هذه المباحث باصطلاحاتها جملة وتفصيلا إلى علم التفسير ينبغي أن يضع في الاعتبار طبيعة نشأتها في علم أصول الفقه، وطبيعة النصوص التي طبقت عليها، وهي نصوص الأحكام من القرآن والسنة. وموضوع التفسير هو نصوص القرآن بأجمعها، وبهذا الاعتبار تحفظ بعض المفكرين –أمثال الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى- في نقل المنهج الأصولي ليصبح منهجا للتعامل مع النص القرآني في المجالات والمحاور كلها، يقول: "فهذا غير صحيح وغير دقيق؛ فلكل مجال آلات لفهمه". وقال أيضا: "فالقول بأن منهج دراسة الأحكام يُنقل ليصبح منهجا لدراسة الأخلاق ودراسة التربية فهذا غير صحيح؛ لأن كل منهج له ضوابط، ولكل مقصد طبيعته وخصائصه.. وهذا يعني أني أبحث في الأحكام عن الكلمة: هل هي عامة؟ هل هي خاصة؟ هل هي مطلقة؟ هل هي مقيدة.. وهكذا؛ لكن عندما أدرس الأخلاق مثلا، أو التربية، أو قصص الأمم، أو الكونيات وما يتصل بها، فما علاقة ذلك بهذا المنهج؟ ولماذا يفرض على بقية المحاور القرآنية التي لها طبيعتها ومقاصدها وأدواتها ومناهجها؟.. لا يمكن أن يقبل هذا.. تقول الإحصائيات: إن كتب الفقه تشكل نصف الثقافة الإسلامية"(21 ).
والواقع أن الذين يرجعون إلى أصول الفقه للاستمداد منه في قواعد التفسير لا يعممون مباحثه على كل نصوص التفسير بل يرون فيها، وخاصة مباحث الدلالة مرجعا ناضجا لتحقيق ألفاظ القرآن الكريم إذ هي وعاء معانيه حتى في غير الأحكام. ومع ذلك لا ينبغي أن يكون هذا عائقا أمام أي أداة أو مبحث مفيد في البيان والتحليل والتعليل والتركيب.

2-القواعد النقلية:

ويذكر فيها تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة ثم بأقوال الصحابة والتابعين. وتفسير القرآن بالقرآن أنواع، فـقولهم "إن أصح الطرق تفسير القرآن بالقرآن" عنوان لقاعدة ضخمة تحتاج إلى جهود كبيرة على مستوى الجمع أولاً، ثم على مستوى التكميل ثانيا. وفي بيان تلك الطريقة يقول ابن تيمية بأن "ما أجمل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر"( 22).وهذه العبارة تحتاج إلى تأمل، فإن المرور من المجمل إلى المفسر ومن المختصر إلى المبسوط المفصل وغير ذلك من وجوه العلاقة التفسيرية بين الألفاظ والآيات، عمليةٌ جليلة تستلزم ما تستلزم من الشروط والمراحل والأدوات. وبهذا المعنى يتقاطع هذا النوع من التفسير مع التفسير العقلي الاجتهادي ومع التفسير اللغوي، لما يتطلبه من قدح الفكر في نسج تلك العلاقات وحمل الكلام بعضه على بعض. وقد أصاب من قال: "لا يُقطع بصحته إلا إن كان الذي فَسَّرَ الآية بالآية رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أو وقع عليه الإجماع، أو صدر عن أحد الصحابة ولم يعلم له مخالف. وأما ما عدا هذه الصور فإنه لا يُجْزَم بصحته لأنه مِنْ قائلِه اجتهادٌ يخطئ فيه ويصيب، مع أن الطريقة التي سلكها –من حيث المبدأ- صحيحةٌ. لكن قد يخطئ التطبيق. وبهذا تعرف أن للاجتهاد مدخلا في هذا النوع من أنواع التفسير فلا يختلط الأمر عليك"(23 ).
3- القواعد العقلية: وهي خاصة بضوابط العقل في جانبه الفكري في نظره إلى النصوص، وجانبه العلمي أي في ربط العلاقة بين نتائج العلوم المادية بحقائق القرآن. ثم هناك قسم من تلك القواعد خاص بفك التعارض المتوهم بين نصوص القرآن الكريم.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


الهوامش:

1- انظر مثلا: التيسير في قواعد علم التفسير للكافيجي، وأصول التفسير وقواعده لخالد عبد الرحمن العك.
2- التوقيف على مهمات التعاريف ص: 569.
3- اللسان/ قعد.
4- السابق.
5- كشاف اصطلاحات الفنون/ القاعدة. وقد فصل القول في شرح هذا التعريف.
6- قواعد التفسير جمعا ودراسة/ لخالد بن عثمان السبت 1/23.
7- السابق1/25.
8- مقاييس اللغة ومختار الصحاح والقاموس المحيط ولسان العرب "مادة فسر".
9 - التحرير والتنوير 1/12.
10- قال في مناهل العرفان 2/ 4 "التفسير على نوعين بالإجمال: أحدهما تفسير جاف لا يتجاوز حل الألفاظ وإعراب الجمل وبيان ما يحتويه نظم القرآن الكريم من نكات بلاغية وإشارات فنية وهذا النوع أقرب إلى التطبيقات العربية منه إلى التفسير وبيان مراد الله من هداياته.
النوع الثاني: تفسير يجاوز هذه الحدود ويجعل هدفه الأعلى تجلية هدايات القرآن وتعاليم القرآن وحكمه الله فيما شرع للناس في هذا القرآن على وجه يجتذب الأرواح ويفتح القلوب ويدفع النفوس إلى الاهتداء بهدي الله. وهذا هو الخليق باسم التفسير"ا.هـ وانظر انظر التحرير والتنوير 29.
11- وقد اعتنى بذلك عدد من العلماء كابن عاشور في المقدمة الرابعة 1/38، وحصرها في ثمانية مقاصد أصلية، وانظر "فضل التفسير والحاجة إليه في مناهل العرفان 2/6-10.
12- يقول الإمام المحاسبي: "ولو كان الله جل ذكره وعز أنزله بلسان لا نفهمه ولا نعرف معانيه إذا تلي، إلا أنا نعلم أنه كلام الإله جل وعز الذي ليس كمثله شيء ثم ذُبْنا وذاب أهل السماء والأرض لحق لنا ولهم ذلك. بل لو ذكر الخلائق أن لله جل وعز كلاما تكلم به ولم يسمعوه ثم صعقوا أجمعون هيبة وتعظيما له لعظم قدر المتكلم به لكان ذلك حقيقا ولما كان كثيرا. وكذلك إذا تلا التالي بالعربية ونحن نسمع الصوت ولا نفهم معاني ما يتلوه إلا أنا نعلم أنه يتلو كلام ربنا جل ربنا وتعالى لما كان عجيبا لو متنا أجمعون إجلالا وتعظيما له لعظم قدر المتكلم به" العقل وفهم القرآن ص 305.
13- البرهان 2/162.
14- التحرير والتنوير 1/18.
15- التفسير القيم ص 133.
16- المفردات/أتى.
17- التحرير والتنوير1/125.
18- المصدر السابق1/26.
19- نحو منهج لدراسة مفاهيم الألفاظ القرآنية/عرض ألقي في ندوة "القرآن المجيد وخطابه العالمي" في إطار دورة تدريبية لفائدة الأساتذة الباحثين في الدراسات الإسلامية بتعاون بين المعهد العالمي للفكر الإسلامي وكلية الآداب، أكادير- المغرب أيام 21-26 ماي 1997م.
20- قواعد التفسير/ خالد السبت، 1/ 4.
21- كيف نتعامل مع القرآن ص 47.
22- المقدمة ص 93، وقال السيوطي: وقد ألف ابن الجوزي كتابا فيما أجمل في القرآن في موضع وفسر في موضع آخر منه وأشرت إلى أمثلة منه في نوع المجمل الإتقان 2/ 467 .
23- قواعد التفسير/ خالد السبت 1/109.


المصادر والمراجع:

-الإتقان في علوم القرآن/ لجلال الدين السيوطي (ت: 911هـ)، المكتبة الثقافية، بيروت، 1973م.
-البرهان في علوم القرآن/ بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت:794هـ)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، الطبعة الثالثة: 1400هـ 1980م.
-التحرير والتنوير/ محمد الطاهر بن عاشور (ت )، الدار التونسية للنشر، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.
-التفسير القيم لابن القيم/ جمع الشيخ أويس الندوي، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية بيروت، 1398هـ. .
-التوقيف على مهمات التعاريف/ محمد عبد الرؤوف المناوي (ت 1031هـ)، تحقيق د. محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، دار الفكر، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى: 1410هـ.
-دراسات في أصول تفسير القرآن/ د. محسن عبد الحميد، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية: 1404هـ 1984م.
-العقل وفهم القرآن/ الحارث بن أسد المحاسبي، تحقيق وتقديم: د. حسين القوتلي، دار الكندي للطباعة والنشر والتوزيع، ودار والفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1403هـ 1982م.
-القاموس المحيط/ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي (ت 817هـ)، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة بإشراف محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة: 1416هـ 1996م.
-القرآن الكريم: طبيعته ووظيفته/ الدكتور الشاهد البوشيخي، منشورات المحجة، مطبعة أنفو- برانت، فاس، ط 1: 2001.
-قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل/ عبد الرحمن حبنكة الميداني، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية: 1409هـ 1989م.
-قواعد التفسير جمعا ودراسة/ لخالد بن عثمان السبت، دار ابن عفان، الطبعة الأولى: 1421هـ.
-كشاف اصطلاحات الفنون/ للعلامة محمد علي التهانوي، تقديم ومراجعة د. رفيق العجم، تحقيق د. علي دحروج، مكتبة لبنان ناشرون الطبعة الأولى: 1996م.
-كيف نتعامل مع القرآن الكريم/ محمد الغزالي، مطبوعات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، الطبعة الأولى: 1992م.
-لسان العرب/ محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت 711هـ) دار صادر، بيروت.
-مختار الصحاح/ محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي (ت 721هـ)، تحقيق محمود خاطر، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت: 1415هـ – 1995م.
-معجم مفردات ألفاظ القرآن/ الراغب الأصفهاني (ت: 503هـ)، تحقيق: نديم مرعشلي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د ت.
-مقاييس اللغة/ أبو الحسين أحمد بن فارس (ت 395هـ)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى: 1441هـ 1991م.
-مقدمة في أصول التفسير/ لابن تيمية (ت 728هـ)، تحقيق الدكتور عدنان زرزور، دار القرآن الكريم، الكويت، الطبعة الأولى: 1391هـ 1971م.
-مناهل العرفان/ لعبد العظيم الزرقاني، دار الفكر بيروت: 1408هـ- 1988م.
-نحو منهج لدراسة مفاهيم الألفاظ القرآنية/عرض ألقي في ندوة "القرآن المجيد وخطابه العالمي" في إطار دورة تدريبية لفائدة الأساتذة الباحثين في الدراسات الإسلامية بتعاون بين المعهد العالمي للفكر الإسلامي وكلية الآداب، أكادير- المغرب أيام 21-26 ماي 1997م.
 
عودة
أعلى