بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
أخي الحبيب خالد، قلت :
حتى لا يتفرع النقاش يمكنني توضيح نقاط الاختلاف والائتلاف بالنقاط التالية:
1. جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه كان لهدف أساس ذكرته لك سابقا وهو:
- ضبط القراءات ( وحمله على ذلك اختلاف الناس ).
وهذا جيد فأنت هنا تذكر أحد الأسباب التي دفعت عثمان رضي الله عنه لنسخ القرآن.. فلو سألتك ما الذي دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى كتابته ؟ أم هو أمر الله له بالوحي ؟
ثم قلت :
والدليل ما رواه البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشأم في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف..
وأنا أريد أن أسألك : هل لك من علم بأحد من الناس قد كتب القرآن في زمن عثمان رضي الله عنه من دون أن يأخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وهل كانت النسخة التي عند حفصة رضي الله عنها تحوي كل القرآن أو بعضه ؟
وقلت :
وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) لاحظ معي (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش).
ألا ترى أنك أوردت كلام عثمان كاملا ثم استشهدت بنصفه.. ولو استشهدت به كاملا دون أن تقتطعه لفهمت المراد..
وأنا سأسألك :
كيف فهمت أن الاختلاف موقوف على الاختلاف في رسم الكلمة ؟
ثم لماذا قال اكتبوه بلسان قريش.. فذكر اللسان ولم يذكر الرسم ؟
ثم انظر ما بعدها أيها الحبيب.. لماذا قال : فإنما نزل بلسانهم ؟ ماذا تفهم من قوله : نزل بلسانهم ؟
لو كان مجتهدا أو في الأمر اجتهاد لقال : فإن رأيي أن يكتب بلسانهم ؟
ولو في الأمر اجتهاد لقالوا له : أاجتهاد منك يا أمير المؤمنين ؟
ولو كان أمرا من عند النبي لقال : فإن النبي بذلك أوصانا ؟
ولكن الأمر فوق اجتهاد عثمان وقول النبي.. الأمر أمر تنزيل من عند الله.. لذلك ما تكلم أحد.. قال : ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف.. لأن أمر التنزيل ليس فيه محل جدال أو نقاش..
ثم سألتني :
أتراهم سيختلفون لو كان عملهم مجرد النسخ – الكتابة - الذي تقول ؟
وما الضير في أن يختلفوا ؟ والكلمة الواحدة ترسم برسمين مختلفين ؟ والكلمتان ترسمان برسم واحد ؟
ثم أن الاختلاف لا يعني المنازعة.. ومرده أن يكون الهدف واحد.. وأن يكون مستندا إلى دليل.. اقرأ قوله تعالى : ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات..
ألا تنظر أنه لما جاءهم عثمان رضي الله عنه بالبينة فعلوا ؟
ثم قلت :
- ترتيب السور على النحو الذي هو عليه الآن لأنه لم يكن كذلك في جمع أبي بكر الصديق والذي كان يهدف للمحافظة على نص القرآن، وقد كان هناك أكثر من ترتيب للمصحف فترك الصحابة كلهم ما لديهم بل وأحرقوه، واعتمدو الترتيب الذي اجتهدت فيه لجنة المصحف
ماهو ترتيب جمع أبي بكر ؟
ثم حتى لو لم يكن نفس الترتيب.. ما الذي يدفعك أن تقول أن الترتيب بالاجتهاد ؟
ثم كيف يصل الاجتهاد بالأمة إلى الاجماع على رأي واحد ؟ فإني أرى الفقهاء يختلفون في الرفع في الصلاة كل له دليل.. فكيف للأمة أن تجتمع في هذا دون وجود رأي مخالف ؟
ثم هل من دليل على أنه إن كان وجد ترتيب آخر للقرآن أن يكون ذلك الترتيب مرجعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وربما يكون بعض جواب هذا السؤال، ما أوردته بقولك :
وما يروى من المواقف لبعض الصحابة كابن مسعود رضي الله عنه فهو اجتهاد رجع عنه إلى إجماع الصحابة على مصحف عثمان رضي الله عنهم جميعا وذكرت لك أن ذلك رأي الأكثرين من الأئمة وثمت من يخالف فلا تثريب عليك لو اخترت القول بالتوقيف فهو قول معتبر. (ينظر: الاتقان والبرهان والمرشد الوجيز ومستدرك الحاكم ودلائل النبوة للبيهقي)..
وأنا أسألك.. هل اجماع الصحابة جاء عن اجتهاد بعضهم أم عن تلقيهم ذلك عن النبي ؟
وقلت :
2. أما مسألة معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بعض الحروف أو اسمه فهذا يحتاج لإثبات ومع ذلك فهو لا يعني شيئا في موضوعنا وليس مدار بحثنا هنا.
أنا سأسالك فقط عن بعض هذه المسألة التي تفيدنا في هذا الباب.. هل كان النبي يعرف حروف الهجاء.. هب أنه لا يعرف طريقة رسمها.. هل كان يعرف الحروف.. فمثلا إذا قيل : الرحمن.. قيل لك : الف.. لام.. راء.. حاء.. ميم.. نون.. فعرف من معرفة حروف الهجاء طريقة رسمها دون الحاجة إلى المعرفة بالرسم أو أمور الكتابة..
ولعلك وأنت البارع في الكتابة أنه إن قيل لك : الرحمن.. كتبت : الرحمان بالألف..
أو إن قيل لك : كهيعص.. أن تكتب : كاف هاء ياء عين صاد..أو أن تكتب : ك ه ي ع ص هكذا منفصلة.. من يدري ؟
فمن دل كتبة الوحي أن يكتبوها هكذا متصلة مع أنها تنطق كما تعرف ؟
وقلت :
3. الاسئلة والاشكالات التي طرحتها إما أن يكون لها جواب فترتاح له أو لا تجد لها جواب فلا يعني ذلك عدم صحتها لو أنك دعمت فكرتك الأساسية بتأصيلها وإسنادها إلى أصحابها من السلف الكرام لحسن التناول، او اكتف بتأملاتك اللطيفة حول الرسم مثل اختلاف رسم الصاحب، دون تجاوز ذلك لوضع نظرية جديدة حول أن الرسم توقيفي فهذا موضوع ليس تأملي ولا يصلح فيه حصر الإمكانيات مهما كثرت أصفارها.
سبحان الله.. وهل أصبح القول بتوقيف رسم القرآن نظرية جديدة استنبطتها أنا ؟
ألم تقل قبل قليل : فلا تثريب عليك لو اخترت القول بالتوقيف فهو قول معتبر.
فإن كان قولا معتبرا.. فقد قاله من كان قبلي..
فلا يأخذ اختيارك للرأي الآخر للتعصب له.. ولكن اجعله بابا من أبواب التأمل في كتاب الله فلعلك تجد فيه برهانا.. أو تستنبط منه علما..
يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول