نظرات في سورة الكوثر

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
73
الإقامة
تارودانت-المغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ }
سورة الكوثر سورة مكية ، قاله ابن عباس والجمهور ، وقيل : إنها مدنية ، قاله الحسن وعكرمة وقتادة . وهي ثلاث آيات ، وعشر كلمات ، واثنان وأربعون حرفا .
روى مسلم عن المختار بن فلفل عن أنس قال : " بينا رسول الله ذات يوم بين أظهرنا ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ، فقلت : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : " أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر } ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه نهر وعدنيه ربي خيرا كثيرا ، هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء ، فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ".
المفردة المفتاح في هذا الحديث هي : (آنفاً) فما هو معناها ؟
يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته : " واستأنفت الشيء : أخذت أنفه ، أي : مبدأه ، ومنه قوله عزّ وجل : {ماذا قالَ آنِفاً}[محمد:16] أي : مبتدأً.
وقد تكون السورة أُنزلت في بداية الأمر وتكون مكية ، ويأتي بيان الكوثر بعد أن استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وبدأ الأتباع يكثرون ، فعند ذلك تظهر حقيقة الكوثر للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم .
ومحور السورة ، يتوافق مع قصة نزولها . وذلك فيما روي من أخبار تتعلق بقضية أثارها كفار قريش في مكة ، تتجلى في كون الرسول صلى الله عليه وسلم عُيِّر بالأبتر . واختلفت الروايات فيمن صدر عنه ذلك . قيل : نزلت في العاص ، وقيل : نزلت في عقبة بن أبي معيط ، وقيل نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش ، وقيل عندما توفي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه عبد الله سمته قريش أبتر . وكل هذه الروايات تتقاطع في شيء واحد : هو كون الرسول صلى الله عليه وسلم نُعت بالأبتر ، اعتمادا على استمرار الذرية من طرف الأبناء الذكور في عادة المجتمع العربي آنذاك . فجاءت السورة لتبين أن خصائص الرسالة المحمدية لا تقاس بذلك الميزان ، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاء مرسلا من الله تعالى ، وأن استمراره باستمرار رسالته . فهي الرسالة الخاتمة ، واستمرارها سيبقى إلى قيام الساعة ، وأمته أكثر الأمم يوم القيامة .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَكَ الْكَوْثَرَ } وهي الآية الأولى من سورة الكوثر . استهلت بضمير العظمة . جملة خبرية مضمونها : أن الرب العظيم أعطى رسوله صلى الله عليه وسلم الكوثر . عطاء كريم من رب عظيم . فما حقيقة الكوثر .
الكوثر في اللسان العربي ، معانيه تدور حول الكثرة والاتساع . يقول الراغب الأصفهاني : " ويقال : تَكَوْثَرَ الشيءُ : كَثُرَ كَثْرَةً متناهية "
ويقول ابن جزي عن الكوثر : " وفي تفسيره سبعة أقوال : الأول حوض النبي صلى الله عليه وسلم: الثاني أنه الخير الكثير الذي أعطاه الله له في الدنيا والآخرة. قاله ابن عباس وتبعه سعيد بن جبير ، فإن قيل : إن النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله فالمعنى أنه على العموم . الثالث أن الكوثر القرآن . الرابع أنه كثرة الأصحاب والأتباع . الخامس أنه التوحيد . السادس أنه الشفاعة ، السابع أنه نور وضعه الله في قلبه ، ولا شك أن الله أعطاه هذه الأشياء كلها . "
ولعلنا نرجع إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، ففيه القول الفصل لحقيقة الكوثر . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " فإنه نهر وعدنيه ربي خيرا كثيرا ، هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء "
الكوثر نهر مُعد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . ومن خلال وصف آنيته ، يتبين أن عدد أفراد الأمة يتميزون بالكثرة الكثيرة . هذه الكثرة التي ما فتئ الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا عنها بين الحين والآخر . منها الحديث الذي رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه : " أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، وأنا من يقرع باب الجنة "
والحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : " ما منَ الأنبياءِ نبيٌّ إلا أُعطِيَ ما مِثلُه آمَن عليه البشرُ ، وإنما كان الذي أوتيتُه وَحيًا أوحاه اللهُ إليَّ ، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعًا يومَ القيامةِ " . إن هذا الحديث يدل دلالة قاطعة على سبب كثرة أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، إنه المعجزة العظمية الظاهرة والمستمرة إلى قيام الساعة ، إنه القرآن الكريم .
ومن خلال بيان الرسول صلى الله عليه وسلم يتأكد لدينا أن الكوثر هو القرآن ابتداء فهو المعجزة المستمرة ، وهو الخير الكثير ، وهو النور الساطع ، وهو مصدر الهداية لسكان الأرض منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، كما أن الكوثر هو النهر انتهاء لإرواء أتباع هذا النبي الكريم ، الذين يقدرون بالكثرة الكثيرة يوم القيامة .
فالكوثر معجزة عظيمة صنعت الكثرة الكثيرة من الأتباع ، وضيافة عظيمة لإرواء هذا العدد الهائل الذي فاق كل أتباع الأنبياء والرسل قبل خاتمهم محمد صلوات الله عليهم جميعا .
والله أعلم وأحكم
 
جزاك الله خيرا أخي عبد الكريم.
و لعل ما نقلته آنفا عن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يتمم الموضوع.
عفوا...
 
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} جملة فعلية جاءت مقترنة بما قبلها بفاء الترتيب ، وهي عبارة عن أمر رباني لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليصلي له وينحر . فالآية قرآن وعندما يطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم تصبح سنة ، وهذه السنة هي بيان نبوي للقرآن الكريم . والترتيب السريع بين العطاء والأمر يبين مدى الصلة الوثيقة التي تجمع بينهما . فالكوثر مهيأ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه الأمة التي تسير على هدي القرآن والسنة متأسية برسولها العظيم في كل أمورها . فهي موصولة بربها منذ الوهلة الأولى لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى أن تلقاه عند الحوض .
أمر الله رسوله أن يصلي لربه وأن ينحر له ، فالصلاة عبادة تغذي الروح ، والنحر عبادة تغذي الجسم . والأمة المحمدية موصولة بربها روحا وجسدا ، تقوم بالعبادة الخالصة لربها الذي يتعهدها في جميع أمورها من خلال كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
هكذا توزن الأمور ، فمحمد صلى الله عليه وسلم رسول الله ، واستمراره باستمرار رسالته ، وأمته هي الأمة الكثيرة المتواصلة والموصولة بالله في عبادتها روحا وجسدا ، فهي مؤهلة لترد الحوض حيث تجد رسولها محمد صلى الله عليه وسلم في انتظارها .

والله أعلم وأحكم
 
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} جملة اسمية مؤكَّدة ، وهي نتيجة طبيعية للمقدمات السابقة . إنها حقيقة قرآنية ، ثابتة وعامة ومتواصلة ومستمرة إلى قيام الساعة . نعم إنها حقيقة قرآنية مضمونها : إن كلَّ مُبْغِضٍ للرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كل زمان ومكان هو الأبتر ؛ لأنه قَطَع صلته برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فقطع الله انتسابه إلى هذا الخير الكثير ، خير الدنيا والآخرة .
إنها حقيقة قرآنية مدَوِّية في وجه خصوم خاتم الرسالات السماوية . وهي غضة طرية ناصعة ، لا يُنكرها إلا جاحد أو معاند في الكفر .
والحمد لله رب العالمين
 
استنتاج :
ـ محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله أرسله إلى العالمين بشيرا ونذيرا ، ليبلغ للناس رسالة ربهم الخاتمة . وعلى هذا الأساس يجب علينا أن نتعامل معه حبا واقتداء ، لنكون ضمن أمته في الدنيا والآخرة . يقول تعالى : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }[الأحزاب:40]
ـ كثرة أتباع الرسل تكون حسب قوة ومدى استمرار المعجزة الخاصة بكل واحد منهم . والقرآن الكريم أعظم معجزة في تاريخ الرسل عليهم السلام . لذلك كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي أكثر الأمم يوم القيامة .
ـ الكوثر خص به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ليكون رحمة لأمته يوم القيامة .
ـ العبادة في الإسلام تكون خالصة لله رب العالمين .
ـ من أحب الرسول صلى الله عليه وسلم فهو معه ، ومن أبغضه فهو الأبتر ، لأنه حرم خير الدنيا والآخرة .
ـ كل من دعا بالاكتفاء بالقرآن وحده دون العمل بالسنة فهو أبتر .
يقول تعالى في سورة البقرة : [إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً{150} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً{151}]

والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى