أخي الحبيب تيسير : دفعني اعتراضك للتحقق من فصاحة هذا الاستخدام للفظة في هذا المعنى ، فوجدته أسلوباً معرقاً في العربية ، استخدمه الشعراء والناثرون كثيراً ، وهم المستند الذي يستقي منه أهل المعاجم لا العكس .
ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي بشر بن أبي خازم :
لِمَنِ الدِّيارُ غَشِيَتُها بالأَنْعُمِ ... تَبْدُو مَعارِفُها كلَوْنِ الأَرْقَمِ
لَعِبَتْ بها رِيحُ الصَّبا فَتَنَكرَتْ ... إِلاَّ بَقِيَّةَ نُؤْيِها المُتهَدَّمِ
دَارٌ لِبَيْضاءِ العَوَارضِ طَفْلَةٍ ... مَهْضُومةِ الكَشْحَيْنِ رَيَّا المِعْصَمِ
سَمِعَتْ بِنا قِيلَ الوُشَاةِ فأَصْبَحَتْ ... صَرَمْتَ حِبالَكَ في الخَلِيطِ المُشْئِمِ
فَظَللتَ من فَرْطِ الصَّبابةِ والهَوَى ... طَرِفاً فُؤَادُكَ مثلَ فِعْل الأَيْهَمِ
وقول الفرزدق في قصيدته الفائية المشهورة :
تراهنَّ من فرطِ الحياءِ كأنَّها ... مراضُ سلالٍ أو هوالكُ نزَّفُ
قال العجاج بن رؤية :
يَا صَاحِ، هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا? ... قَالَ: نَعَمْ! أَعْرِفُهُ! وَأَبْلَسَا
وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى
وقال عدي بن زيد العبادي الجاهلي :
وإياك من فرط المزاح فإنه ... جدير بتسفيه الحليم المسدد
وقال أبو حية النميري :
وقفتُ كأني من وراءِ زجاجةٍ ... إلى الدارِ من فَرْطِ الصبابةِ أَنْظُرُ
فعينايَ طَوْراً تغرقانِ من البكا ... فأعْشَى وطوراً تَحْسِرانِ فأبصرُ
وقال يزيد بن الطثرية:
تذكَّرتُ ذاتَ الخالِ مِنْ فرطِ حبِّها ... ضُحًى والقِلاصُ اليَعمُلاتُ بنا تخدِي
فما ملكتْ عينايَ حينَ ذكرتُها ... دموعَهما حتَّى انحدرنَ علَى خدِّي
فهو أسلوب مستخدم منذ الجاهلية حتى اليوم ، وقد بحثت في المكتبة الشاملة فوجدته مستخدماً في كتب التفسير والحديث والأدب وغيرها للمعنى نفسه .
رحم الله محمد دراز ، وجزاك الله خيراً على أن دفعتني للتحقق والمراجعة .