نصّ في انطباق الشفتين في الميم المخفاة والإقلاب

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

قال القرطبي (ت461) في كتابه الموضح : " وأمّا حروف الغنّة فالنون ساكنةً ومتحرّكة والميمُ إلاّ أنّ الميم أقوى من النون لأنّ لفظها لا يزول ولفظ النون قد يزول فلا يبقى منها إلاّ الغنّة ..." الموضح ص97.

فقوله رحمه الله أنّ الميم لا تزول يعني أنّ الشفتين تنطبقان في الميم في جميع الأحوال حتّى في الإخفاء لذلك لم تزُلْ بخلاف النون المخفاة فإنّها تزول عند الإخفاء لانفصال طرف اللسان عن الحنك فلا بيقى من صوتها إلاّ الغنّة.
ولو تركنا الفرجة في إخفاء الميم لزالت كما في النون ، فإخبار صاحب الموضح أنّ الميم لا تزول دلّ على أنّ الشفتين تنطبقان في الميم في جميع الحالات. والله أعلم

محمد يحي شريف الجزائري
 
الرد على الأخ محمد الجزائري

الرد على الأخ محمد الجزائري

بسم الله الرحمن الرحيم .

أقول : إن الأخ / محمد قد استنبط من عبارة الإمام القرطبي صاحب (الموضح) بأن الشفتين لا تكون بينهما فرجة في حالة الإخفاء ، وذلك من قوله : "لأنّ لفظها لا يزول ولفظ النون قد يزول فلا يبقى منها إلاّ الغنّة" .

وهذا الاستنباط خطأ وعليل من وجهين :
أولاً : إن المراد هو : أن النون قد تزول في حالة الإدغام فلا يبقى لها أثر إلا الغنة(1) التي هي إحدى صفات النون ، أما الميم في حالة الإدغام فإننا نجد الشفتين منطبقتين ولن يحدث أي انفراج بينهما وذلك لأن الحرف الذي يليها هو نفس الميم . أما النون فيأتي بعدها في حالة الإدغام ستة أحرف منها النون . فإذا أتى بعدها النون فإن لفظ النون لا يزال موجوداً ولذلك عبر الإمام بـ "قد" وأما إذا أتى بعدها ما عداها من الأحرف فإن لفظ النون يزول .

ثانياً : إن العلماء حينما عرفوا الإخفاء لم يقولو : إن المخفى يزول فلا يبقى إلا الغنة بل هو حكم بين الإظهار والإدغام ، فلا يظهر الحرف تاماً ولا يزول بل بينهما . وعلى هذا فإن الميم لا تزول في جميع الأحوال ، أما النون فإنها تزول في حالة الإدغام سواء كان الزوال تاماً أم ناقصاً .

وفي الختام أقول : لا بد من وجود انفراج بين الشفتين في الإخفاء الشفوي ، لأننا إذا أطبقناهما فإننا أظهرنا الميم وأخرجناها من مخرجها فلا يسمى حينئذ بالإخفاء ، أما إذا كانت هناك فرجة فإن الإخفاء يتم على الوجه الصحيح فتأمل .
----------------------------------------------------
1- وهذا إذا كان الإدغام ناقصاً أما إذا كان كاملاً وذلك في حروف "نرمل" فإن النون تزول بالكلية ذاتاً وصفةً .
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فقد ذكر الأخ أبو عمّار أنّ مراد الإمام القرطبي عند قوله " لأنّ لفظها لا يزول - أي الميم - ولفظ النون قد يزول فلا يبقى منها إلاّ الغنّة " أي زوال النون يكون في حالة الإدغام فقط. وهذا خطأ من عدّة أوجه :
أوّلاً : أنّ غنّة النون تبقى في الإدغام الناقص فقط دون الإدغام الكامل وذلك عند إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء وقد قرأ خلف عن حمزة بالإدغام الكامل.
ثانياً : أنّ إدغام النون الساكنة في اللام والراء والنون يكون كاملاً فلا يبقى أثر للغنّة ، ولو كان القرطبي رحمة يريد من كلامة زوال النون بالإدغام لقيّده بالإدغام الناقص وقد رأينا أنّ في الإدغام الكامل يزول ذات النون والغنّة جميعاً والقرطبي رحمه الله ذكر أنّ الغنّة لا تزول وذلك عند قوله " فلا يبقى منها إلاّ الغنّة ".
ثالثاً : ما ذكره القرطبي رحمه الله من أنّ النون لا يبقى منها إلاّ الغنّة ينطبق اطباقاً تامّاً على الإخفاء حيث إنّ الإخفاء يذهب ذات النون فلا يبقى منها إلاّ الغنّة فلم أفهم لماذا قيّد الأخ أبو عمّار المليباري كلام القرطبي بالإدغام دون الإخفاء حيث في الإخفاء تبقى غنّة النون في جميع الحالات أمّا في الإدغام فلا تبقى الغنّة إلاّ في الإدغام الناقص على غير رواية خلف عن حمزة وقد عدّ بعض القدامى الإدغام الناقص ضمن الإخفاء كما سيأتي. وسأوضّح ما ذكرت بشيء من التفصيل فأقول وبالله التوفيق.
فالحرف إمّا أن يكون في حالة إظهار أو إدغام أو إخفاء. والإقلاب داخل في الإخفاء.
ففي المدغم يزول الحرف بالكلّية ذاتاً وصفةً بحيث لا يبقى له أثر إلاّ في الإدغام الناقص فإنّ صفة الحرف المدغم تبقى لذا لم يكتمل التشديد وقد جعله بعض القدامى في باب الإخفاء وأنكروا أن يكون إدغاماً إذ لو كان إدغاماً لذهبت الغنّة ولااستكمل التشديد في المدغم فيه وهو قول ابن باذش في الإقناع (1/252) وابن مجاهد (كتاب السبعة ص646).
وفي الإظهار لا يزول الحرف مطلقاً بل يبقى ذاته وصفته وهذا لا يحتاج إلى تفصيل.
وأمّا الإخفاء فإنّ ذات الحرف يزول مع بقاء صفته. فلذلك كان في منزلةٍ بين الإظهار والإدغام لأنّ في الإدغام يزول بالكلّية وفي الإظهار بيقى بالكليّة وفي الإخفاء ذهب الذات وبقي الوصف لذا كان بينهما. ومن المعلوم أيضاً أنّ للنون مخرج عضويٌّ وهو طرف اللسان مع الحنك الأعلى ومخرج خيشومي وهو مخرج الغنّة وللميم كذلك مخرج عضويٌّ وهو ما بين الشفتين ومخرج خيشومي وهو مخرج الغنّة. ففي حالة إخفاء النون ينفصل طرف اللسان عن الحنك الأعلى فتزول ذات النون بزوال مخرجها العضوي ويبقى صوت الغنّة الذي هو المخرج الخيشومي وهذا يتحقق أيضاً في الإدغام الناقص وذلك عند إدغام النون الساكنة والتنوين في الواو والياء حيث ينفصل طرف اللسان من الحنك ويدغم في الواو أوالياء مع بقاء الغنّة ففي كلا الحالتين -أي الإخفاء والإدغام الناقص - ينفصل طرف اللسان من الحنك مع بقاء صفة الغنّة فلذلك لم أفهم لماذا قام الأخ أبو عمار بتقييد زوال النون ذات بالإدغام دون الإخفاء. ومما يؤكّد ذلك قول مكيّ القيسي (ت437) "فتذهب النون عند الإخفاء وتبقى الغنّة من الخياشيم ظاهرة اهـ" (الرعاية ص267). وهذا دليل على زوال ذات النون المخفاة وبقاء غنّتها كما ذكر الإمام القرطبي رحمه الله. وقال أبو عمرو الداني : " فأخفيا - أي النون الساكنة والتنوين - فصارا عندهنّ لا مظهرتين ولا مدغمتين ، وغنّتهما مع ذلك باقية ومخرجهما من الخيشوم خاصّة ، ولا عمل للسان فيهما...'" التحديد ص115
لذلك قال المرعشي " أقول : فليس بين العين والكاف في { عنك } إلاّ غنّة مجرّدة. والإظهار إبقاء ذات الحرف وصفته معاً ، والإدغام التام إذهابهما معاً ، فالإخفاء حالة بينهما..." ( جهد المقلّ ص203).
فمن خلال هذه النصوص يتبيّن جلياً أنّ النون تزول عند الإخفاء فلا يبقى منها إلاّ الغنّة المجرّدة وسبب ذلك هو انفصال طرف اللسان عن الحنك الأعلى إذ لا عمل للسان في الإخفاء. وأمّا الإدغام فيزول الحرف بالكلّية إلاّ في الإدغام الناقص الذي أدخله بعض القدامى مع الإخفاء.
وعلى ما تقدّم فمراد الإمام القرطبي من أنّ النون قد تزول فلا يبقى منها إلاّ الغنّة هي النون المخفاة ويمكن إدراج الإدغام الناقص لما بينهما من التشابه حيث هناك من لم يفرّق بينهما كما سبق.
وفي جميع الكتب القديمة والمعتمدة التي اطلعت عليها ككتاب الرعاية لمكي القيسي والموضح للقرطبي والتمهيد للهمذاني والتحديد للداني والتمهيد وشروح المقدّمة لابن الجزري وغيرها لم أجد من وصف بأنّ الميم المخفاة تزول كما وصفت النون المخفاة بالزوال لذا صرّح القرطبي بعدم زوالها مطلقاً. وسبب زوال النون كما سبق هو انفراج طرف اللسان عن الحنك. فلو كان انفراج الشفتين في إخفاء الميم صحيحاً لوصفت الميم المخفاة بالزوال كما وصفت النون المخفاة.
والذي يظهر جلياً أنّ الميم المخفاة لا تزول وعليه فلا انفراج للشفتين عند إخفاء الميم بل لا بدّ من أطباقهما بلطف مع إظهار الغنّة وهذا لا يعارض كون الإخفاء بين الإظهار والإدغام وذلك لأنّ في الإدغام لا بدّ من تشديد المدغم فيه وفي الإظهار كزّ الشفتين بغير غنّة وفي الإخفاء أطباق الشفتين بلطف مع خروج الغنّة فهي بين الإدغام والإظهار وهو الموافق للنصوص والمتلقّى بالسند إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم حيث لا يُعلم قبل وقت الشيخ عامر السيّد عثمان رحمه الله أنّ واحداً على وجه الأرض قرأ باانفراج الشفتين.
أمّا قول أبي عمّار حفظه الله " فلا يظهر الحرف تامّاً ولا يزول بل بينهما ". أقول : يبدو أنه لم يفهم مراد القرطبي بزوال النون. فالمراد من ذلك هو زوال ذات الحرف وبقاء الغنّة وليس زوال النون بالكلّية كما في الإدغام ولا إبقاء الذات والصفة معاً كما في الإظهار فهي منزل بينهما وهو زوال الذات وبقاء الصفة.
وأريد أن أطرح سؤال على من يقرأ بالفرجة في الإخفاء الشفوي والإقلاب والسؤال هو :
لو أخْفَيْنَا مثلاً النون عند الباء من غير إقلاب نحو { من بعد } فنقرأ بالإخفاء النون مباشرة من غير إقلابها ميماً ، فلا شكّ أنّ في هذه الحالة تكون الشفتين في حالة انفراج كما هو الحال في إخفاء النون عند الحروف الأخرى. فلو كان انفراج الشفتين صحيحاً عند الإقلاب كما هو الحال عند إخفاء النون بدون القلب فما الفائدة من الإقلاب إذ الشفتين تنفرجان في كلتا الحالتين. فأقول أنّ للتفريق بين الحالتين لا بدّ من إطباق الشفتين عند القلب وإلاّ فلا فائدة من الإقلاب فنكتفي فالإخفاء من غير قلب.
هذا ما أردتّ قوله جواباً على أخي أبي عمّار أسأل الله تعالى أن يوفّقنا لمعرفة الحقّ واتّباعه ونعوذ بالله من التعصّب والعناد والفُرقة بين أهل القرءان خاصّة وبين المسلمين عامّة وأسأله أن يجمعنا جميعاً في مستقرّ رحمته يوم نلقاه وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
محمد يحي شريف الجزائري.
 
الاستنباط فيه نظر

الاستنباط فيه نظر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين : قرأت رد الأخ الفاضل / محمد يحيى شريف الجزائري حول موضوع إطباق الشفتين حال الإخفاء الشفوي أو الإقلاب مع عبارة الإمام القرطبي .

أقول : إن سبب تقييدي لعبارة القرطبي بالإدغام هو قوله : (لأنّ لفظها لا يزول ولفظ النون قد يزول ...) . وذلك لأن ذات النون لا تزول في حالة الإخفاء زوالاً كلياً مثل ما يحصل في الإدغام . وأقصد بالإدغام هنا كما بينت في الهامش الإدغام الناقص فلا داعي لاستشكال الأخ محمد لعبارتي . أما النون في حالة الإدغام الناقص فإن لفظها يزول بالكلية وتبقى صفتها وفي الإدغام الكامل تزول ذاتها وصفتها معاً .

وبهذا تبين مراد الإمام القرطبي ، وأنه يقصد الإدغام الناقص بدليل قوله : (لأنّ لفظها لا يزول ولفظ النون قد يزول) أي أن الميم لا يزول لفظها بالكلية في جميع الحالات أي في الإظهار والإدغام والإخفاء . أما النون فيزول لفظها بالكلية في حالة الإدغام الناقص . وإنما قيدت بالناقص لأن عبارته أفادت الحصر (فلا يبقى منها إلاّ الغنّة) أي لم يبق من لفظ النون شيء إلا الصفة فإنها بقيت ، وإذا نظرنا إلى أحكام النون الساكنة فإننا نعلم أنه لا ينطبق هذا الحصر إلا على الإدغام الناقص . أما في الإدغام الكامل فلا تبقى معه الغنة ، وأما في حالة الإخفاء فإن النون لا تزول ذاتها بالكلية كما زعم الأخ محمد بل تزول حتى كادت أن تكون زائلة ولكن لم تزل .

إذاً الدليل على تقييدي بالإدغام الناقص هو قوله : (لأنّ لفظها لا يزول) . أي لا يزول بالكلية . أما الزوال الناقص فإن العلماء قرروا أن الإخفاء الشفوي فيه زوال نسبي وإن لم يزل بالكلية . قال الشيخ العلامة محمد مكي نصر في (نهاية القول المفيد ص122 ) : "ومعنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية بل إضعافها وستر ذاتها في الجملة بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان ، لأن قوة الحروف وظهور ذاته إنما هو بقوة الاعتماد على مخرجه".

ولكن اتضح لي فيما بعد أن مراد الإمام القرطبي هو النون المخفاة ، وذلك من عبارة الشيخ العلامة عبدالفتاح المرصفي في (هداية القاري إلى تجويد كلام الباري 1/169) حيث قال مثل ما قال الإمام القرطبي : "فالإخفاء في الميم لا يتحقق كتحققه في النون والتنوين لأن في الميم الساكنة مطلقاً تبعيض للحرف وستر لذاته في الجملة بخلافه في النون والتنوين فإن ذاتهما تكاد تكون معدومة ولم يبق منهما إلا الغنة فقط كما يشهد بذلك النطق بنحو "منشوراً" و "ينبت" فنجد أن الميم من "ينبت" وإن كانت مخفاة مع الغنة إلا أنها ليست معدومة بالكلية كانعدام النون في "منشوراً" بل هي مستورة بعض الشيء " . وأشكر الأخ محمد يحيى على أن لفت انتباهي إلى التشابه الحاصل بين الإدغام الناقص والإخفاء في كونهما يتفقان في ذهاب الذات وبقاء الصفة ، كذلك إيراده لعبارات العلماء كانت سبباً في اقتناعي لما قرر أن الإخفاء الحقيقي فيه ذهاب لذات الحرف .

ولكن يبقى النظر في استنباطه . وذلك إن الأخ محمد حصل منه شيئان بعد إيراده لعبارة القرطبي : 1) الفهم : وقد أصاب فيه وأخطأت أنا وجزاه الله خيراً 2) الاستنباط : حيث استنبط منها أن الشفتين تكونان منطبقتين تماماً بدون فرجة في حالة الإخفاء الشفوي .
وهذا الاستنباط خطأ لما يلي :
1) صحيح أن الميم لا تزول ذاتها بالكلية في حالة الإخفاء الشفوي ولكن هناك زوال نسبي وإضعاف لذاتها وذلك حاصل بضعف الاعتماد على المخرج ، أرجو للاتضاح قراءة عبارة الشيخ محمد مكي نصر في النهاية السابقة . أقول : لا يتأتى هذا الإضعاف ولا الستر لذات الميم إلا بالفرجة اليسيرة بين الشفتين . لأن الشفتين إذا أطبقتا فإن الميم تخرج وتظهر ظهوراً تاماً مع الغنة بسبب قوة الاعتماد على المخرج كما قال الشيخ محمد مكي : " لأن قوة الحروف وظهور ذاته إنما هو بقوة الاعتماد على مخرجه" فكيف يحصل الإخفاء إذاً بالإطباق؟!! .
2) إن وصفهم لهذا الحكم بـ "الإخفاء" فيه سر ، وهو الإشارة إلى الفرجة بين الشفتين . ولكن كانت الفرجة يسيرة حتى كادت أن تكونا منطبقتين نظراً لأن ذات الميم لم تزل كما زالت النون في الإخفاء الحقيقي . ومن هنا نعرف لماذا وصفوا الثاني بالحقيقي ، لأن الإخفاء في النون متحقق أكثر من الإخفاء في الميم وذلك واضح من عبارة المرصفي .
3) إن قول الأخ محمد (لا يُعلم قبل وقت الشيخ عامر السيّد عثمان رحمه الله أنّ واحداً على وجه الأرض قرأ باانفراج الشفتين) غريب وعجيب !! . ما أدراه ذالك ؟ بل أقول كانوا يقرؤون بالفرجة لما قررناه من أن الإخفاء يقتضي الانفراج بين الشفتين وإلا لما حصل إخفاء بل يكون حينئذ إظهار بغنة وهذا الحكم لا وجود له في القرآن الكريم . فإذا كانت الميم ظاهرة لَما كان العلماء وصفوا الحكم بالإخفاء . وإن كان هناك وجه صحيح في الميم الساكنة التي بعدها الباء وهو : الإظهار ولكن بدون غنة .
4) ولقد عجبت أشد العجب من سؤاله الأخير الذي طرحه ليستدل على إطباق الشفتين في حالة الإخفاء الشفوي : حيث ذكر أن فائدة الإقلاب هي إطباق الشفتين . قلت : وهذا الاستنباط غريب جداً ولا أعلم أحداً من الأئمة قال بذلك . بل قد قرر العلماء فائدة الإقلاب في كتبهم وهي التهيئة للنطق بالباء وذلك لأجل المؤاخاة الحاصلة بين الميم والباء . قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في (التمهيد 155) : "وهي أخت الباء – أي الميم- لأن مخرجهما واحد ، فلولا الغنة في الميم وجريان النفس معها لكانت لكانت باءً ، والميم أيضاً مؤاخية النون للغنة التي في كل منهما تخرج من الخيشوم ولأنهما مجهورتان ، ولذلك أبدلت العرب إحداهما من الأخرى" . وقال العلامة محمد مكي نصر في (نهاية القول المفيد 123) : "ووجه قلبهما ميماً عند الباء أنه لم يحسن الإظهار لما فيه من الكلفة ... ولم يحسن الإدغام للتباعد في المخرج والمخالفة في الجنسية .. ولما لم يحسن وجه من هذه الأوجه أبدل من النون والتنوين حرف يؤاخيها في الغنة والجهر ، ويؤاخي الباء في المخرج والجهر وهو الميم فأمنت الكلفة الحاصلة من إظهار النون قبل الباء" .

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
استدلالكم بكلام الشيخ العلامة محمد مكي نصر في (نهاية القول المفيد ص122 ) : "ومعنى إخفاء الميم ليس إعدام ذاتها بالكلية بل إضعافها وستر ذاتها في الجملة بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان ، لأن قوة الحروف وظهور ذاته إنما هو بقوة الاعتماد على مخرجه". هو استدلال عليكم لا لكم لسببين :

أوّلاً هل كلامه رحمه الله يدلّ على ترك الفرجة ؟ هذا وَهْمٌ لأنّه قال " بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان " ولا شكّ أنّ القراءة بالفرجة ليس فيها اعتماد أصلاً على المخرج لوجود فراغٍ بين الشفتين الناتج عند الفرجة. فالاعتماد القليل الذي يكون بين الشفة العليا والسفلى حال الإخفاء ينفي الفرجة تماماً فقوله رحمه الله بتقليل الاعتماد على مخرجها هو أطباق الشفتين بلُطف من غير كزٍ شديد بخلاف النون فإنّه لااعتماد علي مخرجها مطلقاً لانفصال طرف اللسان عن الحنك الأعلى وهذا هو السرّ في كون أنّ الميم لا يزول ذاتها لبقاء الاعتماد على الشفتين في الإخفاء وإن كان قليلاً وكون النون يزول ذاتها مطلقاً لعدم الاعتماد المطلق على مخرجها حال الإخفاء. ولأجل ذلك قال رحمه الله " لأن قوة الحروف وظهور ذاته إنما هو بقوة الاعتماد على مخرجه" أقول فالمسألة دائرة بين قوّة الاعتماد وضعف الاعتماد والفرجة تنفي الاعتماد بالكلّية.


ثانياً : عبارة الشيخ مكي نصر رحمه الله "الستر" لا تدلّ على ترك الفرجة أبداً. فالمراد بالستر هو قلّة الاعتماد على مخرج في الميم المخفاة مع تمكين الغنّة مقارنة مع الإظهار الذي لا يكون إلاّ بالاعتماد الكلي على المخرج من غير الغنّة ويؤيّد ذلك قوله رحمه الله "بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان " فهذا هو المراد بالستر.

أمّا القول بأنّ الفرجة لم تعرف قبل الشيخ عامر عثمان هو كلام متواترٌ لا يحتاج إلى بيان فقد سأل الشيخ أيمن سويد السيّد عامر والشيخ إبراهيم شحاته السمنودي والشيخ الزيات هل قرءوا بالفرجة فأجابوا " بلا" والقراءة بانطباق الشفتين هي قراءة أهل الشام بالإجماع وقد يستثنى منهم الشيخ عبد العزيز عيون السود الذي قرأ على المصريين. وهي قراءة قراء الاستنبول والأفغان وباكستان وغيرهم.

وأمّا بالنسبة للسؤال الذي طرحته عليكم فلا غرابة فيه لمن فهم جيّداً مخرج الميم والباء حيث يخرجان بانطباق الشفتين أقول بانطباق الشفتين لأنّ المؤاخاة بين الحرفين حاصلة في التجانس الذي أدي إلى انطباق الشفتين عند النطق بهما فلو تركنا الفرجة زالت المؤاخات التي كانت بينهما ولزال سبب الإقلاب.

ياأخي الكريم علينا أن نتّبع النصوص وأقوال القدامى وأنّ التلقّي لا بدّ أن يوافق النصوص وأنّ مسألة الفرجة ناتجة عن اجتهادٍ محض يحتمل الخطأ والصواب وذلك بقياس الميم المخفاة بالنون المخفاة فكما أنّ في النون ينفصل طرف اللسان بالحنك وكذلك الميم لا بدّ من فصل الشفتين. والقياس مذموم في القراءة ، كما قال الشاطبيّ رحمه الله :
وما لقياسٍ في القراءة مذخل......فدونك ما فيه الرضا متكفّلا
والقياس لا يكون إلاّ في المسائل التي فيها غموض ولم يرد فيها نص كما حقق ذلك ابن الجزري في النشر نحو السكت على { ماليه هلك }حيث لا يُتمكّن من الإظهار إلاّ بالسكت لبعد مخرج الهاء خاصّة إذا تكررت فالسكت أخذ به ضرورة لعدم وجود حلّ آخر سوى ذلك. وكذلك السكت على { شيء } في أحد طرق حفص من الطيّبة حيث يستحيل السكت عند الوقف. فاجتهد العلماء وأجازوا السكت بالروم ضرورة لعدّم وجود حلّ آخر. أمّا مسألة الفرجة فهل نحتاج إلى قياس فيها ؟ هل هناك ضرورة ؟ وزيادة على ذلك أنّه مخالف للنصوص وللمتلقّى بالسند قبل عهد الشيخ عامر رحمه الله.

هما ما أردتّ قوله وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

أخوكم محمد يحي شريف.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

عندي توضيح آخر في السؤال الذي قمت بطرحه والذي وصفه أخي الكريم أبو عمار بكونه عجيب جداً فأقول وبالله التوفيق :

كما هو معلموم أنّ الميم والنون يتفقان في الصفات ويختلفان في المخرج فالفرق بينهما في الصوت ناتج عن اختلافهما في المخرج. ففي حالة إخفاء النون ينفصل طرف اللسان من الحنك الأعلى فتنعدم ذات النون ويبقى صوت الغنّة الذي يخرج من الخيشوم. ولو تركنا الفرجة في الميم المخفاة ينعدم ذات الميم لانفصال الشفتين من بعضهما ويبقى صوت الغنّة من الخيشوم.فلو تأملنا جيّداً هذا الحالة نجد أنّه لا يوجد فرق بين النون والميم المخفاتين في الصوت لعدّة أسباب :

أوّلاً : انعدام ذاتهما إذ المخرج الذي كان سبباً في اختلافهما قد زال بانفصال طرف اللسان من الحنك بالنسبة للنون وانفصال الشفتين بالنسبة للميم.
ثانياً : أتفاقهما في الصفات
ثالثاً : بقاء الغنّة كاملة عند أخفائهما
رابعاً : ليس هناك فؤق في الصوت عند إخفاء النون عند الباء بالإقلاب وبدون الإقلاب وهذا ملموس تطبيقياً لمن تأمّل. ولو وُجِد فرق قليل كان بسبب تحريك الشفة فقط.
خامساً : سبب إخفاء الميم عند الباء هو انطباق الشفتين فيهما ولولا ذلك لامتنع الإخفاء كما امتنع إخفاء الميم عند الواو حيث أنّ الواو تخرج من بين الشفتين لكن بانفتاحهما وهذا الانفتاج سبب في تباعد الحرفين وهذا الذي أدّى إلى الإظهار. وعلى هذا يتبيّن جلياً من أنّ سبب الإخفاء هو انطباق الشفتين في الميم والباء وليس مجرّد خروج الحرفين من بين الشفتين إذ لو كان كذلك لأخفيت الميم عند الواو خاصّة أنّ الواو أقرب إلى الميم من حيث الصفات مقارنة مع الباء.

فتبيّن إذاً أنّ سبب إخفاء الميم عند الباء هو انطباق الشفتين. فبالله عليك كيف نزيل هذا الانطباق بالترك الفرجة وهو كان سبباً في الإخفاء ؟

وعلى ما تقدّم فلا غرابة في السؤال الذي قمت بطرحه وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحي شريف الجزائري
خامساً :
 
عودة
أعلى